التاريخ: 11/04/2011
الثورة لم تكتمل بعد
بقلم: أحمد صادق
لقد كان الزعيم الأوحد للثورة المصرية الذى التف حوله الثوار وماتوا من أجله وأقسموا ألا يتركوا الميدان حتى ينصرونه أو يموتوا دونه هو مطالب الثورة واستغرب جدا لماذا أنفض الثوار من حول زعيمهم ونكثوا عهدهم وأنكفاؤا على أنفسهم يبحثون عن مكاسب فردية لهم .
اننا أن كنا تركنا الميدان بأجسادنا فأعتقد أننا لم نتركه بأرواحنا وقلوبنا وأحلامنا.
أن المرحلة الأنتقالية للخروج من عهد الظلم والدكتاتورية الى رحابة الحرية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية لم تبدء بعد وتحتاج منا الى الصبر وأنكار الذات وعلى ذلك أتقدم بهذه الأقتراحات الى كل القوى والتيارات السياسية التى شاركت فى الثورة:
1. البدء فى المرحالة الأنتقالية بتحديد أهدافها وأرى أن تكون كالتالى :
أ- تطهير البلاد من الفساد
ب-أعادة بناء مؤسسات الدولة ودعم أستقلاليتها
ج- دستور جديد للبلاد.
د- تغيير القوانين المقيدة للحرية.
وكذلك أى أهداف تتوافق حولها قوى الثورة تدعم مستقبل البلاد.
2. تكوين جبهة تضم كل القوى والتيارات السياسية التى شاركت فى الثورة .
3. التوافق على مرشحين يمثلون كافة أطياف القوى والتيارات السياسية التى شاركت فى الثورة بنسب تمثيل حقيقية تشارك فى أنتخابات مجلس الشعب للمرحلة الأنتقالية دون رفع أى شعارات حزبية وأنما الشعار الوحيد هو جبهة ثورة 25 يناير.
4. التوافق كذلك على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية للمرحلة الأنتقالية.
5. أستمرار حكومة د. عصام شرف لهذه المرحلة الأنتقالية.
6. تستمر هذه المرحلة لمدة عامين وبعد الأستفتاء على الدستور الجديد للبلاد يحل مجلس الشعب ويقال رئيس الجمهورية وتعاد الأنتخابات على الأسس الجديدة.
وفى الختام أرجوا أن نعى جميعا خطورة هذا التشرزم الحادث الآن وأن نتوافق حول أهدافنا ونعمل من أجلها حتى لا نضيع الثورة بأيدينا.
أخبر صديق طباعة أضف تعليق التعليقات عدد القراءت: 1148 قراءة
تصفح أيضا
» الانطلاقة صعيدية بقلم: رضا محمد العراقي
» موقف لوبي إسرائيل واليمين الأميركي المتشدد من الثورة المصرية
» صناعة الوهم ندى أسامة محمد
» عُــرس الثورة.. بتحـقيـق جميع مطالبها
» الخلافة ومأزق التغيير في الخليج ..!!
» الإستحقاقات الإعلامية لثورة الخامس والعشرين من يناير بقلم : د. طارق عبد اللطيف
» مذكرات ثائر من ميدان التحرير بقلم: أحمد صادق
» هموم مصر الثورة (1) حافظ سلامة – إنكار الثورة - الثورة المضادة – رسالة لشرف
» رسالة الى الخليفة ..!! ثورة مصر تقلب شاحنة التاريخ ..!!
» كوميديا مجلس عز.. (الوطنى) يشيد بـ(معارضة) زكريا عزمى للوزراء بمجلس الشعب
إظهار الرسائل ذات التسميات ثورة 25 يناير. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات ثورة 25 يناير. إظهار كافة الرسائل
الأربعاء، يونيو 8
ثورة مصر تقلب شاحنة التاريخ
رسالة الى الخليفة ..!!
ثورة مصر تقلب شاحنة التاريخ ..!!
4-3-2011
بقلم عبد الرحمن عبد الوهاب
تقديم :
دور الثورة المصرية على المستوى الثقافي :
سيدي الخليفة :
قال تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص 4: 5 )
اجل ان الفضل كله لله ، فهو سبحانه من يؤتي الملك وينزع الملك ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيه الخير سبحانه وتعالى علوا كبيرا له المجد الذي لا يرام والعز الذي لا يضام..
قال احد الكتاب القدامى :" أن الأمة لم تفقد عزتها ولم تدفن أمجادها في قبور تاريخها ثم تسير بلا عزة وبلا مجد ، بل ان لها من حاضرها أيام غر محجلات لا يضر من رآها ان يموت، إلا ان يكون فقط قد رأى تلك الأيام "
ربما كان الكلام اعلاه لرجل عاش في واقع من الفتوحات الإسلامية ، وأيام مجد ، إلا أن واقعنا قبل الثورة بالفعل كان موبوءاً ..ما كنا نتصور أن يقول الماغوط في رثاء السياب : تشبث بموتك أيها المغفل ما الذي تريد ان تراه ، كتبك التي تباع على الأرصفة أم عكازك الذي صار بيد الوطن ، والسياب لا يستحق ذلك وهو القائل في آلية الكلمة والمجد ..
ارفع العبء عن البشر
اغرق في دمي إلى القرار
إن موتي انتصار
وكنا نهتف : سيدي الخليفة هيا تقدم واقتحم ساحاتنا الموبوءة .. اعتبرناه زمن الحيض العربي ، في "زمن يحيض فيه الرجال وتباع فيه الأوطان " وكتبنا "ايها الواقع العربي ارحل ثكلتك أمك " نحاول أن نرد الثقة في الشعوب بوجهات نظر من فروسية الإسلام السابقة بأن جغرافية الكون حاليا تستلزم الجديد من الفتوحات الإسلامية ،، كانت معالجات فكرية كالغريق يبحث عن طوق النجاة ، نجد في القرآن الكريم فخامة النص الإلهي وحلولا مستفيضة من معالجة الأنبياء للواقع الكوني ، وكتبنا في الآصرة التي تربط بين الإسلام والثورة وان الأنبياء هم ثوار الله في الأرض ..ونجد في التراث روعة الورع . والأدب الجاهلي فروسية والأدب الإسلامي محض دموع وأدب السجون ..ابتداء من البوابة السوداء لأحمد رائف ، إلى نزق الثوار والاكتئاب لمحمد الماغوط في الأرجوحة..
وكنا نتساءل ، من اين لنا بيوم واحد من أيام المجد ،لكي تكتحل عيوننا بأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا ،في حاضر بائس لا نرى إزاءه معالجة ،فقد استهلكت كل المعالجات ، او حوصرت كل الحلول ، وأصبحت الأمة في مأزق ذهني ، فريق من أحزاب المعارضة تم تدجينه و اوبق دينه لحطام ينتهزه ، في أولئك الكتاب الذين من مطبخ السلطان يأكلون وبسيفه الطويل يضربون ، أما من كان أبيا ثائرا قاموا بسجنه وتجميد نشاط حزبه كحزب العمل ، وليس هناك من صيحفة إسلامية واحدة على الساحة ، كلها قد سحبت تراخيصها ، كنا ننسلخ من الحاضر الأليم ونمضي الى موسى بن نصير نحاول اللحاق بركبه ، او ركب عمرو بن العاص او محمد بن ابي بكر نحاول ان يكون لنا راحلة او فرس في ركبهم عبر الأدب ..
بل نذهب الى خالد بن الوليد لنستأجر منه سيفا، يا ابن الوليد ألا سيفا تؤجره ، ان سيوفنا قد أصبحت خشبا، اجل وقد جاءت ثورة مصر على قدر ، الثورة عمل جبار ولكل عمل جبار ثمة محفز وخلفيات فكرية اغلبها ناضجة ومستعدة للتضحية، وبهذا العمل الجبار في 25 يناير وأيام المجد تلك لا يضرنا ان يذهب بنا الموت اليوم او غدا بعدما رأينا ايام المجد ، أيام غر محجلات كما قال الكاتب القديم أعلاه ، ،بأن قلبت ثورة مصر قلبت شاحنة التاريخ ، ذات يوم وفي أيام اليأس كان السياق منا نحاول ان نحث الهمم : ان الله لا يستجدي من عباده نصرة دينه ولن يجبرهم على ان يكونوا رجالا وعندما لا يستحقون شرف التضحية يسقطهم الله من التاريخ ثم يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه .اجل اتضح لي ان الله يحب هذا الجيل من الشباب ..فكانت الثورة على أيديهم . صدقوا الله فصدقهم ..
كنا نتألم حينما يقول جيمس زغبي العالم العربي هو مجرد شيء يقوم الغرب بضربه وتحريكه فمتى يملك العالم العربي مصيره ؟!
في وقت تنظر الشعوب الإسلامية إلى حكامها نظرة المدراء الى الموظف المهمل وتبتسم ابتسامة حزينة تخرج من عمق الوجع ، وهي ترى المجازر في غزة او البوسنة او العراق .في وقت حاول فيه الكتاب الخونة ان يقولوا لنا ان القواسم المشتركة بين الأمة وأخوة الدم و الدين والرحم هي في سحنة الوجه فقط وليس الـ DNA ولا مانع ان يكون الدم ماء ..
وهناك من يصرخ كما قال الشاعر :
الى متى فرعون يقهر عزتي وهامان ينــــــــــهب زادي
والى متى يقلق راحتى كسرى وقيصر يسترق بلادي
وهناك من انتحر ، وهناك من حرق نفسه ،حاولنا ان نبحث عن مخرج في "خيارات الموت في زمن الاستبداد "
ولكن اليوم هاهم اليوم في تونس ومن ثم مصر جيل جديد قد اثبتوا إنهم يستحقون شرف التضحية .. وكانوا رجالا بملء الكلمة ولا باس كما قال محمود درويش يوم كانت كلماتي غضبا كنت صديق للسلاسل ..
ليجيب عليه محمود الزبيري
لا سيوف تذلنا ولا سجون*** تصنع الرق في دمائنا الأبية
او كما قال الشاعر العربي القديم :
لا نرهب الموت ان الموت*** مكرمة ولا نضن على راح بأصفاد
اجل وعندما تهب الريح على الطغيان لا تبق على شيء .. اجل وقد هبت الريح ..فاستقرت الريح بزين العابدين في جده ، واستقرت بمبارك في شرم الشيخ .. حيث القى عصاه واستقر به النوى!!
قبل 25 يناير كان ابسط توصيف له ما قاله الشيخ مهدى شمس الدين حينما قال :الشعوب دجنت إلى أن أصبحت خراف ،الحكام فسدوا إلى أن أصبحوا في مستوى الخيانة ، وعلماء الدين يديرون شئون الملائكة في السماء السابعة ، والسياسيين يحفرون القبور ويجوعون البطون ويذلون النفوس .. قبل انتحار البوعزيزي في تونس بسنوات كان عندنا حالات انتحار كثيرة كان أشهرها من شنق نفسه على كوبري فيصل ،ولم يك رد الفعل المصري كما هو الحال في تونس يومها كتبت "ارحل أيها الديكتاتور فالشعب ينتحر" وانتهينا الى وضعية امتهان كرامة المصري في تصدير عمالة مصرية من الصبايا المصريات إلى بلاد الخليج البترولي كتبت يومها" فلتخرج من حياتنا سيادة الرئيس" لم يكن هناك بصيص نور في نهاية النفق ..في تلك الأثناء.. فجاءت دماء خالد سعيد وسيد بلال ..لتضخ الدماء في العروق ..
جاءت الثورة في مصر أخيرا ، فقلبت الأوضاع رأسا على عقب بما نعقد عليها من آمال. الا انه لم يرق لي ما قاله جهاد الخازن ان الأحزاب الإسلامية ما هي إلا أحزابا شيوعية بإسم آخر ..لماذا يا سيد جهاد ، فالمعروف انك نصراني الدين باسم آخر أي اسم إسلامي ..فلماذا ترمي الإسلاميين بداءك وتنسل ..؟!
