أسمـاء الله الحسنى » الحفيظ جل جلاله (2)
* بقلم/ خالد بن محمد السليم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
فما زال الحديث موصولا عن فضل الذكر وأثره في حفظ العبد :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك) [رواه ومسلم]
وعند ابن حبان (من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضره حمة تلك الليلة , قال سهيل فكان أهلنا تعلموها فكانوا يقولونها كل ليلة فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعا) رواه ابن حبان في صحيحه[1]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من قال إذا خرج من بيته : بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة إلا بالله يقال له : كفيت و وقيت و تنحى عنه الشيطان)[2]
ومن ذلك أن تدعو بالحفظ لك ولأهلك ولمن تحب فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي ، أو عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي)[3] .
وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ)[4].
وروى الحاكم وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا ، واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك)[5]
عن مجاهد قال : خرجت إلى العراق ،و شيعنا عبد الله بن عمر ، فلما فارقنا قال : إني ليس عندي شيء أعطيكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله إذا استودع شيئا حفظه ، و إني أستودع الله دينكم وأمانتكم و خواتيم أعمالكم [6]
اعتقاد العبد بحفظ الله لا يعني تفريطه بأخذ الأسباب فهذا يعقوب عليه السلام لم يدفع بابنه مع أخوته إلا لما أخذ عليهم الميثاق ومنعهم أن يدخلوا إلا متفرقين فأثنى الله عليه بقوله {وإنه لذو علم لما علمناه }[يوسف:68].
ومن أيقن بحفظ الله لم يطلب الحفظ من السحرة أو الشياطين أو الكهنة والعرافين أو يضع تمائم أو ودعات يظن بها حرزاً من الجان فليس هذا سبيل المؤمنين الموقنين بحفظ الله ومن أراد الحفظ من العين فليطلبه من الحفيظ بما شرع
*/ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم السنة
29/7/1429
--------------------------------------------------------------------------------
[1]صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 158)
[2]( صحيح ) انظر حديث رقم : 6419 في صحيح الجامع
[3] أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، صحيح الجامع (1274) .
[4] البخاري في الدعوات ، باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها 6/2691 (6958) .
[5] مستدرك الحاكم 1/706 (1924) ، السلسلة الصحيحة (1540) .
[6]السلسلة الصحيحة (ج 6 / ص 46)
إظهار الرسائل ذات التسميات الأسماء الحسنى. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات الأسماء الحسنى. إظهار كافة الرسائل
الجمعة، يونيو 3
الحفيظ جل جلاله (1)
أسمـاء الله الحسنى » الحفيظ جل جلاله (1)
الحفيظ جل جلاله (1)
* بقلم/ خالد بن محمد السليم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
فإنه الله سبحانه قد عمّ بحفظه جميع مخلوقاته وأحاطت رعايته كل من في سماواته وأرضه ,فما من مخلوق ولو صغر حجمه وقل نفعه إلا وربنا يرعاه ويكلؤه بعنايته؛ فيحفظ الكافر مع كفره به ويصرف عنه المكروهات والمصيبات , وهو مقيم على الشرك والسيئات فمن للمخلوقات سواه جل في علاه! قال تعالى : }وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ{[سبأ:21] وسخر الله لهم حفظة من بين يديه ومن خلفه { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد:11]
"أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات،
قال ابن عباس(( هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه))[1],وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له (3) مَلَك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك: وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه"[2].
فكم في اليوم والليلة من بلاء صُرف أو موقف هالك انعقدت أسبابه وتحقق العبد منه هلاكه فينجيه الله منه .{قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر... قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب }[الأنعام:63 ,64]
وذلك الحفظ منه سبحانه لمن في الكون جميعاً في آنٍ واحد لا يثقله ولا يعجزه { ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم}[ البقرة:255]
فإذا كان هذا الحفظ يجريه الله لمن أشرك به وكفر فما ظنك بحفظه لأوليائه ومقربيه ! فلا ريب أنه حفظ خاص يفوق الأول قدراً ونوعاً
فقصة يوسف عليه السلام في مشاهدها كلها دليل على مدى حفظ الله لعباده الصالحين ولأولادهم أيضاً فانظر كيف نجاه من القتل بعد أن تآمروا عليه وكادوا يقتلوه ,ثم ألقي في الجب فلولا عناية الله لهلك في وسطه وأعظم من ذلك كله أن حفظ عليه دينه وصرف عنه السوء والفحشاء بعد أن تهيأت له كل أسباب المعصية مع بعد الرقيب وغياب المربي وقلة المعين وقوة الداعي وكمال الحسن وجمال الصورة فيختار السجن على اللذة الحرام والبلاء على المتعة المزيفة {رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ,فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن}[يوسف:33, 34]
ويلتقم الحوت نبي الله يونس فلا يكسر له عظماً ولا ينهش له لحماً بل يلقيه في البر سالماً معافى بأمر الله لما تاب وأناب .
ويتآمر أعداء الله على خليل الله ليحرقوه فيقذفونه في النار التي طالما جمعوا لها فلا تفعل فيه شيئاً لما جاءها الأمر من الله كوني برداً وسلاماً على إبراهيم .
ويقف موسى عليه السلام ومن معه على ضفة بحر الخضم ويتبعهم أعداؤهم من خلفهم ليقضوا عليهم وليس بين الفريقين إلا بضع أمتار حتى قال أصحاب موسى {إنا لمدركون ,قال كلا إن معي ربي سيهدين ,فأوحينا إلى موسى إن اضرب بعصاك البحر فانفلق ,فكان كل فرق كالطود العظيم }[الشعراء:61, 62, 63].
وقصص القرآن ملأى بنجاة المؤمنين في أشد اللحظات يأساً واستبعاداُ حتى يظن العبد منهم أنه قد هلك فيأتيه الفرج والنجاة من حيث لا يحتسب {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء }[يوسف: 110]
ومن معاني الحفيظ سبحانه أنه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين قال تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)[الشورى:6]
وقفات
ومن تمام حفظه سبحانه أن شرع أسباباً كونية وقدرية تقي من المصائب والأقدار المؤلمة أو تتخفف أثرها حتى تأتي ساعة التي لا تنفع فيها الأسباب ومن ذلك
أن الحفظ من الله بقدر طاعة العبد لربه والقرب منه فكلما ازداد العبد طاعة ازداد الله له حفظاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( احفظ الله يحفظك)).
فيحفظ عليه بدنه وماله, ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته ,ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
بل تراه يموت الصالح من عباده فيبقى الله راعيا أولاده .قال تعالى{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً}[الكهف:82].
ومن أعظم ما يتحصن به الإنسان من شر شيطان الإنس والجان وأقوى الأسباب حفظاًً للعبد ذكره لربه واستعاذته به, فما تسلطت الشياطين ولا كثر في الناس العين والسحر إلا لما غفلت القلوب والألسنة عن ذكر الله فمن أراد حفظ الله له ولأولاده فليحافظ على ذكره لمولاه كي يمن الله بحفظه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " . قال قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " . فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه سيعود " . فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟ " قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " . فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [3] حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما فعل أسيرك ؟ " قلت : زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال " . يا أبا هريرة قال لا قال : " ذاك شيطان " . رواه البخاري
يتبع بإذن الله
الحفيظ جل جلاله (1)
* بقلم/ خالد بن محمد السليم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
فإنه الله سبحانه قد عمّ بحفظه جميع مخلوقاته وأحاطت رعايته كل من في سماواته وأرضه ,فما من مخلوق ولو صغر حجمه وقل نفعه إلا وربنا يرعاه ويكلؤه بعنايته؛ فيحفظ الكافر مع كفره به ويصرف عنه المكروهات والمصيبات , وهو مقيم على الشرك والسيئات فمن للمخلوقات سواه جل في علاه! قال تعالى : }وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ{[سبأ:21] وسخر الله لهم حفظة من بين يديه ومن خلفه { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد:11]
"أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات،
قال ابن عباس(( هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه))[1],وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له (3) مَلَك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك: وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه"[2].
فكم في اليوم والليلة من بلاء صُرف أو موقف هالك انعقدت أسبابه وتحقق العبد منه هلاكه فينجيه الله منه .{قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر... قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب }[الأنعام:63 ,64]
وذلك الحفظ منه سبحانه لمن في الكون جميعاً في آنٍ واحد لا يثقله ولا يعجزه { ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم}[ البقرة:255]
فإذا كان هذا الحفظ يجريه الله لمن أشرك به وكفر فما ظنك بحفظه لأوليائه ومقربيه ! فلا ريب أنه حفظ خاص يفوق الأول قدراً ونوعاً
فقصة يوسف عليه السلام في مشاهدها كلها دليل على مدى حفظ الله لعباده الصالحين ولأولادهم أيضاً فانظر كيف نجاه من القتل بعد أن تآمروا عليه وكادوا يقتلوه ,ثم ألقي في الجب فلولا عناية الله لهلك في وسطه وأعظم من ذلك كله أن حفظ عليه دينه وصرف عنه السوء والفحشاء بعد أن تهيأت له كل أسباب المعصية مع بعد الرقيب وغياب المربي وقلة المعين وقوة الداعي وكمال الحسن وجمال الصورة فيختار السجن على اللذة الحرام والبلاء على المتعة المزيفة {رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ,فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن}[يوسف:33, 34]
ويلتقم الحوت نبي الله يونس فلا يكسر له عظماً ولا ينهش له لحماً بل يلقيه في البر سالماً معافى بأمر الله لما تاب وأناب .
ويتآمر أعداء الله على خليل الله ليحرقوه فيقذفونه في النار التي طالما جمعوا لها فلا تفعل فيه شيئاً لما جاءها الأمر من الله كوني برداً وسلاماً على إبراهيم .
ويقف موسى عليه السلام ومن معه على ضفة بحر الخضم ويتبعهم أعداؤهم من خلفهم ليقضوا عليهم وليس بين الفريقين إلا بضع أمتار حتى قال أصحاب موسى {إنا لمدركون ,قال كلا إن معي ربي سيهدين ,فأوحينا إلى موسى إن اضرب بعصاك البحر فانفلق ,فكان كل فرق كالطود العظيم }[الشعراء:61, 62, 63].
وقصص القرآن ملأى بنجاة المؤمنين في أشد اللحظات يأساً واستبعاداُ حتى يظن العبد منهم أنه قد هلك فيأتيه الفرج والنجاة من حيث لا يحتسب {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء }[يوسف: 110]
ومن معاني الحفيظ سبحانه أنه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين قال تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)[الشورى:6]
وقفات
ومن تمام حفظه سبحانه أن شرع أسباباً كونية وقدرية تقي من المصائب والأقدار المؤلمة أو تتخفف أثرها حتى تأتي ساعة التي لا تنفع فيها الأسباب ومن ذلك
أن الحفظ من الله بقدر طاعة العبد لربه والقرب منه فكلما ازداد العبد طاعة ازداد الله له حفظاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( احفظ الله يحفظك)).
فيحفظ عليه بدنه وماله, ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته ,ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
بل تراه يموت الصالح من عباده فيبقى الله راعيا أولاده .قال تعالى{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً}[الكهف:82].
ومن أعظم ما يتحصن به الإنسان من شر شيطان الإنس والجان وأقوى الأسباب حفظاًً للعبد ذكره لربه واستعاذته به, فما تسلطت الشياطين ولا كثر في الناس العين والسحر إلا لما غفلت القلوب والألسنة عن ذكر الله فمن أراد حفظ الله له ولأولاده فليحافظ على ذكره لمولاه كي يمن الله بحفظه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " . قال قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " . فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه سيعود " . فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟ " قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " . فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [3] حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما فعل أسيرك ؟ " قلت : زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال " . يا أبا هريرة قال لا قال : " ذاك شيطان " . رواه البخاري
يتبع بإذن الله
ربنا ولك الحمد ( 1 )
العقيــــــدة والســنة » ربنا ولك الحمد ( 1 )
ربنا ولك الحمد (1)
ربنا ولك الحمد جملة عظيمة يقولها المصلي حين يرفع من الركوع ويستتم قائماً ويعتدل وذلك بعد أن أثنى على ربه تبارك وتعالى في الركوع وبعد أن يبشر بتلك البشارة العظيمة " سمع الله لمن حمده " ، فما معنى " سمع الله لمن حمده " ؟ وما الذي جاء في فضل " ربنا ولك الحمد " وماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الركن ؟
تعال معي أخي الكريم إلى وقفات سريعات وتأملات في هذا الركن العظيم من أركان الصلاة :-
1- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يرفع يديه حذو منكبيه ويقول: " سمع الله لمن حمده " ثم يقول: " ربنا ولك الحمد " لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) ، ومعنى " سمع الله لمن حمده " أي: استجاب، قال النووي رحمه الله: معناه أن من حمد الله تعالى متعرضاً لثوابه استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له ، (2) ويدل على أن معنى " سمع " استجاب أن مجرد السماع لا يستفيد منه الحامد لأن الله تبارك وتعالى يسمع من يحمده ومن لم يحمده وإنما يستفيد بالاستجابة (3)، وقد يكون هذا أحد أسباب فرح الصحابي الآتية قصته حين سمع هذه العبارة فرفع صوته بالحمد رضي الله عنه.
2- سمع أحد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من الركعة يقول: " سمع الله لمن حمده " فقال رضي الله عنه: " ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه " ولما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: من المتكلم ؟ قال: أنا، قال: " رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول ". (4)
تأمل أخي بضعة وثلاثين ملكاً كلهم يسارعون إلى كتابتها ويتسابقون على ذلك، تأمل هذا أخي كثيراً ولا تجعله يمر عليك مرور الكرام، لماذا كانوا بضعة وثلاثين مع أن الذي يكتب الحسنات ملك واحد كما هو معلوم، ولماذا بادروا إلى كتابتها وتسابقوا على ذلك ؟ لا أملك الجواب ولا أستطيعه. (1)
وعد إلى ذلك الصحابي رضي الله عنه لقد قال تلك الجملة على سجيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم استفسر: من المتكلم ؟ (2) فيظهر أنه لم يتعلمها من النبي صلى الله عليه وسلم، نعم لقد فرح بأن الله تعالى استجاب لحمده وثناءه فيا له من فرح ما أجمله وأبهاه، وعبر عن فرحه بهذه الكلمات " ربنا ولك الحمد حمد كثيراً طيباً مباركاً فيه " .
3- جاء في فضل قول: " ربنا ولك الحمد " ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " تأمل " غفر له ما تقدم من ذنبه " (3)
4- وردت هذه الجملة " ربنا ولك الحمد " على عدة صفات كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقولها الإمام والمأموم والمنفرد وهي:
1- ربنا لك الحمد. (4)
2- ربنا ولك الحمد. (5)
3- اللهم ربنا لك الحمد. (6)
4- اللهم ربنا ولك الحمد. (7) قال ابن حجر رحمه الله: وفي ثبوتها – أي اللهم – تكرير للنداء كأنه قال: يا الله يا ربنا. (8)
وينبغي على المصلي أن يقول هذا مرة وهذا مرة ولا يقولها جميعها في وقت واحد، ومن فوائد ذلك:
1- الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
2- حفظ السنة لأنه إذا قالها حفظها.
3- أن ذلك يعينه على التدبر والتفكر بخلاف الاعتياد على ذكر واحد. (1)
وللمقال تتمة في حلقة قادمة بإذن الله والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه البخاري رقم 789 ومسلم رقم 392 وفيه " ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع
صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم: " ربنا ولك الحمد ".
(2) مسلم بشرح النووي 4/438 -
(3) تنبيه الافهام بشرح عمدة الأحكام 1/180 – الشرح الممتع 3/96 لابن عثيمين رحمه الله.
(4) البخاري مع الفتح ، الاذان رقم 799.
(1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة
مرفوعاً " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر" واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة.
فتح الباري 2/334 ( الريان).
(2) قال ابن حجر رحمه الله: والحكمة في سؤاله له صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله.
( السابق ص 335 ).
(3) البخاري مع الفتح رقم 796 ومسلم رقم 409.
(4) البخاري مع الفتح رقم 788.
(5) البخاري مع الفتح رقم 732 ومسلم رقم 411.
(6) البخاري مع الفتح رقم 796 ومسلم رقم 409.
(7) البخاري مع الفتح رقم 795.
(8) فتح الباري 2/330.
(1) صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عثيمين 16-17 ( دار المسلم).
ربنا ولك الحمد (1)
ربنا ولك الحمد جملة عظيمة يقولها المصلي حين يرفع من الركوع ويستتم قائماً ويعتدل وذلك بعد أن أثنى على ربه تبارك وتعالى في الركوع وبعد أن يبشر بتلك البشارة العظيمة " سمع الله لمن حمده " ، فما معنى " سمع الله لمن حمده " ؟ وما الذي جاء في فضل " ربنا ولك الحمد " وماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الركن ؟
تعال معي أخي الكريم إلى وقفات سريعات وتأملات في هذا الركن العظيم من أركان الصلاة :-
1- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يرفع يديه حذو منكبيه ويقول: " سمع الله لمن حمده " ثم يقول: " ربنا ولك الحمد " لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) ، ومعنى " سمع الله لمن حمده " أي: استجاب، قال النووي رحمه الله: معناه أن من حمد الله تعالى متعرضاً لثوابه استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له ، (2) ويدل على أن معنى " سمع " استجاب أن مجرد السماع لا يستفيد منه الحامد لأن الله تبارك وتعالى يسمع من يحمده ومن لم يحمده وإنما يستفيد بالاستجابة (3)، وقد يكون هذا أحد أسباب فرح الصحابي الآتية قصته حين سمع هذه العبارة فرفع صوته بالحمد رضي الله عنه.
