الرحمن الرحيم(1)- منقول من موقع العقيدة والحياة
/* للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل */
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الله تعالى قال: â ß`»oH÷q§9$# ÇÊÈ zN¯=tæ tb#uäöà)ø9$# ÇËÈ á [الرحمن: 1، 2].
وقال - عز وجل -: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه: 5].
وقال سبحانه: â Ïþ’ÎoTÎ) ß$%s{r& br& y7¡¡yJtƒ Ò>#x‹tã z`ÏiB Ç`»uH÷q§9$# á
[مريم: 45].
والآيات في ذكر اسم (الرحمن) كثيرة جاءت في (57) موضعًا من القرآن.
أما اسمه (الرحيم) فقد جاء في (123) موضعًا من القرآن الكريم أكثرها كان مقترنًا باسمه سبحانه (الغفور) ومن ذلك قوله تعالى: â (#rãÏÿøótGó™$#ur ©!$# ( ¨bÎ) ©!$# Ö‘qàÿxî 7LìÏm§‘ ÇËÉÈ á [المزمل: 20].
وقوله تعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 34].
وقوله تبارك وتعالى: â ߉ôJysø9$# ¬! Å_Üu‘ šúüÏJn=»yèø9$# ÇËÈ á [ الفاتحة: 2].
وقوله - عز وجل -: â ¨bÎ)ur š/u‘ uqçlm; Ⓝ͖yêø9$# ãLìÏm§9$# ÇÊÒÊÈ á [الشعراء: 191].
المعاني الكريمة لهذين الاسمين الجليلين:
هذان الاسمان الكريمان مشتقان من (الرحمة) على وجه المبالغة وهي الرقة والتعطف وإن كان اسم (الرحمن) أشد مبالغة من اسم (الرحيم)، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل وبناء فعلان: للسعة والشمول، واتفق أهل العلم على أن اسم (الرحمن) عربي لفظه، وفي الحديث القدسي: (أنا الرحمن ، خلقت الرحم، وشققت لها اسمًا من اسمي...) الحديث (1).
فقد دل هذا الحديث على الاشتقاق. وكانت العرب تعرف هذا الاسم في لغتها.
قال الله - عز وجل -: â (#qä9$s%ur öqs9 uä!$x© ß`»oH÷q§9$# $tB Nßg»tRô‰t7tã á [الزخرف: 20]. وجاء في أشعارهم قول الشاعر :
وعجلتم علينا إذ عجلنا عليكم وما يشأ الرحمن يعقـد ويطلق(2)
الفرق بين الاسمين: فرق بعض أهل العلم بين هذين الاسمين الكريمين بالفروق التالية:
أولاً: أن اسم (الرحمن): هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة.
وأما اسـم (الرحيم): فهو ذو الرحـمة للمؤمنين كما في قوله تعـالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43]. ولكن يشكل على ذلك قوله تعالى: â žcÎ) ©!$# Ĩ$¨Y9$$Î/ Ô$râäts9 ÒÔŠÏm§‘ ÇÊÍÌÈ á [البقرة: 341]، وقوله تعالى: â ãNä3š/§‘ “Ï%©!$# ÓÅe÷“ムãNà6s9 šù=àÿø9$# ’Îû Ìóst7ø9$# (#qäótGö;tGÏ9 `ÏB ÿ¾Ï&Î#ôÒsù 4 ¼çm¯RÎ) šc%x. öNä3Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÏÏÈ á [الإسراء: 66].
ثانيًا: أن اسم (الرحمن) دال على الرحمة الذاتية، و(الرحيم) دال على الرحمة الفعلية؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن (الرحمن) دال على الصفة القائمة به سبحانه و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم. فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43]، وقوله: â ¼çm¯RÎ) óÔÎgÎ/ Ô$râäu‘ ÒÔŠÏm§‘ ÇÊÊÐÈ á [التوبة: 117].
ولم يجيء قط (رحمن بهم) فعلم أن (الرحمن) هو الموصوف بالرحمة، (والرحيم) هو الرحيم برحمته» (1).
ويقول في موطن آخر: «ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين؛ مع ما في اسم (الرحمن) - الذي هو على وزن فعلان - من سعة هذا الوصف؛ وثبوت جميع معناه للموصوف به. ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا؛ وندمان، وحيران، وسكران، ولهفان، لمن مُلِئ بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول.
ولهـذا يقرن استواءه على العرش بهـذا الاسـم كثيرًا، كقـوله تعـالى: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه:5]: â ¢ÔèÔ 3“uqtGó™$# ’nωtã ĸöyèø9$# 4 ß`»yJôm§9$# á [الفرقان: 59].
فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيطٌ بالمخلوقات؛ قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق؛ واسعة لهم، كما قال تعالى: â ÓÉLyJômu‘ur ôMyèÅ™ur ¨@ä. &äóÓx« á [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيء.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لما قضى الله الخلق: كتب في كتاب - فهو عنده موضوعٌ على العرش -: إن رحمتي تغلب غضبي)(1). وفي لفظٍ: (فهو عنده على العرش)(2).
فتأمَّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة؛ ووضعه عنده على العرش، وطَابقْ بين ذلك وبين قوله: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه: 5].
وقوله: â ¢ÔèÔ 3“uqtGó™$# ’nωtã ĸöyèø9$# 4 ß`»yJôm§9$# ö@t«ó¡sù ¾ÏmÎ/ #ZŽÎ6yz ÇÎÒÈ á [الفرقان: 59] يفتح لك بابًا عظيمًا من معرفة الرب - تبارك وتعالى - إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم»(3).
ثالثًا: اسم (الرحمن) من الأسماء التي لا يجوز للمخلوق أن يتسمى بها؛ قال الله تعالى: â È@è% (#qãã÷Š$# ©!$# Írr& (#qãã÷Š$# z`»uH÷q§9$# ( $wƒr& $¨B (#qããô‰sω ã&s#sù âä!$yJó™F{$# 4Óo_ó¡çtø:$# 4 á [الإسراء: 110] فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره وهو (الله) – جـل جلاله - وأما (الرحيم) فإنه تعـالى وصف به نبيه r حيث قال:â ëȃÌym Nà6ø‹n=tæ šúüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ Ô$râäu‘ ÒÔŠÏm§‘ ÇÊËÑÈ á
[التوبة: 128].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم (الله)، (الرحمن)، (الخالق)، (الرازق) ونحو ذلك؛ ولهذا بدأ باسم الله الموصوف (بالرحمن) لأنه أخص وأعرف من (الرحيم)؛ لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء؛ فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص»(1).
إثبات صفة الرحمة لله رب العالمين:
صفة (الرحمة) من الصفات الثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة. وهي صفة كمال لائقة بذاته سبحانه كسائر الصفات، لا يجوز أن تنفيها أو تؤولها أو تحرفها أو تقوض معناها أو تكيفها كما هو مقرر في مذهب أهل السنة والجماعة في جميع الصفات. ويرد الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - على القائلين من أهل البدع بأن رحمة الله مجاز، وأنها عبارة عن إنعامه على عباده، وإحسانه إليهم من عدة وجوه منها:
«الأول: إن الإلحاد إما أن يكون بإنكار لفظ الاسم أو إنكار معناه، فإن كان إنكار لفظه إلحادًا فمن ادعى أن (الرحمن) مجاز لاحقيقة؛ فإنه يجوز إطلاق القول بنفيها فلا يستنكف أن يقول: ليس (بالرحمن) ولا (الرحيم) كما يصح أن يقال: للرجل الشجاع ليس بأسد على الحقيقة، وإن قالوا: نتأدب في إطلاق هذا النفي، فالأدب لا يمنع صحة الإطلاق. وإن كان الإلحاد هو إنكار معاني أسمائه وحقائقها فقد أنكرتم معانيها التي تدل عليها بإطلاقها، وما صرفتموها إليه من المجاز فنقيض معناها، أو لازم من لوازم معناها، وليس هو الحقيقة، ولهذا يصرح غلاتهم بإنكار معانيها بالكلية ويقولون: هي ألفاظ لا معاني لها.
الرد الثاني: إن هذا الحامل لكم على دعوى المجاز في اسم (الرحمن) هو بعينه موجود في اسم (العليم والقدير والسميع والبصير) وسائر الأسماء.
فإن المعقول من العلم صفة عرضية تقوم بالقلب إما ضرورية، وإما نظرية، والمعقول من الإرادة حركة النفس الناطقة لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها، أو ينفع غيرها أو يضره.
والمعقول من القدرة القوة القائمة بجسم تتأتى به الأفعال الاختيارية فهل تجعلون إطلاق هذه الأسماء والصفات على الله حقيقة أم مجازًا؟
فإن قلتم: حقيقة تناقضتم أقبح التناقض، إذ عمدتم إلى صفاته سبحانه فجعلتم بعضها حقيقة وبعضها مجازًا، مع وجود المحذور فيما جعلتموه حقيقة.
وإن قلتم: لا يستلزم ذلك محذورًا، فمن أين استلزم اسم (الرحمن) المحذور؟ وإن قلتم: الكل مجاز، لم تمكنوا بعد ذلك من إثبات حقيقة لله البتة، لا في أسمائه، ولا في الإخبار عنه بأفعاله وصفاته وهذا انسلاخ من العقل والإنسانية.
الرد الثالث: إن نفاة الصفات يلزمهم نفي الأسماء من جهة أخرى، فإن (العليم والقدير والسميع والبصير) أسماء تتضمن ثبوت الصفات في اللغة فيمن وصف بها، فاستعمالها لغير من وصف بها، استعمال للاسم في غير ما وضع له، فكما انتفت عنه حقائقها؛ فإنه تنتفي عنه أسماؤها، فإن الاسم المشتق تابع للمشتق منه في النفي والإثبات، فإذا انتفت حقيقة الرحمة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر انتفت الأسماء المشتقة منها عقلاً ولغة، فيلزم من نفي الحقيقة أن تنفي الصفة والاسم جميعًا.
الرد الرابع: إنه كيف يكون أظهر الأسماء التي افتتح الله بها كتابه في أم القرآن وهي من أظهر شعار التوحيد، والكلمة الجارية على ألسنة أهل الإسلام وهي: بسم الله الرحمن الرحيم التي هي مفتاح الطهور والصلاة وجميع الأفعال، فكيف يكون مجازًا؟
الرد الخامس: قولهم: الرحمة رقة القلب، تريدون رحمة المخلوق أم رحمة الخالق؟ أم كل ما سمي رحمة شاهدًا أو غائبًا؟
فإن قلتم: بالأول صدقتم ولم ينفعكم ذلك شيئًا، وإن قلتم: بالثاني والثالث كنتم قائلين غير الحق، فإن الرحمة صفة الرحيم وهي في كل موصوف بحسبه، فإن كان الموصوف حيوانًا له قلب فرحمته من جنسه رقة قائمة بقلبه، وإن كان مَلَكًا فرحمته تناسب ذاته.
فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق لمخلوق.
وهذا يطرد في سائر الصفات كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والإرادة إلزامًا ووجوبًا، فكيف يكون رحمة أرحم الراحمين مجازًا دون السميع العليم؟
الرد السادس: إنه من أعظم المحال أن تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازًا ورحمة العبد الضعيف القاصرة المخلوقة المستعارة من ربه التي هي من آثار رحمته حقيقة. وهل في قلب الحقائق أكثر من هذا؟
الرد السابع: ما رواه أهل السنن عن النبي r أنه قال: يقول الله تعالى: (أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)(1).
فهذا صريح في أن اسم الرحم مشتق من اسمه (الرحمن) تعالى، فدل على أن رحمته لما كانت هي الأصل في المعنى كانت هي الأصل في اللفظ ومثل هذا: قول حسان t في النبي r :
فَشــَقَّ له من اســــــمه لِيُجــله فذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحمد
فإذا كانت أسماء الخلق الممدوحة مشتقة من أسماء الله الحسنى كانت أسماؤه يقينًا سابقة فيجب أن تكون حقيقة، لأنها لو كانت مجازًا، لكانت الحقيقة سابقة لها، فإن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فيكون اللفظ قد سمي به المخلوق ثم نقل إلى الخالق وهذا باطل قطعًا.
الرد الثامن: ما في الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال: ( لما قَضَى الله الخَلْقَ كتبَ كتابًا فهو مَوضوعٌ عنده فوقَ العَرشِ: إنَّ رحمتي سَبَقَت غَضَبي)(2) ، وفي لفظ: (غلبت).
وقال تعالى: â |=tGx. öNä3š/u‘ 4’nωtã ÏmÅ¡øÿtR spyJôm§9$# á [الأنعام: 54]، فوصف نفسه سبحانه بالرحمة وتسمّى بالرحمن قبل أن يكون بنو آدم.
فادعاء المدعي أن وصفه بالرحمن مجاز من أبطل الباطل.
الرد التاسع: إنه من المعلوم أن المعنى المستعار يكون في المستعار منه أكمل في المستعار له، وأن المعنى الذي دل عليه اللفظ بالحقيقة أكمل من المعنى الذي دل عليه بالمجاز، وإنما يستعار لتكميل المعنى المجازي تشبيهه بالحقيقي، كما يستعار الشمس، والقمر، والبحر للرجل الشجاع، والجميل، والجواد.
فإذا جعل (الرحمن والرحيم والودود) وغيرهما من أسمائه سبحانه حقيقة في العبد، مجازًا في (الرب)، لزم أن تكون هذه الصفات في العبد أكمل منها في (الرب) تعالى.
الرد العاشر: إن الله سبحانه وتعالى فرق بين رحمته، ورضوانه، وثوابه المنفصل فقال تعالى: â öNèdçŽÅe³t6ムÔßgš/u‘ 7pyJômtÎ/ çm÷YÏiB 5bºuqôÊÍ‘ur ;M»¨Zy_ur öNçl°; $pkŽÏù ÒÔŠÏètR íÔŠÉ)•B ÇËÊÈ á [التوبة: 21].
فالرحمة والرضوان صفته، والجنة ثوابه، وهذا يبطل قول من جعل الرحمة والرضوان ثوابًا منفصلاً مخلوقًا، وقول من قال هي إرادته الإحسان، فإن إرادته الإحسان هي من لوازم الرحمة، فإنه يلزم من الرحمة أن يريد الإحسان إلى المرحوم فإذا انتفت حقيقة الرحمة انتفى لازمها وهو إرادة الإحسان» (1).
ويقول في موطن آخر: «إن (الربَّ) يستحيل أن يكون إلا (رحيمًا)، فرحمته من لوازم ذاته، ولهذا كتب على نفسه الرحمة؛ ولم يكتب على نفسه الغضب، فهو لم يزل ولا يزال (رحيمًا) ولا يجوز أن يقال: إنه لم يزل ولا يزال غضبانًا، ولا أن غضبه من لوازم ذاته، ولا أنه كتب على نفسه العقوبة والغضب، ولا أن غضبه يغلب رحمته ويسبقها»(1).
والرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان:
الأول: رحمة ذاتية موصوف بها سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه كسائر صفاته، يجب إثباتها لله - عز وجل - من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. كما قال سبحانه: â ÓÉLyJômu‘ur ôMyèÅ™ur ¨@ä. &äóÓx« á [الأعراف: 156]، وقوله تعالى: â šš/u‘ur ÓÍ_tóø9$# rèŒ ÏpyJôm§9$# 4 á [الأنعام: 133].
الثاني: رحمة مخلوقة أنزل الله - عز وجل - منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة كما جاء في قوله r: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها؛ وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة)(2). ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله r: (أن الله - عز وجل - قال عن الجنة: «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء.... » الحديث (3)؛ وهذه الرحمة من باب إضافة المفعول إلى فاعله، وهذه الرحمة ليست صفة لله تعالى، بل هي من أثر رحمته التي هي صفته الذاتية الفعلية.
ورحمة الله عز وجل لعباده نوعان:
الأولى - رحمة عامة:
وهي لجميع الخلائق بإيجادهم، وتربيتهم، ورزقهم، وإمدادهم بالنعم والعطايا، وتصحيح أبدانهم، وتسخير المخلوقات من نبات وحيوان وجماد في طعامهم وشرابهم، ومساكنهم، ولباسهم، ونومهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى.
قال الله - عز وجل -: â $uZ/u‘ |M÷èÅ™ur ¨@à2 &äóÓx« ZpyJôm§‘ $VJù=Ïãur á [غافر: 7]، يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية: «وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار؛ لأن الله قرن الرحمة هذه مع العلم؛ فكل ما بلغه علم الله، وعلم الله بالغ لكل شيء؛ فقد بلغته رحمته؛ فكما يعلم الكافر؛ يرحم الكافر أيضًا.
لكن رحمته للكافر رحمة جسدية بدنية دنيوية مختصة بالدنيا؛ فالذي يرزق الكافر هو الله الذي؛ يرزقه بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح وغير ذلك»(1).
الثانية - رحمة خاصة:
وهذه الرحمة لا تكون إلا للمؤمنين فيرحمهم الله - عز وجل - في الدنيا بتوفيقهم إلى الهداية والصراط المستقيم، ويثيبهم عليه، ويدافع عنهم وينصرهم على الكافرين ويرزقهم الحياة الطيبة ويبارك لهم فيما أعطاهم، ويمدهم بالصبر واليقين عند المصائب ويغفر لهم ذنوبهم ويكفرها بالمصائب ويرحمهم في الآخرة بالعفو عن سيئاتهم والرضا عنهم والإنعام عليهم بدخولهم الجنة ونجاتهم من عذابه - عز وجل - ونقمته. وهذه الرحمة هي التي جاء ذكرها في قوله تعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43].
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عن هذه الرحمة الخاصة بعد حديثه عن الرحمة العامة: «أما المؤمنون؛ فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم؛ لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية.
ولهذا تجد المؤمن أحسنَ حالاً من الكافر، حتى في أمور الدنيا؛ لأن الله يقول: â ô`tB Ÿ@ÏJtã $[sÎ=»|¹ `ÏiB @Ÿ2sŒ ÷rr& 4ÓsRé& uqèdur Ö`ÏB÷sãB ¼çm¨ZtÍ‹ósãZn=sù Zo4qu‹ym Zpt6ÍhŠsÛ ( á [النحل: 97] الحياة الطيبة هذه مفقودة بالنسبة للكفار، حياتهم كحياة البهائم.. لكن المؤمن إن أصابته ضراء صبر واحتسب الأجر على الله - عز وجل - وإن أصابته سراء شكر فهو في خير في هذا، وفي هذا وقلبه منشرح مطمئن»(1).
وقال عند قوله تبارك وتعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ á.
(قوله: â ttûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ á: متعلق بـ(رحيم)، وتقديم المعمول يدل على الحصر، فيكون معنى الآية: وكان بالمؤمنين لا غيرهم رحيمًا.
ولكن كيف نجمع بين هذه الآية والتي قبلها: â $uZ/u‘ |M÷èÅ™ur ¨@à2 &äóÓx« ZpyJôm§‘ $VJù=Ïãur á نقول: الرحمة التي هنا غير الرحمة التي هناك. هذه رحمة خاصة متصلة برحمة الآخرة لا ينالها الكفار؛ بخلاف الأولى. هذا هو الجمع بينهما، وإلا فكلٌ مرحوم، لكن فرق بين الرحمة الخاصة والرحمة العامة) (1).
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أحمد في المسند (1686)، وأبو داود في سننه (1694) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (520).
([2]) انظر النهج الأسمى محمد حمود النجدي 1/75، 76.
([3]) بدائع الفوائد 1/24.
([4]) البخاري (7404)، ومسلم: (2751).
([5]) البخاري: (3194).
([6]) مدارج السالكين 1/34.
([7]) تفسير ابن كثير 1/21.
([8]) الترمذي (1907)، وأحمد (1662)، وصـححه الألباني في صـحيح الترمـذي برقم (1557).
([9]) البخاري (3194)، ومسلم (2751).
([10]) مختصر الصواعق المرسلة «باختصار» ص 112 - 126.
([11]) مختصر الصواعق المرسلة: 1/259.
([12]) مسلم (2752).
(3) مسلم (2846).
(1) شرح العقيدة الواسطية (بتصرف يسير) 1/249.
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/249.
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/251.
الجمعة، يونيو 3
الرحمن الرحيم
الرحمن، الرحيم-( منقول من موقع العيدة والحياة)
الحلقة (2)
ذكر بعض آثار رحمة الله - عز وجل - في خلقه وأمره
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :
فإن آثار رحمة الله - عز وجل - لا تعد ولا تحصى إذ إن رحمة الله - عز وجل - قد وسعت كل شيء فكما أن علم الله - عز وجل - قد وسع كل شيء ولم يخف عليه أي شيء فكذلك رحمته سبحانه قد بلغت كل شيء بلغه علمه سبحانه قال الله - عز وجل -: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156]، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «فوسعت رحمته كل شيء، ووسعت نعمته كل حي، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه»(2).
وقال سبحانه عن نعمه التي هي من آثار رحمته: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم34وأسوق فيما يلي بعضًا من آثار رحمة الله تعالى في خلقه وشرعه، وإلا فإن رحمة الله - عز وجل - قد وسعت كل شيء ولا يحيطها عقل ولا حصر ولا عد. إذ كل ما يقع عليه السمع والبصر فرحمة الله - عز وجل - فيه بادية، وما يخفى على السمع والبصر من آثار رحمة الله تعالى أعظم وأكثر.
أولاً: تظهر آثار رحمة الله - عز وجل - في كل ما خلق الله - عز وجل - سواء في هذا الكون العريض وما فيه من المخلوقات العظيمة المسخرة بأمره سبحانه وما فيها من المنافع والرحمة لعباده، أو ما في خلق الإنسان من الآيات الدالة على عظمته سبحانه ورحمته - عز وجل - بهذا الإنسان، حيث خلقه في أحسن تقويم وأقام جسمه وروحه، وأعطاه العقل وقواه، وأمده وأعده ورزقه وأنعم عليه بنعمه الظاهرة والباطنة. ولو ذهبنا نستعرض آثار رحمة الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس لفنيت الأعمار ولم تنته من حصرها وعدها مع أنها جزء من مائة جزء من رحمته.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في وصفه لشمول رحمة الله تعالى: «وأنت لو تأملت العالم بعين البصيرة لرأيته ممتلئًا بهذه الرحمة الواحدة كامتلاء البحر بمائه والجو بهوائه.. فسبحان من أعمى بصيرة من زعم أن رحمة الله مجاز»(1).
قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13وقال سبحانه: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ }الروم 50وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }التين4وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ.فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } [الانفطار: 6 - 8].
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «وتأمل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4} كيف جعل الخلق والتعليم ناشئًا عن صفة الرحمة متعلقًا باسم (الرحمن)، وجعل معاني السورة مرتبطة بهذا الاسم وختمها بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [ الرحمن: 78]، فالاسم الذي تبارك هو الاسم الذي افتتح به السورة، إذ مجيء البركة كلها منه، وبه وضعت البركة في كل مبارك فكل ما ذكر عليه بورك فيه، وكل ما أخلي منه نزعت منه البركة.
... وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهادًا وفراشًا وقرارًا وكفاتًا للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، ومن رحمته سخر لنا الخيل والإبل والأنعام وذللها منقادة للركوب والحمل والأكل... ومن رحمته أن خلق للذكر من الحيوان أنثى من جنسه وألقى بينهما المحبة والرحمة، ليقع بينهما التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع الزوجين، ويمتع كل واحد منهما بصاحبه.
ومن رحمته أحوج الخلق بعضهم إلى بعض لتتم مصالحهم، ولو أغنى بعضهم عن بعض لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والمراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه ثم عم الجميع برحمته»(1).
ثانيًا: وأعظم آثار رحمته سبحانه إرساله الرسل وإنزاله الكتب هداية للناس وإخراجًا لهم من الظلمات إلى النور. فالرسل رحمة من عند الله - عز وجل - لعباده قال الله - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 [الأنبياء: 107].
وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89فبرحمته أرسل الرسل وأنزل الكتب لهداية البشر، ولتعريفهم بربهم سبحانه وأسمائه وصفاته، وكيفية عبادته لينقلهم برحمته من الجهالة إلى العلم ومن الغي إلى الرشد، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن النار إلى الجنة فسبحان أرحم الراحمين وخير الرازقين.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «فبرحمته أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه وعلّمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة ، وبصّرنا من العمى، وأرشدنا من الغي.
وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا...
... وكان عن صفة الرحمة الجنة وسكانها وأعمالهم، فبرحمته خُلقت، وبرحمته عُمرت بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها، وبرحمته طاب عيشهم فيها.
وبرحمته احتجب عن خلقه بالنور ولو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه... »(1).
ويقول أيضًا: «من أعطى اسم (الرحمن) حقَّه: عرف أنه متضمنٌ لإرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم من تضمُّنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وإخراج الحَبِّ.
فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح: أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدوابِّ، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك»(2).
ثالثًا: ومن رحمته سبحانه مغفرته لذنوب عباده والصفح عنهم، وتكفير سيئاتهم، وفتح باب التوبة لهم.
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53 يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومن رحمته أنه يعيذ من سخطه برضاه، ومن عقوبته بعفوه، ومن نفسه بنفسه... وأوسع المخلوقات عرشه، وأوسع الصفات رحمته، فاستوى على عرشه الذي هو أوسع المخلوقات بصفة رحمته التي وسعت كل شيء.
ولما استوى على عرشه بهذا الاسم الذي اشتقه من صفته وتسمى به دون خلقه، كتب مقتضاه على نفسه يوم استوائه على عرشه حين قضى الخلق كتابًا فهو عنده وضعه على عرشه «إن رحمته سبقت غضبه» وكان هذا الكتاب العظيم الشأن كالعهد منه سبحانه للخليقة كلها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والصفح عنهم، والمغفرة، والتجاوز، والستر، والإمهال، والحلم، والأناة. فكان قيام العالم العلوي والسفلي بمضمون هذا الكتاب، الذي لولاه لكان للخلق شأن آخر»(1).
وتتجلى رحمة الله - عز وجل - بعباده التائبين في أجلى صورها فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بفرح الله - عز وجل - بتوبة عبده وقبوله لتوبة التائبين.
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ }الشورى25
وقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام54
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أفْرَحُ بتوبة عبده - حين يتوب إليه - من أحدكم، كان على راحلة بأرض فلاة؛ فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه. فأيس منها. فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده. فأخذ بخطامها. ثم قال - من شدة الفرح - اللَّهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح)(1) هذا لفظ مسلم. ولا يهلك على الله إلا هالك ولا يخرج عن رحمة الله تعالى إلا من يعلم الله تعالى أنه لا يستحق الرحمة البتة، وهم القوم الكافرون؛ قال الله تعالى: إنه لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف87ويمكن أن نجد هذا المعنى في قول إبراهيم عليه السلام وهو يدعو أباه الكافر: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }مريم45، فاختيار إبراهيم عليه السلام: اسم (الرحمن) في تحذير أبيه من العذاب فيه سر لطيف لأن المتبادر للعقل أن يربط العذاب باسم من أسمائه سبحانه يناسب العقاب أما أن يربط العذاب باسمه (الرحمن) فلا شك أن في ذلك سر لطيف ألا وهو - والله أعلم - أن إبراهيم أراد أن يفتح لأبيه باب الرجاء والتوبة فإن الله - عز وجل - رحيم يقبل توبة التائبين مهما عملوا. وكذلك ربما أراد إبراهيم عليه السلام أن يعلم أباه أنه إن أصابك العذاب ممن اسمه (الرحمن) الذي وسعت رحمته كل شيء، فإن هذا يدل على أنه ليس فيمن عذبه الرحمن ذرة تستحق الرحمة؛ إذ لو كان فيه موجب الرحمة لرحمه.
رابعًا: ومن آثار رحمته سبحانه ما يضعه في قلوب الأمهات من رحمة نحو أولادهن سواء كان ذلك عند الإنسان أو الحيوان من وحش وطير وهوام. وأن رحمة الله - سبحانه وتعالى - أعظم وأوسع من رحمة الأمهات بأولادهن.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتَرونَ هذه المرأة طارحةً ولَدها في النار؟) قلنا: لا والله! وهي تقدر على أن لا تَطْرَحَه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أرحَمُ بعبادِهِ من هذه بولدها) »(1).
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته، واشتق لنفسه منها اسم (الرحمن الرحيم) »(2).
خامسًا: وتتجلى رحمة الله – عز وجل – في شرعه المطهر وأحكامه التي كلها خير ورحمة للخلق سواء ما يتعلق بهدايتهم وحفظ أديانهم، أو ما يتعلق بحفظ نفوسهم وأبدانهم، أو ما يتعلق بحفظ عقولهم وأفكارهم، أو ما يتعلق بحفظ أعراضهم وأنسابهم وأولادهم، أو ما يتعلق بحفظ أموالهم وممتلكاتهم.
فكل ما يتعلق بهذه الضروريات الخمس من أحكام إنما جاءت رحمة بالناس بالمحافظة عليها وحمايتها من الفساد والعدوان حتى يعيش الناس في أمن وسعادة قد رفع عنهم الحرج والعنت وحفظ لكل ذي حق حقه. كما تظهر رحمة الله - عز وجل - في يسر الشريعة، ورفع الحرج عن العباد فيها، وشرع الرخص التي ترفع المشقة عنهم.
سادسًا: كما تتجلى رحمة الله - عز وجل - في المصائب والمكروهات التي يقدرها على عباده المؤمنين فهي وإن كانت مؤذية ومكروهة إلا أن في أعطافها الرحمة والخير بالمصاب، لأن الله - عز وجل - كتب على نفسه الرحمة ورحمته سبقت غضبه.