****
سيدي الخليفة :
هنيئا لك سيدي فتيانك الصغار ، هنيئا لك، أولئك الأبناء الذين أتوا من رحم الزمان ، ليعود بنا إلى جيل الثورات والعظماء الذين غيروا مجرى التاريخ ، لقد راهن الخونة منذ زمن بعيد على موت مصر، وكم هيئوا للعروبة والإسلام الكفن وحاولوا ان يستخرجوا لها شهادة وفاة بالرغم ما يدب فيها من الروح ،إلا أنها اليوم تنتفض وقلبت كل المعادلات كما قال المتنبي
كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم*** انتفضت فزال القبر والكفن
اجل تنتفض كالعنقاء من تحت الركام ،وايم الله ما جف رحم نساء مصر ، أولئك الذين حملوا إلى المتخلف عن ركب عمرو بن العاص حين سجن في الترانزيت ، كعكات العيد المزركشة ونثروا عليها دقيق السكر، إنها عبقرية المجد والثورة في ميدان التحرير حالما تحول الى محيط هادر وبحر متلاطم من البشر ، فهاهم أبناءك كما لو كانوا قد هبطوا من الأرحام الى صهوات الجياد ، لله در بني تغلب واهل مصر في تلك النخوة العرباء ..!!
عربية الإحساس في نخواتها*** لله تلك النخوة العرباء
جيل جديد ، أبناء تعلموا فقه المجد والفروسية ، وكيف تنقل شاشات التلفزة ، وهم يركعون ويسجدون امام ضخ المياه على كوبري 6 اكتوبر ولم يعبئوا بالماء الحاشد ولا حتى بالموت , ان الثورة تولد من رحم الاحزان ، كيف خرج هذا الجيل الرائع الباهر ،من عمق المأساة؟! ، آن لمصر اليوم ان تتيه فخرا بابناءها ، ويوم ان مضى مبارك تنقل شاشات التلفزة من خروا سجدا لله ، ما أروع هذا الجيل ، ولله درهم من فرسان ، مهما كتبنا ومهما بحثنا عن مفردات ، لن نستطيع ان نوفي هذا الجيل من الشباب قدرة ، دخلت المسجد فوجت شابا متوضئا يأتي مسرعا ، فقدمته للإمامة ، قلت له انتم للإمامة أهل يا بني ، تقدم فدربك مجد ،يا هذا الجيل ، شباب اقسم ووفي بالقسم، هنيئا لك سيدي الخلفية أبناءك الصغار، أولئك الذين وقفوا على نواصي شوارع مصر بأسرها وهم دون العاشرة والسابعة من العمر ،في الهزيع الأخير من الليل كي يحمونها من أوباش جنود فرعون وهامان . ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص : 8 )
اجل أولئك الشباب الذين خرجوا من رحم المحنة والتجويع والإذلال والاضطهاد ، لكي يصنعوا لنا المجد والثورة ، فكان رائعا وفوق كل التوقعات ، شباب اقسم بالله خير القسم وما صانه من كريم الشيم وما اكتسحت عزمته من قمم ، وما انتفضوا به من إباء ودم ، هاهو يرمي قلبه في المزدحم ويمحو عن الشعب عار الصنم ويجعله عبرة للأمم .
سيشهد التاريخ ان يوما ما سجدت جباهاً طاهرة متوضئة على ارض ميدان التحرير ، سيسجل التاريخ كيف كان ميدان التحرير هادراً بمئات الألوف سجدوا لله ،ورفعوا الأذان بكلمة الله اكبر في سماء الميدان فردوا لمصر هويتها خمس مرات في اليوم والليلة، سيسجل التاريخ ان كان هنا رجال أوفياء ضحوا بدمائهم، كيف ضرب هذا الإعصار قواعد الطغيان ، كنت اسمع على شاشات الجزيرة نوارة نجم وعلى المستقلة أسامة رشدي ودكتور حامد الهاشمي فكان لهم القدح المعلى في التوجيه ،بشكل سلمي آتت ثمارها ،كنت أتوقف عن أقوال جيفارا ، وهو شي منه وما وتسي تونج من قبل، كنت أتوجس البعد الدموي من قضية صناعة الثورات في بيئتنا الشرقية عندما كتبت "فقه المجد والثورة " والتجربة الإسلامية في الثورة طويلة منذ الإمام الحسين إلى الإمام الخميني ناهيك عن الشيوخ المجاهدين سواء حسن البنا وحرب فلسطين اوعمر المختار في ليبيا إلى عز الدين القسام في سوريا وفلسطين إلى ابن باديس في الجزائر انتهاء إلى الشيخ عبد الله عزام فمعظمهم من كبار الثوار الذين غيروا مسار التاريخ ..وكنت اتساءل عن قول سابستيان دي لاروش : هل تتوقع ان الثورة صنعت من ماء الورد ،Do you think then that revolutions are made with rose water? او ان الثورة برميل من البارود كما قال ما تسي تونج ، لذلك كتبت الثورة والأخلاق في المشروع الحضاري الإسلامي ، بغية تجنيب أي ثورة هذا المنزلق الخطير في إرهاصات ما قبل الثورة.
هاهي مصر اليوم وهاهو نيل مصر الذي كان دوما شرابا للصابرين وحسرة على ال فرعون والكافرين هاهو يمضي ببقايا الطغيان(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) (الدخان : 29 ) ، في معالجة الطغيان ، بحثنا عن ثورة الحسين كمنطلق ، و"خيارات الموت في زمن الاستبداد" وقلنا انه "فقط بالثورات يرحل الطغيان" وهاهي ارض مصر اليوم تنشق عن ثمانين مليون ثائر ، حاولنا ان نبحث عن الحالة المصرية ومعالجتها منذ يوسف عليه السلام ، منذ ان قال يا صاحبي السجن (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف : 39 )، وتساءلنا هل قدر للدعوة إلى الله في مصر ان تنطلق من السجون والزنازين ،وتوقفنا عند تشخيص الحالة المصرية عند أبي الأعلى المودودي وتخوفنا من تحليله حين قال ان الحالة المصرية حالة خاصة ، لان الله تعالى ارسل موسى الى فرعون خاصة فالتغيير كان موجها الى الرمز اي فرعون نفسه (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه : 24 ولم يضطلع الشعب بدور في المعالجة ،لانه لا تعويل عليه، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف : 54 ) حاولنا ان نسوق توضيحا انه لابد من رفض صفقة الاستخفاف من قبل الطغيان كيلا نكون قوما فاسقين اجل ان الرفض ايمان والانصياع فسق، والتوضيحات في هكذا سياق مهم وجدير بأن يؤتي أُكُله،..كان المتطلب ان ترفض الشعوب الاستخفاف ويعلنوا العصيان كي لا نندرج تحت قائمة الفاسقين. وتجاوزت الثورة مرحلة التنظير إلى مرحلة التفعيل على ارض الواقع بهذا الجيل الجديد ..
اجل ،الجيل الجديد من الثوار استوعب الدرس فرفضوا الاستخفاف واخذوا الشرارة من تونس وأعلنوها مظاهرات وعصيانا وثورة تحت كل حجر وعلى ناصية كل شارع وزحفاً جنود الله تخرج من مسجدي ، وكتب عامر عبد المنعم الثورة تخرج من المساجد ، في مرحلة التأرجح ومشارف النصر خرج عبد الحليم قنديل بتحليل رائع مصر و نيرون خرجت الملايين لتصنع التاريخ ، كتب مجدي حسين وأدلى بدلوه فيمن أرادوا التفاوض مع الطغيان . روعة الامر ان الشباب كانوا وقود هذه الثورة وتحملوا تكاليفها الباهظة ..من مواجهة وتضحيات وسجن ودم ..
سيدي الخليفة: هنيئا لك ابناءك الصغار الذين رفعوا اسم مصر، أولئك الذين اهرقوا دمائهم قربانا في سبيل الله .. كان الشعب على بعد لحظات من النصر ،كان ثمة عناد ألا يترك الساحة ،ركعنا وسجدنا لله تعالى ان ينزع الله من مبارك الملك ، في صلاة الجمعة في شارع الصعيدي مهند ابني مع زملاءه اخبرني ان خطيب الجمعة كان يجأر بالدعاء واظهر مدى الافتقار وكرر حسبنا الله ونعم الوكيل عدة مرات مخلصا في الدعاء ..
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران : 26 )
سيدي الخليفة :
في فقه الثورة ، قال المحللون ان المعارك التي تمنى بها الشعوب بأسوأ الهزائم هي المعارك التي لم تخضها ، وها قد خاض الشعب المصري معركته مع الطغيان ، وكسب الجولة ،وذكرنا ان الحسين كان ذو إصرار مستميت على ان يخوض الملحمة حتى آخر شوط ، وقلنا أكثر من مرة ان لو كان هناك حلولا أخرى لأقدم عليها الحسين هكذا خاضها سيد شباب اهل الجنة لكي يثبت للشعوب ان الخوف شعور زائف ، فلابد ان تخوض تلك الشعوب الملحمة ، كان معالجة الحسين ثرية لأنها ثورة خرجت من تحت عباءة رسول الله وكساءه الشريف وان "ما الحياة الا انتفاضة ثائر" ذكرنا ان "الحسين ما زال مغضوبا عليه".. لأنه فتح على الطغيان باب من أبواب جهنم وتعامل الاستبداد مع الحسين بكل دهاء وما عليك إلا أن تنزل مضارب بني أمية وتنزل إلى أي مكتبة عامة وتسأل عن كتاب او بحث عن الحسين او ال بيت محمد الا واعتبروك زنديقا او نظروا إليك شذرا.. قال غاندي تعلمت من الحسين ان انتصر مظلوما ، وقال الخميني ليس عندنا سوى عاشوراء .. وقال برس سايكس ، لقد عزم الحسين والفئة المؤمنة معه على الكفاح بصورة تتحدى إعجابنا وإكبارنا على مر التاريخ إلى يومنا هذا.
كانت معالجة الثورة الفرنسية رائعة إلا أن لنا عليها بعض التحفظات والخطوط الحمراء في مسألة استثناء الدين من المعالجة لثأر مبيت بينهم وبين رجال الدين المسيحيين ، وأعجبني دور المقصلة في الثورة الفرنسية ذكرناها في "مصر والساحة الحمراء"ولكن للبيئة الأوربية ظروفها .لا يمكن أن نسحبها على مصر .. بالرغم انه قد ظهر عندنا من باء بها .. ممن افتوا بقتل القرضاوي والبرادعي .. معضلة حينما يفسد رجال الدين ..!!
حاليا تلقت الثورة طعنات نافذة :
ان الثورة ُتخرج انبل ما في الإنسان ، والطغيان يُخرج أسوأ ما في الإنسان ما قال الدكتور علاء الأسواني.. لهذا رأينا جيش أبو لهب من الجمال وعربات الكارو والعربجية والبلطجية يقتحم ميدان التحرير في القرن الواحد والعشرين ..انها وصمة العار التي تلاحق الطغيان.
من مفارقة عجيبة ،شباب تقي يبحث في ميدان التحرير عن مكان للماء يتوضأ منه ويسجد ويركع بالميدان ويعلي الاذان .. وعلى الجانب الأسوأ بلطجية وسنج وكرات من النار وزجاجات الملوتوف ..بالله عليكم هل تلتقي هذه بتلك .
ها نحن اليوم سيدي الخليفة على بعد فرسخين من قصر الخلافة ، وما أن رأي الإخوان المسلمون الهجمة قالوا نخشى ان تصيبنا دائرة .. ولقد قالها المهدى عاكف منذ سنوات في جريدة الشرق الأوسط .. بمانشيت عريض "لسنا أهل ثورة".. الا انه قد خرج العريان بتصريحات من بي بي سي بعضها رائع والآخر مؤلم، والرائع هو ما أفاد به أن المادة الثانية من الدستور أي ان الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي في الدستور ان هذا البند فوق المناقشة وخط احمر لا نسمح بالمساس به ، كان رد رائع بالفعل منه واسأل الله ان يسجله في ميزان حسناته، الا انه لم يرق لي وما صرح به ان معاهدة السلام وقعت بما يضمن حقوق الفلسطينيين ، ويضيف لا داعي ان يطلع الشعب على الاتفاقيات المبرمة وانها لا تناقش على صفحات الجرائد.. تصريحات عارية من الشفافية والنزاهة تبتغي وجه إسرائيل وأميركا ولا تبتغي وجه الله.. أي انه لا مانع لدى العريان ان تطبخ المعاهدات سرا .. نعلم يا سيد عريان ان الكل يتنمر للإسلام ولكن ليس هكذا تورد الإبل .. ولا يقبل الله تعالى أساليب البيضة والحجر ،او ما يسميه الفرنجة hocus pocus قالوا ان الإمام علي فشل في ميدان السياسة لان مثالية هذه الشخصية أبت أن تنزل به الى حمأتها .. قضيتكم توصيل الإسلام وكذا وبملء الفم "أن يحكم الإسلام" ، فإذا تقاعستم عنها سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة : 54 ) أرجوك ان تقل الحق وتطالب بحكم الإسلام لمصر ولا تخش في الله لومة لائم ..