2- سمع أحد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من الركعة يقول: " سمع الله لمن حمده " فقال رضي الله عنه: " ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه " ولما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: من المتكلم ؟ قال: أنا، قال: " رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول ". (4)
تأمل أخي بضعة وثلاثين ملكاً كلهم يسارعون إلى كتابتها ويتسابقون على ذلك، تأمل هذا أخي كثيراً ولا تجعله يمر عليك مرور الكرام، لماذا كانوا بضعة وثلاثين مع أن الذي يكتب الحسنات ملك واحد كما هو معلوم، ولماذا بادروا إلى كتابتها وتسابقوا على ذلك ؟ لا أملك الجواب ولا أستطيعه. (1)
وعد إلى ذلك الصحابي رضي الله عنه لقد قال تلك الجملة على سجيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم استفسر: من المتكلم ؟ (2) فيظهر أنه لم يتعلمها من النبي صلى الله عليه وسلم، نعم لقد فرح بأن الله تعالى استجاب لحمده وثناءه فيا له من فرح ما أجمله وأبهاه، وعبر عن فرحه بهذه الكلمات " ربنا ولك الحمد حمد كثيراً طيباً مباركاً فيه " .
3- جاء في فضل قول: " ربنا ولك الحمد " ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " تأمل " غفر له ما تقدم من ذنبه " (3)
4- وردت هذه الجملة " ربنا ولك الحمد " على عدة صفات كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقولها الإمام والمأموم والمنفرد وهي:
1- ربنا لك الحمد. (4)
2- ربنا ولك الحمد. (5)
3- اللهم ربنا لك الحمد. (6)
4- اللهم ربنا ولك الحمد. (7) قال ابن حجر رحمه الله: وفي ثبوتها – أي اللهم – تكرير للنداء كأنه قال: يا الله يا ربنا. (8)
وينبغي على المصلي أن يقول هذا مرة وهذا مرة ولا يقولها جميعها في وقت واحد، ومن فوائد ذلك:
1- الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
2- حفظ السنة لأنه إذا قالها حفظها.
3- أن ذلك يعينه على التدبر والتفكر بخلاف الاعتياد على ذكر واحد. (1)
وللمقال تتمة في حلقة قادمة بإذن الله والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه البخاري رقم 789 ومسلم رقم 392 وفيه " ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع
صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم: " ربنا ولك الحمد ".
(2) مسلم بشرح النووي 4/438 -
(3) تنبيه الافهام بشرح عمدة الأحكام 1/180 – الشرح الممتع 3/96 لابن عثيمين رحمه الله.
(4) البخاري مع الفتح ، الاذان رقم 799.
(1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة
مرفوعاً " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر" واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة.
فتح الباري 2/334 ( الريان).
(2) قال ابن حجر رحمه الله: والحكمة في سؤاله له صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله.
( السابق ص 335 ).
(3) البخاري مع الفتح رقم 796 ومسلم رقم 409.
(4) البخاري مع الفتح رقم 788.
(5) البخاري مع الفتح رقم 732 ومسلم رقم 411.
(6) البخاري مع الفتح رقم 796 ومسلم رقم 409.
(7) البخاري مع الفتح رقم 795.
(8) فتح الباري 2/330.
(1) صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عثيمين 16-17 ( دار المسلم).
الله جل جلاله(2)
الله جل جلاله(2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فـ(الله) هو الاسم الأعظم على الأرجح، يقول القرطبي رحمه الله: «وهذا الاسم هو أكبر أسمائه وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم، ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن، ولم يجمع وهو أحد تأويلي قوله تعالى: ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) [مريم: 65]، أي: هل تعلم من تسمى باسمه الذي هو (الله)، (فالله) اسم للموجود الحق الجامع لصفات الألوهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد الحقيقي لا إله إلا هو سبحانه»[1].
ومما يرجح قول من قال: إن (الله) هو الاسم الأعظم ما يلي:
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سـمع أحد الصحابة يدعو بهذا الدعـاء: «اللَّهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصـمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكـن له كفـوًا أحد»؛ قال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)[2].
2- كثرة وروده في كتاب الله تعالى، فقد ورد في كتاب الله (2724) مرة.
3- أن بقية أسمائه تبارك وتعالى تجري مع هذا الاسم مجرى الصفات مع الأسماء، فتقول: من صفات الله العليم الحكيم الكريم، ولا تقول: من صفات العليم الله.
4- اسم الله مستلزم لجميع معاني أسمائه الحسنى، دال عليها بالإجمال، وكل أسمائه وصفاته تفصيل وتبيين لصفات الألوهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله يدل على كونه سبحانه معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في النوائب والحاجات.
وقال ابن القيم: «الإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى»[3].
5- تعرف الرب تبارك وتعالى إلى موسى باسمه الله:
تعرف الله تبارك وتعالى إلى عباده باسمه (الله) كثيرًا، ومن هؤلاء نبي الله موسى عليه السلام عندما أرسله إلى قومه، فعندما كان موسى عليه السلام، عائدًا بأهله من مدين في طـريقه إلى مصـر في ليلة ظلمـاء باردة، رأى على البعد بجانب الطور نارًا، فقال لأهله:( امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[القصص: 30]، وقال له: ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) [طه: 13، 14].
فتعرف الله عز وجل إلى نبيه موسى عليه السلام بأنه اللهُ ربُّ العالمين، وأنه اللهُ الحق الذي لا يستحق العبادة إلا هو.
وقد تعرف الله إلى عباده في كتابه المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك ومن هذا ما جاء في فاتحة أعظم آيات هذا الكتاب، وهي آية الكرسي، فقد جاء في أولها : (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) [البقرة: 255].
6- دعاؤه - تبارك وتعالى - بهذا الاسم:
أكثر ما يدعى الله - تبارك وتعالى - بلفظ: (اللَّهم)، ومعنى: اللَّهم، ياالله، ولـهذا لا تسـتعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللَّهم غفـور رحيم، بل يقال: اللَّهم اغفـر لي وارحـمني وقد كان الرسـول صلى الله عليه وسلم يدعـو ربه كثيرًا بقوله (اللَّهم)[4].
وللشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - رأي في حقيقة الاسم الأعظم المشار إليه في الحديث حيث يقول: «بعض الناس يظن أن الاسم الأعظم من أسماء الله الحسنى لا يعرفه إلا من خصه الله بكرامة خارقة للعادة، وهذا ظن خطأ فإن الله - تبارك وتعالى - حثنا على معرفة أسمائه وصفاته، وأثنى على من عرفها، وتفقه فيها، ودعا الله بها دعاء عبادة وتعبد، ودعاء مسألة، ولا ريب أنّ الاسم الأعظم منها أولاها بهذا الأمر، فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي لا منتهى لجوده وكرمه، وهو يحب الجود على عباده، ومن أعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالصواب أنّ الأسماء الحسنى كلها حسنى، وكل واحد منها عظيم، ولكن الاسم الأعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع صفاته الذاتية والفعلية، أو دل على معاني جميع الصفات مثل:
(الله) فإنه الاسم الجامع لمعاني الألوهية كلها، وهي جميع أوصاف الكمال، ومثل: (الحميد المجيد) فإن (الحميد) الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات لله تعالى، و(المجيد) الذي دل على أوصاف العظمة والجلال ويقرب من ذلك (الجليل الجميل الغني الكريم).
ومثل: (الحي القيوم)، فإن (الحي) من له الـحياة الكاملة العظيمة الـجامعة لجميع معاني الذات، و(القيوم) الذي قام بنفسه، واستغنى عن جـميع خلقه، وقام بـجميع الموجودات، فهـو الاسم الذي تدخل فيه صفات الأفعال كلها.
ومثل: اسمه (العظيم الكبير) الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه.
ومثل قولك: (يا ذا الجلال والإكرام) فإن الجلال صفات العظمة والكبرياء، والكمالات المتنوعة، والإكرام استحقاقه على عباده غاية الحب، وغاية الذل وما أشبه ذلك.
فعلم بذلك أن الاسم الأعظم اسـم جنس، وهذا هـو الذي تدل عليه الأدلة الشـرعية والاشتقاق، كما في السنة أنه سمع رجلاً يقول: «اللَّهم إني أسألك بأني أشـهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد»، فقال: (والذي نفسي بيده، لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)[5].
وكذلك الحديث الآخر حين دعا الرجل، فقال: «اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، يا حي! يا قيوم! فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)[6]، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (اسم الله الأعظم في هاتين السورتين: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )، ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )[7] فمتى دعا الله العبد باسم من هذه الأسـماء العظيمة بـحضور قلب ورقة وانكسـار لم تكـد ترد له دعـوة والله الموفق»[8].
من آثار هذا الاسم العظيم وموجباته :
إذا عرف المؤمن معنى هذا الاسم العظيم وما يستلزم من الأسماء الحسنى والصفات العلا لله تعالى فإنه يطبع في القلب معاني عظيمة وآثارًا جليلة من أهمها:
1- محبة الله - عز وجل - محبة عظيمة تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه المألوه المعبود وحده وهو المنعم المتفضل وحده وهو الذي له الأسماء الحسنى، وهو الذي له الخلق والأمر والحمد كله وهذا يستلزم محبة من يحبه الله تعالى وما يحبه، وبغض ما يبغضه سبحانه، ومن يبغضه، والموالاة والمعاداة فيه. ولا يذوق طعم الإيمان إلا من أحب الله - عز وجل - الحب كله وأحب فيه وأبغض فيه وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)[9].
ولله المثل الأعلى. لو أن مخلوقًا تحلى بصفات الكمال الإنسانية التي يحبها الناس ومع ذلك كان له نعمة ويد على أحد من الناس فماذا سيكون شأن هذا المخلوق في قلوب هؤلاء الناس؟ لا شك أن المحبة العظيمة، والأنس به، والتلذذ بمصاحبته ستكون هي المتمكنة من القلوب نحـوه. وهذا بالنسـبة لمخلوق ضعيف محدود الزمان والمكان قاصر الأخلاق والصفات.وما صدر منه من نعمة فهي من الله - عز وجل - وهي محدودة قاصرة. فكيف بمن له الأسماء الحسنى والصفات العلا وكيف بمن نعمه مدرارة على خلقه في كل نفس وزمان ومكان. أليس هو المستحق للحمد كله، والحب كله، والخوف كله، والرجاء كله، وكل أنواع العبوديات المختلفة؟ بلى والله.
ولذا يجد العبد راحة وطمأنينة عندما يدعو ربه - عز وجل - ويقول: (ياألله أو : اللَّهم) حيث يسكب في نفسه الأمان والرجاء.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي، والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم، فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته، ويحبونه من كل قلوبهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد والوالدين وجميع محبوبات النفوس، بل خواصهم جعلوا كل محبوبات النفوس الدينية والدنيوية تبعًا لهذه المحبة، فلما تمَّت محبة الله في قلوبهم أحبوا ما أحبه من أشخاص وأعمال، وأزمنة، وأمكنة، فصارت محبتهم وكراهتهم تبعًا لإلههم وسيدهم ومحبوبه.
ولما تمَّت محبة الله في قلوبهم التي هي أصل التأله والتعبد أنابوا إليه فطلبوا قُربه ورضوانه، وتوسَّلوا إلى ذلك وإلى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما أمر الله به ورسوله، وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له، وبذلك تحققت عبوديتهم وألوهيتهم لربهم، وبذلك استحقوا أن يكونوا عباده حقًا، وأن يضيفهم إليه بوصف الرحمة حيث قال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ )[الفرقان: 63]، ثم ذكر أوصافهم الجميلة التي إنما نالوها برحمته وتبوؤوا منازلها برحمته، وجازاهم بمحبته وقُربه ورضوانه، وثوابه، وكرامته برحمته»[10].
2- تعظيمه سبحانه وإجلاله وإخلاص العبودية له وحده من توكل، وخوف، ورجاء ورغبة، ورهبة، وصلاة، وصيام، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبوديات التي لا يجوز صرفها إلا له سبحانه.
3- الشـعور بالعـزة به سـبحانه والتعلق به وحده، وسقوط الخوف والهيبة من الخلق والتعلق بهم؛ فهـو الله سـبحانه خالق كل شيء ورازق كل حي، وهو المدبر لكـل شيء، والقاهـر لكل شيء فلا يعـتز إلا به ولا يتوكل إلا عليه. وكم من بشر اعتزوا بأموالهم فما لبثت أن ضاعت تلك الأموال فضاعوا، وكم من بشر اعتزوا بسلطانهم فجاءت النهاية بزوال سلطانهم فما كان منهم إلا أن قالوا: ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) [الحاقة: 29].
فالمؤمن لا يحتمي ولا يعتز إلا بالله العظيم القوي المتين، الكبير المتعال ولا يتوكـل إلا عليه وحـده: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) [الفرقان: 58].
4- من أعظم آثار هذا الاسم العظيم ومعرفته حق المعرفة طمأنينة القلب وسعادته وأنسه بالله - عز وجل - وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فإن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله - سبحانه وتعالى - وتوحيده والإيمان به، وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية، كما قال بعض الشيوخ: لقد كنت في حال أقول فيها إن كان أهل الجنة في هذه الحال إنهم لفي عيش طيب.. .وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه. وهذه حقيقة لا إله إلا الله»[11].
5- بما أن لفظ الجلالة مستلزم لجميع الأسماء والصفات فإن من آثار هذا الاسم العظيم آثار بقية أسمائه سبحانه وصفاته وكل أثر من آثار أسماء الله - عز وجل - وصفاته إن هو إلا أثر لهذا الاسم العظيم ومن موجباته.
6- إفراد الله - عز وجل - بالمحبة والولاء وإفـراده تعالى بالـحكم والتحاكم.
قال الله تعالى: ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )[الأنعام: 14]، وقال سبحانه: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[الأنعام: 114].
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
إعداد/ فهد الوصيفر
--------------------------------------------------------------------------------
[1] القرطبي 1/102.
[2] سنن أبي داود (1493).
[3] بدائع الفوائد 2/212.
[4] انظر: أسماء الله الحسنى د/ الأشقر 33، 34.
[5] سبق تخريجه ص 76.
[6] سنن النسائي (1300) وأبو داود (1495)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1326).
[7] الترمذي (3400)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2764).
[8] مجموع الفوائد واقتناص الأوابد ص 251.
[9] البخاري (16).
[10] فتح الرحيم الملك العلام ص 21، 22.
[11] مجموع الفتاوى 28/31.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فـ(الله) هو الاسم الأعظم على الأرجح، يقول القرطبي رحمه الله: «وهذا الاسم هو أكبر أسمائه وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم، ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن، ولم يجمع وهو أحد تأويلي قوله تعالى: ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) [مريم: 65]، أي: هل تعلم من تسمى باسمه الذي هو (الله)، (فالله) اسم للموجود الحق الجامع لصفات الألوهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد الحقيقي لا إله إلا هو سبحانه»[1].
ومما يرجح قول من قال: إن (الله) هو الاسم الأعظم ما يلي:
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سـمع أحد الصحابة يدعو بهذا الدعـاء: «اللَّهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصـمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكـن له كفـوًا أحد»؛ قال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)[2].
2- كثرة وروده في كتاب الله تعالى، فقد ورد في كتاب الله (2724) مرة.
3- أن بقية أسمائه تبارك وتعالى تجري مع هذا الاسم مجرى الصفات مع الأسماء، فتقول: من صفات الله العليم الحكيم الكريم، ولا تقول: من صفات العليم الله.
4- اسم الله مستلزم لجميع معاني أسمائه الحسنى، دال عليها بالإجمال، وكل أسمائه وصفاته تفصيل وتبيين لصفات الألوهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله يدل على كونه سبحانه معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في النوائب والحاجات.
وقال ابن القيم: «الإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى»[3].
5- تعرف الرب تبارك وتعالى إلى موسى باسمه الله:
تعرف الله تبارك وتعالى إلى عباده باسمه (الله) كثيرًا، ومن هؤلاء نبي الله موسى عليه السلام عندما أرسله إلى قومه، فعندما كان موسى عليه السلام، عائدًا بأهله من مدين في طـريقه إلى مصـر في ليلة ظلمـاء باردة، رأى على البعد بجانب الطور نارًا، فقال لأهله:( امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[القصص: 30]، وقال له: ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) [طه: 13، 14].
فتعرف الله عز وجل إلى نبيه موسى عليه السلام بأنه اللهُ ربُّ العالمين، وأنه اللهُ الحق الذي لا يستحق العبادة إلا هو.
وقد تعرف الله إلى عباده في كتابه المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك ومن هذا ما جاء في فاتحة أعظم آيات هذا الكتاب، وهي آية الكرسي، فقد جاء في أولها : (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) [البقرة: 255].