وقد تظهر هذه الرحمة للمصاب عيانًا ويتبين ما في المكروه من الرحمة واللطف وقد لا يتبين ذلك في الدنيا ولكن يظهر آثار رحمة الله فيها في الآخرة بتكفير السيئات، وغفران الذنوب بفعل هذه المصائب.
قال الله تعالى: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه)(1).
أما ما يصاب به الكفار من المصائب والعقوبات فهي رحمة بالمؤمنين من شر الكفار وتسلطهم، وإفسادهم في الأرض، وهي عدل مع الكفار.
وأذكر بهذه المناسبة آية من كتاب الله - عز وجل - ظهر لي فيها معنى خفي يدل على أن ما يصيب المؤمن من ضر ومكروه إنما هو من آثار رحمة الله تعالى وموجب اسمه سبحانه (الرحمن الرحيم).
قال الله تعالى عن مؤمن آل ياسين أنه قال لقومه المشركين: { إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ }يس23]، فلماذا اختار هذا الرجل الصالح اسم (الرحمن) من بين أسماء الله تعالى؟ وهل (الرحمن) يريد الضر بعباده المؤمنين؟
إن المعنى اللطيف في هذه الآية - والله أعلم - أن الضر إذا أتى من (الرحمن) فإن هذا موجب رحمته ولطفه ويصير الأمر الذي ظاهره الضر في حقيقته رحمة، وخيرًا للمؤمن لأن الرحمن لا يصدر عنه إلا الرحمة واللطف والبر: سابعًا: وتتجلى رحمة الله - عز وجل - في رحمته الخاصة بأوليائه، وتوفيقهم، وتسديدهم، وحفظهم، وتيسير أمورهم، وإجابة دعائهم، ونصرهم على أعدائهم الكافرين، وتمكينه لهم في الأرض، وإعانتهم وإغاثتهم في قضاء حوائجهم كما في جلب الرزق والمطر وكشف الكروب، وخرق السنن الكونية لهم، وإظهار الكرامات على أيديهم.فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }النساء19
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
(2) الصلاة وحكم تاركها ص 173.
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/350 «باختصار».
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/ 122 - 124 «بتصرف يسير».
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/123.
(2) مدارج السالكين 1/8.
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/121 - 122.وانظر إلى مزيد من تفاصيل آثار - رحمة الله تعالى- وحكمته في خلقه في الكتاب النفيس (مفتاح دار السعادة) لابن القيم رحمه الله تعالى.
(1) البخاري (6309)، ومسلم (2747).
(1) البخاري (5969)، ومسلم (2754).
(2) مختصر الصواعق المرسلة 3/122.
(1) البخاري (5641)، ومسلم (2573).
الحلقة (2)
ذكر بعض آثار رحمة الله - عز وجل - في خلقه وأمره
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :
فإن آثار رحمة الله - عز وجل - لا تعد ولا تحصى إذ إن رحمة الله - عز وجل - قد وسعت كل شيء فكما أن علم الله - عز وجل - قد وسع كل شيء ولم يخف عليه أي شيء فكذلك رحمته سبحانه قد بلغت كل شيء بلغه علمه سبحانه قال الله - عز وجل -: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156]، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «فوسعت رحمته كل شيء، ووسعت نعمته كل حي، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه»(2).
وقال سبحانه عن نعمه التي هي من آثار رحمته: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم34وأسوق فيما يلي بعضًا من آثار رحمة الله تعالى في خلقه وشرعه، وإلا فإن رحمة الله - عز وجل - قد وسعت كل شيء ولا يحيطها عقل ولا حصر ولا عد. إذ كل ما يقع عليه السمع والبصر فرحمة الله - عز وجل - فيه بادية، وما يخفى على السمع والبصر من آثار رحمة الله تعالى أعظم وأكثر.
أولاً: تظهر آثار رحمة الله - عز وجل - في كل ما خلق الله - عز وجل - سواء في هذا الكون العريض وما فيه من المخلوقات العظيمة المسخرة بأمره سبحانه وما فيها من المنافع والرحمة لعباده، أو ما في خلق الإنسان من الآيات الدالة على عظمته سبحانه ورحمته - عز وجل - بهذا الإنسان، حيث خلقه في أحسن تقويم وأقام جسمه وروحه، وأعطاه العقل وقواه، وأمده وأعده ورزقه وأنعم عليه بنعمه الظاهرة والباطنة. ولو ذهبنا نستعرض آثار رحمة الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس لفنيت الأعمار ولم تنته من حصرها وعدها مع أنها جزء من مائة جزء من رحمته.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في وصفه لشمول رحمة الله تعالى: «وأنت لو تأملت العالم بعين البصيرة لرأيته ممتلئًا بهذه الرحمة الواحدة كامتلاء البحر بمائه والجو بهوائه.. فسبحان من أعمى بصيرة من زعم أن رحمة الله مجاز»(1).
قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13وقال سبحانه: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ }الروم 50وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }التين4وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ.فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } [الانفطار: 6 - 8].
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «وتأمل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4} كيف جعل الخلق والتعليم ناشئًا عن صفة الرحمة متعلقًا باسم (الرحمن)، وجعل معاني السورة مرتبطة بهذا الاسم وختمها بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [ الرحمن: 78]، فالاسم الذي تبارك هو الاسم الذي افتتح به السورة، إذ مجيء البركة كلها منه، وبه وضعت البركة في كل مبارك فكل ما ذكر عليه بورك فيه، وكل ما أخلي منه نزعت منه البركة.
... وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهادًا وفراشًا وقرارًا وكفاتًا للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، ومن رحمته سخر لنا الخيل والإبل والأنعام وذللها منقادة للركوب والحمل والأكل... ومن رحمته أن خلق للذكر من الحيوان أنثى من جنسه وألقى بينهما المحبة والرحمة، ليقع بينهما التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع الزوجين، ويمتع كل واحد منهما بصاحبه.
ومن رحمته أحوج الخلق بعضهم إلى بعض لتتم مصالحهم، ولو أغنى بعضهم عن بعض لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والمراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه ثم عم الجميع برحمته»(1).
ثانيًا: وأعظم آثار رحمته سبحانه إرساله الرسل وإنزاله الكتب هداية للناس وإخراجًا لهم من الظلمات إلى النور. فالرسل رحمة من عند الله - عز وجل - لعباده قال الله - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 [الأنبياء: 107].
وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89فبرحمته أرسل الرسل وأنزل الكتب لهداية البشر، ولتعريفهم بربهم سبحانه وأسمائه وصفاته، وكيفية عبادته لينقلهم برحمته من الجهالة إلى العلم ومن الغي إلى الرشد، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن النار إلى الجنة فسبحان أرحم الراحمين وخير الرازقين.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «فبرحمته أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه وعلّمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة ، وبصّرنا من العمى، وأرشدنا من الغي.
وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا...
... وكان عن صفة الرحمة الجنة وسكانها وأعمالهم، فبرحمته خُلقت، وبرحمته عُمرت بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها، وبرحمته طاب عيشهم فيها.
وبرحمته احتجب عن خلقه بالنور ولو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه... »(1).
ويقول أيضًا: «من أعطى اسم (الرحمن) حقَّه: عرف أنه متضمنٌ لإرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم من تضمُّنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وإخراج الحَبِّ.
فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح: أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدوابِّ، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك»(2).
ثالثًا: ومن رحمته سبحانه مغفرته لذنوب عباده والصفح عنهم، وتكفير سيئاتهم، وفتح باب التوبة لهم.
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53 يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومن رحمته أنه يعيذ من سخطه برضاه، ومن عقوبته بعفوه، ومن نفسه بنفسه... وأوسع المخلوقات عرشه، وأوسع الصفات رحمته، فاستوى على عرشه الذي هو أوسع المخلوقات بصفة رحمته التي وسعت كل شيء.
ولما استوى على عرشه بهذا الاسم الذي اشتقه من صفته وتسمى به دون خلقه، كتب مقتضاه على نفسه يوم استوائه على عرشه حين قضى الخلق كتابًا فهو عنده وضعه على عرشه «إن رحمته سبقت غضبه» وكان هذا الكتاب العظيم الشأن كالعهد منه سبحانه للخليقة كلها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والصفح عنهم، والمغفرة، والتجاوز، والستر، والإمهال، والحلم، والأناة. فكان قيام العالم العلوي والسفلي بمضمون هذا الكتاب، الذي لولاه لكان للخلق شأن آخر»(1).
وتتجلى رحمة الله - عز وجل - بعباده التائبين في أجلى صورها فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بفرح الله - عز وجل - بتوبة عبده وقبوله لتوبة التائبين.
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ }الشورى25
وقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام54
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أفْرَحُ بتوبة عبده - حين يتوب إليه - من أحدكم، كان على راحلة بأرض فلاة؛ فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه. فأيس منها. فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده. فأخذ بخطامها. ثم قال - من شدة الفرح - اللَّهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح)(1) هذا لفظ مسلم. ولا يهلك على الله إلا هالك ولا يخرج عن رحمة الله تعالى إلا من يعلم الله تعالى أنه لا يستحق الرحمة البتة، وهم القوم الكافرون؛ قال الله تعالى: إنه لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف87ويمكن أن نجد هذا المعنى في قول إبراهيم عليه السلام وهو يدعو أباه الكافر: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }مريم45، فاختيار إبراهيم عليه السلام: اسم (الرحمن) في تحذير أبيه من العذاب فيه سر لطيف لأن المتبادر للعقل أن يربط العذاب باسم من أسمائه سبحانه يناسب العقاب أما أن يربط العذاب باسمه (الرحمن) فلا شك أن في ذلك سر لطيف ألا وهو - والله أعلم - أن إبراهيم أراد أن يفتح لأبيه باب الرجاء والتوبة فإن الله - عز وجل - رحيم يقبل توبة التائبين مهما عملوا. وكذلك ربما أراد إبراهيم عليه السلام أن يعلم أباه أنه إن أصابك العذاب ممن اسمه (الرحمن) الذي وسعت رحمته كل شيء، فإن هذا يدل على أنه ليس فيمن عذبه الرحمن ذرة تستحق الرحمة؛ إذ لو كان فيه موجب الرحمة لرحمه.
رابعًا: ومن آثار رحمته سبحانه ما يضعه في قلوب الأمهات من رحمة نحو أولادهن سواء كان ذلك عند الإنسان أو الحيوان من وحش وطير وهوام. وأن رحمة الله - سبحانه وتعالى - أعظم وأوسع من رحمة الأمهات بأولادهن.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتَرونَ هذه المرأة طارحةً ولَدها في النار؟) قلنا: لا والله! وهي تقدر على أن لا تَطْرَحَه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أرحَمُ بعبادِهِ من هذه بولدها) »(1).
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته، واشتق لنفسه منها اسم (الرحمن الرحيم) »(2).
خامسًا: وتتجلى رحمة الله – عز وجل – في شرعه المطهر وأحكامه التي كلها خير ورحمة للخلق سواء ما يتعلق بهدايتهم وحفظ أديانهم، أو ما يتعلق بحفظ نفوسهم وأبدانهم، أو ما يتعلق بحفظ عقولهم وأفكارهم، أو ما يتعلق بحفظ أعراضهم وأنسابهم وأولادهم، أو ما يتعلق بحفظ أموالهم وممتلكاتهم.
فكل ما يتعلق بهذه الضروريات الخمس من أحكام إنما جاءت رحمة بالناس بالمحافظة عليها وحمايتها من الفساد والعدوان حتى يعيش الناس في أمن وسعادة قد رفع عنهم الحرج والعنت وحفظ لكل ذي حق حقه. كما تظهر رحمة الله - عز وجل - في يسر الشريعة، ورفع الحرج عن العباد فيها، وشرع الرخص التي ترفع المشقة عنهم.
سادسًا: كما تتجلى رحمة الله - عز وجل - في المصائب والمكروهات التي يقدرها على عباده المؤمنين فهي وإن كانت مؤذية ومكروهة إلا أن في أعطافها الرحمة والخير بالمصاب، لأن الله - عز وجل - كتب على نفسه الرحمة ورحمته سبقت غضبه.
وقد تظهر هذه الرحمة للمصاب عيانًا ويتبين ما في المكروه من الرحمة واللطف وقد لا يتبين ذلك في الدنيا ولكن يظهر آثار رحمة الله فيها في الآخرة بتكفير السيئات، وغفران الذنوب بفعل هذه المصائب.
قال الله تعالى: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه)(1).
أما ما يصاب به الكفار من المصائب والعقوبات فهي رحمة بالمؤمنين من شر الكفار وتسلطهم، وإفسادهم في الأرض، وهي عدل مع الكفار.
وأذكر بهذه المناسبة آية من كتاب الله - عز وجل - ظهر لي فيها معنى خفي يدل على أن ما يصيب المؤمن من ضر ومكروه إنما هو من آثار رحمة الله تعالى وموجب اسمه سبحانه (الرحمن الرحيم).
قال الله تعالى عن مؤمن آل ياسين أنه قال لقومه المشركين: { إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ }يس23]، فلماذا اختار هذا الرجل الصالح اسم (الرحمن) من بين أسماء الله تعالى؟ وهل (الرحمن) يريد الضر بعباده المؤمنين؟
إن المعنى اللطيف في هذه الآية - والله أعلم - أن الضر إذا أتى من (الرحمن) فإن هذا موجب رحمته ولطفه ويصير الأمر الذي ظاهره الضر في حقيقته رحمة، وخيرًا للمؤمن لأن الرحمن لا يصدر عنه إلا الرحمة واللطف والبر: سابعًا: وتتجلى رحمة الله - عز وجل - في رحمته الخاصة بأوليائه، وتوفيقهم، وتسديدهم، وحفظهم، وتيسير أمورهم، وإجابة دعائهم، ونصرهم على أعدائهم الكافرين، وتمكينه لهم في الأرض، وإعانتهم وإغاثتهم في قضاء حوائجهم كما في جلب الرزق والمطر وكشف الكروب، وخرق السنن الكونية لهم، وإظهار الكرامات على أيديهم.فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }النساء19
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
(2) الصلاة وحكم تاركها ص 173.
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/350 «باختصار».
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/ 122 - 124 «بتصرف يسير».
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/123.
(2) مدارج السالكين 1/8.
(1) مختصر الصواعق المرسلة 2/121 - 122.وانظر إلى مزيد من تفاصيل آثار - رحمة الله تعالى- وحكمته في خلقه في الكتاب النفيس (مفتاح دار السعادة) لابن القيم رحمه الله تعالى.
(1) البخاري (6309)، ومسلم (2747).
(1) البخاري (5969)، ومسلم (2754).
(2) مختصر الصواعق المرسلة 3/122.
(1) البخاري (5641)، ومسلم (2573).