ا .. فلتكن المقدمات نزيهة كي نوصل الى النتائج نزيهة .. وليس بالمطبخ السري للسياسة تكسب الصفقات ..ليس هكذا نوصل الإسلام للآخرين. وليس هكذا سيحكم الإسلام ، لماذا تخجلون من أن يحكم الإسلام ؟..انا أعلنها مدوية فليحكم الاسلام مصر ، فلماذا تتقاعسوا ان ترشحوا انفسكم .
لكم تمنينا لك العودة سيدي الخليفة كي تمسح على رؤوس اليتامى وتصلي بنا جماعة . وتعود مصر إسلامية ولكن كيف؟! وهناك لقيصر ألف بروتس كي يطعنه ..ولكل ال ياسر الف ابا لهب كي يقهره ، ولكل حمزة الف وحشي كي يطعنه والف بنت عتبة كي تمضغ كبده ..
ولكن هو سياق الإسلام دوما كما قال الشاعر :
وما أبالي وان أريقت دمائي**** فدماء الكرام دوما مباحة
وهاهم القوم أرادوها ديمقراطية ، ونتساءل ألم يكن الحزب الحاكم بالأمس ديمقراطيا .. ما العيب أن يحكم الإسلام .. ما هي الجريمة في ان يحكم الأرض شريعة الله .. ما العيب وما هي الجريمة ؟ ان يهيمن القرآن على مصر شريعة ودستورا !! ..بدلا من ان يتقافز بني امية من العلمانيين على منبر رسول الله .. ليقول جهاد الخازن ان الحكومة السعودية أكثر ليبرالية من الشعب ،الكل يريد ان يحكم بغير ما انزل الله .. وكلما تنادي بشرع الله تخرج عليك ألف بندقية ..كل من هب ودب يريد ان يحكم بغير ما انزل الله حتى بنو سوزان ..ألا بعدا لعاد كما بعدت ثمود.. كما قال ابو فراس :
ادعاها بنو سوزان ارثهم **** وليس لهم فيها قَدم ولا قِدم
واسمع مايكل منير على (قناة الحياة) خضراء الدمن ومسجد الضرار مع عمرو أديب، يريد الأول نزع المادة الثانية من الدستور ان العقيدة الإسلامية مصدر التشريع، ويعلنها بلا حياء، "لكيلا تأتي لنا دولة دينية"، كيف يجتريء هذا الوقح.. كيف يريد طمس هويتنا علانية وبلا حياء من على قناة سيد البدوي هذا الاخير الذي حاول ركب الموجة مرارا وتكرارا أثناء الثورة، ذلك الذي باع جريدته لنصراني، ولا مانع لديه ان يبيع كل شيء بما فيها قصر الخلافة ومستقبل مصر وماضيه ..
وتتوالى الطعنات على الثورة طعنة تلو أخرى بما يفيد وأعلنوه : التزام مصر بالمعاهدات التي أبرمتها سابقا!!
،إذن فلتطمئن إسرائيل ، ولأمريكا من عرضنا ما استحلت ، كما قال بن أبي ربيعة ..ولم يختلف شيء عن الأمس ، لقد مضي مبارك وسيأتي مبارك آخر .. أي ان مصر لن تخرج عن محور الاعتدال ، وما زلت مغلة بالقيود ، يوم أن جهرت بها الثورة في الميدان أنها ضد إيران ، أي أن مصر لم تخرج عن محور الاعتدال ، بما يعني انه سيظل يلعب الفعل المضارع اليهودي في مصر الاختراق وأعماله الجهنمية أخشى بالفعل انه.. لم يجد جديد ، اللهم الا في غضبة شعب وآلاف الجرحى ومئات الشهداء ، ويمضي فرعون ومن ثم يأتي فرعون آخر ولم تكسر بعد سلسلة الطغيان .. الواقع السياسي في شرم الشيخ كان يأتيه شارون ويزوره رابين ..
هذا قبل 25 يناير وكذلك في ظل الالتزام بالاتفاقيات لن يتغير شيء، .. هل سيظل براوح الواقع السياسي المصري مكانه في العمالة لإسرائيل.. حتى بعد هذه الثورة وتلك التضحيات. ؟! ..فضوها سيرة ..!! كنت أتمنى ان يعلنوا ان اتفاقية السلام تحت نعال واقدام الشعب المصري .. ان عدم الالتزام باتفاقية السلام هو بمثابة انسلاخ من ربقة الذل والاستبداد الاميركي الإسرائيلي وهو انعتاق نحو الريادة في المنطقة وحرية القرار السياسي وعكس ذلك ،هو ان مصر ستظل تلعب دور العميل وتقزيم لدور مصر ..وتتحول إلى مجرد بواب على معبر رفح .. وهذا ما يرفضه تاريخ مجيد ونخوة عرباء وسياق الريادة .. وكل حر وثائر على ارض مصر .. اجل فلتنته مرحلة التصهين ولتبدأ مرحلة جديدة وهي ان تعود مصر الى حضنها القومي والإسلامي ..
اجل فلتنته دولة الصهاينة في مصر ..!!
ومن خلال قراءتي للأحداث ..ما أرى إلا أن الشعب قد سرقت منه الثورة جراء التدخل الأمريكي الإسرائيلي .. واللهو الخفي الذي تم خلف الكواليس،، فإذا لم تخرج مصر من محور الاعتدال ومعاهدة العار ، هذا يعني قطعا انه لم يجد جديد.. وأننا مازلنا نراوح مكاننا فيما قبل 25 يناير .. ولم يتغير إلا الوجوه وحسبنا نفس السياسات ..ليس هذا ما ضحى من اجله الشعب ..
أما البعد الغالب الاهمية ، انه قد أعلن نتانياهو "ان عدم الاستقرار في مصر سيستمر لسنوات بعد رحيل مبارك" ، واكد ايهود بارك "ان هناك فترة مثالية للثورة بعدها هناك من هم مستعدون لان يَقتلوا وُيقتلوا" ، ولقد وضع مبارك مصر في مازق ما بين خيارين "الاستقرار اوالفوضى" ، يبدو ان تباشير عدم الاستقرار التي نوه عنها الثلاثة قد اتضحت اليوم ليقول احد الصحفيين في اتصال هاتفي مع قناة الاقصى من محافظة الشرقية بمصر انه قد تم قتل احد المعارضين بثمانية عشرة طعنة نافذة أفضت به الى الموت قبل وصوله إلى المستشفى ، بمعنى ان هناك من يريدون العبث بأمن مصر ومن هنا نناشد القائمين على الدولة حاليا ان يكون هناك قصاص رادع من القتلة حتى لا تكون مصر مسرحا لعملاء الموساد ومافيا الاجرام ، و ننوه ان الثورة الفرنسية قد تغلبت عليها بتفعيل دور المقصلة للمجرمين والخارجين على القانون ولا مانع ولا حرج إسلاميا من القصاص فان الرحمة بالمجرم خيانة للضحية، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : 178 ) وقال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : 179 )
.سيدي الخليفة : كلما اقتربت المسافة إليك ،تتلقى في الظهر ألف طعنة ,, فمتى تعود ومتى نعقد البيعة .. ومتى تعود مصر دولة إسلامية كي ينعم فيها أطفالنا بالأمان.. قال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين : 8 ) وقال تعالى في علاه :
(أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (النور : 50 )
سيدي الخليفة :
عندما يزداد الظلم والطغيان يغضب الله الملك القهار وعندما يعلو رأس فرعون يولد موسى لخفض رأس فرعون في كل زمان ..
واسلم لامتك يا خليفة .
ثورة مصر تقلب شاحنة التاريخ ..!!
4-3-2011
بقلم عبد الرحمن عبد الوهاب
تقديم :
دور الثورة المصرية على المستوى الثقافي :
سيدي الخليفة :
قال تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص 4: 5 )
اجل ان الفضل كله لله ، فهو سبحانه من يؤتي الملك وينزع الملك ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيه الخير سبحانه وتعالى علوا كبيرا له المجد الذي لا يرام والعز الذي لا يضام..
قال احد الكتاب القدامى :" أن الأمة لم تفقد عزتها ولم تدفن أمجادها في قبور تاريخها ثم تسير بلا عزة وبلا مجد ، بل ان لها من حاضرها أيام غر محجلات لا يضر من رآها ان يموت، إلا ان يكون فقط قد رأى تلك الأيام "
ربما كان الكلام اعلاه لرجل عاش في واقع من الفتوحات الإسلامية ، وأيام مجد ، إلا أن واقعنا قبل الثورة بالفعل كان موبوءاً ..ما كنا نتصور أن يقول الماغوط في رثاء السياب : تشبث بموتك أيها المغفل ما الذي تريد ان تراه ، كتبك التي تباع على الأرصفة أم عكازك الذي صار بيد الوطن ، والسياب لا يستحق ذلك وهو القائل في آلية الكلمة والمجد ..
ارفع العبء عن البشر
اغرق في دمي إلى القرار
إن موتي انتصار
وكنا نهتف : سيدي الخليفة هيا تقدم واقتحم ساحاتنا الموبوءة .. اعتبرناه زمن الحيض العربي ، في "زمن يحيض فيه الرجال وتباع فيه الأوطان " وكتبنا "ايها الواقع العربي ارحل ثكلتك أمك " نحاول أن نرد الثقة في الشعوب بوجهات نظر من فروسية الإسلام السابقة بأن جغرافية الكون حاليا تستلزم الجديد من الفتوحات الإسلامية ،، كانت معالجات فكرية كالغريق يبحث عن طوق النجاة ، نجد في القرآن الكريم فخامة النص الإلهي وحلولا مستفيضة من معالجة الأنبياء للواقع الكوني ، وكتبنا في الآصرة التي تربط بين الإسلام والثورة وان الأنبياء هم ثوار الله في الأرض ..ونجد في التراث روعة الورع . والأدب الجاهلي فروسية والأدب الإسلامي محض دموع وأدب السجون ..ابتداء من البوابة السوداء لأحمد رائف ، إلى نزق الثوار والاكتئاب لمحمد الماغوط في الأرجوحة..
وكنا نتساءل ، من اين لنا بيوم واحد من أيام المجد ،لكي تكتحل عيوننا بأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا ،في حاضر بائس لا نرى إزاءه معالجة ،فقد استهلكت كل المعالجات ، او حوصرت كل الحلول ، وأصبحت الأمة في مأزق ذهني ، فريق من أحزاب المعارضة تم تدجينه و اوبق دينه لحطام ينتهزه ، في أولئك الكتاب الذين من مطبخ السلطان يأكلون وبسيفه الطويل يضربون ، أما من كان أبيا ثائرا قاموا بسجنه وتجميد نشاط حزبه كحزب العمل ، وليس هناك من صيحفة إسلامية واحدة على الساحة ، كلها قد سحبت تراخيصها ، كنا ننسلخ من الحاضر الأليم ونمضي الى موسى بن نصير نحاول اللحاق بركبه ، او ركب عمرو بن العاص او محمد بن ابي بكر نحاول ان يكون لنا راحلة او فرس في ركبهم عبر الأدب ..
بل نذهب الى خالد بن الوليد لنستأجر منه سيفا، يا ابن الوليد ألا سيفا تؤجره ، ان سيوفنا قد أصبحت خشبا، اجل وقد جاءت ثورة مصر على قدر ، الثورة عمل جبار ولكل عمل جبار ثمة محفز وخلفيات فكرية اغلبها ناضجة ومستعدة للتضحية، وبهذا العمل الجبار في 25 يناير وأيام المجد تلك لا يضرنا ان يذهب بنا الموت اليوم او غدا بعدما رأينا ايام المجد ، أيام غر محجلات كما قال الكاتب القديم أعلاه ، ،بأن قلبت ثورة مصر قلبت شاحنة التاريخ ، ذات يوم وفي أيام اليأس كان السياق منا نحاول ان نحث الهمم : ان الله لا يستجدي من عباده نصرة دينه ولن يجبرهم على ان يكونوا رجالا وعندما لا يستحقون شرف التضحية يسقطهم الله من التاريخ ثم يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه .اجل اتضح لي ان الله يحب هذا الجيل من الشباب ..فكانت الثورة على أيديهم . صدقوا الله فصدقهم ..
كنا نتألم حينما يقول جيمس زغبي العالم العربي هو مجرد شيء يقوم الغرب بضربه وتحريكه فمتى يملك العالم العربي مصيره ؟!