6- دعاؤه - تبارك وتعالى - بهذا الاسم:
أكثر ما يدعى الله - تبارك وتعالى - بلفظ: (اللَّهم)، ومعنى: اللَّهم، ياالله، ولـهذا لا تسـتعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللَّهم غفـور رحيم، بل يقال: اللَّهم اغفـر لي وارحـمني وقد كان الرسـول صلى الله عليه وسلم يدعـو ربه كثيرًا بقوله (اللَّهم)[4].
وللشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - رأي في حقيقة الاسم الأعظم المشار إليه في الحديث حيث يقول: «بعض الناس يظن أن الاسم الأعظم من أسماء الله الحسنى لا يعرفه إلا من خصه الله بكرامة خارقة للعادة، وهذا ظن خطأ فإن الله - تبارك وتعالى - حثنا على معرفة أسمائه وصفاته، وأثنى على من عرفها، وتفقه فيها، ودعا الله بها دعاء عبادة وتعبد، ودعاء مسألة، ولا ريب أنّ الاسم الأعظم منها أولاها بهذا الأمر، فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي لا منتهى لجوده وكرمه، وهو يحب الجود على عباده، ومن أعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالصواب أنّ الأسماء الحسنى كلها حسنى، وكل واحد منها عظيم، ولكن الاسم الأعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع صفاته الذاتية والفعلية، أو دل على معاني جميع الصفات مثل:
(الله) فإنه الاسم الجامع لمعاني الألوهية كلها، وهي جميع أوصاف الكمال، ومثل: (الحميد المجيد) فإن (الحميد) الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات لله تعالى، و(المجيد) الذي دل على أوصاف العظمة والجلال ويقرب من ذلك (الجليل الجميل الغني الكريم).
ومثل: (الحي القيوم)، فإن (الحي) من له الـحياة الكاملة العظيمة الـجامعة لجميع معاني الذات، و(القيوم) الذي قام بنفسه، واستغنى عن جـميع خلقه، وقام بـجميع الموجودات، فهـو الاسم الذي تدخل فيه صفات الأفعال كلها.
ومثل: اسمه (العظيم الكبير) الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه.
ومثل قولك: (يا ذا الجلال والإكرام) فإن الجلال صفات العظمة والكبرياء، والكمالات المتنوعة، والإكرام استحقاقه على عباده غاية الحب، وغاية الذل وما أشبه ذلك.
فعلم بذلك أن الاسم الأعظم اسـم جنس، وهذا هـو الذي تدل عليه الأدلة الشـرعية والاشتقاق، كما في السنة أنه سمع رجلاً يقول: «اللَّهم إني أسألك بأني أشـهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد»، فقال: (والذي نفسي بيده، لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)[5].
وكذلك الحديث الآخر حين دعا الرجل، فقال: «اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، يا حي! يا قيوم! فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)[6]، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (اسم الله الأعظم في هاتين السورتين: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )، ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )[7] فمتى دعا الله العبد باسم من هذه الأسـماء العظيمة بـحضور قلب ورقة وانكسـار لم تكـد ترد له دعـوة والله الموفق»[8].
من آثار هذا الاسم العظيم وموجباته :
إذا عرف المؤمن معنى هذا الاسم العظيم وما يستلزم من الأسماء الحسنى والصفات العلا لله تعالى فإنه يطبع في القلب معاني عظيمة وآثارًا جليلة من أهمها:
1- محبة الله - عز وجل - محبة عظيمة تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه المألوه المعبود وحده وهو المنعم المتفضل وحده وهو الذي له الأسماء الحسنى، وهو الذي له الخلق والأمر والحمد كله وهذا يستلزم محبة من يحبه الله تعالى وما يحبه، وبغض ما يبغضه سبحانه، ومن يبغضه، والموالاة والمعاداة فيه. ولا يذوق طعم الإيمان إلا من أحب الله - عز وجل - الحب كله وأحب فيه وأبغض فيه وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)[9].
ولله المثل الأعلى. لو أن مخلوقًا تحلى بصفات الكمال الإنسانية التي يحبها الناس ومع ذلك كان له نعمة ويد على أحد من الناس فماذا سيكون شأن هذا المخلوق في قلوب هؤلاء الناس؟ لا شك أن المحبة العظيمة، والأنس به، والتلذذ بمصاحبته ستكون هي المتمكنة من القلوب نحـوه. وهذا بالنسـبة لمخلوق ضعيف محدود الزمان والمكان قاصر الأخلاق والصفات.وما صدر منه من نعمة فهي من الله - عز وجل - وهي محدودة قاصرة. فكيف بمن له الأسماء الحسنى والصفات العلا وكيف بمن نعمه مدرارة على خلقه في كل نفس وزمان ومكان. أليس هو المستحق للحمد كله، والحب كله، والخوف كله، والرجاء كله، وكل أنواع العبوديات المختلفة؟ بلى والله.
ولذا يجد العبد راحة وطمأنينة عندما يدعو ربه - عز وجل - ويقول: (ياألله أو : اللَّهم) حيث يسكب في نفسه الأمان والرجاء.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي، والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم، فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته، ويحبونه من كل قلوبهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد والوالدين وجميع محبوبات النفوس، بل خواصهم جعلوا كل محبوبات النفوس الدينية والدنيوية تبعًا لهذه المحبة، فلما تمَّت محبة الله في قلوبهم أحبوا ما أحبه من أشخاص وأعمال، وأزمنة، وأمكنة، فصارت محبتهم وكراهتهم تبعًا لإلههم وسيدهم ومحبوبه.
ولما تمَّت محبة الله في قلوبهم التي هي أصل التأله والتعبد أنابوا إليه فطلبوا قُربه ورضوانه، وتوسَّلوا إلى ذلك وإلى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما أمر الله به ورسوله، وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له، وبذلك تحققت عبوديتهم وألوهيتهم لربهم، وبذلك استحقوا أن يكونوا عباده حقًا، وأن يضيفهم إليه بوصف الرحمة حيث قال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ )[الفرقان: 63]، ثم ذكر أوصافهم الجميلة التي إنما نالوها برحمته وتبوؤوا منازلها برحمته، وجازاهم بمحبته وقُربه ورضوانه، وثوابه، وكرامته برحمته»[10].
2- تعظيمه سبحانه وإجلاله وإخلاص العبودية له وحده من توكل، وخوف، ورجاء ورغبة، ورهبة، وصلاة، وصيام، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبوديات التي لا يجوز صرفها إلا له سبحانه.
3- الشـعور بالعـزة به سـبحانه والتعلق به وحده، وسقوط الخوف والهيبة من الخلق والتعلق بهم؛ فهـو الله سـبحانه خالق كل شيء ورازق كل حي، وهو المدبر لكـل شيء، والقاهـر لكل شيء فلا يعـتز إلا به ولا يتوكل إلا عليه. وكم من بشر اعتزوا بأموالهم فما لبثت أن ضاعت تلك الأموال فضاعوا، وكم من بشر اعتزوا بسلطانهم فجاءت النهاية بزوال سلطانهم فما كان منهم إلا أن قالوا: ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) [الحاقة: 29].
فالمؤمن لا يحتمي ولا يعتز إلا بالله العظيم القوي المتين، الكبير المتعال ولا يتوكـل إلا عليه وحـده: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) [الفرقان: 58].
4- من أعظم آثار هذا الاسم العظيم ومعرفته حق المعرفة طمأنينة القلب وسعادته وأنسه بالله - عز وجل - وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فإن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله - سبحانه وتعالى - وتوحيده والإيمان به، وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية، كما قال بعض الشيوخ: لقد كنت في حال أقول فيها إن كان أهل الجنة في هذه الحال إنهم لفي عيش طيب.. .وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه. وهذه حقيقة لا إله إلا الله»[11].
5- بما أن لفظ الجلالة مستلزم لجميع الأسماء والصفات فإن من آثار هذا الاسم العظيم آثار بقية أسمائه سبحانه وصفاته وكل أثر من آثار أسماء الله - عز وجل - وصفاته إن هو إلا أثر لهذا الاسم العظيم ومن موجباته.
6- إفراد الله - عز وجل - بالمحبة والولاء وإفـراده تعالى بالـحكم والتحاكم.
قال الله تعالى: ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )[الأنعام: 14]، وقال سبحانه: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[الأنعام: 114].
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
إعداد/ فهد الوصيفر
--------------------------------------------------------------------------------
[1] القرطبي 1/102.
[2] سنن أبي داود (1493).
[3] بدائع الفوائد 2/212.
[4] انظر: أسماء الله الحسنى د/ الأشقر 33، 34.
[5] سبق تخريجه ص 76.
[6] سنن النسائي (1300) وأبو داود (1495)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1326).
[7] الترمذي (3400)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2764).
[8] مجموع الفوائد واقتناص الأوابد ص 251.
[9] البخاري (16).
[10] فتح الرحيم الملك العلام ص 21، 22.
[11] مجموع الفتاوى 28/31.
الله جل جلاله(1)
الله جل جلاله(1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصبحه ومن والاه إلى يوم الدين . أما بعد:
فإن اسم (الله جل جلاله) هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسـنى إلى هذا الاسـم العظـيم كقـوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ، ويقال: «الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم» من أسماء الله، ولا يقال: «الله» من أسماء «الرحمن»، ولا من أسماء «العزيز» ونحو ذلك فعلم أن اسمه «الله» مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم «الله»، واسم «الله» دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال أخص باسم «الله». وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم «الرب».
وصفات الإحسان، والجود، والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم «الرحمن» وكرر إيذانًا بثبوت الوصف وحصَول أثره، وتعلقه بمتعلقاته»[1].
وقد ذكر اسم «الله» في القرآن في (2724) مرة، واسم «الله» - تبارك وتعالى - خاص به سبحانه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه اسم مشتق واختلفوا في أصل اشتقاقه فقيل: إنه من «إله» مثل: «فعال» فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة مثل: «الناس» أصله «أناس» فقيل: «الله» فإله «فعال» بمعنى: مفعول كأنه مألوه أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلهونه، والتأله: التعبد. وهذا معروف في كلام العرب فهو دال على صفات الألوهية.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه اسم جامد غير مشتق علم على الذات المقدسة وقالوا: أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم يدخلا للتعريف. والدليل على ذلك: دخول حرف النداء عليه. وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام اللتين للتعريف فأنت تقول: «يا ألله» ولا تقول: «يالرحمن»، ولا «يالبصير» فدل على أن الألف واللام من بنية الاسم. والصواب أنه مشتق، لأن أصله (إله) بمعنى مألوه، أي معبود، فهو دال على صفات الإلهية.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده، المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم»[2].
فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره. وهو الذي لا يفزع العبد ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو. وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولا يسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد ويذل وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا والمحبة له سبحانه، فهو يذل وينقاد له سبحانه مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له - جل وعلا - حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصـفاته، المسـتحق لذلك كله. ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحـده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله - عز وجل - ما خـلق الـجن والإنس إلا لتحـقيق هذه الغـاية، كما قال سـبحانه: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات: 56][3].
ويوضح شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - معنى (الإله) فيقول: «والإله: هو المألوه أي: المستحق لأن يؤله؛ أي يعبد. ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده. وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول مثل: لفظ الركاب والحمال؛ بمعنى: المركوب والمحمول... فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحّده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره: ( فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)[الشعراء: 213]، وقال تعالى: ( لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا)[الإسراء: 22]، وقال إبراهيم لأبيه آزر: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 47]، فالمخلوق ليس بإله في نفسه، لكن عابده اتخذه إلهًا وجعله إلهًا وسماه إلهًا، وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره.. فغير الله لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى، فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد... فغير الله لا مالك لشيء، ولا شريك في شيء، ولا معاون للرب في شيء؛ بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة، والأنبياء، والصالحين؛ ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع، وأن يأذن للمشفوع له أن يشفع له، ومن دونه لا يملكون الشفاعة البتة، فلا يصلح من سواه لأن يكون إلهًا معبودًا كما لا يصلح أن يكون خالقًا رازقًا، لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»[4].
(ولا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد وقد تضمنت الدين الذي جاء به الرسل كلهم من عند الله ، وهي أعظم كلمة أنزلت من عند الله، وقد تضمنت الحقيقة الكبرى، وبها أصبح الناس مؤمنين وكفارًا، وأخيارًا وأشرارًا، وهي الدالة على تفرد الله بالوحدانية، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) [الأنعام: 19][5].
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: « (الإله): هو الذي يؤله فيعبد محبة، وإنابة، وإجلالاً، وإكرامًا»[6].
ويقول أيضًا: «أما (الإله) فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى»[7].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) هو المستحق لصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تألههه القلوب وتعمد إليه بالحب والخوف والرجاء» [8].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) الحق: هو الذي يحب لذاته، ويحمد لذاته فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه، وإنعامه، وحلمه، وعفوه، وبره، ورحمته فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله» [9].
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.
فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤلهَ ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية، والربوبية، والمُلك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالرحمة، وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده» [10]
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
[1] مدارج السالكين 1/32, 33.
[2] تفسير السعدي 5/620، الحق الواضح المبين ص 104.
[3] انظر: المفاهيم المثلى في ظلال أسماء الله الحسنى ص 14بتصرف يسير.
[4] مجموع الفتاوى 13/ 202، 205.
[5] أسماء الله الحسنى د/ عمر الأشقر ص31.
[6]طريق الهجرتين ص 108.
[7] بدائع الفوائد 2/212.
[8] شفاء العليل 1/411.
[9] الفوائد ص 203.
[10] فتح الرحيم الملك العلام: ت عبد الرزاق البدر ص 20
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصبحه ومن والاه إلى يوم الدين . أما بعد:
فإن اسم (الله جل جلاله) هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسـنى إلى هذا الاسـم العظـيم كقـوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ، ويقال: «الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم» من أسماء الله، ولا يقال: «الله» من أسماء «الرحمن»، ولا من أسماء «العزيز» ونحو ذلك فعلم أن اسمه «الله» مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم «الله»، واسم «الله» دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال أخص باسم «الله». وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم «الرب».
وصفات الإحسان، والجود، والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم «الرحمن» وكرر إيذانًا بثبوت الوصف وحصَول أثره، وتعلقه بمتعلقاته»[1].
وقد ذكر اسم «الله» في القرآن في (2724) مرة، واسم «الله» - تبارك وتعالى - خاص به سبحانه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه اسم مشتق واختلفوا في أصل اشتقاقه فقيل: إنه من «إله» مثل: «فعال» فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة مثل: «الناس» أصله «أناس» فقيل: «الله» فإله «فعال» بمعنى: مفعول كأنه مألوه أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلهونه، والتأله: التعبد. وهذا معروف في كلام العرب فهو دال على صفات الألوهية.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه اسم جامد غير مشتق علم على الذات المقدسة وقالوا: أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم يدخلا للتعريف. والدليل على ذلك: دخول حرف النداء عليه. وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام اللتين للتعريف فأنت تقول: «يا ألله» ولا تقول: «يالرحمن»، ولا «يالبصير» فدل على أن الألف واللام من بنية الاسم. والصواب أنه مشتق، لأن أصله (إله) بمعنى مألوه، أي معبود، فهو دال على صفات الإلهية.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده، المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم»[2].
فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره. وهو الذي لا يفزع العبد ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو. وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولا يسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد ويذل وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا والمحبة له سبحانه، فهو يذل وينقاد له سبحانه مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له - جل وعلا - حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصـفاته، المسـتحق لذلك كله. ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحـده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله - عز وجل - ما خـلق الـجن والإنس إلا لتحـقيق هذه الغـاية، كما قال سـبحانه: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات: 56][3].
ويوضح شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - معنى (الإله) فيقول: «والإله: هو المألوه أي: المستحق لأن يؤله؛ أي يعبد. ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده. وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول مثل: لفظ الركاب والحمال؛ بمعنى: المركوب والمحمول... فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحّده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره: ( فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)[الشعراء: 213]، وقال تعالى: ( لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا)[الإسراء: 22]، وقال إبراهيم لأبيه آزر: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 47]، فالمخلوق ليس بإله في نفسه، لكن عابده اتخذه إلهًا وجعله إلهًا وسماه إلهًا، وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره.. فغير الله لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى، فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد... فغير الله لا مالك لشيء، ولا شريك في شيء، ولا معاون للرب في شيء؛ بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة، والأنبياء، والصالحين؛ ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع، وأن يأذن للمشفوع له أن يشفع له، ومن دونه لا يملكون الشفاعة البتة، فلا يصلح من سواه لأن يكون إلهًا معبودًا كما لا يصلح أن يكون خالقًا رازقًا، لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»[4].
(ولا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد وقد تضمنت الدين الذي جاء به الرسل كلهم من عند الله ، وهي أعظم كلمة أنزلت من عند الله، وقد تضمنت الحقيقة الكبرى، وبها أصبح الناس مؤمنين وكفارًا، وأخيارًا وأشرارًا، وهي الدالة على تفرد الله بالوحدانية، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) [الأنعام: 19][5].