إسم الرب- سبحانة وتعالى
[ اسم الرب ]
الرب من أسماء الله الحسنى , التي يدعى ويمجد بها . وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم, إنما جاء مضافاً إلى الخلق عموماً, أو إلى بعضهم خصوصاً؛ مثل ( رب العالمين ), ( رب الملائكة والروح ) . وقد ورد ذكره في القرآن في 900 موضع , كقوله تعالى { الحمد لله رب العالمين }[ الفاتحة 2] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر 92] , ومن أمثلة وروده في السنة, ما جاء ي صحيح البخاري, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ, وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ, وَالْفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ, حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".([1])
والأحاديث في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم –كثيرة, يصعب حصرها .
معنى اسم [ الرب ]في اللغة :-
يقول ابن فارس - رحمه الله :
" الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ, والقيامُ عليه . فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. يقال رَبَّ فلانٌ ضَيعتَه، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِّ.
والأصل الآخرُ: لُزوم الشيءِ, والإقامةُ عليه، وهو مناسبٌ للأصل الأوّل. يقال أربَّت السّحابةُ بهذه البلدةِ، إذا دامَتْ. وأرْضٌ مَرَبٌّ: لا يزال بها مَطَرٌ؛ ولذلك سُمِّي السَّحاب رَباباً.
والأصل الثالث: ضمُّ الشيء للشَّيء، وهو أيضاً مناسبٌ لما قبله، ومتى أُمعِنَ النَّظرُ, كان الباب كلُّه قياساً واحداً"([2]).
معنى اسم [ الرب ] في حق الله:-
والله رب العالمين :أي" الخالق المالك لكل شيء ,المدبر لجميع الأمور.
والعالمين : اسم لكل ما سوى الله"([3]) .
اسم (الرب) - سبحانه وتعالى- من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى: "و (الرب) هو المربي جميع عباده بالتدبير, وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه, بإصلاح قلوبهم, وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة"([4]) .
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله - عز وجل - في كتابه الكريم عن أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام - وأوليائه الصالحين, حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم, ومن ذلك :
- دعاء الأبوين - عليهما السلام - بقولهما: (رَبَّناظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ) [الأعراف: 23].
- دعاء نوح - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ... الآية [نوح: 28]، وقوله: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود: 54] .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة ,كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها([5]) .
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله - عز وجل - رب كل شيء, وخالقه, ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له, في قبضته, وتحت قهره, لأن أحدًا لا يدَّعي أنه, أو غيره من المخلوقين, هو الخالق, البارئ, المحيي, المميت, القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذرًا من ملاحدة الصوفية، والباطنية, والنصرانية التي تزعم أنه مع الله - عز وجل - شريك في ربوبيته, وتصريفه لهذا الكون, تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
أما أكثر طوائف المشركين, فقد أقروا بربوبية الله - عز وجل - ولم ينكروها. وهم عبيد لله - عز وجل - بهذا المعنى قال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) ) [يونس: 31]([6]).
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب):-
أولاً: إن اسم (الرب) سبحانه, وما يستلزم من الأسماء والصفات, يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم, وما يضرهم؛ فكونه رب العالمين, لا يليق به أن يترك عباده سدى, هملاً,لا يعرفهم بنفسه, ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها.. فهذا هضم للربوبية, ونسبة للرب إلى ما لا يليق: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ) [المؤمنون: 115].
ثانيًا: الإقرار بربوبية الله - عز وجل - يقتضي ويستلزم توحيد الله - عز وجل -, وعبادته لا شريك له, إذ أن الخالق لهذا الكون, وما فيه, والمتصرف فيه بالإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، والتدبير, هو المستحق للعبادة وحده, إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل ندًا لله تعالى في المحبة, والتعظيم, والعبادة, وهو لم يخلق, ولا يملك لنفسه تدبيرًا, فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهذا ما احتج الله - عز وجل - به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه, ولكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره, وقد جاءت هذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها:
- قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) )) [ البقرة: 21، 22].
- وقوله تعالى: (( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) )) [الأعراف: 191]، وقوله سبحانه: (( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ )), [النحل: 17].
- وقوله تعالى: (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) )) [المؤمنون: 89، 90].
- وقوله تعالى: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) )) [الزمر: 38]. والآيات في هذا كثيرة جدًا.
ثالثًا: الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل - يعني: الإيمان بأسمائه الحسنى, وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه, كونه قادرًا, خالقًا, بارئًا, مصورًا، حيًا، قيومًا, عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا. وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات. إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها - إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه, وفي ذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى: "إن ربوبيته سبحانه, إنما تتحقَّق بكونه: فعَّالاً مُدبِّرًا؛ متصرِّفًا في خلقه؛ يعلم، ويقدر، ويريد، ويسمع، ويبصر.
فإذا انتفت أفعاله وصفاته: انتفت ربوبيته، وإذا انتفت عنه صفة الكلام: انتفى الأمر والنهي ولوازمها، وذلك ينفي حقيقة الإلهية"([7]) .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة, كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها.
رابعًا: الإيمان باسم (الرب) - عز وجل -, وما يتعلق به من صفات, يقتضي الرضا به -سبحانه-, ربًا, وإلهًا, وحاكمًا, ومشرعًا، لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه, وينهاه عنه، ويقسمه له, ويقدره عليه، ويعطيه إياه, ويمنعه منه. فإن لم يحصل الرضى بذلك كله, لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع الوجوه، ولا يذوق عبد طعم الإيمان, حتى يأتي بكل موجبات الربوبية, ولوازمها. وهذا معنى قوله: (ذاق طعم الإيمان, من رضي بالله ربًا, وبالإسلام دينًا, وبمحمدٍ رسولاً) ([8]). ومتى ذاق العبد طعم الإيمان, فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته, وثباته، ولو احتوشته البلايا, والرزايا. كما أن من هذا شأنه, فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه, وتلذ له، كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل -, والنفور منها.
خامسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه الذي يربي عباده, وينقلهم من طور إلى طور, وينعم عليهم بما يقيم حياتهم, ومعاشهم. وهو الذي أحسن خلقهم,(( وأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) }[طه50]. فإن هذه المعاني, من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه, وحب ما يحبه, ومن يحبه، وبغض ما يبغضه, ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته، وتعظيمه, وإجلاله, وشكره, وحمده الحمد اللائق بجلاله, وعظمته, وسلطانه, وإنعامه.
سادسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه المتكفل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض, له الملك, وله الحمد, يحيي, ويميت, وهو على كل شيء قدير. فإن هذه الصفات, تورث في قلب العبد العارف لربه – سبحانه- قوة عظيمة, في التوكل عليه –سبحانه-, في جلب المنافع، ودفع المضار، وفي تصريف جميع أموره؛ فلا يتعلق إلا بالله تعالى, ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه – سبحانه-, إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله, لا يملك لنفسه نفعًا, ولا ضرًا, ولا موتًا, ولا حياةً, ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
سابعًا: لما كان من معاني الربوبية, اختصاصه سبحانه بجلب المنافع, ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات, فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم, من معرفة ربهم بهذه الصفات - يلجأون إلى ربهم, ويتضرعون إليه في الشدائد, والملمات, وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل -, وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته, أثر هذا في دعائه, وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه -سبحانه-, والوثوق بكفايته سبحانه, وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى -, وأوليائه تكرار الدعاء بقولهم: (ربنا، ربنا).
ثامنًا: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-العبد أن يقول لسيده (ربي) فقال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي، وفتاتي، وغلامي)([9]).
قال الحافظ ابن حجر: "وفيه نهي العبد أن يقول لسيده (ربي), وكذلك نهي غيره, فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده اسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه.
والسبب في النهي, أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن (الرب) هو المالك القائم بالشيء، فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب, متعبد بإخلاص التوحيد لله، وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم, لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات, والجمادات, فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة؛ كقوله: رب الدار، ورب الثوب.
قال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله.
[وتعقبه الحافظ بقوله]: والذي يختص بالله تعالى إطلاق (الرب) بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ )) [يوسف: 42]، وقوله: (( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ )) [يوسف: 50]، وقوله عليه الصلاة, والسلام, في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها). فدلَّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز...
وقيل: المراد: النهي عن الإكثار من ذلك, واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة" أهـ ([10]).
وترك استعمال هذه الكلمة لورود النهي عنها أسلم, وأحوط, والله أعلم([11]).
ذكر الأسماء الحسنى التي اقترنت باسم (الرب) تبارك وتعالى.
ورد اقتران اسم (الرب) - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم بأسماء كريمة هي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز).
- قال سبحانه وتعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) )) [الفاتحة: 2، 3].
- وقال - عز وجل -: (( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ ))[النبأ:37].
- وقال تبارك وتعالى: (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) )) [ص: 66].
- وقال تبارك وتعالى: (( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) )) [يس: 58].
- وقال سبحانه: (( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )) [سبأ:15].
وبتأمل هذه الأسماء المقترنة باسم (الرب) - تعالى-, نجد أن فيها صفة الرحمة, والمغفرة، وفي هذا التأكيد على أن من أخص صفات (الرب) - عز وجل -, الرحمة, والرأفة بعباده, وأنها من موجبات ربوبيته. ومن ذلك تربيته لعباده، وإنعامه عليهم، وإرساله الرسل إليهم, وإنذارهم, وتبشيرهم. وهذه هي من لوازم التربية العامة، وأما التربية الخاصة من الله - عز وجل - لأوليائه بتوفيقهم، وحفظهم، ورعايتهم، وتربيتهم. فالرحمة، والرأفة، والمغفرة, واضحة جلية في ذلك, والله أعلم، وفي الآية الثانية ورد اسم: (العزيز الغفار). وصفة: (العزة والغلبة) من موجبات الربوبية, والسؤدد([12]).
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
[1] صحيح البخاري الحديث رقم 614,(1 / 159) .
[2] معجم مقاييس اللغة لابن فارس بتصرف (2/383,382) .
[3] تفسير القرآن الكريم – الفاتحة والبقرة- لابن عثيمين– صـ 10.
[4] تفسير السعدي 5/486.
[5] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها بتصرف, لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 88- 91.
[6] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 91.
[7] مختصر الصواعق المرسلة 2/474.
[8] مسلم (34)، وأحمد 1/208.
[9] البخاري (2552).
[10] فتح الباري 5/179.
[11] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها 96- 101.
[12] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 102- 103.
الرب من أسماء الله الحسنى , التي يدعى ويمجد بها . وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم, إنما جاء مضافاً إلى الخلق عموماً, أو إلى بعضهم خصوصاً؛ مثل ( رب العالمين ), ( رب الملائكة والروح ) . وقد ورد ذكره في القرآن في 900 موضع , كقوله تعالى { الحمد لله رب العالمين }[ الفاتحة 2] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر 92] , ومن أمثلة وروده في السنة, ما جاء ي صحيح البخاري, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ, وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ, وَالْفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ, حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".([1])
والأحاديث في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم –كثيرة, يصعب حصرها .
معنى اسم [ الرب ]في اللغة :-
يقول ابن فارس - رحمه الله :
" الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ, والقيامُ عليه . فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. يقال رَبَّ فلانٌ ضَيعتَه، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِّ.
والأصل الآخرُ: لُزوم الشيءِ, والإقامةُ عليه، وهو مناسبٌ للأصل الأوّل. يقال أربَّت السّحابةُ بهذه البلدةِ، إذا دامَتْ. وأرْضٌ مَرَبٌّ: لا يزال بها مَطَرٌ؛ ولذلك سُمِّي السَّحاب رَباباً.
والأصل الثالث: ضمُّ الشيء للشَّيء، وهو أيضاً مناسبٌ لما قبله، ومتى أُمعِنَ النَّظرُ, كان الباب كلُّه قياساً واحداً"([2]).
معنى اسم [ الرب ] في حق الله:-
والله رب العالمين :أي" الخالق المالك لكل شيء ,المدبر لجميع الأمور.
والعالمين : اسم لكل ما سوى الله"([3]) .
اسم (الرب) - سبحانه وتعالى- من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى: "و (الرب) هو المربي جميع عباده بالتدبير, وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه, بإصلاح قلوبهم, وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة"([4]) .
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله - عز وجل - في كتابه الكريم عن أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام - وأوليائه الصالحين, حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم, ومن ذلك :
- دعاء الأبوين - عليهما السلام - بقولهما: (رَبَّناظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ) [الأعراف: 23].
- دعاء نوح - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ... الآية [نوح: 28]، وقوله: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود: 54] .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة ,كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها([5]) .
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله - عز وجل - رب كل شيء, وخالقه, ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له, في قبضته, وتحت قهره, لأن أحدًا لا يدَّعي أنه, أو غيره من المخلوقين, هو الخالق, البارئ, المحيي, المميت, القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذرًا من ملاحدة الصوفية، والباطنية, والنصرانية التي تزعم أنه مع الله - عز وجل - شريك في ربوبيته, وتصريفه لهذا الكون, تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
أما أكثر طوائف المشركين, فقد أقروا بربوبية الله - عز وجل - ولم ينكروها. وهم عبيد لله - عز وجل - بهذا المعنى قال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) ) [يونس: 31]([6]).
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب):-
أولاً: إن اسم (الرب) سبحانه, وما يستلزم من الأسماء والصفات, يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم, وما يضرهم؛ فكونه رب العالمين, لا يليق به أن يترك عباده سدى, هملاً,لا يعرفهم بنفسه, ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها.. فهذا هضم للربوبية, ونسبة للرب إلى ما لا يليق: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ) [المؤمنون: 115].
ثانيًا: الإقرار بربوبية الله - عز وجل - يقتضي ويستلزم توحيد الله - عز وجل -, وعبادته لا شريك له, إذ أن الخالق لهذا الكون, وما فيه, والمتصرف فيه بالإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، والتدبير, هو المستحق للعبادة وحده, إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل ندًا لله تعالى في المحبة, والتعظيم, والعبادة, وهو لم يخلق, ولا يملك لنفسه تدبيرًا, فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهذا ما احتج الله - عز وجل - به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه, ولكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره, وقد جاءت هذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها:
- قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) )) [ البقرة: 21، 22].
- وقوله تعالى: (( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) )) [الأعراف: 191]، وقوله سبحانه: (( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ )), [النحل: 17].
- وقوله تعالى: (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) )) [المؤمنون: 89، 90].
- وقوله تعالى: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) )) [الزمر: 38]. والآيات في هذا كثيرة جدًا.
ثالثًا: الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل - يعني: الإيمان بأسمائه الحسنى, وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه, كونه قادرًا, خالقًا, بارئًا, مصورًا، حيًا، قيومًا, عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا. وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات. إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها - إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه, وفي ذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى: "إن ربوبيته سبحانه, إنما تتحقَّق بكونه: فعَّالاً مُدبِّرًا؛ متصرِّفًا في خلقه؛ يعلم، ويقدر، ويريد، ويسمع، ويبصر.