في وقت تنظر الشعوب الإسلامية إلى حكامها نظرة المدراء الى الموظف المهمل وتبتسم ابتسامة حزينة تخرج من عمق الوجع ، وهي ترى المجازر في غزة او البوسنة او العراق .في وقت حاول فيه الكتاب الخونة ان يقولوا لنا ان القواسم المشتركة بين الأمة وأخوة الدم و الدين والرحم هي في سحنة الوجه فقط وليس الـ DNA ولا مانع ان يكون الدم ماء ..
وهناك من يصرخ كما قال الشاعر :
الى متى فرعون يقهر عزتي وهامان ينــــــــــهب زادي
والى متى يقلق راحتى كسرى وقيصر يسترق بلادي
وهناك من انتحر ، وهناك من حرق نفسه ،حاولنا ان نبحث عن مخرج في "خيارات الموت في زمن الاستبداد "
ولكن اليوم هاهم اليوم في تونس ومن ثم مصر جيل جديد قد اثبتوا إنهم يستحقون شرف التضحية .. وكانوا رجالا بملء الكلمة ولا باس كما قال محمود درويش يوم كانت كلماتي غضبا كنت صديق للسلاسل ..
ليجيب عليه محمود الزبيري
لا سيوف تذلنا ولا سجون*** تصنع الرق في دمائنا الأبية
او كما قال الشاعر العربي القديم :
لا نرهب الموت ان الموت*** مكرمة ولا نضن على راح بأصفاد
اجل وعندما تهب الريح على الطغيان لا تبق على شيء .. اجل وقد هبت الريح ..فاستقرت الريح بزين العابدين في جده ، واستقرت بمبارك في شرم الشيخ .. حيث القى عصاه واستقر به النوى!!
قبل 25 يناير كان ابسط توصيف له ما قاله الشيخ مهدى شمس الدين حينما قال :الشعوب دجنت إلى أن أصبحت خراف ،الحكام فسدوا إلى أن أصبحوا في مستوى الخيانة ، وعلماء الدين يديرون شئون الملائكة في السماء السابعة ، والسياسيين يحفرون القبور ويجوعون البطون ويذلون النفوس .. قبل انتحار البوعزيزي في تونس بسنوات كان عندنا حالات انتحار كثيرة كان أشهرها من شنق نفسه على كوبري فيصل ،ولم يك رد الفعل المصري كما هو الحال في تونس يومها كتبت "ارحل أيها الديكتاتور فالشعب ينتحر" وانتهينا الى وضعية امتهان كرامة المصري في تصدير عمالة مصرية من الصبايا المصريات إلى بلاد الخليج البترولي كتبت يومها" فلتخرج من حياتنا سيادة الرئيس" لم يكن هناك بصيص نور في نهاية النفق ..في تلك الأثناء.. فجاءت دماء خالد سعيد وسيد بلال ..لتضخ الدماء في العروق ..
جاءت الثورة في مصر أخيرا ، فقلبت الأوضاع رأسا على عقب بما نعقد عليها من آمال. الا انه لم يرق لي ما قاله جهاد الخازن ان الأحزاب الإسلامية ما هي إلا أحزابا شيوعية بإسم آخر ..لماذا يا سيد جهاد ، فالمعروف انك نصراني الدين باسم آخر أي اسم إسلامي ..فلماذا ترمي الإسلاميين بداءك وتنسل ..؟!
****
سيدي الخليفة :
هنيئا لك سيدي فتيانك الصغار ، هنيئا لك، أولئك الأبناء الذين أتوا من رحم الزمان ، ليعود بنا إلى جيل الثورات والعظماء الذين غيروا مجرى التاريخ ، لقد راهن الخونة منذ زمن بعيد على موت مصر، وكم هيئوا للعروبة والإسلام الكفن وحاولوا ان يستخرجوا لها شهادة وفاة بالرغم ما يدب فيها من الروح ،إلا أنها اليوم تنتفض وقلبت كل المعادلات كما قال المتنبي
كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم*** انتفضت فزال القبر والكفن
اجل تنتفض كالعنقاء من تحت الركام ،وايم الله ما جف رحم نساء مصر ، أولئك الذين حملوا إلى المتخلف عن ركب عمرو بن العاص حين سجن في الترانزيت ، كعكات العيد المزركشة ونثروا عليها دقيق السكر، إنها عبقرية المجد والثورة في ميدان التحرير حالما تحول الى محيط هادر وبحر متلاطم من البشر ، فهاهم أبناءك كما لو كانوا قد هبطوا من الأرحام الى صهوات الجياد ، لله در بني تغلب واهل مصر في تلك النخوة العرباء ..!!
عربية الإحساس في نخواتها*** لله تلك النخوة العرباء
جيل جديد ، أبناء تعلموا فقه المجد والفروسية ، وكيف تنقل شاشات التلفزة ، وهم يركعون ويسجدون امام ضخ المياه على كوبري 6 اكتوبر ولم يعبئوا بالماء الحاشد ولا حتى بالموت , ان الثورة تولد من رحم الاحزان ، كيف خرج هذا الجيل الرائع الباهر ،من عمق المأساة؟! ، آن لمصر اليوم ان تتيه فخرا بابناءها ، ويوم ان مضى مبارك تنقل شاشات التلفزة من خروا سجدا لله ، ما أروع هذا الجيل ، ولله درهم من فرسان ، مهما كتبنا ومهما بحثنا عن مفردات ، لن نستطيع ان نوفي هذا الجيل من الشباب قدرة ، دخلت المسجد فوجت شابا متوضئا يأتي مسرعا ، فقدمته للإمامة ، قلت له انتم للإمامة أهل يا بني ، تقدم فدربك مجد ،يا هذا الجيل ، شباب اقسم ووفي بالقسم، هنيئا لك سيدي الخلفية أبناءك الصغار، أولئك الذين وقفوا على نواصي شوارع مصر بأسرها وهم دون العاشرة والسابعة من العمر ،في الهزيع الأخير من الليل كي يحمونها من أوباش جنود فرعون وهامان . ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص : 8 )
اجل أولئك الشباب الذين خرجوا من رحم المحنة والتجويع والإذلال والاضطهاد ، لكي يصنعوا لنا المجد والثورة ، فكان رائعا وفوق كل التوقعات ، شباب اقسم بالله خير القسم وما صانه من كريم الشيم وما اكتسحت عزمته من قمم ، وما انتفضوا به من إباء ودم ، هاهو يرمي قلبه في المزدحم ويمحو عن الشعب عار الصنم ويجعله عبرة للأمم .
سيشهد التاريخ ان يوما ما سجدت جباهاً طاهرة متوضئة على ارض ميدان التحرير ، سيسجل التاريخ كيف كان ميدان التحرير هادراً بمئات الألوف سجدوا لله ،ورفعوا الأذان بكلمة الله اكبر في سماء الميدان فردوا لمصر هويتها خمس مرات في اليوم والليلة، سيسجل التاريخ ان كان هنا رجال أوفياء ضحوا بدمائهم، كيف ضرب هذا الإعصار قواعد الطغيان ، كنت اسمع على شاشات الجزيرة نوارة نجم وعلى المستقلة أسامة رشدي ودكتور حامد الهاشمي فكان لهم القدح المعلى في التوجيه ،بشكل سلمي آتت ثمارها ،كنت أتوقف عن أقوال جيفارا ، وهو شي منه وما وتسي تونج من قبل، كنت أتوجس البعد الدموي من قضية صناعة الثورات في بيئتنا الشرقية عندما كتبت "فقه المجد والثورة " والتجربة الإسلامية في الثورة طويلة منذ الإمام الحسين إلى الإمام الخميني ناهيك عن الشيوخ المجاهدين سواء حسن البنا وحرب فلسطين اوعمر المختار في ليبيا إلى عز الدين القسام في سوريا وفلسطين إلى ابن باديس في الجزائر انتهاء إلى الشيخ عبد الله عزام فمعظمهم من كبار الثوار الذين غيروا مسار التاريخ ..وكنت اتساءل عن قول سابستيان دي لاروش : هل تتوقع ان الثورة صنعت من ماء الورد ،Do you think then that revolutions are made with rose water? او ان الثورة برميل من البارود كما قال ما تسي تونج ، لذلك كتبت الثورة والأخلاق في المشروع الحضاري الإسلامي ، بغية تجنيب أي ثورة هذا المنزلق الخطير في إرهاصات ما قبل الثورة.
هاهي مصر اليوم وهاهو نيل مصر الذي كان دوما شرابا للصابرين وحسرة على ال فرعون والكافرين هاهو يمضي ببقايا الطغيان(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) (الدخان : 29 ) ، في معالجة الطغيان ، بحثنا عن ثورة الحسين كمنطلق ، و"خيارات الموت في زمن الاستبداد" وقلنا انه "فقط بالثورات يرحل الطغيان" وهاهي ارض مصر اليوم تنشق عن ثمانين مليون ثائر ، حاولنا ان نبحث عن الحالة المصرية ومعالجتها منذ يوسف عليه السلام ، منذ ان قال يا صاحبي السجن (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف : 39 )، وتساءلنا هل قدر للدعوة إلى الله في مصر ان تنطلق من السجون والزنازين ،وتوقفنا عند تشخيص الحالة المصرية عند أبي الأعلى المودودي وتخوفنا من تحليله حين قال ان الحالة المصرية حالة خاصة ، لان الله تعالى ارسل موسى الى فرعون خاصة فالتغيير كان موجها الى الرمز اي فرعون نفسه (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه : 24 ولم يضطلع الشعب بدور في المعالجة ،لانه لا تعويل عليه، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف : 54 ) حاولنا ان نسوق توضيحا انه لابد من رفض صفقة الاستخفاف من قبل الطغيان كيلا نكون قوما فاسقين اجل ان الرفض ايمان والانصياع فسق، والتوضيحات في هكذا سياق مهم وجدير بأن يؤتي أُكُله،..كان المتطلب ان ترفض الشعوب الاستخفاف ويعلنوا العصيان كي لا نندرج تحت قائمة الفاسقين. وتجاوزت الثورة مرحلة التنظير إلى مرحلة التفعيل على ارض الواقع بهذا الجيل الجديد ..
اجل ،الجيل الجديد من الثوار استوعب الدرس فرفضوا الاستخفاف واخذوا الشرارة من تونس وأعلنوها مظاهرات وعصيانا وثورة تحت كل حجر وعلى ناصية كل شارع وزحفاً جنود الله تخرج من مسجدي ، وكتب عامر عبد المنعم الثورة تخرج من المساجد ، في مرحلة التأرجح ومشارف النصر خرج عبد الحليم قنديل بتحليل رائع مصر و نيرون خرجت الملايين لتصنع التاريخ ، كتب مجدي حسين وأدلى بدلوه فيمن أرادوا التفاوض مع الطغيان . روعة الامر ان الشباب كانوا وقود هذه الثورة وتحملوا تكاليفها الباهظة ..من مواجهة وتضحيات وسجن ودم ..
سيدي الخليفة: هنيئا لك ابناءك الصغار الذين رفعوا اسم مصر، أولئك الذين اهرقوا دمائهم قربانا في سبيل الله .. كان الشعب على بعد لحظات من النصر ،كان ثمة عناد ألا يترك الساحة ،ركعنا وسجدنا لله تعالى ان ينزع الله من مبارك الملك ، في صلاة الجمعة في شارع الصعيدي مهند ابني مع زملاءه اخبرني ان خطيب الجمعة كان يجأر بالدعاء واظهر مدى الافتقار وكرر حسبنا الله ونعم الوكيل عدة مرات مخلصا في الدعاء ..
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران : 26 )
سيدي الخليفة :
في فقه الثورة ، قال المحللون ان المعارك التي تمنى بها الشعوب بأسوأ الهزائم هي المعارك التي لم تخضها ، وها قد خاض الشعب المصري معركته مع الطغيان ، وكسب الجولة ،وذكرنا ان الحسين كان ذو إصرار مستميت على ان يخوض الملحمة حتى آخر شوط ، وقلنا أكثر من مرة ان لو كان هناك حلولا أخرى لأقدم عليها الحسين هكذا خاضها سيد شباب اهل الجنة لكي يثبت للشعوب ان الخوف شعور زائف ، فلابد ان تخوض تلك الشعوب الملحمة ، كان معالجة الحسين ثرية لأنها ثورة خرجت من تحت عباءة رسول الله وكساءه الشريف وان "ما الحياة الا انتفاضة ثائر" ذكرنا ان "الحسين ما زال مغضوبا عليه".. لأنه فتح على الطغيان باب من أبواب جهنم وتعامل الاستبداد مع الحسين بكل دهاء وما عليك إلا أن تنزل مضارب بني أمية وتنزل إلى أي مكتبة عامة وتسأل عن كتاب او بحث عن الحسين او ال بيت محمد الا واعتبروك زنديقا او نظروا إليك شذرا.. قال غاندي تعلمت من الحسين ان انتصر مظلوما ، وقال الخميني ليس عندنا سوى عاشوراء .. وقال برس سايكس ، لقد عزم الحسين والفئة المؤمنة معه على الكفاح بصورة تتحدى إعجابنا وإكبارنا على مر التاريخ إلى يومنا هذا.