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: « (الإله): هو الذي يؤله فيعبد محبة، وإنابة، وإجلالاً، وإكرامًا»[6].
ويقول أيضًا: «أما (الإله) فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى»[7].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) هو المستحق لصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تألههه القلوب وتعمد إليه بالحب والخوف والرجاء» [8].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) الحق: هو الذي يحب لذاته، ويحمد لذاته فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه، وإنعامه، وحلمه، وعفوه، وبره، ورحمته فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله» [9].
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.
فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤلهَ ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية، والربوبية، والمُلك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالرحمة، وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده» [10]
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
[1] مدارج السالكين 1/32, 33.
[2] تفسير السعدي 5/620، الحق الواضح المبين ص 104.
[3] انظر: المفاهيم المثلى في ظلال أسماء الله الحسنى ص 14بتصرف يسير.
[4] مجموع الفتاوى 13/ 202، 205.
[5] أسماء الله الحسنى د/ عمر الأشقر ص31.
[6]طريق الهجرتين ص 108.
[7] بدائع الفوائد 2/212.
[8] شفاء العليل 1/411.
[9] الفوائد ص 203.
[10] فتح الرحيم الملك العلام: ت عبد الرزاق البدر ص 20
الله جل جلاله(1)
الله جل جلاله(1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصبحه ومن والاه إلى يوم الدين . أما بعد:
فإن اسم (الله جل جلاله) هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسـنى إلى هذا الاسـم العظـيم كقـوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ، ويقال: «الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم» من أسماء الله، ولا يقال: «الله» من أسماء «الرحمن»، ولا من أسماء «العزيز» ونحو ذلك فعلم أن اسمه «الله» مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم «الله»، واسم «الله» دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال أخص باسم «الله». وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم «الرب».
وصفات الإحسان، والجود، والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم «الرحمن» وكرر إيذانًا بثبوت الوصف وحصَول أثره، وتعلقه بمتعلقاته»[1].
وقد ذكر اسم «الله» في القرآن في (2724) مرة، واسم «الله» - تبارك وتعالى - خاص به سبحانه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه اسم مشتق واختلفوا في أصل اشتقاقه فقيل: إنه من «إله» مثل: «فعال» فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة مثل: «الناس» أصله «أناس» فقيل: «الله» فإله «فعال» بمعنى: مفعول كأنه مألوه أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلهونه، والتأله: التعبد. وهذا معروف في كلام العرب فهو دال على صفات الألوهية.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه اسم جامد غير مشتق علم على الذات المقدسة وقالوا: أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم يدخلا للتعريف. والدليل على ذلك: دخول حرف النداء عليه. وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام اللتين للتعريف فأنت تقول: «يا ألله» ولا تقول: «يالرحمن»، ولا «يالبصير» فدل على أن الألف واللام من بنية الاسم. والصواب أنه مشتق، لأن أصله (إله) بمعنى مألوه، أي معبود، فهو دال على صفات الإلهية.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده، المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم»[2].
فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره. وهو الذي لا يفزع العبد ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو. وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولا يسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد ويذل وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا والمحبة له سبحانه، فهو يذل وينقاد له سبحانه مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له - جل وعلا - حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصـفاته، المسـتحق لذلك كله. ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحـده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله - عز وجل - ما خـلق الـجن والإنس إلا لتحـقيق هذه الغـاية، كما قال سـبحانه: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات: 56][3].
ويوضح شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - معنى (الإله) فيقول: «والإله: هو المألوه أي: المستحق لأن يؤله؛ أي يعبد. ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده. وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول مثل: لفظ الركاب والحمال؛ بمعنى: المركوب والمحمول... فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحّده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره: ( فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)[الشعراء: 213]، وقال تعالى: ( لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا)[الإسراء: 22]، وقال إبراهيم لأبيه آزر: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 47]، فالمخلوق ليس بإله في نفسه، لكن عابده اتخذه إلهًا وجعله إلهًا وسماه إلهًا، وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره.. فغير الله لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى، فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد... فغير الله لا مالك لشيء، ولا شريك في شيء، ولا معاون للرب في شيء؛ بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة، والأنبياء، والصالحين؛ ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع، وأن يأذن للمشفوع له أن يشفع له، ومن دونه لا يملكون الشفاعة البتة، فلا يصلح من سواه لأن يكون إلهًا معبودًا كما لا يصلح أن يكون خالقًا رازقًا، لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»[4].
(ولا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد وقد تضمنت الدين الذي جاء به الرسل كلهم من عند الله ، وهي أعظم كلمة أنزلت من عند الله، وقد تضمنت الحقيقة الكبرى، وبها أصبح الناس مؤمنين وكفارًا، وأخيارًا وأشرارًا، وهي الدالة على تفرد الله بالوحدانية، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) [الأنعام: 19][5].
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: « (الإله): هو الذي يؤله فيعبد محبة، وإنابة، وإجلالاً، وإكرامًا»[6].
ويقول أيضًا: «أما (الإله) فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى»[7].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) هو المستحق لصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تألههه القلوب وتعمد إليه بالحب والخوف والرجاء» [8].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) الحق: هو الذي يحب لذاته، ويحمد لذاته فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه، وإنعامه، وحلمه، وعفوه، وبره، ورحمته فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله» [9].
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.
فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤلهَ ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية، والربوبية، والمُلك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالرحمة، وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده» [10]
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
[1] مدارج السالكين 1/32, 33.
[2] تفسير السعدي 5/620، الحق الواضح المبين ص 104.
[3] انظر: المفاهيم المثلى في ظلال أسماء الله الحسنى ص 14بتصرف يسير.
[4] مجموع الفتاوى 13/ 202، 205.
[5] أسماء الله الحسنى د/ عمر الأشقر ص31.
[6]طريق الهجرتين ص 108.
[7] بدائع الفوائد 2/212.
[8] شفاء العليل 1/411.
[9] الفوائد ص 203.
[10] فتح الرحيم الملك العلام: ت عبد الرزاق البدر ص 20
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصبحه ومن والاه إلى يوم الدين . أما بعد:
فإن اسم (الله جل جلاله) هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسـنى إلى هذا الاسـم العظـيم كقـوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ، ويقال: «الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم» من أسماء الله، ولا يقال: «الله» من أسماء «الرحمن»، ولا من أسماء «العزيز» ونحو ذلك فعلم أن اسمه «الله» مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم «الله»، واسم «الله» دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال أخص باسم «الله». وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم «الرب».
وصفات الإحسان، والجود، والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم «الرحمن» وكرر إيذانًا بثبوت الوصف وحصَول أثره، وتعلقه بمتعلقاته»[1].
وقد ذكر اسم «الله» في القرآن في (2724) مرة، واسم «الله» - تبارك وتعالى - خاص به سبحانه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه اسم مشتق واختلفوا في أصل اشتقاقه فقيل: إنه من «إله» مثل: «فعال» فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة مثل: «الناس» أصله «أناس» فقيل: «الله» فإله «فعال» بمعنى: مفعول كأنه مألوه أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلهونه، والتأله: التعبد. وهذا معروف في كلام العرب فهو دال على صفات الألوهية.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه اسم جامد غير مشتق علم على الذات المقدسة وقالوا: أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم يدخلا للتعريف. والدليل على ذلك: دخول حرف النداء عليه. وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام اللتين للتعريف فأنت تقول: «يا ألله» ولا تقول: «يالرحمن»، ولا «يالبصير» فدل على أن الألف واللام من بنية الاسم. والصواب أنه مشتق، لأن أصله (إله) بمعنى مألوه، أي معبود، فهو دال على صفات الإلهية.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده، المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم»[2].
فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره. وهو الذي لا يفزع العبد ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو. وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولا يسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد ويذل وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا والمحبة له سبحانه، فهو يذل وينقاد له سبحانه مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له - جل وعلا - حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصـفاته، المسـتحق لذلك كله. ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحـده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله - عز وجل - ما خـلق الـجن والإنس إلا لتحـقيق هذه الغـاية، كما قال سـبحانه: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات: 56][3].
ويوضح شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - معنى (الإله) فيقول: «والإله: هو المألوه أي: المستحق لأن يؤله؛ أي يعبد. ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده. وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول مثل: لفظ الركاب والحمال؛ بمعنى: المركوب والمحمول... فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحّده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره: ( فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)[الشعراء: 213]، وقال تعالى: ( لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا)[الإسراء: 22]، وقال إبراهيم لأبيه آزر: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 47]، فالمخلوق ليس بإله في نفسه، لكن عابده اتخذه إلهًا وجعله إلهًا وسماه إلهًا، وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره.. فغير الله لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى، فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد... فغير الله لا مالك لشيء، ولا شريك في شيء، ولا معاون للرب في شيء؛ بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة، والأنبياء، والصالحين؛ ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع، وأن يأذن للمشفوع له أن يشفع له، ومن دونه لا يملكون الشفاعة البتة، فلا يصلح من سواه لأن يكون إلهًا معبودًا كما لا يصلح أن يكون خالقًا رازقًا، لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»[4].
(ولا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد وقد تضمنت الدين الذي جاء به الرسل كلهم من عند الله ، وهي أعظم كلمة أنزلت من عند الله، وقد تضمنت الحقيقة الكبرى، وبها أصبح الناس مؤمنين وكفارًا، وأخيارًا وأشرارًا، وهي الدالة على تفرد الله بالوحدانية، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) [الأنعام: 19][5].
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: « (الإله): هو الذي يؤله فيعبد محبة، وإنابة، وإجلالاً، وإكرامًا»[6].
ويقول أيضًا: «أما (الإله) فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى»[7].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) هو المستحق لصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تألههه القلوب وتعمد إليه بالحب والخوف والرجاء» [8].
ويقول أيضًا: «إن (الإله) الحق: هو الذي يحب لذاته، ويحمد لذاته فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه، وإنعامه، وحلمه، وعفوه، وبره، ورحمته فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله» [9].
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.
فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤلهَ ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية، والربوبية، والمُلك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالرحمة، وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده» [10]
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
[1] مدارج السالكين 1/32, 33.
[2] تفسير السعدي 5/620، الحق الواضح المبين ص 104.
[3] انظر: المفاهيم المثلى في ظلال أسماء الله الحسنى ص 14بتصرف يسير.
[4] مجموع الفتاوى 13/ 202، 205.
[5] أسماء الله الحسنى د/ عمر الأشقر ص31.
[6]طريق الهجرتين ص 108.
[7] بدائع الفوائد 2/212.
[8] شفاء العليل 1/411.
[9] الفوائد ص 203.
[10] فتح الرحيم الملك العلام: ت عبد الرزاق البدر ص 20
الرب(2)
[الـرب] (2) 1
بقلم / الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب):
أولاً: إن اسم (الرب) سبحانه وما يستلزم من الأسماء والصفات يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم؛ فكونه رب العالمين لا يليق به أن يترك عباده سدى هملاً لا يعرفهم بنفسه ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها.. فهذا هضم للربوبية ونسبة للرب إلى ما لا يليق: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : 115]
ثانيًا: الإقرار بربوبية الله - عز وجل - يقتضي ويستلزم توحيد الله - عز وجل - وعبادته لا شريك له إذ أن الخالق لهذا الكون وما فيه والمتصرف فيه بالإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، والتدبير هو المستحق للعبادة وحـده إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل ندًا لله تعالى في المحبة والتعظيم والعبادة وهو لم يخلق ولا يملك لنفسه تدبيرًا فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهـذا ما احتج الله - عز وجل - به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه ولكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره وقد جاءت هـذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها:
- قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة :21- 22].
- وقوله تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف : 191] وقوله سبحانه: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل : 17].
- وقوله تعالى: (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون :88- 89].
- وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر : 38] . والآيات في هذا كثيرة جدًا.
ثالثًا: الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل – يعني: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه كونه قادرًا خالقًا بارئًا مصورًا، حيًا، قيومًا عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا. وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات. إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها - إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن ربوبيته سبحانه إنما تتحقَّق بكونه: فعَّالاً مُدبِّرًا؛ متصرِّفًا في خلقه؛ يعلم، ويقدر، ويريد، ويسمع، ويبصر.
فإذا انتفت أفعاله وصفاته: انتفت ربوبيته، وإذا انتفت عنه صفة الكلام: انتفى الأمر والنهي ولوازمها، وذلك ينفي حقيقة الإلهية» [ مختصر الصواعق المرسلة 2/474].
ويقول أيضًا: «إن (الرب): هو القادر الخالق البارئ المصور؛ الحي القيوم؛ العليم السميع البصير؛ المحسن المنعم الجواد؛ المعطي المانع؛ الضار النافع؛ المقدم المؤخر؛ الذي يُضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء؛ ويُسعد من يشاء، ويُشقي ويُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء؛ إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى» [ بدائع الفوائد 2/212].
رابعًا: الإيمان باسم (الرب) - عز وجل - وما يتعلق به من صفات يقتضي الرضا به سبحانه ربًا وإلهًا وحاكمًا ومشرعًا، لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه وينهاه عنه، ويقسمه له ويقدره عليه، ويعطيه إياه ويمنعه منه. فمن لم يحصل الرضى بذلك كله لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع الوجوه، ولا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يأتي بكل موجبات الربوبية ولوازمها. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً) [ مسلم (34)، وأحمد 1/208]. ومتى ذاق العبد طعم الإيمان فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته وثباته، ولو احتوشته البلايا والرزايا. كما أن من هذا شأنه فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه وتلذ له ، كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل - والنفور منها.
خامسًا: لما كان من معاني (الرب) أنه الذي يربي عباده وينقلهم من طور إلى طور وينعم عليهم بما يقيم حياتهم ومعاشهم. وهو الذي أحسن خلقهم وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فإن هذه المعاني من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه وحب ما يحبه ومن يحبه، وبغض ما يبغضه ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته، وتعظيمه وإجلاله وشكره وحمده الحمد اللائق بجلاله وعظمته وسلطانه وإنعامه.
سادسًا: لما كان من معاني (الرب) أنه المتكفل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. فإن هذه الصفات تورث في قلب العبد العارف لربه سبحانه قوة عظيمة في التوكل عليه سبحانه في جلب المنافع، ودفع المضار، وفي تصريف جميع أموره فلا يتعلق إلا بالله تعالى ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه سبحانه إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
سابعًا: لما كان من معاني الربوبية اختصاصه سبحانه بجلب المنافع ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم من معرفة ربهم بهذه الصفات - يلجأون إلى ربهم ويتضرعون إليه في الشدائد والملمات وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل - وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته أثر هذا في دعائه وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه سبحانه والوثوق بكفايته سبحانه وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى - وأوليائه تكرار الدعاء بقولهم: (ربنا، ربنا).
ثامنًا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم العبد أن يقول لسيده (ربي) فقال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي، وفتاتي، وغلامي) [البخاري (2552)].
قال الحافظ ابن حجر: «وفيه نهي العبد أن يقول لسيده (ربي) وكذلك نهي غيره فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده اسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه.
والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن (الرب) هو المالك القائم بالشيء، فلا توجـد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطـابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله، وترك الإشراك معـه، فكره له المضاهاة في الاسـم لئلا يدخل في معنى الشـرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعـبد عليه من سـائر الحيوانات والجمادات فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة كقوله: رب الدار، ورب الثوب.
قال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله.
[وتعقبه الحافظ بقوله]: والذي يختص بالله تعالى إطلاق (الرب) بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجـوز إطلاقه كما في قوله تعـالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) [يوسف : 42] ، وقولـه: ( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) [يوسف : 50]، وقوله عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها) فدلَّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز...
وقيل: المراد: النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة» أهـ [فتح الباري 5/179].
وترك استعمال هذه الكلمة لورود النهي عنها أسلم وأحوط والله أعلم.
ذكر الأسماء الحسنى التي اقترنت باسم (الرب) تبارك وتعالى.
ورد اقتران اسم (الرب) - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم بأسماء كريمة هي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز).
• قال سبحانه وتعالى: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة :2- 3].
• وقال - عز وجل -: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً) [النبأ : 37].
• وقال تبارك وتعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [صـ : 66].
• وقال تبارك وتعالى: (سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس : 58].
• وقال سبحانه (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ : 15].
وبتأمل هذه الأسماء المقترنة باسم (الرب) تعالى نجد أن فيها صفة الرحـمة والمغفرة، وفي هـذا التأكيد على أن من أخص صفات (الرب) - عز وجل - الرحمة والرأفة بعباده وأنها من موجبات ربوبيته. ومن ذلك تربيته لعباده، وإنعامه عليهم، وإرساله الرسل إليهم وإنذارهم وتبشيرهم. وهذه هي من لوازم التربية العامة، وأما التربية الخاصة من الله - عز وجل - لأوليائه بتوفيقهم، وحفظهم، ورعايتهم، وتربيتهم. فالرحمة، والرأفة، والمغفرة واضحة جلية في ذلك والله أعلم، وفي الآية الثانية ورد اسم: (العزيز الغفار). وصفة: (العزة والغلبة) من موجبات الربوبية والسؤدد.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشة برحمته: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه : 5] مطابق لقوله: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة :2- 3] فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها. فوسع كل شيء برحمته وربوبيته، مع أن في كونه ربّاً للعالمين ما يدل على علوه على خلقه وكونه فوق كل شيء، كما يأتي بيانه إن شاء الله»[مدارج السالكين 1/35].