فإذا انتفت أفعاله وصفاته: انتفت ربوبيته، وإذا انتفت عنه صفة الكلام: انتفى الأمر والنهي ولوازمها، وذلك ينفي حقيقة الإلهية"([7]) .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة, كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها.
رابعًا: الإيمان باسم (الرب) - عز وجل -, وما يتعلق به من صفات, يقتضي الرضا به -سبحانه-, ربًا, وإلهًا, وحاكمًا, ومشرعًا، لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه, وينهاه عنه، ويقسمه له, ويقدره عليه، ويعطيه إياه, ويمنعه منه. فإن لم يحصل الرضى بذلك كله, لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع الوجوه، ولا يذوق عبد طعم الإيمان, حتى يأتي بكل موجبات الربوبية, ولوازمها. وهذا معنى قوله: (ذاق طعم الإيمان, من رضي بالله ربًا, وبالإسلام دينًا, وبمحمدٍ رسولاً) ([8]). ومتى ذاق العبد طعم الإيمان, فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته, وثباته، ولو احتوشته البلايا, والرزايا. كما أن من هذا شأنه, فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه, وتلذ له، كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل -, والنفور منها.
خامسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه الذي يربي عباده, وينقلهم من طور إلى طور, وينعم عليهم بما يقيم حياتهم, ومعاشهم. وهو الذي أحسن خلقهم,(( وأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) }[طه50]. فإن هذه المعاني, من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه, وحب ما يحبه, ومن يحبه، وبغض ما يبغضه, ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته، وتعظيمه, وإجلاله, وشكره, وحمده الحمد اللائق بجلاله, وعظمته, وسلطانه, وإنعامه.
سادسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه المتكفل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض, له الملك, وله الحمد, يحيي, ويميت, وهو على كل شيء قدير. فإن هذه الصفات, تورث في قلب العبد العارف لربه – سبحانه- قوة عظيمة, في التوكل عليه –سبحانه-, في جلب المنافع، ودفع المضار، وفي تصريف جميع أموره؛ فلا يتعلق إلا بالله تعالى, ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه – سبحانه-, إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله, لا يملك لنفسه نفعًا, ولا ضرًا, ولا موتًا, ولا حياةً, ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
سابعًا: لما كان من معاني الربوبية, اختصاصه سبحانه بجلب المنافع, ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات, فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم, من معرفة ربهم بهذه الصفات - يلجأون إلى ربهم, ويتضرعون إليه في الشدائد, والملمات, وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل -, وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته, أثر هذا في دعائه, وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه -سبحانه-, والوثوق بكفايته سبحانه, وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى -, وأوليائه تكرار الدعاء بقولهم: (ربنا، ربنا).
ثامنًا: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-العبد أن يقول لسيده (ربي) فقال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي، وفتاتي، وغلامي)([9]).
قال الحافظ ابن حجر: "وفيه نهي العبد أن يقول لسيده (ربي), وكذلك نهي غيره, فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده اسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه.
والسبب في النهي, أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن (الرب) هو المالك القائم بالشيء، فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب, متعبد بإخلاص التوحيد لله، وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم, لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات, والجمادات, فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة؛ كقوله: رب الدار، ورب الثوب.
قال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله.
[وتعقبه الحافظ بقوله]: والذي يختص بالله تعالى إطلاق (الرب) بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ )) [يوسف: 42]، وقوله: (( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ )) [يوسف: 50]، وقوله عليه الصلاة, والسلام, في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها). فدلَّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز...
وقيل: المراد: النهي عن الإكثار من ذلك, واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة" أهـ ([10]).
وترك استعمال هذه الكلمة لورود النهي عنها أسلم, وأحوط, والله أعلم([11]).
ذكر الأسماء الحسنى التي اقترنت باسم (الرب) تبارك وتعالى.
ورد اقتران اسم (الرب) - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم بأسماء كريمة هي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز).
- قال سبحانه وتعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) )) [الفاتحة: 2، 3].
- وقال - عز وجل -: (( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ ))[النبأ:37].
- وقال تبارك وتعالى: (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) )) [ص: 66].
- وقال تبارك وتعالى: (( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) )) [يس: 58].
- وقال سبحانه: (( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )) [سبأ:15].
وبتأمل هذه الأسماء المقترنة باسم (الرب) - تعالى-, نجد أن فيها صفة الرحمة, والمغفرة، وفي هذا التأكيد على أن من أخص صفات (الرب) - عز وجل -, الرحمة, والرأفة بعباده, وأنها من موجبات ربوبيته. ومن ذلك تربيته لعباده، وإنعامه عليهم، وإرساله الرسل إليهم, وإنذارهم, وتبشيرهم. وهذه هي من لوازم التربية العامة، وأما التربية الخاصة من الله - عز وجل - لأوليائه بتوفيقهم، وحفظهم، ورعايتهم، وتربيتهم. فالرحمة، والرأفة، والمغفرة, واضحة جلية في ذلك, والله أعلم، وفي الآية الثانية ورد اسم: (العزيز الغفار). وصفة: (العزة والغلبة) من موجبات الربوبية, والسؤدد([12]).
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
[1] صحيح البخاري الحديث رقم 614,(1 / 159) .
[2] معجم مقاييس اللغة لابن فارس بتصرف (2/383,382) .
[3] تفسير القرآن الكريم – الفاتحة والبقرة- لابن عثيمين– صـ 10.
[4] تفسير السعدي 5/486.
[5] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها بتصرف, لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 88- 91.
[6] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 91.
[7] مختصر الصواعق المرسلة 2/474.
[8] مسلم (34)، وأحمد 1/208.
[9] البخاري (2552).
[10] فتح الباري 5/179.
[11] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها 96- 101.
[12] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 102- 103.
الله جل جلاله
أسمـاء الله الحسنى » الله جل جلاله- (منقول من موقع لعقيدة والحياة)
بسم الله الرحمن الرحيم
[الله جل جلاله]
وهو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى . وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى: "ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم؛ كقوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }، ويقال: "الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم" من أسماء الله، ولا يقال: "الله" من أسماء "الرحمن"، ولا من أسماء "العزيز", ونحو ذلك. فعلم أن اسمه "الله" مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى, دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل, وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم "الله"، واسم "الله" دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج, والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته, ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله, إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال أخص باسم "الله". وصفات الفعل, والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة, وكمال القوة, وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم "الرب , وصفات الإحسان, والجود,والبر,والحنان, والمنة, والرأفة, واللطف,أخص باسم (( الرحمن )), وكرر إيذاناً بثبوت الوصف, وحصول أثره, وتعلقه بمتعلقاته[1] .
وهذا الاسم العظيم ثابت لله - جل وعلا – بالكتاب, والسنة, والإجماع .
وهل هو مشتق ؟ في ذلك خلاف :
1- قيل هو غير مشتق, لأن الاشتقاق يستلزم مادةً يشتق منها, واسمه تعالى قديم, والقديم لا مادة له, فيستحيل الاشتقاق, وهذا قول السهيلي, وشيخه ابن العربي .
2- والقول الثاني : أنه مشتق .
ودليل القول الأول صحيح, ولكن الشأن كما قال ابن القيم – رحمه الله: "أن الذين قالوا أنه مشتق, لم يريدوا ذلك المعنى, وأنه مستمد من أصلٍ آخر, فهو باطل ,وإنما أرادوا أنه دال على صفةٍ له تعالى, وهي الإلهية كسائر الأسماء الحسنى, مثل العليم, والقدير, هي مشتقة من مصادرها بلا ريب,وهي قديمة, والقديم لا مادة له, والمراد بالاشتقاق أنها ملاقية لمصادرها في للفظ والمعنى, لا أنها متولدة منه تولد الفرع من الأصل, وتسمية النحاة للمصدر, والمشتق منه أصلاً وفرعاً, ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر, وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر, وزيادةً, ولا محذور في اشتقاق أسماء الله بهذا المعنى" [2] .
واسم الله مشتق من أله, وهو أصل واحد, هو التعبُّد. فالإله الله تعالى، وسُمّيَ بذلك لأنّه معبود. ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد. قال رؤبة:
للهِ دَرُّ الغــــانِيـــــــاتِ المُــدَّهِ سَبَّحْنَ واستَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِي [3]
واسم الله أصله إله,على وزن فعال بمعنى مفعول, لأنه مألوه بمعنى معبود,كإمام بمعنى مؤتم به, أدخلت عليه الألف واللام, فحذفت الهمزة تخفيفاً, لكثرته في الكلام [4].
ويتبين مما مضى أن الله هو : المألوه المعبود بحق، ذو الألوهية، والعبودية كلها, على خلقه أجمعين [5].
يقول ابن القيم –رحمه الله :
وهو الإله الحق لا معبود إلا وجـهــــه الأعلى العظيم الشان
بل كل معبود سواه فباطل من عرشه حتى الحضيض الداني[6]
فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره. وهو الذي لا يفزع العبد, ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو. وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولا يسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد, ويذل, وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد, وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا, والمحبة له سبحانه، فهو يذل, وينقاد له سبحانه, مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له - جل وعلا - حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصفاته، المستحق لذلك كله. ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله - عز وجل - ما خلق الجن, والإنس, إلا لتحقيق هذه الغاية، كما قال سبحانه: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [الذاريات: 56] [7]
* وأحب الأسماء إلى الله عبد الله, وعبد الرحمن, كما جاء في الحديث الصحيح [8]
, يقول العلام ابن القيم – رحمه الله :" ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه, مؤثراً عليه,كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه, كعبد الله, وعبد الرحمن, وكان إضافة العبودية إلى اسم الله, واسم الرحمن, أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما, كالقاهر, والقادر, فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر, وعبد الله أحب إليه من عبد ربه, وهذا لأن التعلق بين العبد وبين الله العبودية المحضة,والتعلق الذي بين الله وبين العبد الرحمة المحضة, فبرحمته كان وجوده, وكمال وجوده, والغاية التي أوجده لأجلها : أن يتأله له وحده محبة وخوفاً, ورجاءً, وإجلالاً, وتعظيماً, فيكون عبد الله, وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره. ولما غلبت رحمته غضبه, وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب, كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر "[9]
ويقول ابن القيم – رحمه الله : " والأسماء المذكورة في هذه السورة – أي سورة الفاتحة - هي أصول الأسماء الحسنى, وهي اسم الله, والرب, والرحمن, فاسم الله متضمن لصفات الألوهية, واسم الرب متضمن لصفات الربوبية, واسم الرحمن متضمن لصفات الإحسان والجود والبر, ومعاني أسمائه تدور على هذا " [10].
واسم الله من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل,بعد اسم الرب , ولاسم الرب مقام ينبغي الدعاء به فيه,ولاسم الله مقام يحن الدعاء به فيه, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : "
فَإِذَا سَبَقَ إلَى قَلْبِ الْعَبْدِ قَصْدُ السُّؤَالِ, نَاسَبَ أَنْ يَسْأَلَهُ بِاسْمِهِ الرَّبِّ. وَأَنْ يَسْأَلَهُ بِاسْمِهِ اللَّهِ لِتَضَمُّنِهِ اسْمَ الرَّبِّ كَانَ حَسَنًا، وَأَمَّا إذَا سَبَقَ إلَى قَلْبِهِ قَصْدُ الْعِبَادَةِ فَاسْمُ اللَّهِ أَوْلَى بِذَلِكَ. إذَا بَدَأَ بِالثَّنَاءِ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، وَإِذَا قَصَدَ الدُّعَاءَ دَعَا الرَّبَّ، وَلِهَذَا قَالَ يُونُسُ: ((لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ))[ الأنبياء87], وَقَالَ آدَم: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ))[ الأعراف23], فَإِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا، وَقَالَ تَعَالَى: ((فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّك وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ))[القلم 48], قَالَ تَعَالَى: ((فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ))[ الصافات142], فَفَعَلَ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ, فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِحَالِهِ, أَنْ يَبْدَأَ بِالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ, فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ دُونَ غَيْرِهِ, فَلَا يُطَاعُ الْهَوَى، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُضْعِفُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَدِمَ عَلَى ارْتِفَاعِ الْعَذَابِ عَنْ قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ أَظَلَّهُمْ, وَخَافَ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى الْكَذِبِ, فَغَاضَبَ. وَفَعَلَ مَا اقْتَضَى الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى, وَأَنْ يُقَالَ: ((لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ)) وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ مَا سِوَى اللَّهِ مِنْ الْإِلَهِيَّةِ، سَوَاءٌ صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ هَوَى النَّفْسِ, أَوْ طَاعَةِ الْخَلْقِ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ: ((سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ)). وَالْعَبْدُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا يَظُنُّهُ, وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَفِيمَا يُرِيدُهُ وَهُوَ غَيْرُ حَسَنٍ. وَأَمَّا آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِذَنْبِهِ, فَقَالَ: ((ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا)), وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ مَنْ يُنَازِعُهُ الْإِرَادَةَ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، مِمَّا يُزَاحِمُ الْإِلَهِيَّةَ, بَلْ ظَنَّ صِدْقَ الشَّيْطَانِ الَّذِي ((وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ)), فَالشَّيْطَانُ غَرَّهُمَا, وَأَظْهَرَ نُصْحَهُمَا, فَكَانَا فِي قَبُولِ غُرُورِهِ, وَمَا أَظْهَرَ مِنْ نُصْحِهِ, حَالُهُمَا مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِمَا: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا)), لِمَا حَصَلَ مِنْ التَّفْرِيطِ، لَا لِأَجْلِ هَوًى, وَحَظٍّ يُزَاحِمُ الْإِلَهِيَّةَ, وَكَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى أَنْ يَرُبَّهُمَا رُبُوبِيَّةً تُكْمِلُ عِلْمَهُمَا, وَقَصْدَهُمَا. حَتَّى لَا يَغْتَرَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَهُمَا يَشْهَدَانِ حَاجَتَهُمَا إلَى اللَّهِ رَبِّهِمَا, الَّذِي لَا يَقْضِي حَاجَتَهُمَا غَيْرُهُ. وَذُو النُّونِ شَهِدَ مَا حَصَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْإِلَهِيَّةِ, بِمَا حَصَلَ مِنْ الْمُغَاضَبَةِ, وَكَرَاهَةِ إنْجَاءِ أُولَئِكَ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفِعْلِ لِحُبِّ شَيْءٍ آخَرَ, مَا يُوجِبُ تَجْرِيدَ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ, وَتَأَلُّهِهِ لَهُ, وَأَنْ يَقُولَ: ((لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ)), فَإِنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، يَمْحُو أَنْ يَتَّخِذَ إلَهَهُ هَوَاهُ. وَقَدْ رُوِيَ ((مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ إلَهٌ يُعْبَدُ, أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوَى مُتَّبِعٍ)), فَكَمَّلَ يُونُسُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَحْقِيقَ إلَهِيَّتِهِ لِلَّهِ، وَمَحْوَ الْهَوَى الَّذِي يُتَّخَذُ إلَهًا مِنْ دُونِهِ, فَلَمْ يَبْقَ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ, عِنْدَ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إرَادَةُ تَزَاحُمِ إلَهِيَّةَ الْحَقِّ، بَلْ كَانَ مُخْلِصًا لِلَّهِ الدِّينَ, إذْ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" [11].