كانت معالجة الثورة الفرنسية رائعة إلا أن لنا عليها بعض التحفظات والخطوط الحمراء في مسألة استثناء الدين من المعالجة لثأر مبيت بينهم وبين رجال الدين المسيحيين ، وأعجبني دور المقصلة في الثورة الفرنسية ذكرناها في "مصر والساحة الحمراء"ولكن للبيئة الأوربية ظروفها .لا يمكن أن نسحبها على مصر .. بالرغم انه قد ظهر عندنا من باء بها .. ممن افتوا بقتل القرضاوي والبرادعي .. معضلة حينما يفسد رجال الدين ..!!
حاليا تلقت الثورة طعنات نافذة :
ان الثورة ُتخرج انبل ما في الإنسان ، والطغيان يُخرج أسوأ ما في الإنسان ما قال الدكتور علاء الأسواني.. لهذا رأينا جيش أبو لهب من الجمال وعربات الكارو والعربجية والبلطجية يقتحم ميدان التحرير في القرن الواحد والعشرين ..انها وصمة العار التي تلاحق الطغيان.
من مفارقة عجيبة ،شباب تقي يبحث في ميدان التحرير عن مكان للماء يتوضأ منه ويسجد ويركع بالميدان ويعلي الاذان .. وعلى الجانب الأسوأ بلطجية وسنج وكرات من النار وزجاجات الملوتوف ..بالله عليكم هل تلتقي هذه بتلك .
ها نحن اليوم سيدي الخليفة على بعد فرسخين من قصر الخلافة ، وما أن رأي الإخوان المسلمون الهجمة قالوا نخشى ان تصيبنا دائرة .. ولقد قالها المهدى عاكف منذ سنوات في جريدة الشرق الأوسط .. بمانشيت عريض "لسنا أهل ثورة".. الا انه قد خرج العريان بتصريحات من بي بي سي بعضها رائع والآخر مؤلم، والرائع هو ما أفاد به أن المادة الثانية من الدستور أي ان الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي في الدستور ان هذا البند فوق المناقشة وخط احمر لا نسمح بالمساس به ، كان رد رائع بالفعل منه واسأل الله ان يسجله في ميزان حسناته، الا انه لم يرق لي وما صرح به ان معاهدة السلام وقعت بما يضمن حقوق الفلسطينيين ، ويضيف لا داعي ان يطلع الشعب على الاتفاقيات المبرمة وانها لا تناقش على صفحات الجرائد.. تصريحات عارية من الشفافية والنزاهة تبتغي وجه إسرائيل وأميركا ولا تبتغي وجه الله.. أي انه لا مانع لدى العريان ان تطبخ المعاهدات سرا .. نعلم يا سيد عريان ان الكل يتنمر للإسلام ولكن ليس هكذا تورد الإبل .. ولا يقبل الله تعالى أساليب البيضة والحجر ،او ما يسميه الفرنجة hocus pocus قالوا ان الإمام علي فشل في ميدان السياسة لان مثالية هذه الشخصية أبت أن تنزل به الى حمأتها .. قضيتكم توصيل الإسلام وكذا وبملء الفم "أن يحكم الإسلام" ، فإذا تقاعستم عنها سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة : 54 ) أرجوك ان تقل الحق وتطالب بحكم الإسلام لمصر ولا تخش في الله لومة لائم ..
ا .. فلتكن المقدمات نزيهة كي نوصل الى النتائج نزيهة .. وليس بالمطبخ السري للسياسة تكسب الصفقات ..ليس هكذا نوصل الإسلام للآخرين. وليس هكذا سيحكم الإسلام ، لماذا تخجلون من أن يحكم الإسلام ؟..انا أعلنها مدوية فليحكم الاسلام مصر ، فلماذا تتقاعسوا ان ترشحوا انفسكم .
لكم تمنينا لك العودة سيدي الخليفة كي تمسح على رؤوس اليتامى وتصلي بنا جماعة . وتعود مصر إسلامية ولكن كيف؟! وهناك لقيصر ألف بروتس كي يطعنه ..ولكل ال ياسر الف ابا لهب كي يقهره ، ولكل حمزة الف وحشي كي يطعنه والف بنت عتبة كي تمضغ كبده ..
ولكن هو سياق الإسلام دوما كما قال الشاعر :
وما أبالي وان أريقت دمائي**** فدماء الكرام دوما مباحة
وهاهم القوم أرادوها ديمقراطية ، ونتساءل ألم يكن الحزب الحاكم بالأمس ديمقراطيا .. ما العيب أن يحكم الإسلام .. ما هي الجريمة في ان يحكم الأرض شريعة الله .. ما العيب وما هي الجريمة ؟ ان يهيمن القرآن على مصر شريعة ودستورا !! ..بدلا من ان يتقافز بني امية من العلمانيين على منبر رسول الله .. ليقول جهاد الخازن ان الحكومة السعودية أكثر ليبرالية من الشعب ،الكل يريد ان يحكم بغير ما انزل الله .. وكلما تنادي بشرع الله تخرج عليك ألف بندقية ..كل من هب ودب يريد ان يحكم بغير ما انزل الله حتى بنو سوزان ..ألا بعدا لعاد كما بعدت ثمود.. كما قال ابو فراس :
ادعاها بنو سوزان ارثهم **** وليس لهم فيها قَدم ولا قِدم
واسمع مايكل منير على (قناة الحياة) خضراء الدمن ومسجد الضرار مع عمرو أديب، يريد الأول نزع المادة الثانية من الدستور ان العقيدة الإسلامية مصدر التشريع، ويعلنها بلا حياء، "لكيلا تأتي لنا دولة دينية"، كيف يجتريء هذا الوقح.. كيف يريد طمس هويتنا علانية وبلا حياء من على قناة سيد البدوي هذا الاخير الذي حاول ركب الموجة مرارا وتكرارا أثناء الثورة، ذلك الذي باع جريدته لنصراني، ولا مانع لديه ان يبيع كل شيء بما فيها قصر الخلافة ومستقبل مصر وماضيه ..
وتتوالى الطعنات على الثورة طعنة تلو أخرى بما يفيد وأعلنوه : التزام مصر بالمعاهدات التي أبرمتها سابقا!!
،إذن فلتطمئن إسرائيل ، ولأمريكا من عرضنا ما استحلت ، كما قال بن أبي ربيعة ..ولم يختلف شيء عن الأمس ، لقد مضي مبارك وسيأتي مبارك آخر .. أي ان مصر لن تخرج عن محور الاعتدال ، وما زلت مغلة بالقيود ، يوم أن جهرت بها الثورة في الميدان أنها ضد إيران ، أي أن مصر لم تخرج عن محور الاعتدال ، بما يعني انه سيظل يلعب الفعل المضارع اليهودي في مصر الاختراق وأعماله الجهنمية أخشى بالفعل انه.. لم يجد جديد ، اللهم الا في غضبة شعب وآلاف الجرحى ومئات الشهداء ، ويمضي فرعون ومن ثم يأتي فرعون آخر ولم تكسر بعد سلسلة الطغيان .. الواقع السياسي في شرم الشيخ كان يأتيه شارون ويزوره رابين ..
هذا قبل 25 يناير وكذلك في ظل الالتزام بالاتفاقيات لن يتغير شيء، .. هل سيظل براوح الواقع السياسي المصري مكانه في العمالة لإسرائيل.. حتى بعد هذه الثورة وتلك التضحيات. ؟! ..فضوها سيرة ..!! كنت أتمنى ان يعلنوا ان اتفاقية السلام تحت نعال واقدام الشعب المصري .. ان عدم الالتزام باتفاقية السلام هو بمثابة انسلاخ من ربقة الذل والاستبداد الاميركي الإسرائيلي وهو انعتاق نحو الريادة في المنطقة وحرية القرار السياسي وعكس ذلك ،هو ان مصر ستظل تلعب دور العميل وتقزيم لدور مصر ..وتتحول إلى مجرد بواب على معبر رفح .. وهذا ما يرفضه تاريخ مجيد ونخوة عرباء وسياق الريادة .. وكل حر وثائر على ارض مصر .. اجل فلتنته مرحلة التصهين ولتبدأ مرحلة جديدة وهي ان تعود مصر الى حضنها القومي والإسلامي ..
اجل فلتنته دولة الصهاينة في مصر ..!!
ومن خلال قراءتي للأحداث ..ما أرى إلا أن الشعب قد سرقت منه الثورة جراء التدخل الأمريكي الإسرائيلي .. واللهو الخفي الذي تم خلف الكواليس،، فإذا لم تخرج مصر من محور الاعتدال ومعاهدة العار ، هذا يعني قطعا انه لم يجد جديد.. وأننا مازلنا نراوح مكاننا فيما قبل 25 يناير .. ولم يتغير إلا الوجوه وحسبنا نفس السياسات ..ليس هذا ما ضحى من اجله الشعب ..
أما البعد الغالب الاهمية ، انه قد أعلن نتانياهو "ان عدم الاستقرار في مصر سيستمر لسنوات بعد رحيل مبارك" ، واكد ايهود بارك "ان هناك فترة مثالية للثورة بعدها هناك من هم مستعدون لان يَقتلوا وُيقتلوا" ، ولقد وضع مبارك مصر في مازق ما بين خيارين "الاستقرار اوالفوضى" ، يبدو ان تباشير عدم الاستقرار التي نوه عنها الثلاثة قد اتضحت اليوم ليقول احد الصحفيين في اتصال هاتفي مع قناة الاقصى من محافظة الشرقية بمصر انه قد تم قتل احد المعارضين بثمانية عشرة طعنة نافذة أفضت به الى الموت قبل وصوله إلى المستشفى ، بمعنى ان هناك من يريدون العبث بأمن مصر ومن هنا نناشد القائمين على الدولة حاليا ان يكون هناك قصاص رادع من القتلة حتى لا تكون مصر مسرحا لعملاء الموساد ومافيا الاجرام ، و ننوه ان الثورة الفرنسية قد تغلبت عليها بتفعيل دور المقصلة للمجرمين والخارجين على القانون ولا مانع ولا حرج إسلاميا من القصاص فان الرحمة بالمجرم خيانة للضحية، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : 178 ) وقال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : 179 )
.سيدي الخليفة : كلما اقتربت المسافة إليك ،تتلقى في الظهر ألف طعنة ,, فمتى تعود ومتى نعقد البيعة .. ومتى تعود مصر دولة إسلامية كي ينعم فيها أطفالنا بالأمان.. قال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين : 8 ) وقال تعالى في علاه :
(أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (النور : 50 )
سيدي الخليفة :
عندما يزداد الظلم والطغيان يغضب الله الملك القهار وعندما يعلو رأس فرعون يولد موسى لخفض رأس فرعون في كل زمان ..
واسلم لامتك يا خليفة .
قراءة في ثورات المجتمع المصري
قراءة في ثورات المجتمع المصري
سعيد عكاشة
باحث متخصص فى الشئون المصرية
إذا ما نظرنا إلي قضية علاقة الشعوب بالسلطات الحاكمة والظواهر التي تنتجها هذه العلاقة فإن كافة المعطيات المستخدمة لوصف هذه العلاقة أو الظواهر المرتبطة بها لاتبدو محايدة خاصة عندما يتم دراسة ظاهرة الصراع بين الجانبين، فهناك علي سبيل المثال تعبيرات عديدة تصف هذه الحالات مثل ''الثورة''، ''الهوجة''، ''العصيان''، ''التمرد''، الانتفاضة.، فالتعبير ''الأول'' ــ الثورة ــ هو من حظي باهتمام أكبر من قبل المنظرين في العلوم الاجتماعية، وبالأخص في الدراسات التاريخية والسياسية. وهذه التعبيرات استخدمت بطبيعة الحال في وصف العديد من التحركات الجماهيرية الواسعة عبر التاريخ المصري الحديث، سواء من جانب من نشطوا أو شاركوا في هذه الأحداث أو من جانب الباحثين والمؤرخين أو من خلال الخطاب الرسمي للسلطة الحاكمة، وهو ما قد ينسحب في الوقت الحاضر ومستقبلاً علي ماحدث في الخامس والعشرين من يناير 2011.