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
بقلم / الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب):
أولاً: إن اسم (الرب) سبحانه وما يستلزم من الأسماء والصفات يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم؛ فكونه رب العالمين لا يليق به أن يترك عباده سدى هملاً لا يعرفهم بنفسه ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها.. فهذا هضم للربوبية ونسبة للرب إلى ما لا يليق: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : 115]
ثانيًا: الإقرار بربوبية الله - عز وجل - يقتضي ويستلزم توحيد الله - عز وجل - وعبادته لا شريك له إذ أن الخالق لهذا الكون وما فيه والمتصرف فيه بالإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، والتدبير هو المستحق للعبادة وحـده إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل ندًا لله تعالى في المحبة والتعظيم والعبادة وهو لم يخلق ولا يملك لنفسه تدبيرًا فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهـذا ما احتج الله - عز وجل - به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه ولكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره وقد جاءت هـذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها:
- قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة :21- 22].
- وقوله تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف : 191] وقوله سبحانه: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل : 17].
- وقوله تعالى: (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون :88- 89].
- وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر : 38] . والآيات في هذا كثيرة جدًا.
ثالثًا: الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل – يعني: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه كونه قادرًا خالقًا بارئًا مصورًا، حيًا، قيومًا عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا. وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات. إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها - إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن ربوبيته سبحانه إنما تتحقَّق بكونه: فعَّالاً مُدبِّرًا؛ متصرِّفًا في خلقه؛ يعلم، ويقدر، ويريد، ويسمع، ويبصر.
فإذا انتفت أفعاله وصفاته: انتفت ربوبيته، وإذا انتفت عنه صفة الكلام: انتفى الأمر والنهي ولوازمها، وذلك ينفي حقيقة الإلهية» [ مختصر الصواعق المرسلة 2/474].
ويقول أيضًا: «إن (الرب): هو القادر الخالق البارئ المصور؛ الحي القيوم؛ العليم السميع البصير؛ المحسن المنعم الجواد؛ المعطي المانع؛ الضار النافع؛ المقدم المؤخر؛ الذي يُضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء؛ ويُسعد من يشاء، ويُشقي ويُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء؛ إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى» [ بدائع الفوائد 2/212].
رابعًا: الإيمان باسم (الرب) - عز وجل - وما يتعلق به من صفات يقتضي الرضا به سبحانه ربًا وإلهًا وحاكمًا ومشرعًا، لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه وينهاه عنه، ويقسمه له ويقدره عليه، ويعطيه إياه ويمنعه منه. فمن لم يحصل الرضى بذلك كله لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع الوجوه، ولا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يأتي بكل موجبات الربوبية ولوازمها. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً) [ مسلم (34)، وأحمد 1/208]. ومتى ذاق العبد طعم الإيمان فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته وثباته، ولو احتوشته البلايا والرزايا. كما أن من هذا شأنه فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه وتلذ له ، كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل - والنفور منها.
خامسًا: لما كان من معاني (الرب) أنه الذي يربي عباده وينقلهم من طور إلى طور وينعم عليهم بما يقيم حياتهم ومعاشهم. وهو الذي أحسن خلقهم وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فإن هذه المعاني من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه وحب ما يحبه ومن يحبه، وبغض ما يبغضه ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته، وتعظيمه وإجلاله وشكره وحمده الحمد اللائق بجلاله وعظمته وسلطانه وإنعامه.
سادسًا: لما كان من معاني (الرب) أنه المتكفل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. فإن هذه الصفات تورث في قلب العبد العارف لربه سبحانه قوة عظيمة في التوكل عليه سبحانه في جلب المنافع، ودفع المضار، وفي تصريف جميع أموره فلا يتعلق إلا بالله تعالى ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه سبحانه إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
سابعًا: لما كان من معاني الربوبية اختصاصه سبحانه بجلب المنافع ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم من معرفة ربهم بهذه الصفات - يلجأون إلى ربهم ويتضرعون إليه في الشدائد والملمات وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل - وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته أثر هذا في دعائه وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه سبحانه والوثوق بكفايته سبحانه وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى - وأوليائه تكرار الدعاء بقولهم: (ربنا، ربنا).
ثامنًا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم العبد أن يقول لسيده (ربي) فقال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي، وفتاتي، وغلامي) [البخاري (2552)].
قال الحافظ ابن حجر: «وفيه نهي العبد أن يقول لسيده (ربي) وكذلك نهي غيره فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده اسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه.
والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن (الرب) هو المالك القائم بالشيء، فلا توجـد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطـابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله، وترك الإشراك معـه، فكره له المضاهاة في الاسـم لئلا يدخل في معنى الشـرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعـبد عليه من سـائر الحيوانات والجمادات فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة كقوله: رب الدار، ورب الثوب.
قال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله.
[وتعقبه الحافظ بقوله]: والذي يختص بالله تعالى إطلاق (الرب) بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجـوز إطلاقه كما في قوله تعـالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) [يوسف : 42] ، وقولـه: ( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) [يوسف : 50]، وقوله عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها) فدلَّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز...
وقيل: المراد: النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة» أهـ [فتح الباري 5/179].
وترك استعمال هذه الكلمة لورود النهي عنها أسلم وأحوط والله أعلم.
ذكر الأسماء الحسنى التي اقترنت باسم (الرب) تبارك وتعالى.
ورد اقتران اسم (الرب) - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم بأسماء كريمة هي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز).
• قال سبحانه وتعالى: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة :2- 3].
• وقال - عز وجل -: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً) [النبأ : 37].
• وقال تبارك وتعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [صـ : 66].
• وقال تبارك وتعالى: (سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس : 58].
• وقال سبحانه (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ : 15].
وبتأمل هذه الأسماء المقترنة باسم (الرب) تعالى نجد أن فيها صفة الرحـمة والمغفرة، وفي هـذا التأكيد على أن من أخص صفات (الرب) - عز وجل - الرحمة والرأفة بعباده وأنها من موجبات ربوبيته. ومن ذلك تربيته لعباده، وإنعامه عليهم، وإرساله الرسل إليهم وإنذارهم وتبشيرهم. وهذه هي من لوازم التربية العامة، وأما التربية الخاصة من الله - عز وجل - لأوليائه بتوفيقهم، وحفظهم، ورعايتهم، وتربيتهم. فالرحمة، والرأفة، والمغفرة واضحة جلية في ذلك والله أعلم، وفي الآية الثانية ورد اسم: (العزيز الغفار). وصفة: (العزة والغلبة) من موجبات الربوبية والسؤدد.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشة برحمته: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه : 5] مطابق لقوله: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة :2- 3] فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها. فوسع كل شيء برحمته وربوبيته، مع أن في كونه ربّاً للعالمين ما يدل على علوه على خلقه وكونه فوق كل شيء، كما يأتي بيانه إن شاء الله»[مدارج السالكين 1/35].
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
الرب(1)
الـرب (1) 2
بقلم / الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن (الرب) من أسماء الله - عز وجل - الحسنى التي يدعى بها، ويمجد بها، ويقدس بها وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم إنما جاء مضافًا إلى الخلق عمومًا وخصوصًا مثل: (رب العالمين)، (رب السماوات والأرض)، (رب الملائكة)، (رب العرش) ونحو ذلك.
وورد ذكـره في القـرآن في أكثر من 900 موضـع؛ كقوله تعـالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الفاتحة: 2]، وقولـه سبحانه: ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام: 164]، وقوله - عز وجل -: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [هود: 66]، وقوله سبحانه: ( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ )[المؤمنون: 97، 98]، وقوله تعالى: ( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ )[سبأ:15]، وقوله تعالى: ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) [الواقعة: 74] . وقد ورد كثيرًا في أدعيـة الأنبياء - عليهم الصـلاة والسلام – والصـالحين قولهـم: (ربنا).
معنى (الرب):
قال ابن الأثير: «يطلق (الربّ) في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف، فيقال: ربّ كذا، وقد جاء في الشعر مطلقًا على غير الله ، وليس بالكثير»[1].
وقال الراغب: «و(الربّ) في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام، يقال: ربّه ورباه، وربَّبه، وقيل: لأن يربني رجل من قريش أحب إليَّ من أن يربني رجل من هوازن. ولا يقال (الرب) مطلقًا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات، نحو قوله: ( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) [سبأ: 15]، وبالإضافة يقال له ولغيره، نحو قـولهـم: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الفـاتحة: 2]، ( رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) [الصافات: 16].
ويقال: ربّ الفَرَس، وربّ الدار، وعلى ذلك قال الله تعالى: ( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ )[يوسف: 42]، وقوله: ( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) [يوسف: 50][2].
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «(والرب) هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح. وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى»[3].
ويبين الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - معنى قوله تعالى: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فيقول: «قوله: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) : ربوبيته للعالم تتضمَّن تصرفه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كلَّ وقتٍ فيه، وكونه معه كلَّ ساعةٍ في شأنٍ، يخلق ويرزق؛ ويُميت ويُحيي؛ ويخفض ويرفع؛ ويُعطي ويمنع؛ ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويُصرِّف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكار ذلك إنكارٌ لربوبيته وإلهيته وملكه»[4].
ويتحدث - رحمه الله تعالى - عما يشاهده العبد من اسـمه سبحانه (رب العالمين) فيقول: «وشاهد من ذكر اسمه: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) قيُّومًا قام بنفسه؛ وقام به كلُّ شيءٍ، فهو قائمٌ على كلِّ نفس بخيرها وشرِّها، قد استوى على عرشه، وتفرَّد بتدبير ملكه، فالتدبير كلُّه بيديه، ومصير الأمور كلُّها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرِّين: ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) [الرحمن: 29]. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا مُعقِّب لحكمه، ولارادَّ لأمره، ولا مُبدِّل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال - أول النهار وآخره - عليه، فيُقدِّر المقادير ويُوقِّت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها، قائمًا بتدبير ذلك كلِّه وحفظه ومصالحه»[5]
اسم (الرب) من أعظم الممادح التي مجد الله - عز وجل - نفسه بها:
ومن ذلك:
امتداح الله - عز وجل - نفسه بأنه: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) والعالمون جمع عالم. وكل ما سوى الله فهو عالم: قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) والنصوص المعرفة بأنه رب العالمين كثيرة جدًا، كما مدح نفسه بأنه رب كل شيء كما في قوله تعالى: ( أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) [الأنعام: 164].
تمجيده سبحانه نفسه بأنه رب العـرش العظيم كما في قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) [النمل: 26]، وقوله - عز وجل -: ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) [المؤمنون: 116].
كما مدح سبحانه نفسه بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما.
قال الله - عز وجل -: ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )[مريم: 65].
وامتدح الله نفسه - تبارك وتعالى - بأنه ربنا ورب آبائنا الأولين، قال سبحانه: ( قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) [الشعراء: 26].
وقال عن نفسه - عز وجل - أيضًا رب المشرق والمغرب، ورب المشارق والمغارب، قال عز وجل: ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) [المزمل: 9]، وقال تبارك وتعالى: ( فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ) [المعارج: 40].
اسم (الرب) - سـبحانه وتعـالى- من أكثر الأسـماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «و (الرب) هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة»[6].
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله - عز وجل - في كتابه الكريم عن أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام - وأوليائه الصالحين حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم ومن ذلك.
- دعاء الأبوين - عليهما السلام - بقولهما: ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الأعراف: 23].
- دعاء نوح - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ... الآية[نوح: 28]، وقوله: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) [هود: 54].
- ودعاء موسى - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ) [الأعراف: 151]، وقوله: ( رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ) [الأعراف: 155].
- ودعاء يوسف عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) [يوسف: 33]، وقوله: ( رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) ... الآية [يوسف: 101].
- ودعاء زكريا عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً ) [آل عمران: 38].
- ودعاء أيوب عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) [ص: 35].
ـ ودعاء امرأة عمران في قولها: ( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا )... الآية [آل عمران: 35].
- ودعاء عباد الله الصالحين في قولهم: ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) [ آل عمران: 193، 194]، وقولهم: ( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا )[الفرقان: 65].
- وكان الرسول r يدعو الله كثيرًا باسم (الرب)، ويمجده ويعظمه به، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلك على سيد الاستغفار، اللَّهم أنت ربي لا إله إلا أنت... )[7].
وكان الرسول r إذا أخذ مضجعه يقول: (اللَّهم ربّ السماوات، وربّ الأرض ورب العرش العظيم، ربّنا وربّ كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن... )[8].
وكان إذا افتتح صلاته من الليل قال: (اللَّهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض...)[9].
وكان r يدعو عند الكرب بقوله: (لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم)[10].
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة كريمة يتضمنها هذا الاسم الكريم أو يستلزمها.
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله - عز وجل - رب كل شيء وخالقه ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جـميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره لأن أحدًا لا يدعي أنه أو غيره من المخلوقين هو الخالق البارئ المحيي المميت القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذرًا من ملاحدة الصوفية، والباطنية والنصرانية التي تزعم أنه مع الله - عز وجل - شريك في ربوبيته وتصريفه لهذا الكون تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
أما أكثر طوائف المشركين فقد أقروا بربوبية الله - عز وجل - ولم ينكروها. وهم عبيد لله - عز وجل - بهذا المعنى قال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ )[يونس: 31].
وهم الذين قال الله - عز وجل - عنهم: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [مريم: 93]، وقال فيهم: ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) [آل عمران: 83].
فالذين آمنوا بربوبية الله - عز وجل - وحدها دون أن يوحدوه ويعبدوه هم الذين أسلموا لله - عز وجل - كرهًا. وأما الذين وحدوه وعبدوه وأطـاعوه فهم أهل العبودية الخاصة الذين عبدوا الله - عز وجل - طوعًا واختيارًا وانقيادًا.
يقول ابن القيم رحـمه الله تعالى: «العبودية نوعان: عامة، وخاصة. فالعبودية العـامة: عبـودية أهـل السماوات والأرض كلهـم لله، بَرِّهم وفاجـرهم، مؤمنهم وكافرهم. فهـذه عبـودية القهــر والملك. قال تعالى: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )[مريم:88- 93]فهذا يدخل فيه مؤمنهم وكافرهم.
وقال تعالى: ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ )[الفرقان: 17] فسماهم عباده مع ضلالهم. لكن تسميةً مقيدة بالإشارة. وأما المطلقة: فلم تجيء إلا لأهل النوع الثاني، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وقال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) [الزمر: 46]، وقال: (ِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ) [غافر: 31]، وقال : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ )[الزمر: 48] فهذا يتناول العبودية الخاصة والعامة.
وأما النوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة، واتباع الأوامر.
قال تعالى: ( يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )[الزخرف: 68]، ( فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) [الزمر: 17، 18]، وقال: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) [الفرقان: 63]، وقال تعـالى عن إبليس: ( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )[الحجر: 40]، وقال تعالى عنهم: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )[الإسراء: 65][11].
وقال في موطن آخر: «فهو رب كل شيء وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألَّهه وحده السعداء، وأقروا له طوعًا بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل، والرجاء والخوف، والحب والإنابة والإخبات والخشية، والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افترق الناس، وصاروا فريقين: فريقًا مشركين في السعير، وفريقًا موحدين في الجنة» [12].
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه.
ولهذا إنما بعث الرسـل يدعونهـم إلى عبادة الله وحـده لا شـريك له الذي هـو المقصـود المسـتلزم للإقرار بالربوبيـة، وقد أخبر عنهـم أنهم: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )[الزخرف: : 87]، وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال: ( وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )[لقمان: 32]، فأخبر أنهم مُقِرِّون بربوبيته، وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم، ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم.
وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية، وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية. وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة، وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته؛ لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون، وهؤلاء من جنس الملوك. وقد ذم الله - عز وجل - في القرآن هذا الصنف كثيرًا، فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق، ويعملون عليها، وهم لعمري في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية، وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة، وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به، والله سبحانه أعلم» [13].
الرب والإله بينهما اجتماع وافتراق:
أي: أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وبيان ذلك أن يقال: إذا اجتمع (الرب) و (الإله) في موضع ونص واحد فإنهما يفترقان في المعنى؛ حيث يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف القادر الخالق المحيي المميت المتفرد بخصائص الربوبية. و(الإله) يتوجه إلى المعبود المألوه الذي يجب أن يوحده العباد بأفعالهم. أما إذا افترقا حيث ذكر كل منهما في موضع فإنهما يجتمعان بحيث يدل أحدهما على معناه كما يتضمن معنى الآخر.