من آثار هذا الاسم العظيم, وموجباته:
إذا عرف المؤمن معنى هذا الاسم العظيم, وما يستلزم من الأسماء الحسنى, والصفات العلا لله تعالى, فإنه يطبع في القلب معاني عظيمة, وآثارًا جليلة, من أهمها:
1- محبة الله - عز وجل - محبة عظيمة, تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه المألوه المعبود وحده, وهو المنعم المتفضل وحده, وهو الذي له الأسماء الحسنى، وهو الذي له الخلق, والأمر, والحمد كله .
2- تعظيمه سبحانه, وإجلاله, وإخلاص العبودية له وحده؛ من توكل، وخوف، ورجاء ورغبة، ورهبة، وصلاة، وصيام، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبوديات التي لا يجوز صرفها إلا له سبحانه.
3- الشعور بالعزة به سبحانه, والتعلق به وحده، وسقوط الخوف, والهيبة من الخلق, والتعلق بهم؛ فهو الله سبحانه, خالق كل شيء, ورازق كل حي، وهو المدبر لكل شيء، والقاهر لكل شيء, فلا يعتز إلا به, ولا يتوكل إلا عليه.
4- من أعظم آثار هذا الاسم العظيم, ومعرفته حق المعرفة, طمأنينة القلب, وسعادته, وأنسه بالله - عز وجل - .
5- بما أن لفظ الجلالة مستلزم لجميع الأسماء والصفات, فإن من آثار هذا الاسم العظيم, آثار بقية أسمائه سبحانه وصفاته, وكل أثر من آثار أسماء الله - عز وجل – وصفاته, إن هو إلا أثر لهذا الاسم العظيم, ومن موجباته.
6- إفراد الله - عز وجل - بالمحبة والولاء, وإفراده تعالى بالحكم, والتحاكم. قال الله تعالى: { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِِ } [الأنعام: 14]، وقال سبحانه: { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا } [الأنعام: 114][12]
تنبيه: لا يشرع ذكر الله باسم الجلالة ( الله ) مفرداً .
مثل الذين يكررون اسم (الله, الله ,الله )آلاف المرات, لأن هذه الصورة من الذكر, لم ترد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه , فهي من البدع المنكرة , وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين, من حديث عائشة -رضي الله عنها- : (( من عمل عملاً, ليس عليه أمرنا, فهو رد ) [13]
تحميل المقال
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
[1] مدارج السالكين : 1/ 32-33 .
[2] بدائع الفوائد: ( 1/ 26) .
[3] معجم مقاييس اللغة لابن فارس : (1 / 127) .
[4] لسان العرب لابن منظور : ( 13/ 467) .
[5] تفسير السعدي : ( 1/ 945) .
[6] متن القصيدة النونية لابن القيم : (1 / 35).
[7] انظر: المفاهيم المثلى في ظلال أسماء الله الحسنى : ص 14بتصرف يسير.
[8] النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى: صـ 55 .
[9] زاد المعاد : 2/ 40 .
[10] الفوائد لابن القيم : صـ 26.
[11] لفتاوى الكبرى: ( 5/ 254- 255 ) .
[12] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها, لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل: صـ(80 – 84) .
[13] صحيح البخاري: ( 2697) و صحيح مسلم: ( 4589) .
بسم الله الرحمن الرحيم
[الله جل جلاله]
وهو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى . وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى: "ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم؛ كقوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }، ويقال: "الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم" من أسماء الله، ولا يقال: "الله" من أسماء "الرحمن"، ولا من أسماء "العزيز", ونحو ذلك. فعلم أن اسمه "الله" مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى, دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل, وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم "الله"، واسم "الله" دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج, والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته, ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله, إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال أخص باسم "الله". وصفات الفعل, والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة, وكمال القوة, وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم "الرب , وصفات الإحسان, والجود,والبر,والحنان, والمنة, والرأفة, واللطف,أخص باسم (( الرحمن )), وكرر إيذاناً بثبوت الوصف, وحصول أثره, وتعلقه بمتعلقاته[1] .
وهذا الاسم العظيم ثابت لله - جل وعلا – بالكتاب, والسنة, والإجماع .
وهل هو مشتق ؟ في ذلك خلاف :
1- قيل هو غير مشتق, لأن الاشتقاق يستلزم مادةً يشتق منها, واسمه تعالى قديم, والقديم لا مادة له, فيستحيل الاشتقاق, وهذا قول السهيلي, وشيخه ابن العربي .
2- والقول الثاني : أنه مشتق .
ودليل القول الأول صحيح, ولكن الشأن كما قال ابن القيم – رحمه الله: "أن الذين قالوا أنه مشتق, لم يريدوا ذلك المعنى, وأنه مستمد من أصلٍ آخر, فهو باطل ,وإنما أرادوا أنه دال على صفةٍ له تعالى, وهي الإلهية كسائر الأسماء الحسنى, مثل العليم, والقدير, هي مشتقة من مصادرها بلا ريب,وهي قديمة, والقديم لا مادة له, والمراد بالاشتقاق أنها ملاقية لمصادرها في للفظ والمعنى, لا أنها متولدة منه تولد الفرع من الأصل, وتسمية النحاة للمصدر, والمشتق منه أصلاً وفرعاً, ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر, وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر, وزيادةً, ولا محذور في اشتقاق أسماء الله بهذا المعنى" [2] .
واسم الله مشتق من أله, وهو أصل واحد, هو التعبُّد. فالإله الله تعالى، وسُمّيَ بذلك لأنّه معبود. ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد. قال رؤبة:
للهِ دَرُّ الغــــانِيـــــــاتِ المُــدَّهِ سَبَّحْنَ واستَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِي [3]
واسم الله أصله إله,على وزن فعال بمعنى مفعول, لأنه مألوه بمعنى معبود,كإمام بمعنى مؤتم به, أدخلت عليه الألف واللام, فحذفت الهمزة تخفيفاً, لكثرته في الكلام [4].
ويتبين مما مضى أن الله هو : المألوه المعبود بحق، ذو الألوهية، والعبودية كلها, على خلقه أجمعين [5].
يقول ابن القيم –رحمه الله :
وهو الإله الحق لا معبود إلا وجـهــــه الأعلى العظيم الشان
بل كل معبود سواه فباطل من عرشه حتى الحضيض الداني[6]
فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره. وهو الذي لا يفزع العبد, ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو. وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولا يسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد, ويذل, وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد, وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا, والمحبة له سبحانه، فهو يذل, وينقاد له سبحانه, مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له - جل وعلا - حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصفاته، المستحق لذلك كله. ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله - عز وجل - ما خلق الجن, والإنس, إلا لتحقيق هذه الغاية، كما قال سبحانه: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [الذاريات: 56] [7]
* وأحب الأسماء إلى الله عبد الله, وعبد الرحمن, كما جاء في الحديث الصحيح [8]
, يقول العلام ابن القيم – رحمه الله :" ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه, مؤثراً عليه,كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه, كعبد الله, وعبد الرحمن, وكان إضافة العبودية إلى اسم الله, واسم الرحمن, أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما, كالقاهر, والقادر, فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر, وعبد الله أحب إليه من عبد ربه, وهذا لأن التعلق بين العبد وبين الله العبودية المحضة,والتعلق الذي بين الله وبين العبد الرحمة المحضة, فبرحمته كان وجوده, وكمال وجوده, والغاية التي أوجده لأجلها : أن يتأله له وحده محبة وخوفاً, ورجاءً, وإجلالاً, وتعظيماً, فيكون عبد الله, وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره. ولما غلبت رحمته غضبه, وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب, كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر "[9]
ويقول ابن القيم – رحمه الله : " والأسماء المذكورة في هذه السورة – أي سورة الفاتحة - هي أصول الأسماء الحسنى, وهي اسم الله, والرب, والرحمن, فاسم الله متضمن لصفات الألوهية, واسم الرب متضمن لصفات الربوبية, واسم الرحمن متضمن لصفات الإحسان والجود والبر, ومعاني أسمائه تدور على هذا " [10].
واسم الله من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل,بعد اسم الرب , ولاسم الرب مقام ينبغي الدعاء به فيه,ولاسم الله مقام يحن الدعاء به فيه, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : "
فَإِذَا سَبَقَ إلَى قَلْبِ الْعَبْدِ قَصْدُ السُّؤَالِ, نَاسَبَ أَنْ يَسْأَلَهُ بِاسْمِهِ الرَّبِّ. وَأَنْ يَسْأَلَهُ بِاسْمِهِ اللَّهِ لِتَضَمُّنِهِ اسْمَ الرَّبِّ كَانَ حَسَنًا، وَأَمَّا إذَا سَبَقَ إلَى قَلْبِهِ قَصْدُ الْعِبَادَةِ فَاسْمُ اللَّهِ أَوْلَى بِذَلِكَ. إذَا بَدَأَ بِالثَّنَاءِ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، وَإِذَا قَصَدَ الدُّعَاءَ دَعَا الرَّبَّ، وَلِهَذَا قَالَ يُونُسُ: ((لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ))[ الأنبياء87], وَقَالَ آدَم: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ))[ الأعراف23], فَإِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا، وَقَالَ تَعَالَى: ((فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّك وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ))[القلم 48], قَالَ تَعَالَى: ((فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ))[ الصافات142], فَفَعَلَ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ, فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِحَالِهِ, أَنْ يَبْدَأَ بِالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ, فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ دُونَ غَيْرِهِ, فَلَا يُطَاعُ الْهَوَى، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُضْعِفُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَدِمَ عَلَى ارْتِفَاعِ الْعَذَابِ عَنْ قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ أَظَلَّهُمْ, وَخَافَ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى الْكَذِبِ, فَغَاضَبَ. وَفَعَلَ مَا اقْتَضَى الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى, وَأَنْ يُقَالَ: ((لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ)) وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ مَا سِوَى اللَّهِ مِنْ الْإِلَهِيَّةِ، سَوَاءٌ صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ هَوَى النَّفْسِ, أَوْ طَاعَةِ الْخَلْقِ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ: ((سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ)). وَالْعَبْدُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا يَظُنُّهُ, وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَفِيمَا يُرِيدُهُ وَهُوَ غَيْرُ حَسَنٍ. وَأَمَّا آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِذَنْبِهِ, فَقَالَ: ((ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا)), وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ مَنْ يُنَازِعُهُ الْإِرَادَةَ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، مِمَّا يُزَاحِمُ الْإِلَهِيَّةَ, بَلْ ظَنَّ صِدْقَ الشَّيْطَانِ الَّذِي ((وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ)), فَالشَّيْطَانُ غَرَّهُمَا, وَأَظْهَرَ نُصْحَهُمَا, فَكَانَا فِي قَبُولِ غُرُورِهِ, وَمَا أَظْهَرَ مِنْ نُصْحِهِ, حَالُهُمَا مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِمَا: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا)), لِمَا حَصَلَ مِنْ التَّفْرِيطِ، لَا لِأَجْلِ هَوًى, وَحَظٍّ يُزَاحِمُ الْإِلَهِيَّةَ, وَكَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى أَنْ يَرُبَّهُمَا رُبُوبِيَّةً تُكْمِلُ عِلْمَهُمَا, وَقَصْدَهُمَا. حَتَّى لَا يَغْتَرَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَهُمَا يَشْهَدَانِ حَاجَتَهُمَا إلَى اللَّهِ رَبِّهِمَا, الَّذِي لَا يَقْضِي حَاجَتَهُمَا غَيْرُهُ. وَذُو النُّونِ شَهِدَ مَا حَصَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْإِلَهِيَّةِ, بِمَا حَصَلَ مِنْ الْمُغَاضَبَةِ, وَكَرَاهَةِ إنْجَاءِ أُولَئِكَ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفِعْلِ لِحُبِّ شَيْءٍ آخَرَ, مَا يُوجِبُ تَجْرِيدَ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ, وَتَأَلُّهِهِ لَهُ, وَأَنْ يَقُولَ: ((لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ)), فَإِنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، يَمْحُو أَنْ يَتَّخِذَ إلَهَهُ هَوَاهُ. وَقَدْ رُوِيَ ((مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ إلَهٌ يُعْبَدُ, أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوَى مُتَّبِعٍ)), فَكَمَّلَ يُونُسُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَحْقِيقَ إلَهِيَّتِهِ لِلَّهِ، وَمَحْوَ الْهَوَى الَّذِي يُتَّخَذُ إلَهًا مِنْ دُونِهِ, فَلَمْ يَبْقَ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ, عِنْدَ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إرَادَةُ تَزَاحُمِ إلَهِيَّةَ الْحَقِّ، بَلْ كَانَ مُخْلِصًا لِلَّهِ الدِّينَ, إذْ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" [11].
من آثار هذا الاسم العظيم, وموجباته:
إذا عرف المؤمن معنى هذا الاسم العظيم, وما يستلزم من الأسماء الحسنى, والصفات العلا لله تعالى, فإنه يطبع في القلب معاني عظيمة, وآثارًا جليلة, من أهمها:
1- محبة الله - عز وجل - محبة عظيمة, تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه المألوه المعبود وحده, وهو المنعم المتفضل وحده, وهو الذي له الأسماء الحسنى، وهو الذي له الخلق, والأمر, والحمد كله .
2- تعظيمه سبحانه, وإجلاله, وإخلاص العبودية له وحده؛ من توكل، وخوف، ورجاء ورغبة، ورهبة، وصلاة، وصيام، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبوديات التي لا يجوز صرفها إلا له سبحانه.
3- الشعور بالعزة به سبحانه, والتعلق به وحده، وسقوط الخوف, والهيبة من الخلق, والتعلق بهم؛ فهو الله سبحانه, خالق كل شيء, ورازق كل حي، وهو المدبر لكل شيء، والقاهر لكل شيء, فلا يعتز إلا به, ولا يتوكل إلا عليه.
4- من أعظم آثار هذا الاسم العظيم, ومعرفته حق المعرفة, طمأنينة القلب, وسعادته, وأنسه بالله - عز وجل - .