لن نعود إلي التاريخ البعيد، رغم أن هناك أحداث كثيرة منذ العصر الفرعوني وصفت بأنها ثورات للشعب المصري، فسوف نركز فقط علي ماتم تلقينه للأجيال المصرية منذ عام 1952عن التاريخ المصري الحديث والذي يبدأ بحملة نابليون علي مصر عام 1798.
فقد تغير وصف هذه الأحداث بعد ثورة الضباط الأحرار في عام 1952عندما أخذ ينظر إلي التاريخ من منظور دور العسكريين المصريين فيه، ومن ثم فقد تم إسقاط تعبير هوجة عرابي الذي كان سائداً قبل 25 ليحل محله ثورة عرابي أو ثورة الجيش المصري في مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر، واحتوي التناول علي مبالغة شديدة في وصف المضمون والوطني لهذه الثورة والبطولات التي حققها الجيش المصري في مواجهة الإنجليز والخديوي، في المقابل كانت هناك دراسات أخري ــ غير ذائعة ــ قد تناولت الحدث ذاته بمنظور نقدي، وأكدت علي الطابع الفئوي لحراك بدأ بمطالب محددة للجيش المصري وانتهي بانضمام جماهيري إليه أملاً في توسيع نطاق المطالب الاجتماعية للأغلبية من المصرين، كما أعادت هذه الدراسات تقييم الأداء السياسي والعسكري لقادة هذا الحدث، بل تناولت السيرة الذاتية لبعض رموزه البارزة مثل عرابي ومحمد عبده وعبدالله النديم ومحمود سامي البارودي وغيرهم، وشاب هذا العرض النقدي أحياناً نوع من التعريض بنوايا وكفاءة عرابي ورفاقه، ولكن مابقي في النهاية نتيجة حكم ''العسكر'' لمصر منذ عام 1952، أن مصطلح الثورة طغي علي مصطلح الهوجة لأسباب واضحة تتعلق برغبة العسكريين منذ عبدالناصر في إيجاد عمق تاريخي لدور المؤسسة العسكرية في صناعة التاريخ المصري، وساعد علي ذلك أن الذاكرة الوطنية المصرية ــ وربما الذاكرة القومية والوطنية لأي شعب ــ تتأثر ببعد المسافة الزمنية بين الحدث المؤرخ له وبين الاهتمام الجماهيري به.
واجمالا كانت هوجة أو ثورة عرابي ذات مردود سلبي علي مصر التي فقد إستقلالها النسبي عن الدولة العثمانية لصالح الاحتلال البريطاني المباشر، كما تعمقت الروح الانهزامية في أوساط النخب التي شاركت في هذا الحدث لتؤثر علي الحركة الوطنية إجمالاً لسنوات طويلة امتدت حتي منتصف العقد الثاني من القرن العشرين.
الحدث الثاني الأكبر في التاريخ المصري كان اندلاع ثورة 1919والتي وضعت لنفسها هدفاً هو إنهاء الاحتلال البريطاني، ووفقاً للرؤيةالتي سادت بعد عام 1952في ظل حكم العسكريين لم تكن هذه الثورة مكتملة الأركان وغلب عليها التناقض ما بين حراك جماهيري واسع وبين قيادة تمثلت في حزب ''الوفد'' استخدمت هذا الحراك لتحقيق أهداف أقل من تلك التي حددتها الكتلة الجماهيرية لنفسها، وهكذا انتهت هذه الثورة بمصر إلي وضع استقلال منقوص (تصريح 28فبراير 1922) وبمشاركة محدودة للطبقة المتوسطة ''الجنينية'' في التمتع بمكاسب هذه الثورة التي ذهبت إنجازاتها بشكل كامل للطبقة الاقطاعية ''أصحاب المصالح الحقيقية كما كانوا يسمون أنفسهم''.
لم يكن هناك ثمة خلاف كبير في كتب التاريخ المصرية الرسمية علي وصف أحداث مارس عام 1919علي أنها ثورة ولكن كان هناك نوع من تقليل المساحة التي تشغلها في صنع التاريخ الوطني للمصريين، بسبب عدم مشاركة العسكريين فيها من جانب، ومن جانب آخر ظل حكم الرئيس عبد الناصر ومن بعده السادات علي حذر من وضع تاريخ ''1919'' في صورته الكاملة خوفا من إحياء مشاعر التعاطف مع ''حزب الوفد'' والذي كانت جنازة زعيمه مصطفي النحاس عام 1965مؤشراً علي أن ذاكرة المصريين ووجدانهم ماتزال تحمل تقييماً إيجابياً لزعماء هذا الحزب، حيث شارك في هذه الجنازة عشرات الآلاف رغم الحكم البوليسي القاسي الذي كان سائدا آنذاك ورغم تسلط مناهج التعليم ووسائل الإعلام علي عقول الناس وإصرارها علي وصف كل ما كان قبل عام 1952 بالعهد البائد والحقبة المظلمة في التاريخ المصري.
الحراك الجماهيري الثالث في مصر أتي في أعقاب حركة الضباط الأحرار في 23يوليو عام 1952 وخلال فترة لم تزد علي عامين تم تداول قضية الحريات الحزبية والديمقراطية وعلاقة السلطة بالقوي الاجتماعية، وانتصر الجناح المؤيد لفكرة التركيز علي القضايا الاجتماعية وفرضت مقايضة غير معلنة بين الشعب المصري والنظام الجديد بقيادة جمال عبد الناصر بمقتضاها، اتجهت الحركة نحو توسيع الاصلاحات الاجتماعية وصولا للقضاء علي طبقة كبار ملاك الأرض ( أو ما كانوا يسمون في الماضي بأصحاب المصالح الحقيقية) مقابل تقزيم مساحة الحريات العامة عبر نظام سلطوي تضخمت فيه دور الأجهزة الأمنية. وعلي مدار سنوات طويلة خاصة بعد رحيل جمال عبد الناصر دارت نقاشات كثيرة بين أفراد النخبة المثقفة حول التوصيف الدقيق لما حدث في 23يوليو والتي بدأت كإنقلاب عسكري صرف ثم تحولت بعد التأييد الجماهيري الواسع لها لوصف نفسها بالثورة المكتملة الأركان والتي تخضع لمعايير النظرية الثورية وفقا للمقولة الماركسية التي تحدد الثورة، بأنها تحول في نوع القاعدة الاجتماعية التي يستند إليها الحكم، وهو ماكان قد حدث بالفعل بعد أن قضت حركة الجيش علي النظام الملكي وحولت البلاد إلي جمهورية وبعد أن أطاحت أيضا بطبقة كبار ملاك الأرض والبرجوازية الصناعية الناشئة لتتحالف مع العمال والفلاحين أو تعتبرهم قاعدتها الإجتماعية الجديدة، وجاء التنظيم السياسي الأوحد الذي ابتكرته عبر تطوراته (الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي) ليضع صيغة تحالف قوي الشعب العامل محل الديمقراطية بمعناها الأصيل. ولكن تجربة عبد الناصر سرعان ما تبددت بعد هزيمة يونيو عام 1967 ثم وفاته عام 1970 وتحول خليفته أنور السادات نحو إجراءات أولية في اتجاه تخفيض دور الدولة في الاقتصاد والبحث عن حل سلمي للصراع العربي، الإسرائيلي. كما يمكن الإشارة أيضا إلي الفترة القصيرة التي ظل الإعلام المصري يصف فيها صراع السلطة الذي دار بين السادات وخصومه من اتباع عبد الناصر في مايو 1971 والذي انتهي لصالح السادات، باسم ''ثورة التصحيح'' إشارة إلي أن ماحدث كان تصحيحا للإنحراف الذي عانته ثورة 1952 علي يد حواري عبد الناصر بعد وفاته، غير أن التعبير تلاشي هو الآخر بعد موت السادات ليصبح جزء من مشكلة الصراع علي السلطة ليس إلا، وفي كل الأحوال لم تكن أحداث يوليو 25 لتتطابق مع فكرة الثورة، كما نظر لها الماركسيون ــ باعتبارهم أصحاب أكثر مدارس علم الإجتماع بحثا في ظاهرة الانقلابات العنيفة في المجتمعات الانسانية، وحددت معني للثورة بأنه تغيير في الطبقة الحاكمة وعلاقات الانتاج، ولكنها للإنصاف أحدثت ''أي ثورة يوليو'' ما يشبة نتائج ثورة حقيقية وهو ما يفسر ما حظت به من تأييد جماهيري بشكل واسع حتي رحيل عبد الناصر علي الأقل.
الحراك الجماهيري الرابع في تاريخ المصريين الحديث كانت أحداث فترة امتدت علي مدة أربع سنوات 1968ــ 1972 شهدت فيها وصول المواجهة بين بعض طوائف الشعب ونظام الحكم إلي مستوي مرتفع تمثلت في مطالب رفعها الطلاب الجامعيين بإعادة محاكمة المتسببين في هزيمة يونيو عام 1967، وانتهت هذه المواجهات في دفعتها الأولي في خريف 1968 دون تحقيق نتائج ملموسة في إطار أهدافها، ثم جاءت المواجهة الثانية الكبري عام 1972. وتميزت برفع الطلاب لشعارات الديمقراطية والحريات العامة جنبا إلي جنب مع شعار تحرير الأرض المحتلة، وقد وصفت هذه الأحداث بمصطلح ''الانتفاضة الطلابية'' وكان وصفاً دقيقاً سواء علي مستوي نوعية المشاركين أو علي مستوي كونها لا تطرح تغييرا في النظام ذاته بل في توجهاته خاصة فيما يتعلق بقضية الديمقراطية، وانتهت هذه الانتفاضات بدورها دون أن تحقق نتائج واضحة، واتت حرب أكتوبر عام 1973. وما حققته من نتائج علي مستوي التحرير الجزئي للأرض المحتلة لتذهب الأمة المصرية في اتجاه مطالب إجتماعية رفعتها انتفاضة 18، 19يناير 1977 وبدورها لم تطرح هذه الانتفاضة شعارات المطالبة بتغيير النظام وتمركزت حول الاحتجاج علي الأوضاع الاقتصادية ــ الاجتماعية القائمة وشابتها شعارات أخري أكثر علواً في الصوت طالبت باستئناف القتال من أجل إسترداد بقية ''سيناء''، وبدلا من أن تحقق هذه الانتفاضة أهدافها اتجه نظام حكم الرئيس السادات بقوة صوب تحرير الاقتصاد وزيادة القبضة الأمنية (إدخال الشرطة إلي الجامعة في صورة حرس الجامعة) ونحو مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وصولا إلي إقامة السلام مع إسرائيل وإدارة مصر ظهرها إلي العرب والقوي المسماة بالثورية في المنطقة بالكامل، وهو ما يعني أن هذه الانتفاضة كانت مثل ثورة أو هوجة عرابي التي أتت بنتائج عكس التي كانت تطالب بها بل دعمت اتجاهاً كان السادات يسير فيه علي استحياء بالقطع مع روابط المرحلة الناصرية بكل تجلياتها، ثم مضي فيه بخطوات أوسع عقب هذه الانتفاضة مباشرة بالقيام بزيارة القدس في نوفمبر 1977.
من الاستعراض السابق لتاريخ أحداث وُصفت بالثورة أو الهوجة أو الانتفاضة نجد أن كل هذه التوصيفات اعتمدت علي التوجه الأيديولوجي للنظم التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت. يبدو أن شيئنا من هذا يجري الآن في وصف أحداث 25 يناير والتي نراها أنها تفتقر لمعني الثورة بالمفاهيم العلمية حيث اقتصرت علي الاطاحة بوجوه النظام القديم (مبارك وعائلته وبعض أقطاب الحزب الوطني الحاكم) ومن السابق لأوانه معرفة التطورات التي ستحدث وفقا لتصورات المجلس العسكري الحاكم حاليا فكل السيناريوهات مطروحة وفقا للائحة:
أولها: أن تمضي الاصلاحات الديمقراطية في مسارها التدريجي ولا يتم تحجيم القوي الاجتماعية التي ساندت النظام وتحكمت في مقاليد الأمور لسنوات طويلة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وبذلك يكون ما حدث في الخامس والعشرين من يناير مجرد إصلاح من داخل النظام، خاصة إذا ما عكست المجالس النيابية والتمثيلية (مجلس شعب ومجلس شوري، محليات) نسبا مختلة لتمثيل القوي السياسية والاجتماعية.