مثال لحالة الاجتماع، قوله تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) ) فذكر سبحانه هنا {رب الناس}، {إله الناس} وهنا يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف المحيي المميت الخالق البارئ المتفرد بصفات الربوبية. كما يتوجه معنى (الإله) إلى المعبود المألوه المطاع.
مثال لحالة الافتراق:
قوله تعالى: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [البقرة: 163].
وقوله تعالى في كثير من الأدعية القرآنية: (ربنا)، (ربِّ).
فهنا يتوجه معنى (الإله) في الآية الأولى إلى معنى الألوهية والعبودية لله - عز وجل - مع تضمنه لمعنى الربوبية، ويتوجه معنى (الرب) في الآية الثانية إلى معنى الربوبية والملك والتدبير والخلق مع تضمنه لمعنى العبودية.
تتمة المقال على هذا الرابط
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] النهاية لابن الأثير 2/179.
[2] المفردات للراغب ص 184.
[3] تفسير ابن كثير 1/23.
[4] الصواعق المرسلة 4/1223.
[5] الصلاة وحكم تاركها ص 169، 170.
[6] تفسير السعدي 5/486.
[7] البخاري (6306).
[8] مسلم (2713).
[9] مسلم (770).
[10] البخاري (6345).
[11] مدارج السالكين 1/ 105.
[12] مدارج السالكين 1/34، 35.
[13] مجموع الفتاوى 14/14، 15.
بقلم / الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن (الرب) من أسماء الله - عز وجل - الحسنى التي يدعى بها، ويمجد بها، ويقدس بها وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم إنما جاء مضافًا إلى الخلق عمومًا وخصوصًا مثل: (رب العالمين)، (رب السماوات والأرض)، (رب الملائكة)، (رب العرش) ونحو ذلك.
وورد ذكـره في القـرآن في أكثر من 900 موضـع؛ كقوله تعـالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الفاتحة: 2]، وقولـه سبحانه: ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام: 164]، وقوله - عز وجل -: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [هود: 66]، وقوله سبحانه: ( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ )[المؤمنون: 97، 98]، وقوله تعالى: ( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ )[سبأ:15]، وقوله تعالى: ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) [الواقعة: 74] . وقد ورد كثيرًا في أدعيـة الأنبياء - عليهم الصـلاة والسلام – والصـالحين قولهـم: (ربنا).
معنى (الرب):
قال ابن الأثير: «يطلق (الربّ) في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف، فيقال: ربّ كذا، وقد جاء في الشعر مطلقًا على غير الله ، وليس بالكثير»[1].
وقال الراغب: «و(الربّ) في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام، يقال: ربّه ورباه، وربَّبه، وقيل: لأن يربني رجل من قريش أحب إليَّ من أن يربني رجل من هوازن. ولا يقال (الرب) مطلقًا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات، نحو قوله: ( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) [سبأ: 15]، وبالإضافة يقال له ولغيره، نحو قـولهـم: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الفـاتحة: 2]، ( رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) [الصافات: 16].
ويقال: ربّ الفَرَس، وربّ الدار، وعلى ذلك قال الله تعالى: ( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ )[يوسف: 42]، وقوله: ( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) [يوسف: 50][2].
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «(والرب) هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح. وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى»[3].
ويبين الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - معنى قوله تعالى: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فيقول: «قوله: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) : ربوبيته للعالم تتضمَّن تصرفه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كلَّ وقتٍ فيه، وكونه معه كلَّ ساعةٍ في شأنٍ، يخلق ويرزق؛ ويُميت ويُحيي؛ ويخفض ويرفع؛ ويُعطي ويمنع؛ ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويُصرِّف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكار ذلك إنكارٌ لربوبيته وإلهيته وملكه»[4].
ويتحدث - رحمه الله تعالى - عما يشاهده العبد من اسـمه سبحانه (رب العالمين) فيقول: «وشاهد من ذكر اسمه: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) قيُّومًا قام بنفسه؛ وقام به كلُّ شيءٍ، فهو قائمٌ على كلِّ نفس بخيرها وشرِّها، قد استوى على عرشه، وتفرَّد بتدبير ملكه، فالتدبير كلُّه بيديه، ومصير الأمور كلُّها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرِّين: ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) [الرحمن: 29]. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا مُعقِّب لحكمه، ولارادَّ لأمره، ولا مُبدِّل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال - أول النهار وآخره - عليه، فيُقدِّر المقادير ويُوقِّت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها، قائمًا بتدبير ذلك كلِّه وحفظه ومصالحه»[5]
اسم (الرب) من أعظم الممادح التي مجد الله - عز وجل - نفسه بها:
ومن ذلك:
امتداح الله - عز وجل - نفسه بأنه: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) والعالمون جمع عالم. وكل ما سوى الله فهو عالم: قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) والنصوص المعرفة بأنه رب العالمين كثيرة جدًا، كما مدح نفسه بأنه رب كل شيء كما في قوله تعالى: ( أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) [الأنعام: 164].
تمجيده سبحانه نفسه بأنه رب العـرش العظيم كما في قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) [النمل: 26]، وقوله - عز وجل -: ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) [المؤمنون: 116].
كما مدح سبحانه نفسه بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما.
قال الله - عز وجل -: ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )[مريم: 65].
وامتدح الله نفسه - تبارك وتعالى - بأنه ربنا ورب آبائنا الأولين، قال سبحانه: ( قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) [الشعراء: 26].
وقال عن نفسه - عز وجل - أيضًا رب المشرق والمغرب، ورب المشارق والمغارب، قال عز وجل: ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) [المزمل: 9]، وقال تبارك وتعالى: ( فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ) [المعارج: 40].
اسم (الرب) - سـبحانه وتعـالى- من أكثر الأسـماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «و (الرب) هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة»[6].
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله - عز وجل - في كتابه الكريم عن أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام - وأوليائه الصالحين حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم ومن ذلك.
- دعاء الأبوين - عليهما السلام - بقولهما: ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الأعراف: 23].
- دعاء نوح - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ... الآية[نوح: 28]، وقوله: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) [هود: 54].
- ودعاء موسى - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ) [الأعراف: 151]، وقوله: ( رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ) [الأعراف: 155].
- ودعاء يوسف عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) [يوسف: 33]، وقوله: ( رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) ... الآية [يوسف: 101].
- ودعاء زكريا عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً ) [آل عمران: 38].
- ودعاء أيوب عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) [ص: 35].
ـ ودعاء امرأة عمران في قولها: ( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا )... الآية [آل عمران: 35].
- ودعاء عباد الله الصالحين في قولهم: ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) [ آل عمران: 193، 194]، وقولهم: ( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا )[الفرقان: 65].
- وكان الرسول r يدعو الله كثيرًا باسم (الرب)، ويمجده ويعظمه به، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلك على سيد الاستغفار، اللَّهم أنت ربي لا إله إلا أنت... )[7].
وكان الرسول r إذا أخذ مضجعه يقول: (اللَّهم ربّ السماوات، وربّ الأرض ورب العرش العظيم، ربّنا وربّ كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن... )[8].
وكان إذا افتتح صلاته من الليل قال: (اللَّهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض...)[9].
وكان r يدعو عند الكرب بقوله: (لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم)[10].
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة كريمة يتضمنها هذا الاسم الكريم أو يستلزمها.
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله - عز وجل - رب كل شيء وخالقه ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جـميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره لأن أحدًا لا يدعي أنه أو غيره من المخلوقين هو الخالق البارئ المحيي المميت القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذرًا من ملاحدة الصوفية، والباطنية والنصرانية التي تزعم أنه مع الله - عز وجل - شريك في ربوبيته وتصريفه لهذا الكون تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
أما أكثر طوائف المشركين فقد أقروا بربوبية الله - عز وجل - ولم ينكروها. وهم عبيد لله - عز وجل - بهذا المعنى قال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ )[يونس: 31].
وهم الذين قال الله - عز وجل - عنهم: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [مريم: 93]، وقال فيهم: ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) [آل عمران: 83].
فالذين آمنوا بربوبية الله - عز وجل - وحدها دون أن يوحدوه ويعبدوه هم الذين أسلموا لله - عز وجل - كرهًا. وأما الذين وحدوه وعبدوه وأطـاعوه فهم أهل العبودية الخاصة الذين عبدوا الله - عز وجل - طوعًا واختيارًا وانقيادًا.
يقول ابن القيم رحـمه الله تعالى: «العبودية نوعان: عامة، وخاصة. فالعبودية العـامة: عبـودية أهـل السماوات والأرض كلهـم لله، بَرِّهم وفاجـرهم، مؤمنهم وكافرهم. فهـذه عبـودية القهــر والملك. قال تعالى: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )[مريم:88- 93]فهذا يدخل فيه مؤمنهم وكافرهم.
وقال تعالى: ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ )[الفرقان: 17] فسماهم عباده مع ضلالهم. لكن تسميةً مقيدة بالإشارة. وأما المطلقة: فلم تجيء إلا لأهل النوع الثاني، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وقال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) [الزمر: 46]، وقال: (ِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ) [غافر: 31]، وقال : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ )[الزمر: 48] فهذا يتناول العبودية الخاصة والعامة.
وأما النوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة، واتباع الأوامر.
قال تعالى: ( يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )[الزخرف: 68]، ( فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) [الزمر: 17، 18]، وقال: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) [الفرقان: 63]، وقال تعـالى عن إبليس: ( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )[الحجر: 40]، وقال تعالى عنهم: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )[الإسراء: 65][11].
وقال في موطن آخر: «فهو رب كل شيء وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألَّهه وحده السعداء، وأقروا له طوعًا بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل، والرجاء والخوف، والحب والإنابة والإخبات والخشية، والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افترق الناس، وصاروا فريقين: فريقًا مشركين في السعير، وفريقًا موحدين في الجنة» [12].
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه.
ولهذا إنما بعث الرسـل يدعونهـم إلى عبادة الله وحـده لا شـريك له الذي هـو المقصـود المسـتلزم للإقرار بالربوبيـة، وقد أخبر عنهـم أنهم: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )[الزخرف: : 87]، وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال: ( وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )[لقمان: 32]، فأخبر أنهم مُقِرِّون بربوبيته، وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم، ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم.
وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية، وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية. وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة، وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته؛ لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون، وهؤلاء من جنس الملوك. وقد ذم الله - عز وجل - في القرآن هذا الصنف كثيرًا، فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق، ويعملون عليها، وهم لعمري في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية، وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة، وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به، والله سبحانه أعلم» [13].
الرب والإله بينهما اجتماع وافتراق:
أي: أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وبيان ذلك أن يقال: إذا اجتمع (الرب) و (الإله) في موضع ونص واحد فإنهما يفترقان في المعنى؛ حيث يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف القادر الخالق المحيي المميت المتفرد بخصائص الربوبية. و(الإله) يتوجه إلى المعبود المألوه الذي يجب أن يوحده العباد بأفعالهم. أما إذا افترقا حيث ذكر كل منهما في موضع فإنهما يجتمعان بحيث يدل أحدهما على معناه كما يتضمن معنى الآخر.
مثال لحالة الاجتماع، قوله تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) ) فذكر سبحانه هنا {رب الناس}، {إله الناس} وهنا يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف المحيي المميت الخالق البارئ المتفرد بصفات الربوبية. كما يتوجه معنى (الإله) إلى المعبود المألوه المطاع.
مثال لحالة الافتراق:
قوله تعالى: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [البقرة: 163].
وقوله تعالى في كثير من الأدعية القرآنية: (ربنا)، (ربِّ).
فهنا يتوجه معنى (الإله) في الآية الأولى إلى معنى الألوهية والعبودية لله - عز وجل - مع تضمنه لمعنى الربوبية، ويتوجه معنى (الرب) في الآية الثانية إلى معنى الربوبية والملك والتدبير والخلق مع تضمنه لمعنى العبودية.
تتمة المقال على هذا الرابط
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] النهاية لابن الأثير 2/179.
[2] المفردات للراغب ص 184.
[3] تفسير ابن كثير 1/23.
[4] الصواعق المرسلة 4/1223.
[5] الصلاة وحكم تاركها ص 169، 170.
[6] تفسير السعدي 5/486.
[7] البخاري (6306).
[8] مسلم (2713).
[9] مسلم (770).
[10] البخاري (6345).
[11] مدارج السالكين 1/ 105.
[12] مدارج السالكين 1/34، 35.
[13] مجموع الفتاوى 14/14، 15.
الواحد الأحد( 2)
الواحد، الأحد(2)
ذكر الأسماء الحسنى التي ورد ذكرها مقترنًا باسم (الواحد أو الأحد)
*بقلم / الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وأصحابه. أما بعد:
فقد ورد اقتران اسـم الله (الواحد) باسمه سبحانه (القهار) في أكثر من آية من ذلك:
- قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [سورة الرعد 13/16]
- وقوله تبارك وتعالى: { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [سورة غافر 40/16]
- وقوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)} [سورة الزمر 39/4]
(الواحد) غير اسمه (القهار).
(والقهار): اسم مبالغة (للقاهر) وهو الذي خضع له كل شيء، وذل لعظمته وجبروته وقـوته كل شيء، لايخرج شيء ولا حي عن قدرته وتدبيره وملكه وقهر كل الخلق بالموت وهذا يفسر - والله أعلم - شيئًا من سر اقتران اسمه (الواحد) باسمه (القهار). حيث إن من موجبات اسمه (الواحد) في ربوبيته وملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته أن يكون قاهرًا قهارًا غالبًا لكل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وما من دابة إلا هـو سبحانه آخـذ بناصيتها ماض فيها حكـمه عدل فيها قضاؤه: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)} [سورة هود 11/56] ، وكونه تعالى (الواحد) يقتضي كونه (القهار).
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «ووحدته تعالى وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون إلا قهارًا، والقهار لا يكون إلا واحدًا وذلك ينفي الشركة من كل وجه»[1].
ويقول أيضًا: «فإن القهر ملازم للوحدة فلا يكون اثنان قهاران متسـاويين في قهرهما أبدًا. فالذي يقهر جـميع الأشـياء هو الواحد الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يعبد وحده كما كان قاهرًا وحده»[2].
«كما يشير هذا الاقتران إلى معنى بديع: وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعُددهم، والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحد أحد فرد صمد مستغن عن الظهير والمعين. فاقتران الاسمين يشير إلى كماله سبحانه في تفرده وكماله في قهره»[3].
أما اسمه سبحانه (الأحد) فقد جاء في سورة الإخلاص مع اسمه سبحانه (الصمد) فقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} [سورة الإخلاص 112/1-2] كما جاء أيضًا مقترنًا (بالصمد) في السنة الصحيحة: (اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد... » الحديث[4].
(والصمد): هو الذي تقصده وحده الخلائق كلها وتصمد إليه في حاجاتها، وأحوالها، وضروراتها لما له سبحانه من الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله[5]. وهذا يفسر اقتران اسمه سبحانه (الصمد) باسمه سبحانه (الأحد) لأن من معاني (الأحد) الكامل المطلق المتفرد في ذاته وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلهيته، ولا يصدق اسم (الصمد) إلا على من هذه صفاته (الواحد الأحد) سبحانه وتعالى.
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين:
أولاً: إن أعظم أثر وموجب لهذين الاسمين الجليلين الكريمين هو إفراده - سبحانه وتعالى - بالربوبية والإلهية وتوحيده سبحانه بأفعاله وصفاته وتوحيده بأفعال عباده. فكما أنه واحد في ربوبيته - حيث هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء - فهو واحد في ألوهيته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له. وحينئذ يتحقق توحيد العبد لربه سبحانه ويتحقق إفراده - عز وجل - بجميع أنواع العبادة، حيث لا يستحق العبادة إلا هو وحده سبحانه. وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له. ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله - عز وجل - ولا يستغيث، ولا يستعين، ولا يستعيذ إلا بالله وحده، ولا يخاف، ولا يرهب، ولا يشفق إلا من الله وحده، ولا يتوكل إلا عليه وحده.
والمقصود أن من موجبات الإيمان باسمه (الواحد، الأحد) إفراده سبحانه وحده بالتأله، والدعاء، والمحبة، والتعظيم، والإجلال، والخوف، والرجاء، والتوكل وجميع أنواع العبادة.
وهذا يقتضي إفراده - عز وجل - بالحب والولاء؛ قال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14)} [سورة الأنعام 6/14]
ثانيًا: تعلق القلوب بخالقها ومعبودها وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء. وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم؟ وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة وشركاء متشاكسين يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير، وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا هو الله - عز وجل - ومن تنازعه آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه.
قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)} [سورة الزمر 39/29]
يعلق سيد قطب - رحمه الله تعالى - على هذه الآية فيقول: «يضرب الله المثل للعبد الموحد، والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضًا فيه، وهو بينهم موزع؛ ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف؛ وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق؛ ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه! وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح»..
«هل يستويان مثلاً؟»..
إنهما لا يستويان. فالذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين. وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه، ووضوح الطريق. والذي يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضي واحدًا منهم فضلاً على أن يرضي الجميع!
وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك في جميع الأحوال. فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدى؛لأنه يعرف مصدرًا واحدًا للحياة، والقوة، والرزق، ومصدرًا واحدًا للنفع والضر، ومصدرًا واحدًا للمنح والمنع، فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد، يستمد منه وحده، ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته. ويطمئن اتجاهه إلى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره. ويخدم سيدًا واحدًا يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه.. وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد ، فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الأرض متطلع إلى إله واحد في السماء.. ويعقب على هذا المثل الناطق الموحي، بالحمد لله الذي اختار لعباده الراحة والأمن والطمأنينة والاستقامة» أهـ[6].
وإذا وجه العبد حياته كلها لتحقيق هذا الهدف العظيم، ألا وهو عبادة الله وحده، فإنه يخضع كل شيء في حياته لهذا الهدف، وإنه بذلك يحفظ وقته وعمره من أن يضيع في غير هذه الغاية فيشح بوقته النفيس وأنفاسه المعدودة من أن تضيع سدى، بل يشغل جميع أوقاته ودقائق عمره فيما يعود عليه بالنفع في آخرته من عمل صالح ، أو دعوة إلى الله أو جهاد في سبيله، ويتحسر على فوات الدقائق من عمره أعظم من تحسره على فوات الدنيا بأسرها؛ لذلك فهو يغتنم ويهتبل نعمة الفراغ والصحة، والمال، والشباب باستعمالها في طاعة الله - عز وجل - قبل فواتها، وحتى أوقات راحته واستجمامه ومتعته ينويها عبادة لله - عز وجل - ليتقوى بها على طاعة أخرى بعد إجمام النفس ونشاطها.
ثالثًا: إفراد الله - عز وجل - بالتشريع والتلقي: فإن الإيمان بوحدانية الله - عز وجل - وأحديته توجب توحيده في الحكم والتحاكم والتلقي.
قال - عز وجل -: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } [سورة الأنعام 6/114] وقال الله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} [سورة الأنعام 6/106]
فمصدر التشريع والتلقي هو الله وحده. وكل تكليف يوجه إلى الإنسان يجب أن يكون في إطار ما شرعه الله - عز وجل - في كتابه الكريم أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[7] فلا يملك أحد من العباد أن يزيد أو ينقص أو يبدل في شرع الله - عز وجل - ما لم يأذن به الله تعالى.
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . د
[1] تفسير السعدي 4/308.
[2] تفسير السعدي 4/299.
[3] انظر مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام د.نجلاء كردي ص 492.
[4] سبق تخريجه ص76.
[5] انظر تفسير السعدي 5/416.
[6] في ظلال القـرآن: 5/3049.
[7] مسلم (1718).
جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com
ذكر الأسماء الحسنى التي ورد ذكرها مقترنًا باسم (الواحد أو الأحد)
*بقلم / الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وأصحابه. أما بعد:
فقد ورد اقتران اسـم الله (الواحد) باسمه سبحانه (القهار) في أكثر من آية من ذلك:
- قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [سورة الرعد 13/16]
- وقوله تبارك وتعالى: { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [سورة غافر 40/16]
- وقوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)} [سورة الزمر 39/4]
(الواحد) غير اسمه (القهار).
(والقهار): اسم مبالغة (للقاهر) وهو الذي خضع له كل شيء، وذل لعظمته وجبروته وقـوته كل شيء، لايخرج شيء ولا حي عن قدرته وتدبيره وملكه وقهر كل الخلق بالموت وهذا يفسر - والله أعلم - شيئًا من سر اقتران اسمه (الواحد) باسمه (القهار). حيث إن من موجبات اسمه (الواحد) في ربوبيته وملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته أن يكون قاهرًا قهارًا غالبًا لكل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وما من دابة إلا هـو سبحانه آخـذ بناصيتها ماض فيها حكـمه عدل فيها قضاؤه: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)} [سورة هود 11/56] ، وكونه تعالى (الواحد) يقتضي كونه (القهار).
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «ووحدته تعالى وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون إلا قهارًا، والقهار لا يكون إلا واحدًا وذلك ينفي الشركة من كل وجه»[1].
ويقول أيضًا: «فإن القهر ملازم للوحدة فلا يكون اثنان قهاران متسـاويين في قهرهما أبدًا. فالذي يقهر جـميع الأشـياء هو الواحد الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يعبد وحده كما كان قاهرًا وحده»[2].
«كما يشير هذا الاقتران إلى معنى بديع: وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعُددهم، والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحد أحد فرد صمد مستغن عن الظهير والمعين. فاقتران الاسمين يشير إلى كماله سبحانه في تفرده وكماله في قهره»[3].
أما اسمه سبحانه (الأحد) فقد جاء في سورة الإخلاص مع اسمه سبحانه (الصمد) فقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} [سورة الإخلاص 112/1-2] كما جاء أيضًا مقترنًا (بالصمد) في السنة الصحيحة: (اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد... » الحديث[4].
(والصمد): هو الذي تقصده وحده الخلائق كلها وتصمد إليه في حاجاتها، وأحوالها، وضروراتها لما له سبحانه من الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله[5]. وهذا يفسر اقتران اسمه سبحانه (الصمد) باسمه سبحانه (الأحد) لأن من معاني (الأحد) الكامل المطلق المتفرد في ذاته وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلهيته، ولا يصدق اسم (الصمد) إلا على من هذه صفاته (الواحد الأحد) سبحانه وتعالى.
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين:
أولاً: إن أعظم أثر وموجب لهذين الاسمين الجليلين الكريمين هو إفراده - سبحانه وتعالى - بالربوبية والإلهية وتوحيده سبحانه بأفعاله وصفاته وتوحيده بأفعال عباده. فكما أنه واحد في ربوبيته - حيث هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء - فهو واحد في ألوهيته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له. وحينئذ يتحقق توحيد العبد لربه سبحانه ويتحقق إفراده - عز وجل - بجميع أنواع العبادة، حيث لا يستحق العبادة إلا هو وحده سبحانه. وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له. ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله - عز وجل - ولا يستغيث، ولا يستعين، ولا يستعيذ إلا بالله وحده، ولا يخاف، ولا يرهب، ولا يشفق إلا من الله وحده، ولا يتوكل إلا عليه وحده.
والمقصود أن من موجبات الإيمان باسمه (الواحد، الأحد) إفراده سبحانه وحده بالتأله، والدعاء، والمحبة، والتعظيم، والإجلال، والخوف، والرجاء، والتوكل وجميع أنواع العبادة.
وهذا يقتضي إفراده - عز وجل - بالحب والولاء؛ قال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14)} [سورة الأنعام 6/14]
ثانيًا: تعلق القلوب بخالقها ومعبودها وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء. وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم؟ وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة وشركاء متشاكسين يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير، وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا هو الله - عز وجل - ومن تنازعه آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه.
قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)} [سورة الزمر 39/29]
يعلق سيد قطب - رحمه الله تعالى - على هذه الآية فيقول: «يضرب الله المثل للعبد الموحد، والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضًا فيه، وهو بينهم موزع؛ ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف؛ وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق؛ ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه! وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح»..
«هل يستويان مثلاً؟»..
إنهما لا يستويان. فالذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين. وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه، ووضوح الطريق. والذي يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضي واحدًا منهم فضلاً على أن يرضي الجميع!
وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك في جميع الأحوال. فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدى؛لأنه يعرف مصدرًا واحدًا للحياة، والقوة، والرزق، ومصدرًا واحدًا للنفع والضر، ومصدرًا واحدًا للمنح والمنع، فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد، يستمد منه وحده، ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته. ويطمئن اتجاهه إلى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره. ويخدم سيدًا واحدًا يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه.. وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد ، فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الأرض متطلع إلى إله واحد في السماء.. ويعقب على هذا المثل الناطق الموحي، بالحمد لله الذي اختار لعباده الراحة والأمن والطمأنينة والاستقامة» أهـ[6].
وإذا وجه العبد حياته كلها لتحقيق هذا الهدف العظيم، ألا وهو عبادة الله وحده، فإنه يخضع كل شيء في حياته لهذا الهدف، وإنه بذلك يحفظ وقته وعمره من أن يضيع في غير هذه الغاية فيشح بوقته النفيس وأنفاسه المعدودة من أن تضيع سدى، بل يشغل جميع أوقاته ودقائق عمره فيما يعود عليه بالنفع في آخرته من عمل صالح ، أو دعوة إلى الله أو جهاد في سبيله، ويتحسر على فوات الدقائق من عمره أعظم من تحسره على فوات الدنيا بأسرها؛ لذلك فهو يغتنم ويهتبل نعمة الفراغ والصحة، والمال، والشباب باستعمالها في طاعة الله - عز وجل - قبل فواتها، وحتى أوقات راحته واستجمامه ومتعته ينويها عبادة لله - عز وجل - ليتقوى بها على طاعة أخرى بعد إجمام النفس ونشاطها.
ثالثًا: إفراد الله - عز وجل - بالتشريع والتلقي: فإن الإيمان بوحدانية الله - عز وجل - وأحديته توجب توحيده في الحكم والتحاكم والتلقي.
قال - عز وجل -: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } [سورة الأنعام 6/114] وقال الله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} [سورة الأنعام 6/106]
فمصدر التشريع والتلقي هو الله وحده. وكل تكليف يوجه إلى الإنسان يجب أن يكون في إطار ما شرعه الله - عز وجل - في كتابه الكريم أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[7] فلا يملك أحد من العباد أن يزيد أو ينقص أو يبدل في شرع الله - عز وجل - ما لم يأذن به الله تعالى.
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . د
[1] تفسير السعدي 4/308.
[2] تفسير السعدي 4/299.
[3] انظر مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام د.نجلاء كردي ص 492.
[4] سبق تخريجه ص76.
[5] انظر تفسير السعدي 5/416.
[6] في ظلال القـرآن: 5/3049.
[7] مسلم (1718).
جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com
الواحد الأحد(1)
الواحد، الأحد(1)- منقول من موقع العقيدة والحياة
*بقلم / الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وأصحابه. أما بعد:
فإن من أسماء الله الحسنى: (الواحد، الأحد). وقد ورد ذكرهما في الكتاب والسنة.
فأما اسمه: (الواحد) فقد ورد في أكثر من عشرين موضعًا في القرآن ومن ذلك قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [سورة الرعد 13/16] . وقوله سبحانه: {وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)} [سورة النحل 16/51] ، وقوله تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [سورة غافر 40/16]
وأما اسـمه: (الأحد) فقـد ورد مرة واحـدة في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [سورة الإخلاص 112/1] . وكذلك جاء في السنة في قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الذي دعا بهذا الدعاء: «اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحـد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كـفوًا أحد»، فقال الرسـول صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لقد سأل باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)[1] .
المعنى اللغوي:
(الواحد والأحد) وإن كان اشتقاقهما واحدًا وبينهما معان مشتركة إلا أن بعض العلماء قد فرق بينهما؛ وذلك من الوجوه التالية:
الأول: أن الواحد اسم لمفتتح العدد، فيقال: واحد واثنان وثلاثة.
أما (أحد) فينقطع معه العدد فلا يقال: أحد اثنان ثلاثة.
الثاني: أن (أحدًا) في النفي أعم من (الواحد). يقال: ما في الدار واحد، ويجوز أن يكون هناك اثنان أو ثلاثة أو أكثر. أما لو قال: ما في الدار أحد فهو نفى وجود الجنس بالمرة، فليس فيها أحد ولا اثنان ولا ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.
الثالث: لفظ (الواحد) يمكن جعله وصفًا لأي شيء أريد، فيصح القول: رجل واحد، وثوب واحد، ولا يصح وصف شيء في جانب الإثبات بأحد إلا الله الأحد: [قل هو الله أحد] فلا يقال: رجل أحد ولا ثوب أحد[2] .
معنى الواحد الأحد في حق الله تعالى:
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «(الأحد): المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية»[3] .
ويقول أيضًا: «في (الأحد) نفي لكل شريك لذي الجلال»[4] .
و(الواحد والأحد) هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر المتفرد في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلـهيته، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد».
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: « (الواحد الأحد) هو الذي توحد بجميع الكمالات، وتفرد بكل كمال، وجلال وجمال، وحمد وحكمة، ورحمة وغيرها من صفات الكمال؛ فليس له فيها مثيل ولانظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه، فهو الأحد في حياته وقيوميته وعلمه وقدرته وعظمته وجلاله وجماله وحمده وحكمته وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال ونهايته من كل صفة من هذه الصفات، فيجب على العبيد توحيده عقلاً، وقولاً، وعملاً بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة»[5] .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء: (الرب) - تبارك وتعالى - فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة (بالرب) تبارك وتعالى»[6] .
ما معنى وحدانية الله عز وجل؟
إنها تعني التوحيد بأنواعه الثلاثة:
1- توحيده سبحانه في ذاته وصفاته.
2- توحيده سبحانه في ربوبيته.
3- توحيده سبحانه في ألوهيته.
وفي ذلك يقول الدكتور الأشقر حفظه الله تعالى: وتتجلى وحدانية الله تعالى فيما يأتي:
أولاً: في ذاته وصفاته:
فالله لا مثيل له ولا نظير له، لا في ذاته ولا في صفاته؛ ولذلك فإنه - تعالى وتقدس - لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، كما قال عزَّ من قائل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} [سورة الإخلاص 112/1-4] .
وهذه السورة الكريمة العظيمة عرفت العباد بربهم، وقد أنزلها رب العباد، جوابًا لأهل الشرك والعناد، الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم طالبين منه أن ينسب لهم ربّه.
وقال ابن جرير الطبري في تفسير هذه السورة: «قل يا محمد لهؤلاء السائلين عن نسب ربك، وصفته، ومَنْ خلقه: (الرب) الذي سألتموني عنه، هو الذي له عبادة كل شيء، لا تنبغي العبادة إلا له، ولا تصلح لشيء سواه»[7] .
وقال القرطبي: «نزلت هذه الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك، أمِن ذهب هو؟ أم من نحاس أم من صُفْر؟ فقال الله ردّا عليهم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }[8] .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد 47/انسب لنا ربك فأنزل الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }[9] ... والذين ينسبون إلى الله الولد جاؤوا بجريمة نكراء، كادت السماوات لعظمها أن تتفطر، والأرض أن تتشقق، والجـبال أن تخرَّ هدّا، إن الله سبحانه واحد أحد لا يليق به أن يتخذ ولدًا، فالكل تحت ملكه وقهـره، وجـميعهم يأتون الرحمن يوم القيامة خاضعين، لا يتخلف منهم أحد، فقد أحصاهم وعدهم عدًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فـردًا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)} [سورة مريم 19/88-95] . وكيف يكون له سبحانه ولد وقد خلق كل شيء: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} [سورة الأنعام 6/101] .
ووحدانيته تعالى في صفاته، تدل على أنه لا مثيل له في رحمته ولا في عزته، وجبروته، وملكه، وقدرته، ورزقه، وعلمه، وغيرها من صفاته.
فالله متفرد في صفاته، والذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوق، أو صفات المخلوق بصفات الخالق لم يوحدّوا ربهم - تبارك وتعالى -وأشركوا مع الله غيره.
وقد ضل الذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يشبه الله بخلقه، فالله واحد متفرد في صفاته، وصفاته مخالفة لصفات المخلوقين، مثله في ذلك مثال ذاته، فهي مخالفة لذوات المخلوقين.
والذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يؤدي إلى التشبيه شبهوا الخالق بالعدم، فالذي تُنفى عنه الصفات معدوم، ولذلك قال أهل العلم من سلفنا: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، ومرادهم بالمعطل نفاة الصفات.
ثانيًا: وحدانيته تعالى في ربوبيته:
فهو سبحانه وحـده الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء من السـماء، وأنبت به جنات الأرض التي تبهـج النفوس وتسرها: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)} [سورة النمل 27/59-60] .
وقد أنكر الله على الذين اتخذوا أربابًا من دونه في قوله: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)} [سورة يوسف 12/39] . وقال مقررًا وحدانيته: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [سورة الرعد 13/16] .
ثالثًا: توحيده في ملكه:
ومن توحيد الربوبية: توحيد الله في ملكه، يقول الشيخ حافظ حكمي:
«(الأحد الفرد) وهو أحد في ربوبيته فلا شريك له في ملكه، ولا مضاد، ولا منازع ولا مغالب، فكما أنه (الأحد الفرد) في ذاته وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته فهو المتفرد في ملكوته بأنواع التصرفات، من الإيجاد والإعدام، والإحياء والإماته، والخلق والرزق، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضال، والإسعاد والإشقاء، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والوصل والقطع، والضر والنفع، فلو اجتمع أهل السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهما على إماتة من الله محييه، أو إعزاز من هو مذله، أو هداية من هو مضله، أو إسعاد من هو مشـقيه، أو خفض من هو رافعـه، أو وصل من هو قاطعه، أو إعطاء من هو مانعه، أو ضر من هو نافعه، أو عكس ذلك لم يكن ذلك بممكن في استطاعتهم، وأنى لهم ذلك والكل خلقه وملكه وعبيده وفي قبضته وتحت تصرفه وقهره، ماض فيهم حكمه، عدل فيهم قضاؤه، نافذة فيهم مشيئته، لا امتناع لهم عما قضـاه، ولا خروج لهـم من قبضته، ولا تتحرك ذرة في السماوات والأرض ولا تسكن إلا بإذنه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن»[10] .