5- بما أن لفظ الجلالة مستلزم لجميع الأسماء والصفات, فإن من آثار هذا الاسم العظيم, آثار بقية أسمائه سبحانه وصفاته, وكل أثر من آثار أسماء الله - عز وجل – وصفاته, إن هو إلا أثر لهذا الاسم العظيم, ومن موجباته.
6- إفراد الله - عز وجل - بالمحبة والولاء, وإفراده تعالى بالحكم, والتحاكم. قال الله تعالى: { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِِ } [الأنعام: 14]، وقال سبحانه: { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا } [الأنعام: 114][12]
تنبيه: لا يشرع ذكر الله باسم الجلالة ( الله ) مفرداً .
مثل الذين يكررون اسم (الله, الله ,الله )آلاف المرات, لأن هذه الصورة من الذكر, لم ترد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه , فهي من البدع المنكرة , وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين, من حديث عائشة -رضي الله عنها- : (( من عمل عملاً, ليس عليه أمرنا, فهو رد ) [13]
تحميل المقال
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
[1] مدارج السالكين : 1/ 32-33 .
[2] بدائع الفوائد: ( 1/ 26) .
[3] معجم مقاييس اللغة لابن فارس : (1 / 127) .
[4] لسان العرب لابن منظور : ( 13/ 467) .
[5] تفسير السعدي : ( 1/ 945) .
[6] متن القصيدة النونية لابن القيم : (1 / 35).
[7] انظر: المفاهيم المثلى في ظلال أسماء الله الحسنى : ص 14بتصرف يسير.
[8] النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى: صـ 55 .
[9] زاد المعاد : 2/ 40 .
[10] الفوائد لابن القيم : صـ 26.
[11] لفتاوى الكبرى: ( 5/ 254- 255 ) .
[12] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها, لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل: صـ(80 – 84) .
[13] صحيح البخاري: ( 2697) و صحيح مسلم: ( 4589) .
Echerishia coli بكتريا ايشيريشيا كولاى القاتلة
الصيف وامراض لتسمم الغذائى
البكتيريا المسبب الرئيس للتسمم الغذائي
الاطفال أكثر عرضة للاختلاطات الخطرة
لعدم اكتمال منظوماتهم المناعية
وبكتريا ايشيريشيا كولاى Echerishia coliالقاتلةالتى تهاجم الغرب حاليا بضراوة شديدة من خلال تناول الخضراوات هى احد افراد مجموعات البكتريا المسسببة للتسمم الغذائى ويعرف التسمم الغذائي بانه حالة مرضية مفاجئة تظهر أعراضها خلال مدة تتراوح مابين ساعة واحدةوثلاثة أيام على شخص أو عدة أشخاص , عقب تناولهم أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها
هذه الكائنات , وأيضاً الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والطفيليات ومواد كيميائية سامة , مثل التسممالناتج من تناول الفطر , وتشمل الأعراض إقياء واسهالاً ومغصاً وارتفاع حرارة , ويعد التسمم الغذائي الناتج
من البكتيريا السبب الرئيس في أكثر من 80 % من حالات التسمم الغذائي .
تحدث الإصابة بالمرض بسبب أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها هذه الكائنات , وذلك عن طريق تناول طعام يحتوي أعداد كبيرة من الميكروبات ; حيث تخترق الغشاء المخاطي للأمعاء وتظهر أعراض المرض ومنهـــا :
" السالمونيلوزس " وهي تنشأ عن تلوث الغذاء بميكروبات السالمونيلا , والتي توجد في أمعاء كثير منالحيوانات الأليفة والبرية , وما ينتج منه تلوث للتربة ومصادر المياه والصرف في المناطق المحيطة , ومن ثم زيادة فرص وصولها للغذاء والماء , وبصفة خاصة اللحوم والدواجن والبيض والألبان ومنتجاتها .
أو بواسطة السموم " التوكسينات " التي تفرزها الميكروبات في أثناء تكاثرها في الغذاء ; وهذه السموم هي التي تسبب المرض للإنسان , وليس الميكروب نفسه .
" البتيولزم " وهو من الأمراض القاتلة ; حيث يسبب شللاً جزئياً أو كاملاً للأعصاب , ويحدث نتيجة للسموم
التي يفرزها ميكروب " كلوسترديوم بوتيولينم " في الأغذية , وهو ميكروب لا هوائي وينمو في الأغذية المحفوظة بطرق غير سليمة , وتظهر علامات فساد على العبوات الملوثة بهذا الميكروب , مثل رائحة كريهة وقد تكون مصحوبة بانتفاخ العبوات .
والتسمم بالـ " ستافيلوكوكس " وهو أكثر الأنواع إنتشاراً ويحدث من أحد السموم التي يفرزها الميكروب المكور العنقودي " استافيلوكوكس " عندما يتكاثر في الأغذية التي تحتوي على بروتين , والأنسان هو المصدر الرئيس لهذا الميكروب , حيث يوجد في فتحتي الأنف وعلى الجلد والشعر والوجه .
الأعـــــراض
- غثيان وقيء .
- إسهال .
- تقلصات في المعدة والأمعاء .
- وفي بعض حالات التسمم الغذائي تظهر الأعراض على هيئة شلل في الجهاز العصبي إلى جانب الأضطرابات المعوية .
- وتختلف أعراض الإصابة وارتفاع الحرارة وشدتها والفترة الزمنية اللازمة لظهور الأعراض المرضية حسب مسببات التسمم وكمية الغذاء التي تناولها الإنسان .
التشخيـــص
- الفحص السريري , في حالة وجود قيء وإسهال ومغص .
- الفحص المعملي , وذلك بوجود الميكروبات في عينة من قيء المريض , أو عينة من الإسهال .
العــــلاج
يجب أن يكون سريعاً , وهو غسل المعدة وإعطاء السوائل بجميع الطرق الممكنة مع إعطاء بعض المضادات الحيوية للقضاء على الميكروب .
الوقايــــة
وذلك بإتباع الأمور الآتية :
- إذابة اللحوم أو الدواجن أو السمك بعد إخراجها من علبة التجميد بالبراد , ويجب أن تتم بوضعها
على الرف السفلي من البراد , لئلا تتساقط قطرات من سوائلها على الطعام , مع تجنب إذابتها بوضعها على سطوح المجلى , إذ إن درجات الحرارة الدافئة تحفز الجراثيم على التكاثر .
- عدم ترك الأغذية المطهوة لمدة طويلة في درجة حرارة الغرفة , حتى نمنع نمو الميكروبات
وتكاثرها .
- غسل اليدين جيداً قبل الأكل وبعده .
- غسل اللحوم والدواجن جيداً في أثناء عملية التجهيز , ما يساعد على خفض عدد الميكروبات .
- خفض حدوث الأمراض في الحيوان , حيث إن التحكم فيها يمنع انتشار الميكروبات المسببة للأمراض في اللحوم ومنتجاتها , فمثلاً مرض السالمونيلوزس يجب أن يبدأ التحكم فيه يإزالةميكروبات السالمونيلا من غذاء الحيوان ومنع التلوث من حيوان إلى آخر داخل المزرعة .
- يجب الأهتمام بنظافة وتطهير أجهزة وأدوات المطبخ بعد نهاية كل يوم عمل بالمطبخ ,
وكذلك بعد استخدامها في تجهيز الأغذية النيئة ( مثل اللحوم والدواجن ) , حيث أن ذلك يقلل فرص التلوث من المواد الأولية والأغذية النيئة إلى الأغذية المطهوة .
- الحصول على الأغذية من مصادر سليمة منعاً لنشر التلوث .
أكثر الأطعمة تسبباً في التسمم وهى:
- البيض النيء أو قليل النضج .
- السلطة التي يدخل المايونيز فيها .
- الفواكه والخضروات النيئة وغير المغسولة , وكذلك اللحوم أو الدواجن النيئة .
- القريدس والمحار بأنواعه ( النيء ) .
- عصير التفاح وسواه من عصير الفواكه غير المبستر .
- الحليب والجبن غير المبسترين .
- الأطعمة المحفوظة " منزلياً " .
- اللحوم والنقانق المعلبة
البكتيريا المسبب الرئيس للتسمم الغذائي
الاطفال أكثر عرضة للاختلاطات الخطرة
لعدم اكتمال منظوماتهم المناعية
وبكتريا ايشيريشيا كولاى Echerishia coliالقاتلةالتى تهاجم الغرب حاليا بضراوة شديدة من خلال تناول الخضراوات هى احد افراد مجموعات البكتريا المسسببة للتسمم الغذائى ويعرف التسمم الغذائي بانه حالة مرضية مفاجئة تظهر أعراضها خلال مدة تتراوح مابين ساعة واحدةوثلاثة أيام على شخص أو عدة أشخاص , عقب تناولهم أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها
هذه الكائنات , وأيضاً الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والطفيليات ومواد كيميائية سامة , مثل التسممالناتج من تناول الفطر , وتشمل الأعراض إقياء واسهالاً ومغصاً وارتفاع حرارة , ويعد التسمم الغذائي الناتج
من البكتيريا السبب الرئيس في أكثر من 80 % من حالات التسمم الغذائي .
تحدث الإصابة بالمرض بسبب أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها هذه الكائنات , وذلك عن طريق تناول طعام يحتوي أعداد كبيرة من الميكروبات ; حيث تخترق الغشاء المخاطي للأمعاء وتظهر أعراض المرض ومنهـــا :
" السالمونيلوزس " وهي تنشأ عن تلوث الغذاء بميكروبات السالمونيلا , والتي توجد في أمعاء كثير منالحيوانات الأليفة والبرية , وما ينتج منه تلوث للتربة ومصادر المياه والصرف في المناطق المحيطة , ومن ثم زيادة فرص وصولها للغذاء والماء , وبصفة خاصة اللحوم والدواجن والبيض والألبان ومنتجاتها .
أو بواسطة السموم " التوكسينات " التي تفرزها الميكروبات في أثناء تكاثرها في الغذاء ; وهذه السموم هي التي تسبب المرض للإنسان , وليس الميكروب نفسه .
" البتيولزم " وهو من الأمراض القاتلة ; حيث يسبب شللاً جزئياً أو كاملاً للأعصاب , ويحدث نتيجة للسموم
التي يفرزها ميكروب " كلوسترديوم بوتيولينم " في الأغذية , وهو ميكروب لا هوائي وينمو في الأغذية المحفوظة بطرق غير سليمة , وتظهر علامات فساد على العبوات الملوثة بهذا الميكروب , مثل رائحة كريهة وقد تكون مصحوبة بانتفاخ العبوات .
والتسمم بالـ " ستافيلوكوكس " وهو أكثر الأنواع إنتشاراً ويحدث من أحد السموم التي يفرزها الميكروب المكور العنقودي " استافيلوكوكس " عندما يتكاثر في الأغذية التي تحتوي على بروتين , والأنسان هو المصدر الرئيس لهذا الميكروب , حيث يوجد في فتحتي الأنف وعلى الجلد والشعر والوجه .
الأعـــــراض
- غثيان وقيء .
- إسهال .
- تقلصات في المعدة والأمعاء .
- وفي بعض حالات التسمم الغذائي تظهر الأعراض على هيئة شلل في الجهاز العصبي إلى جانب الأضطرابات المعوية .
- وتختلف أعراض الإصابة وارتفاع الحرارة وشدتها والفترة الزمنية اللازمة لظهور الأعراض المرضية حسب مسببات التسمم وكمية الغذاء التي تناولها الإنسان .
التشخيـــص
- الفحص السريري , في حالة وجود قيء وإسهال ومغص .
- الفحص المعملي , وذلك بوجود الميكروبات في عينة من قيء المريض , أو عينة من الإسهال .
العــــلاج
يجب أن يكون سريعاً , وهو غسل المعدة وإعطاء السوائل بجميع الطرق الممكنة مع إعطاء بعض المضادات الحيوية للقضاء على الميكروب .
الوقايــــة
وذلك بإتباع الأمور الآتية :
- إذابة اللحوم أو الدواجن أو السمك بعد إخراجها من علبة التجميد بالبراد , ويجب أن تتم بوضعها
على الرف السفلي من البراد , لئلا تتساقط قطرات من سوائلها على الطعام , مع تجنب إذابتها بوضعها على سطوح المجلى , إذ إن درجات الحرارة الدافئة تحفز الجراثيم على التكاثر .
- عدم ترك الأغذية المطهوة لمدة طويلة في درجة حرارة الغرفة , حتى نمنع نمو الميكروبات
وتكاثرها .
- غسل اليدين جيداً قبل الأكل وبعده .
- غسل اللحوم والدواجن جيداً في أثناء عملية التجهيز , ما يساعد على خفض عدد الميكروبات .
- خفض حدوث الأمراض في الحيوان , حيث إن التحكم فيها يمنع انتشار الميكروبات المسببة للأمراض في اللحوم ومنتجاتها , فمثلاً مرض السالمونيلوزس يجب أن يبدأ التحكم فيه يإزالةميكروبات السالمونيلا من غذاء الحيوان ومنع التلوث من حيوان إلى آخر داخل المزرعة .
- يجب الأهتمام بنظافة وتطهير أجهزة وأدوات المطبخ بعد نهاية كل يوم عمل بالمطبخ ,
وكذلك بعد استخدامها في تجهيز الأغذية النيئة ( مثل اللحوم والدواجن ) , حيث أن ذلك يقلل فرص التلوث من المواد الأولية والأغذية النيئة إلى الأغذية المطهوة .
- الحصول على الأغذية من مصادر سليمة منعاً لنشر التلوث .
أكثر الأطعمة تسبباً في التسمم وهى:
- البيض النيء أو قليل النضج .
- السلطة التي يدخل المايونيز فيها .
- الفواكه والخضروات النيئة وغير المغسولة , وكذلك اللحوم أو الدواجن النيئة .
- القريدس والمحار بأنواعه ( النيء ) .
- عصير التفاح وسواه من عصير الفواكه غير المبستر .
- الحليب والجبن غير المبسترين .
- الأطعمة المحفوظة " منزلياً " .
- اللحوم والنقانق المعلبة
الصيف وامراض لتسمم الغذائى
الصيف وامراض لتسمم الغذائى(منقول)
البكتيريا المسبب الرئيس للتسمم الغذائي
الاطفال أكثر عرضة للاختلاطات الخطرة
لعدم اكتمال منظوماتهم المناعية
يعرف التسمم الغذائي بانه حالة مرضية مفاجئة تظهر أعراضها خلال مدة تتراوح مابين ساعة واحدة
وثلاثة أيام على شخص أو عدة أشخاص , عقب تناولهم أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها
هذه الكائنات , وأيضاً الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والطفيليات ومواد كيميائية سامة , مثل التسمم
الناتج من تناول الفطر , وتشمل الأعراض إقياء واسهالاً ومغصاً وارتفاع حرارة , ويعد التسمم الغذائي الناتج
من البكتيريا السبب الرئيس في أكثر من 80 % من حالات التسمم الغذائي .