ثانيها: أن تحدث ردة علي ماتحقق من نتائج في 25 يناير نتيجة تزايد عناصر الفوضي في المجتمع المصري مما يدفع المجلس العسكري للبقاء لفترة أطول.
ثالثها: أن تنقض القوي الدينية (الاخوان، السلفية) وتتحكم في مصير البلاد عبر عملية ديمقراطية اجرائية لايوجد ضمان حقيقي لمنع الارتداد علي مكاسبها لاحقاً وبالوسائل الديمقراطية نفسها.
رابعها: أن تدخل البلاد في أزمة أنظمة حاكمة قصيرة الأجل نظرا لإرتفاع حدة التوتر الاجتماعي، وحدة التربص بين القوي السياسية القائمة.
والسيناريوهات الثلاث الأخيرة ستكون مثلها مثل السيناريو الأول لا تحقق للثورة معناها المتعارف عليه إلا من زاوية يمكن إعتبارها نقطة البدء لمسارات تصحح نفسها، أو يتم تصحيحها بصدامات عنيفة علي مدي زمني طويل، بشرط أن تعكس نقطة النهاية غير المحددة زمنيا التوافق حول أسس دولة حديثة تعلي من شأن المؤسسات الدستورية وحكم القانون وتحترم الحريات العامة وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لقد ظل الشعب المصري خارج معادلة السلطة طيلة تاريخه الطويل وقد برهنت أحداث 25 يناير علي أن الشعب المصري أو جزء معتبر منه قد نفض هذه المعادلة عن كاهله وتمكن لأول مرة في تاريخه من إسقاط حاكمه والمطالبة بحقوق المواطنة الكاملة.
وسواء اكتملت لهذه الثورة أركانها بتحول الثقافي إلي تعبير سياسي معاصر في مدي زمني قليل أم تأخرت هذه العملية، فإن الخامس والعشرين من يناير سيظل يؤرخ له بأنه أول محاولة ناجحة لإدخال الشعب المصري في معادلة الحكم التي ارتكزت لقرون طويلة إلي تجاهله، كما يقول سعد زهران في كتابه ''في أصول السياسة المصرية'' علي مثلث (الملك، الأعيان، الامبراطورية العالمية السائدة) ثم كانت هناك محاولة في الثلاثينيات لتربيع المثلث بإدخال الطبقة المتوسطة، أما الشعب المصري كجماعة بشرية ليس إلا، فلم يكن سوي كتلة إنفجارية يستخدمها أي من الأطراف الثلاثة أو الأربعة السابقة لتعديل موازين القوي داخل معادلة الحكم، وربما يعبر الشعار البسيط للجمهور الواسع الذي شارك بالملايين في ميدان التحرير أكثر من مرة في المظاهرات الاحتجاجية ''الآن عرفنا الطريق''، بمعني: اذا لم نؤخذ في الاعتبار منذ اليوم وحتي الأمد المنظور سنعود لميدان التحرير لنقول ''لا لمن'' يحاولون اخراجنا مرة ثانية من المعادلة. بهذا المعني ثارت مصر في الخامس والعشرين من يناير وعليها أن تمضي في طريق شاق وطويل لتثبيت وجود الشعب في معادلة الحكم.
سعيد عكاشة
باحث متخصص فى الشئون المصرية
إذا ما نظرنا إلي قضية علاقة الشعوب بالسلطات الحاكمة والظواهر التي تنتجها هذه العلاقة فإن كافة المعطيات المستخدمة لوصف هذه العلاقة أو الظواهر المرتبطة بها لاتبدو محايدة خاصة عندما يتم دراسة ظاهرة الصراع بين الجانبين، فهناك علي سبيل المثال تعبيرات عديدة تصف هذه الحالات مثل ''الثورة''، ''الهوجة''، ''العصيان''، ''التمرد''، الانتفاضة.، فالتعبير ''الأول'' ــ الثورة ــ هو من حظي باهتمام أكبر من قبل المنظرين في العلوم الاجتماعية، وبالأخص في الدراسات التاريخية والسياسية. وهذه التعبيرات استخدمت بطبيعة الحال في وصف العديد من التحركات الجماهيرية الواسعة عبر التاريخ المصري الحديث، سواء من جانب من نشطوا أو شاركوا في هذه الأحداث أو من جانب الباحثين والمؤرخين أو من خلال الخطاب الرسمي للسلطة الحاكمة، وهو ما قد ينسحب في الوقت الحاضر ومستقبلاً علي ماحدث في الخامس والعشرين من يناير 2011.
لن نعود إلي التاريخ البعيد، رغم أن هناك أحداث كثيرة منذ العصر الفرعوني وصفت بأنها ثورات للشعب المصري، فسوف نركز فقط علي ماتم تلقينه للأجيال المصرية منذ عام 1952عن التاريخ المصري الحديث والذي يبدأ بحملة نابليون علي مصر عام 1798.
فقد تغير وصف هذه الأحداث بعد ثورة الضباط الأحرار في عام 1952عندما أخذ ينظر إلي التاريخ من منظور دور العسكريين المصريين فيه، ومن ثم فقد تم إسقاط تعبير هوجة عرابي الذي كان سائداً قبل 25 ليحل محله ثورة عرابي أو ثورة الجيش المصري في مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر، واحتوي التناول علي مبالغة شديدة في وصف المضمون والوطني لهذه الثورة والبطولات التي حققها الجيش المصري في مواجهة الإنجليز والخديوي، في المقابل كانت هناك دراسات أخري ــ غير ذائعة ــ قد تناولت الحدث ذاته بمنظور نقدي، وأكدت علي الطابع الفئوي لحراك بدأ بمطالب محددة للجيش المصري وانتهي بانضمام جماهيري إليه أملاً في توسيع نطاق المطالب الاجتماعية للأغلبية من المصرين، كما أعادت هذه الدراسات تقييم الأداء السياسي والعسكري لقادة هذا الحدث، بل تناولت السيرة الذاتية لبعض رموزه البارزة مثل عرابي ومحمد عبده وعبدالله النديم ومحمود سامي البارودي وغيرهم، وشاب هذا العرض النقدي أحياناً نوع من التعريض بنوايا وكفاءة عرابي ورفاقه، ولكن مابقي في النهاية نتيجة حكم ''العسكر'' لمصر منذ عام 1952، أن مصطلح الثورة طغي علي مصطلح الهوجة لأسباب واضحة تتعلق برغبة العسكريين منذ عبدالناصر في إيجاد عمق تاريخي لدور المؤسسة العسكرية في صناعة التاريخ المصري، وساعد علي ذلك أن الذاكرة الوطنية المصرية ــ وربما الذاكرة القومية والوطنية لأي شعب ــ تتأثر ببعد المسافة الزمنية بين الحدث المؤرخ له وبين الاهتمام الجماهيري به.
واجمالا كانت هوجة أو ثورة عرابي ذات مردود سلبي علي مصر التي فقد إستقلالها النسبي عن الدولة العثمانية لصالح الاحتلال البريطاني المباشر، كما تعمقت الروح الانهزامية في أوساط النخب التي شاركت في هذا الحدث لتؤثر علي الحركة الوطنية إجمالاً لسنوات طويلة امتدت حتي منتصف العقد الثاني من القرن العشرين.
الحدث الثاني الأكبر في التاريخ المصري كان اندلاع ثورة 1919والتي وضعت لنفسها هدفاً هو إنهاء الاحتلال البريطاني، ووفقاً للرؤيةالتي سادت بعد عام 1952في ظل حكم العسكريين لم تكن هذه الثورة مكتملة الأركان وغلب عليها التناقض ما بين حراك جماهيري واسع وبين قيادة تمثلت في حزب ''الوفد'' استخدمت هذا الحراك لتحقيق أهداف أقل من تلك التي حددتها الكتلة الجماهيرية لنفسها، وهكذا انتهت هذه الثورة بمصر إلي وضع استقلال منقوص (تصريح 28فبراير 1922) وبمشاركة محدودة للطبقة المتوسطة ''الجنينية'' في التمتع بمكاسب هذه الثورة التي ذهبت إنجازاتها بشكل كامل للطبقة الاقطاعية ''أصحاب المصالح الحقيقية كما كانوا يسمون أنفسهم''.
لم يكن هناك ثمة خلاف كبير في كتب التاريخ المصرية الرسمية علي وصف أحداث مارس عام 1919علي أنها ثورة ولكن كان هناك نوع من تقليل المساحة التي تشغلها في صنع التاريخ الوطني للمصريين، بسبب عدم مشاركة العسكريين فيها من جانب، ومن جانب آخر ظل حكم الرئيس عبد الناصر ومن بعده السادات علي حذر من وضع تاريخ ''1919'' في صورته الكاملة خوفا من إحياء مشاعر التعاطف مع ''حزب الوفد'' والذي كانت جنازة زعيمه مصطفي النحاس عام 1965مؤشراً علي أن ذاكرة المصريين ووجدانهم ماتزال تحمل تقييماً إيجابياً لزعماء هذا الحزب، حيث شارك في هذه الجنازة عشرات الآلاف رغم الحكم البوليسي القاسي الذي كان سائدا آنذاك ورغم تسلط مناهج التعليم ووسائل الإعلام علي عقول الناس وإصرارها علي وصف كل ما كان قبل عام 1952 بالعهد البائد والحقبة المظلمة في التاريخ المصري.
الحراك الجماهيري الثالث في مصر أتي في أعقاب حركة الضباط الأحرار في 23يوليو عام 1952 وخلال فترة لم تزد علي عامين تم تداول قضية الحريات الحزبية والديمقراطية وعلاقة السلطة بالقوي الاجتماعية، وانتصر الجناح المؤيد لفكرة التركيز علي القضايا الاجتماعية وفرضت مقايضة غير معلنة بين الشعب المصري والنظام الجديد بقيادة جمال عبد الناصر بمقتضاها، اتجهت الحركة نحو توسيع الاصلاحات الاجتماعية وصولا للقضاء علي طبقة كبار ملاك الأرض ( أو ما كانوا يسمون في الماضي بأصحاب المصالح الحقيقية) مقابل تقزيم مساحة الحريات العامة عبر نظام سلطوي تضخمت فيه دور الأجهزة الأمنية. وعلي مدار سنوات طويلة خاصة بعد رحيل جمال عبد الناصر دارت نقاشات كثيرة بين أفراد النخبة المثقفة حول التوصيف الدقيق لما حدث في 23يوليو والتي بدأت كإنقلاب عسكري صرف ثم تحولت بعد التأييد الجماهيري الواسع لها لوصف نفسها بالثورة المكتملة الأركان والتي تخضع لمعايير النظرية الثورية وفقا للمقولة الماركسية التي تحدد الثورة، بأنها تحول في نوع القاعدة الاجتماعية التي يستند إليها الحكم، وهو ماكان قد حدث بالفعل بعد أن قضت حركة الجيش علي النظام الملكي وحولت البلاد إلي جمهورية وبعد أن أطاحت أيضا بطبقة كبار ملاك الأرض والبرجوازية الصناعية الناشئة لتتحالف مع العمال والفلاحين أو تعتبرهم قاعدتها الإجتماعية الجديدة، وجاء التنظيم السياسي الأوحد الذي ابتكرته عبر تطوراته (الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي) ليضع صيغة تحالف قوي الشعب العامل محل الديمقراطية بمعناها الأصيل. ولكن تجربة عبد الناصر سرعان ما تبددت بعد هزيمة يونيو عام 1967 ثم وفاته عام 1970 وتحول خليفته أنور السادات نحو إجراءات أولية في اتجاه تخفيض دور الدولة في الاقتصاد والبحث عن حل سلمي للصراع العربي، الإسرائيلي. كما يمكن الإشارة أيضا إلي الفترة القصيرة التي ظل الإعلام المصري يصف فيها صراع السلطة الذي دار بين السادات وخصومه من اتباع عبد الناصر في مايو 1971 والذي انتهي لصالح السادات، باسم ''ثورة التصحيح'' إشارة إلي أن ماحدث كان تصحيحا للإنحراف الذي عانته ثورة 1952 علي يد حواري عبد الناصر بعد وفاته، غير أن التعبير تلاشي هو الآخر بعد موت السادات ليصبح جزء من مشكلة الصراع علي السلطة ليس إلا، وفي كل الأحوال لم تكن أحداث يوليو 25 لتتطابق مع فكرة الثورة، كما نظر لها الماركسيون ــ باعتبارهم أصحاب أكثر مدارس علم الإجتماع بحثا في ظاهرة الانقلابات العنيفة في المجتمعات الانسانية، وحددت معني للثورة بأنه تغيير في الطبقة الحاكمة وعلاقات الانتاج، ولكنها للإنصاف أحدثت ''أي ثورة يوليو'' ما يشبة نتائج ثورة حقيقية وهو ما يفسر ما حظت به من تأييد جماهيري بشكل واسع حتي رحيل عبد الناصر علي الأقل.
الحراك الجماهيري الرابع في تاريخ المصريين الحديث كانت أحداث فترة امتدت علي مدة أربع سنوات 1968ــ 1972 شهدت فيها وصول المواجهة بين بعض طوائف الشعب ونظام الحكم إلي مستوي مرتفع تمثلت في مطالب رفعها الطلاب الجامعيين بإعادة محاكمة المتسببين في هزيمة يونيو عام 1967، وانتهت هذه المواجهات في دفعتها الأولي في خريف 1968 دون تحقيق نتائج ملموسة في إطار أهدافها، ثم جاءت المواجهة الثانية الكبري عام 1972. وتميزت برفع الطلاب لشعارات الديمقراطية والحريات العامة جنبا إلي جنب مع شعار تحرير الأرض المحتلة، وقد وصفت هذه الأحداث بمصطلح ''الانتفاضة الطلابية'' وكان وصفاً دقيقاً سواء علي مستوي نوعية المشاركين أو علي مستوي كونها لا تطرح تغييرا في النظام ذاته بل في توجهاته خاصة فيما يتعلق بقضية الديمقراطية، وانتهت هذه الانتفاضات بدورها دون أن تحقق نتائج واضحة، واتت حرب أكتوبر عام 1973. وما حققته من نتائج علي مستوي التحرير الجزئي للأرض المحتلة لتذهب الأمة المصرية في اتجاه مطالب إجتماعية رفعتها انتفاضة 18، 19يناير 1977 وبدورها لم تطرح هذه الانتفاضة شعارات المطالبة بتغيير النظام وتمركزت حول الاحتجاج علي الأوضاع الاقتصادية ــ الاجتماعية القائمة وشابتها شعارات أخري أكثر علواً في الصوت طالبت باستئناف القتال من أجل إسترداد بقية ''سيناء''، وبدلا من أن تحقق هذه الانتفاضة أهدافها اتجه نظام حكم الرئيس السادات بقوة صوب تحرير الاقتصاد وزيادة القبضة الأمنية (إدخال الشرطة إلي الجامعة في صورة حرس الجامعة) ونحو مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وصولا إلي إقامة السلام مع إسرائيل وإدارة مصر ظهرها إلي العرب والقوي المسماة بالثورية في المنطقة بالكامل، وهو ما يعني أن هذه الانتفاضة كانت مثل ثورة أو هوجة عرابي التي أتت بنتائج عكس التي كانت تطالب بها بل دعمت اتجاهاً كان السادات يسير فيه علي استحياء بالقطع مع روابط المرحلة الناصرية بكل تجلياتها، ثم مضي فيه بخطوات أوسع عقب هذه الانتفاضة مباشرة بالقيام بزيارة القدس في نوفمبر 1977.
من الاستعراض السابق لتاريخ أحداث وُصفت بالثورة أو الهوجة أو الانتفاضة نجد أن كل هذه التوصيفات اعتمدت علي التوجه الأيديولوجي للنظم التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت. يبدو أن شيئنا من هذا يجري الآن في وصف أحداث 25 يناير والتي نراها أنها تفتقر لمعني الثورة بالمفاهيم العلمية حيث اقتصرت علي الاطاحة بوجوه النظام القديم (مبارك وعائلته وبعض أقطاب الحزب الوطني الحاكم) ومن السابق لأوانه معرفة التطورات التي ستحدث وفقا لتصورات المجلس العسكري الحاكم حاليا فكل السيناريوهات مطروحة وفقا للائحة:
أولها: أن تمضي الاصلاحات الديمقراطية في مسارها التدريجي ولا يتم تحجيم القوي الاجتماعية التي ساندت النظام وتحكمت في مقاليد الأمور لسنوات طويلة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وبذلك يكون ما حدث في الخامس والعشرين من يناير مجرد إصلاح من داخل النظام، خاصة إذا ما عكست المجالس النيابية والتمثيلية (مجلس شعب ومجلس شوري، محليات) نسبا مختلة لتمثيل القوي السياسية والاجتماعية.
ثانيها: أن تحدث ردة علي ماتحقق من نتائج في 25 يناير نتيجة تزايد عناصر الفوضي في المجتمع المصري مما يدفع المجلس العسكري للبقاء لفترة أطول.
ثالثها: أن تنقض القوي الدينية (الاخوان، السلفية) وتتحكم في مصير البلاد عبر عملية ديمقراطية اجرائية لايوجد ضمان حقيقي لمنع الارتداد علي مكاسبها لاحقاً وبالوسائل الديمقراطية نفسها.
رابعها: أن تدخل البلاد في أزمة أنظمة حاكمة قصيرة الأجل نظرا لإرتفاع حدة التوتر الاجتماعي، وحدة التربص بين القوي السياسية القائمة.
والسيناريوهات الثلاث الأخيرة ستكون مثلها مثل السيناريو الأول لا تحقق للثورة معناها المتعارف عليه إلا من زاوية يمكن إعتبارها نقطة البدء لمسارات تصحح نفسها، أو يتم تصحيحها بصدامات عنيفة علي مدي زمني طويل، بشرط أن تعكس نقطة النهاية غير المحددة زمنيا التوافق حول أسس دولة حديثة تعلي من شأن المؤسسات الدستورية وحكم القانون وتحترم الحريات العامة وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لقد ظل الشعب المصري خارج معادلة السلطة طيلة تاريخه الطويل وقد برهنت أحداث 25 يناير علي أن الشعب المصري أو جزء معتبر منه قد نفض هذه المعادلة عن كاهله وتمكن لأول مرة في تاريخه من إسقاط حاكمه والمطالبة بحقوق المواطنة الكاملة.
وسواء اكتملت لهذه الثورة أركانها بتحول الثقافي إلي تعبير سياسي معاصر في مدي زمني قليل أم تأخرت هذه العملية، فإن الخامس والعشرين من يناير سيظل يؤرخ له بأنه أول محاولة ناجحة لإدخال الشعب المصري في معادلة الحكم التي ارتكزت لقرون طويلة إلي تجاهله، كما يقول سعد زهران في كتابه ''في أصول السياسة المصرية'' علي مثلث (الملك، الأعيان، الامبراطورية العالمية السائدة) ثم كانت هناك محاولة في الثلاثينيات لتربيع المثلث بإدخال الطبقة المتوسطة، أما الشعب المصري كجماعة بشرية ليس إلا، فلم يكن سوي كتلة إنفجارية يستخدمها أي من الأطراف الثلاثة أو الأربعة السابقة لتعديل موازين القوي داخل معادلة الحكم، وربما يعبر الشعار البسيط للجمهور الواسع الذي شارك بالملايين في ميدان التحرير أكثر من مرة في المظاهرات الاحتجاجية ''الآن عرفنا الطريق''، بمعني: اذا لم نؤخذ في الاعتبار منذ اليوم وحتي الأمد المنظور سنعود لميدان التحرير لنقول ''لا لمن'' يحاولون اخراجنا مرة ثانية من المعادلة. بهذا المعني ثارت مصر في الخامس والعشرين من يناير وعليها أن تمضي في طريق شاق وطويل لتثبيت وجود الشعب في معادلة الحكم.
السبت، يونيو 4
أول دراسة أكاديمية تحليلية لرصد أحداث ثورة 25 يناير،
أول دراسة أكاديمية تحليلية لرصد أحداث ثورة 25 يناير، أعدها الدكتور شريف درويش اللبان، أستاذ تكنولوجيا الاتصال فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، مؤكدا أن حجب التليفونات المحمولة والإنترنت أدى إلى نتائج عكسية تظهر الاختلاف بين الأجيال التى تفكر بأساليب «قديمة بالية» متمثلة فى «لواءات الداخلية» و«أمن الدولة» و«وزير الاتصالات السابق» وبين «جيل الشباب».
وأوضحت الدراسة، أن الشعبين المصرى والتونسى استطاعا، أن يحولا الشبكات الاجتماعية وتعديل وظائفها بإبداع من أن تكون شبكات للتواصل الاجتماعى فقط إلى العمل السياسى، وهو ما اتضح من خلال تبادل الخبرات بين التونسيين والمصريين فى تحديد أوقات بدء التظاهرات والتعامل مع العربات المدرعة والغازات المسيلة للدموع.
وأشارت الدراسة إلى أن شباب موقع الـ«فيس بوك» نشروا أساليب التغلب على حجب المواقع الاجتماعية فى مصر قبل تطبيقها لدرجة أدت إلى عدم ملاحظة موقع «فيس بوك» أى تغيير على عدد مستخدميه بعد حجبه رسميا، أما بالنسبة لحجب الانترنت وقطع اتصالات التليفونات المحمولة فقد وظفها الشباب كآلية لدعوة الجماهير إلى النزول إلى الشوارع والميادين فى كل أنحاء مصر للمشاركة فيما يحدث فى بلدهم.
وكشفت الدراسة عن أن الثورة أدت إلى هلع عالمى فى بعض دول العالم، فقد لجأت اثنتان من كبرى الشركات المزودة لخدمة الإنترنت فى الصين إلى حجب كلمة «مصر» من قوائم البحث، مشيرة إلى أن الشباب المصرى اعتمد على روح السخرية والدعابة على الـ«فيس بوك»، وهو ما يؤكد أن الكائن المصرى فريد من نوعه، ولم تفلح دراسات علم النفس وعلم الاجتماع فى تحديد طبيعة شخصيته، فبدلا من أن يلتف الشباب المصرى حول ثورته ويجلس للبحث عما هو قادم والتفكير فى مستقبل الوطن، خصص وقته للتأليف
المصرى اليوم (4-6-2011)
وأوضحت الدراسة، أن الشعبين المصرى والتونسى استطاعا، أن يحولا الشبكات الاجتماعية وتعديل وظائفها بإبداع من أن تكون شبكات للتواصل الاجتماعى فقط إلى العمل السياسى، وهو ما اتضح من خلال تبادل الخبرات بين التونسيين والمصريين فى تحديد أوقات بدء التظاهرات والتعامل مع العربات المدرعة والغازات المسيلة للدموع.
وأشارت الدراسة إلى أن شباب موقع الـ«فيس بوك» نشروا أساليب التغلب على حجب المواقع الاجتماعية فى مصر قبل تطبيقها لدرجة أدت إلى عدم ملاحظة موقع «فيس بوك» أى تغيير على عدد مستخدميه بعد حجبه رسميا، أما بالنسبة لحجب الانترنت وقطع اتصالات التليفونات المحمولة فقد وظفها الشباب كآلية لدعوة الجماهير إلى النزول إلى الشوارع والميادين فى كل أنحاء مصر للمشاركة فيما يحدث فى بلدهم.
وكشفت الدراسة عن أن الثورة أدت إلى هلع عالمى فى بعض دول العالم، فقد لجأت اثنتان من كبرى الشركات المزودة لخدمة الإنترنت فى الصين إلى حجب كلمة «مصر» من قوائم البحث، مشيرة إلى أن الشباب المصرى اعتمد على روح السخرية والدعابة على الـ«فيس بوك»، وهو ما يؤكد أن الكائن المصرى فريد من نوعه، ولم تفلح دراسات علم النفس وعلم الاجتماع فى تحديد طبيعة شخصيته، فبدلا من أن يلتف الشباب المصرى حول ثورته ويجلس للبحث عما هو قادم والتفكير فى مستقبل الوطن، خصص وقته للتأليف
المصرى اليوم (4-6-2011)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
مشاركة مميزة
-
Can I sign u AHMED MOHAMED EL-WAZIRY" , "sami _rn2000" , "FAIRS animal" , "DR Abd-El-Rahman" , &quo...
-
http://www.ahram.org.eg/Egypt/News/123073.aspx اللهم لاتجعل هلاك مصر على يد الجنزورى اد-عبدالعزيزنور nouraziz2000@yahoo.com (رسالة مو...
-
Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of ... Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of Fragil...