تحدث الإصابة بالمرض بسبب أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها هذه الكائنات , وذلك عن طريق
تناول طعام يحتوي أعداد كبيرة من الميكروبات ; حيث تخترق الغشاء المخاطي للأمعاء وتظهر أعراض المرض
ومنهـــا :
" السالمونيلوزس " وهي تنشأ عن تلوث الغذاء بميكروبات السالمونيلا , والتي توجد في أمعاء كثير من
الحيوانات الأليفة والبرية , وما ينتج منه تلوث للتربة ومصادر المياه والصرف في المناطق المحيطة , ومن
ثم زيادة فرص وصولها للغذاء والماء , وبصفة خاصة اللحوم والدواجن والبيض والألبان ومنتجاتها .
أو بواسطة السموم " التوكسينات " التي تفرزها الميكروبات في أثناء تكاثرها في الغذاء ; وهذه السموم
هي التي تسبب المرض للإنسان , وليس الميكروب نفسه .
" البتيولزم " وهو من الأمراض القاتلة ; حيث يسبب شللاً جزئياً أو كاملاً للأعصاب , ويحدث نتيجة للسموم
التي يفرزها ميكروب " كلوسترديوم بوتيولينم " في الأغذية , وهو ميكروب لا هوائي وينمو في الأغذية
المحفوظة بطرق غير سليمة , وتظهر علامات فساد على العبوات الملوثة بهذا الميكروب , مثل رائحة كريهة
وقد تكون مصحوبة بانتفاخ العبوات .
والتسمم بالـ " ستافيلوكوكس " وهو أكثر الأنواع إنتشاراً ويحدث من أحد السموم التي يفرزها الميكروب
المكور العنقودي " استافيلوكوكس " عندما يتكاثر في الأغذية التي تحتوي على بروتين , والأنسان هو المصدر
الرئيس لهذا الميكروب , حيث يوجد في فتحتي الأنف وعلى الجلد والشعر والوجه .
الأعـــــراض
- غثيان وقيء .
- إسهال .
- تقلصات في المعدة والأمعاء .
- وفي بعض حالات التسمم الغذائي تظهر الأعراض على هيئة شلل في الجهاز العصبي إلى جانب
الأضطرابات المعوية .
- وتختلف أعراض الإصابة وارتفاع الحرارة وشدتها والفترة الزمنية اللازمة لظهور الأعراض المرضية
حسب مسببات التسمم وكمية الغذاء التي تناولها الإنسان .
التشخيـــص
- الفحص السريري , في حالة وجود قيء وإسهال ومغص .
- الفحص المعملي , وذلك بوجود الميكروبات في عينة من قيء المريض , أو عينة من الإسهال .
العــــلاج
يجب أن يكون سريعاً , وهو غسل المعدة وإعطاء السوائل بجميع الطرق الممكنة مع إعطاء بعض
المضادات الحيوية للقضاء على الميكروب .
الوقايــــة
وذلك بإتباع الأمور الآتية :
- إذابة اللحوم أو الدواجن أو السمك بعد إخراجها من علبة التجميد بالبراد , ويجب أن تتم بوضعها
على الرف السفلي من البراد , لئلا تتساقط قطرات من سوائلها على الطعام , مع تجنب إذابتها
بوضعها على سطوح المجلى , إذ إن درجات الحرارة الدافئة تحفز الجراثيم على التكاثر .
- عدم ترك الأغذية المطهوة لمدة طويلة في درجة حرارة الغرفة , حتى نمنع نمو الميكروبات
وتكاثرها .
- غسل اليدين جيداً قبل الأكل وبعده .
- غسل اللحوم والدواجن جيداً في أثناء عملية التجهيز , ما يساعد على خفض عدد الميكروبات .
- خفض حدوث الأمراض في الحيوان , حيث إن التحكم فيها يمنع انتشار الميكروبات المسببة
للأمراض في اللحوم ومنتجاتها , فمثلاً مرض السالمونيلوزس يجب أن يبدأ التحكم فيه يإزالة
ميكروبات السالمونيلا من غذاء الحيوان ومنع التلوث من حيوان إلى آخر داخل المزرعة .
- يجب الأهتمام بنظافة وتطهير أجهزة وأدوات المطبخ بعد نهاية كل يوم عمل بالمطبخ ,
وكذلك بعد استخدامها في تجهيز الأغذية النيئة ( مثل اللحوم والدواجن ) , حيث أن ذلك
يقلل فرص التلوث من المواد الأولية والأغذية النيئة إلى الأغذية المطهوة .
- الحصول على الأغذية من مصادر سليمة منعاً لنشر التلوث .
أكثر الأطعمة تسبباً في التسمم
- البيض النيء أو قليل النضج .
- السلطة التي يدخل المايونيز فيها .
- الفواكه والخضروات النيئة وغير المغسولة , وكذلك اللحوم أو الدواجن النيئة .
- القريدس والمحار بأنواعه ( النيء ) .
- عصير التفاح وسواه من عصير الفواكه غير المبستر .
- الحليب والجبن غير المبسترين .
- الأطعمة المحفوظة " منزلياً " .
- اللحوم والنقانق المعلبة .
البكتيريا المسبب الرئيس للتسمم الغذائي
الاطفال أكثر عرضة للاختلاطات الخطرة
لعدم اكتمال منظوماتهم المناعية
يعرف التسمم الغذائي بانه حالة مرضية مفاجئة تظهر أعراضها خلال مدة تتراوح مابين ساعة واحدة
وثلاثة أيام على شخص أو عدة أشخاص , عقب تناولهم أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها
هذه الكائنات , وأيضاً الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والطفيليات ومواد كيميائية سامة , مثل التسمم
الناتج من تناول الفطر , وتشمل الأعراض إقياء واسهالاً ومغصاً وارتفاع حرارة , ويعد التسمم الغذائي الناتج
من البكتيريا السبب الرئيس في أكثر من 80 % من حالات التسمم الغذائي .
تحدث الإصابة بالمرض بسبب أغذية ملوثة بالبكتيريا , أو السموم التي تنتجها هذه الكائنات , وذلك عن طريق
تناول طعام يحتوي أعداد كبيرة من الميكروبات ; حيث تخترق الغشاء المخاطي للأمعاء وتظهر أعراض المرض
ومنهـــا :
" السالمونيلوزس " وهي تنشأ عن تلوث الغذاء بميكروبات السالمونيلا , والتي توجد في أمعاء كثير من
الحيوانات الأليفة والبرية , وما ينتج منه تلوث للتربة ومصادر المياه والصرف في المناطق المحيطة , ومن
ثم زيادة فرص وصولها للغذاء والماء , وبصفة خاصة اللحوم والدواجن والبيض والألبان ومنتجاتها .
أو بواسطة السموم " التوكسينات " التي تفرزها الميكروبات في أثناء تكاثرها في الغذاء ; وهذه السموم
هي التي تسبب المرض للإنسان , وليس الميكروب نفسه .
" البتيولزم " وهو من الأمراض القاتلة ; حيث يسبب شللاً جزئياً أو كاملاً للأعصاب , ويحدث نتيجة للسموم
التي يفرزها ميكروب " كلوسترديوم بوتيولينم " في الأغذية , وهو ميكروب لا هوائي وينمو في الأغذية
المحفوظة بطرق غير سليمة , وتظهر علامات فساد على العبوات الملوثة بهذا الميكروب , مثل رائحة كريهة
وقد تكون مصحوبة بانتفاخ العبوات .
والتسمم بالـ " ستافيلوكوكس " وهو أكثر الأنواع إنتشاراً ويحدث من أحد السموم التي يفرزها الميكروب
المكور العنقودي " استافيلوكوكس " عندما يتكاثر في الأغذية التي تحتوي على بروتين , والأنسان هو المصدر
الرئيس لهذا الميكروب , حيث يوجد في فتحتي الأنف وعلى الجلد والشعر والوجه .
الأعـــــراض
- غثيان وقيء .
- إسهال .
- تقلصات في المعدة والأمعاء .
- وفي بعض حالات التسمم الغذائي تظهر الأعراض على هيئة شلل في الجهاز العصبي إلى جانب
الأضطرابات المعوية .
- وتختلف أعراض الإصابة وارتفاع الحرارة وشدتها والفترة الزمنية اللازمة لظهور الأعراض المرضية
حسب مسببات التسمم وكمية الغذاء التي تناولها الإنسان .
التشخيـــص
- الفحص السريري , في حالة وجود قيء وإسهال ومغص .
- الفحص المعملي , وذلك بوجود الميكروبات في عينة من قيء المريض , أو عينة من الإسهال .
العــــلاج
يجب أن يكون سريعاً , وهو غسل المعدة وإعطاء السوائل بجميع الطرق الممكنة مع إعطاء بعض
المضادات الحيوية للقضاء على الميكروب .
الوقايــــة
وذلك بإتباع الأمور الآتية :
- إذابة اللحوم أو الدواجن أو السمك بعد إخراجها من علبة التجميد بالبراد , ويجب أن تتم بوضعها
على الرف السفلي من البراد , لئلا تتساقط قطرات من سوائلها على الطعام , مع تجنب إذابتها
بوضعها على سطوح المجلى , إذ إن درجات الحرارة الدافئة تحفز الجراثيم على التكاثر .
- عدم ترك الأغذية المطهوة لمدة طويلة في درجة حرارة الغرفة , حتى نمنع نمو الميكروبات
وتكاثرها .
- غسل اليدين جيداً قبل الأكل وبعده .
- غسل اللحوم والدواجن جيداً في أثناء عملية التجهيز , ما يساعد على خفض عدد الميكروبات .
- خفض حدوث الأمراض في الحيوان , حيث إن التحكم فيها يمنع انتشار الميكروبات المسببة
للأمراض في اللحوم ومنتجاتها , فمثلاً مرض السالمونيلوزس يجب أن يبدأ التحكم فيه يإزالة
ميكروبات السالمونيلا من غذاء الحيوان ومنع التلوث من حيوان إلى آخر داخل المزرعة .
- يجب الأهتمام بنظافة وتطهير أجهزة وأدوات المطبخ بعد نهاية كل يوم عمل بالمطبخ ,
وكذلك بعد استخدامها في تجهيز الأغذية النيئة ( مثل اللحوم والدواجن ) , حيث أن ذلك
يقلل فرص التلوث من المواد الأولية والأغذية النيئة إلى الأغذية المطهوة .
- الحصول على الأغذية من مصادر سليمة منعاً لنشر التلوث .
أكثر الأطعمة تسبباً في التسمم
- البيض النيء أو قليل النضج .
- السلطة التي يدخل المايونيز فيها .
- الفواكه والخضروات النيئة وغير المغسولة , وكذلك اللحوم أو الدواجن النيئة .
- القريدس والمحار بأنواعه ( النيء ) .
- عصير التفاح وسواه من عصير الفواكه غير المبستر .
- الحليب والجبن غير المبسترين .
- الأطعمة المحفوظة " منزلياً " .
- اللحوم والنقانق المعلبة .
انتشار بكتيريا قاتلة في الخيار
انتشار بكتيريا قاتلة في الخيار
توصّل باحثو جامعة مونستر الألمانية إلى العامل المُسبّب لبكتيريا تعرف باسم "إيه إتش إيه سي" والتي تؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي في شكل مفاجئ، كما تؤدّي الى الإصابة بمرض فقر الدم جرّاء تدمير كرات الدم الحمراء ونقص الصفائح الدموية.
وأنّ الأمر يدور حول نوع نادر ومتغيّر من البكتيريا المقاومة لكثير من الأدوية.
وقال الأستاذ في علم الأحياء الدقيقة هيلجي كراخ إنه سيتعيّن الآن فحص ما إذا كانت هناك تغيرات أخرى يمكن أن تزيد من خطورة هذه البكتيريا.
وبعد أن سرَت أنباء عن وفاة ثلاث نساء بعد إصابتهن بهذه العدوى البكتيرية، سيطرت حالة من القلق بين المواطنين الألمان. وحسب بيانات معهد "روبرت كوخ" الألماني للتحاليل والأبحاث، هناك أكثر من 80 حالة إصابة خطيرة بالبكتيريا التي بدأت بالانتشار في ألمانيا منذ منتصف أيار الحالي، ومن أعراضها التقيؤ والغثيان.
وإن هذا التفشّي السريع للعدوى أثار حيرة الخبراء المعنيين، وظنّ بعضهم أن انتشار هذه العدوى جاء نتيجة استخدام المزارعين في ألمانيا لرَوث الإبقار في تسميد الحقول، وذلك في ضوء ترجيح البعض أن تكون الخضار النيئة، مثل: البندورة والخس والفلفل، وراء انتقال العدوى، خصوصا أنّ النساء المعنيات بالدرجة الأولى بالتعامل مع هذه الخضار في المنزل، هنّ الأكثر إصابة
توصّل باحثو جامعة مونستر الألمانية إلى العامل المُسبّب لبكتيريا تعرف باسم "إيه إتش إيه سي" والتي تؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي في شكل مفاجئ، كما تؤدّي الى الإصابة بمرض فقر الدم جرّاء تدمير كرات الدم الحمراء ونقص الصفائح الدموية.
وأنّ الأمر يدور حول نوع نادر ومتغيّر من البكتيريا المقاومة لكثير من الأدوية.
وقال الأستاذ في علم الأحياء الدقيقة هيلجي كراخ إنه سيتعيّن الآن فحص ما إذا كانت هناك تغيرات أخرى يمكن أن تزيد من خطورة هذه البكتيريا.
وبعد أن سرَت أنباء عن وفاة ثلاث نساء بعد إصابتهن بهذه العدوى البكتيرية، سيطرت حالة من القلق بين المواطنين الألمان. وحسب بيانات معهد "روبرت كوخ" الألماني للتحاليل والأبحاث، هناك أكثر من 80 حالة إصابة خطيرة بالبكتيريا التي بدأت بالانتشار في ألمانيا منذ منتصف أيار الحالي، ومن أعراضها التقيؤ والغثيان.
وإن هذا التفشّي السريع للعدوى أثار حيرة الخبراء المعنيين، وظنّ بعضهم أن انتشار هذه العدوى جاء نتيجة استخدام المزارعين في ألمانيا لرَوث الإبقار في تسميد الحقول، وذلك في ضوء ترجيح البعض أن تكون الخضار النيئة، مثل: البندورة والخس والفلفل، وراء انتقال العدوى، خصوصا أنّ النساء المعنيات بالدرجة الأولى بالتعامل مع هذه الخضار في المنزل، هنّ الأكثر إصابة
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
مشاركة مميزة
-
Can I sign u AHMED MOHAMED EL-WAZIRY" , "sami _rn2000" , "FAIRS animal" , "DR Abd-El-Rahman" , &quo...
-
http://www.ahram.org.eg/Egypt/News/123073.aspx اللهم لاتجعل هلاك مصر على يد الجنزورى اد-عبدالعزيزنور nouraziz2000@yahoo.com (رسالة مو...
-
Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of ... Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of Fragil...