رابعًا: وحدانيته في ألوهيته:
فالله هو المعبود الحق الذي يستحق العبادة دون سواه، وكل من عبد معه إلهًا آخر يدعوه، ويستعين به، ويستغيث به، فقد أشرك غيره معه في ألوهيته: {هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)} [سورة الأنعام 6/19] . {وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)} [سورة النحل 16/51] ، وقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سورة الكهف 18/110] ، وقال: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } [سورة التوبة 9/31] .
ووحدانية الله أخص خصائص ألوهيته، والإقرار بالألوهية أعظم أنواع العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ونقيض الوحدانية الشرك، وهو أعظم جريمة يرتكبها البشر، ولعظمها فإن الله لا يغفر لأحد مات على شركه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48)} [سورة النساء 4/48] ، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (116)} [سورة النساء 4/116] .
ولما كان المشرك ذنبه غير مغفور، فإن الله حرّم عليه الجنة، وهو خالد في النار لا يخرج منها أبدًا: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [سورة المائدة 5/72] . { وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)} [سورة الأعراف 7/40-41] [11] .
وقد جاء في السنة الصحيحة في كثير من أذكار اليوم والليلة والمناسبات الشرعية الحث على الأذكار التي فيها توحيده سبحانه لا شريك له. ومن أفضلها، وأعظمها، وأشرفها ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)[12] .
وقد جاء الحث على هذا الدعاء دبر الصلوات، وفي أذكار الصباح والمساء، وعند الانتباه من النوم، وعند الدخول للسوق، وفي السعي للحج عند الصفا والمروة، وغيرها من المناسبات.
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
[1] سبق تخريجه ص76.
[2] انظر المنهج الأسنى 1/99.
[3] بدائع الفوائد 1/146.
[4] زاد المعاد 4/181.
[5] انظر تفسير السعدي 5/486، وانظر بهجة قلوب الأبرار ص 165.
[6] انظر المنهج الأسنى 1/99.
[7] الطبري 30/343.
[8] القرطبي 20/246.
[9] ابن كثير، تفسير سورة الإخلاص.
[10] معارج القبول 1/136.
[11] انظر: شرح الأسماء الحسنى د. عمر الأشقر (228 – 232).
[12] الترمذي في الدعوات باب الدعاء يوم عرفة، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2837).
*بقلم / الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وأصحابه. أما بعد:
فإن من أسماء الله الحسنى: (الواحد، الأحد). وقد ورد ذكرهما في الكتاب والسنة.
فأما اسمه: (الواحد) فقد ورد في أكثر من عشرين موضعًا في القرآن ومن ذلك قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [سورة الرعد 13/16] . وقوله سبحانه: {وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)} [سورة النحل 16/51] ، وقوله تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [سورة غافر 40/16]
وأما اسـمه: (الأحد) فقـد ورد مرة واحـدة في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [سورة الإخلاص 112/1] . وكذلك جاء في السنة في قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الذي دعا بهذا الدعاء: «اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحـد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كـفوًا أحد»، فقال الرسـول صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لقد سأل باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)[1] .
المعنى اللغوي:
(الواحد والأحد) وإن كان اشتقاقهما واحدًا وبينهما معان مشتركة إلا أن بعض العلماء قد فرق بينهما؛ وذلك من الوجوه التالية:
الأول: أن الواحد اسم لمفتتح العدد، فيقال: واحد واثنان وثلاثة.
أما (أحد) فينقطع معه العدد فلا يقال: أحد اثنان ثلاثة.
الثاني: أن (أحدًا) في النفي أعم من (الواحد). يقال: ما في الدار واحد، ويجوز أن يكون هناك اثنان أو ثلاثة أو أكثر. أما لو قال: ما في الدار أحد فهو نفى وجود الجنس بالمرة، فليس فيها أحد ولا اثنان ولا ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.
الثالث: لفظ (الواحد) يمكن جعله وصفًا لأي شيء أريد، فيصح القول: رجل واحد، وثوب واحد، ولا يصح وصف شيء في جانب الإثبات بأحد إلا الله الأحد: [قل هو الله أحد] فلا يقال: رجل أحد ولا ثوب أحد[2] .
معنى الواحد الأحد في حق الله تعالى:
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «(الأحد): المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية»[3] .
ويقول أيضًا: «في (الأحد) نفي لكل شريك لذي الجلال»[4] .
و(الواحد والأحد) هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر المتفرد في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلـهيته، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد».
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: « (الواحد الأحد) هو الذي توحد بجميع الكمالات، وتفرد بكل كمال، وجلال وجمال، وحمد وحكمة، ورحمة وغيرها من صفات الكمال؛ فليس له فيها مثيل ولانظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه، فهو الأحد في حياته وقيوميته وعلمه وقدرته وعظمته وجلاله وجماله وحمده وحكمته وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال ونهايته من كل صفة من هذه الصفات، فيجب على العبيد توحيده عقلاً، وقولاً، وعملاً بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة»[5] .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء: (الرب) - تبارك وتعالى - فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة (بالرب) تبارك وتعالى»[6] .
ما معنى وحدانية الله عز وجل؟
إنها تعني التوحيد بأنواعه الثلاثة:
1- توحيده سبحانه في ذاته وصفاته.
2- توحيده سبحانه في ربوبيته.
3- توحيده سبحانه في ألوهيته.
وفي ذلك يقول الدكتور الأشقر حفظه الله تعالى: وتتجلى وحدانية الله تعالى فيما يأتي:
أولاً: في ذاته وصفاته:
فالله لا مثيل له ولا نظير له، لا في ذاته ولا في صفاته؛ ولذلك فإنه - تعالى وتقدس - لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، كما قال عزَّ من قائل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} [سورة الإخلاص 112/1-4] .
وهذه السورة الكريمة العظيمة عرفت العباد بربهم، وقد أنزلها رب العباد، جوابًا لأهل الشرك والعناد، الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم طالبين منه أن ينسب لهم ربّه.
وقال ابن جرير الطبري في تفسير هذه السورة: «قل يا محمد لهؤلاء السائلين عن نسب ربك، وصفته، ومَنْ خلقه: (الرب) الذي سألتموني عنه، هو الذي له عبادة كل شيء، لا تنبغي العبادة إلا له، ولا تصلح لشيء سواه»[7] .
وقال القرطبي: «نزلت هذه الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك، أمِن ذهب هو؟ أم من نحاس أم من صُفْر؟ فقال الله ردّا عليهم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }[8] .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد 47/انسب لنا ربك فأنزل الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }[9] ... والذين ينسبون إلى الله الولد جاؤوا بجريمة نكراء، كادت السماوات لعظمها أن تتفطر، والأرض أن تتشقق، والجـبال أن تخرَّ هدّا، إن الله سبحانه واحد أحد لا يليق به أن يتخذ ولدًا، فالكل تحت ملكه وقهـره، وجـميعهم يأتون الرحمن يوم القيامة خاضعين، لا يتخلف منهم أحد، فقد أحصاهم وعدهم عدًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فـردًا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)} [سورة مريم 19/88-95] . وكيف يكون له سبحانه ولد وقد خلق كل شيء: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} [سورة الأنعام 6/101] .
ووحدانيته تعالى في صفاته، تدل على أنه لا مثيل له في رحمته ولا في عزته، وجبروته، وملكه، وقدرته، ورزقه، وعلمه، وغيرها من صفاته.
فالله متفرد في صفاته، والذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوق، أو صفات المخلوق بصفات الخالق لم يوحدّوا ربهم - تبارك وتعالى -وأشركوا مع الله غيره.
وقد ضل الذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يشبه الله بخلقه، فالله واحد متفرد في صفاته، وصفاته مخالفة لصفات المخلوقين، مثله في ذلك مثال ذاته، فهي مخالفة لذوات المخلوقين.
والذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يؤدي إلى التشبيه شبهوا الخالق بالعدم، فالذي تُنفى عنه الصفات معدوم، ولذلك قال أهل العلم من سلفنا: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، ومرادهم بالمعطل نفاة الصفات.
ثانيًا: وحدانيته تعالى في ربوبيته:
فهو سبحانه وحـده الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء من السـماء، وأنبت به جنات الأرض التي تبهـج النفوس وتسرها: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)} [سورة النمل 27/59-60] .
وقد أنكر الله على الذين اتخذوا أربابًا من دونه في قوله: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)} [سورة يوسف 12/39] . وقال مقررًا وحدانيته: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [سورة الرعد 13/16] .
ثالثًا: توحيده في ملكه:
ومن توحيد الربوبية: توحيد الله في ملكه، يقول الشيخ حافظ حكمي:
«(الأحد الفرد) وهو أحد في ربوبيته فلا شريك له في ملكه، ولا مضاد، ولا منازع ولا مغالب، فكما أنه (الأحد الفرد) في ذاته وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته فهو المتفرد في ملكوته بأنواع التصرفات، من الإيجاد والإعدام، والإحياء والإماته، والخلق والرزق، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضال، والإسعاد والإشقاء، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والوصل والقطع، والضر والنفع، فلو اجتمع أهل السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهما على إماتة من الله محييه، أو إعزاز من هو مذله، أو هداية من هو مضله، أو إسعاد من هو مشـقيه، أو خفض من هو رافعـه، أو وصل من هو قاطعه، أو إعطاء من هو مانعه، أو ضر من هو نافعه، أو عكس ذلك لم يكن ذلك بممكن في استطاعتهم، وأنى لهم ذلك والكل خلقه وملكه وعبيده وفي قبضته وتحت تصرفه وقهره، ماض فيهم حكمه، عدل فيهم قضاؤه، نافذة فيهم مشيئته، لا امتناع لهم عما قضـاه، ولا خروج لهـم من قبضته، ولا تتحرك ذرة في السماوات والأرض ولا تسكن إلا بإذنه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن»[10] .
رابعًا: وحدانيته في ألوهيته:
فالله هو المعبود الحق الذي يستحق العبادة دون سواه، وكل من عبد معه إلهًا آخر يدعوه، ويستعين به، ويستغيث به، فقد أشرك غيره معه في ألوهيته: {هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)} [سورة الأنعام 6/19] . {وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)} [سورة النحل 16/51] ، وقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سورة الكهف 18/110] ، وقال: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } [سورة التوبة 9/31] .
ووحدانية الله أخص خصائص ألوهيته، والإقرار بالألوهية أعظم أنواع العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ونقيض الوحدانية الشرك، وهو أعظم جريمة يرتكبها البشر، ولعظمها فإن الله لا يغفر لأحد مات على شركه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48)} [سورة النساء 4/48] ، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (116)} [سورة النساء 4/116] .
ولما كان المشرك ذنبه غير مغفور، فإن الله حرّم عليه الجنة، وهو خالد في النار لا يخرج منها أبدًا: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [سورة المائدة 5/72] . { وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)} [سورة الأعراف 7/40-41] [11] .
وقد جاء في السنة الصحيحة في كثير من أذكار اليوم والليلة والمناسبات الشرعية الحث على الأذكار التي فيها توحيده سبحانه لا شريك له. ومن أفضلها، وأعظمها، وأشرفها ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)[12] .
وقد جاء الحث على هذا الدعاء دبر الصلوات، وفي أذكار الصباح والمساء، وعند الانتباه من النوم، وعند الدخول للسوق، وفي السعي للحج عند الصفا والمروة، وغيرها من المناسبات.
--------------------------------------------------------------------------------
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
[1] سبق تخريجه ص76.
[2] انظر المنهج الأسنى 1/99.
[3] بدائع الفوائد 1/146.
[4] زاد المعاد 4/181.
[5] انظر تفسير السعدي 5/486، وانظر بهجة قلوب الأبرار ص 165.
[6] انظر المنهج الأسنى 1/99.
[7] الطبري 30/343.
[8] القرطبي 20/246.
[9] ابن كثير، تفسير سورة الإخلاص.
[10] معارج القبول 1/136.
[11] انظر: شرح الأسماء الحسنى د. عمر الأشقر (228 – 232).
[12] الترمذي في الدعوات باب الدعاء يوم عرفة، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2837).
الرحمن الرحيم(1)
الرحمن الرحيم(1)- منقول من موقع العقيدة والحياة
/* للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل */
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الله تعالى قال: â ß`»oH÷q§9$# ÇÊÈ zN¯=tæ tb#uäöà)ø9$# ÇËÈ á [الرحمن: 1، 2].
وقال - عز وجل -: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه: 5].
وقال سبحانه: â Ïþ’ÎoTÎ) ß$%s{r& br& y7¡¡yJtƒ Ò>#x‹tã z`ÏiB Ç`»uH÷q§9$# á
[مريم: 45].
والآيات في ذكر اسم (الرحمن) كثيرة جاءت في (57) موضعًا من القرآن.
أما اسمه (الرحيم) فقد جاء في (123) موضعًا من القرآن الكريم أكثرها كان مقترنًا باسمه سبحانه (الغفور) ومن ذلك قوله تعالى: â (#rãÏÿøótGó™$#ur ©!$# ( ¨bÎ) ©!$# Ö‘qàÿxî 7LìÏm§‘ ÇËÉÈ á [المزمل: 20].
وقوله تعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 34].
وقوله تبارك وتعالى: â ߉ôJysø9$# ¬! Å_Üu‘ šúüÏJn=»yèø9$# ÇËÈ á [ الفاتحة: 2].
وقوله - عز وجل -: â ¨bÎ)ur š/u‘ uqçlm; Ⓝ͖yêø9$# ãLìÏm§9$# ÇÊÒÊÈ á [الشعراء: 191].
المعاني الكريمة لهذين الاسمين الجليلين:
هذان الاسمان الكريمان مشتقان من (الرحمة) على وجه المبالغة وهي الرقة والتعطف وإن كان اسم (الرحمن) أشد مبالغة من اسم (الرحيم)، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل وبناء فعلان: للسعة والشمول، واتفق أهل العلم على أن اسم (الرحمن) عربي لفظه، وفي الحديث القدسي: (أنا الرحمن ، خلقت الرحم، وشققت لها اسمًا من اسمي...) الحديث (1).
فقد دل هذا الحديث على الاشتقاق. وكانت العرب تعرف هذا الاسم في لغتها.
قال الله - عز وجل -: â (#qä9$s%ur öqs9 uä!$x© ß`»oH÷q§9$# $tB Nßg»tRô‰t7tã á [الزخرف: 20]. وجاء في أشعارهم قول الشاعر :
وعجلتم علينا إذ عجلنا عليكم وما يشأ الرحمن يعقـد ويطلق(2)
الفرق بين الاسمين: فرق بعض أهل العلم بين هذين الاسمين الكريمين بالفروق التالية:
أولاً: أن اسم (الرحمن): هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة.
وأما اسـم (الرحيم): فهو ذو الرحـمة للمؤمنين كما في قوله تعـالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43]. ولكن يشكل على ذلك قوله تعالى: â žcÎ) ©!$# Ĩ$¨Y9$$Î/ Ô$râäts9 ÒÔŠÏm§‘ ÇÊÍÌÈ á [البقرة: 341]، وقوله تعالى: â ãNä3š/§‘ “Ï%©!$# ÓÅe÷“ムãNà6s9 šù=àÿø9$# ’Îû Ìóst7ø9$# (#qäótGö;tGÏ9 `ÏB ÿ¾Ï&Î#ôÒsù 4 ¼çm¯RÎ) šc%x. öNä3Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÏÏÈ á [الإسراء: 66].
ثانيًا: أن اسم (الرحمن) دال على الرحمة الذاتية، و(الرحيم) دال على الرحمة الفعلية؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن (الرحمن) دال على الصفة القائمة به سبحانه و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم. فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43]، وقوله: â ¼çm¯RÎ) óÔÎgÎ/ Ô$râäu‘ ÒÔŠÏm§‘ ÇÊÊÐÈ á [التوبة: 117].
ولم يجيء قط (رحمن بهم) فعلم أن (الرحمن) هو الموصوف بالرحمة، (والرحيم) هو الرحيم برحمته» (1).
ويقول في موطن آخر: «ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين؛ مع ما في اسم (الرحمن) - الذي هو على وزن فعلان - من سعة هذا الوصف؛ وثبوت جميع معناه للموصوف به. ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا؛ وندمان، وحيران، وسكران، ولهفان، لمن مُلِئ بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول.
ولهـذا يقرن استواءه على العرش بهـذا الاسـم كثيرًا، كقـوله تعـالى: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه:5]: â ¢ÔèÔ 3“uqtGó™$# ’nωtã ĸöyèø9$# 4 ß`»yJôm§9$# á [الفرقان: 59].
فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيطٌ بالمخلوقات؛ قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق؛ واسعة لهم، كما قال تعالى: â ÓÉLyJômu‘ur ôMyèÅ™ur ¨@ä. &äóÓx« á [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيء.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لما قضى الله الخلق: كتب في كتاب - فهو عنده موضوعٌ على العرش -: إن رحمتي تغلب غضبي)(1). وفي لفظٍ: (فهو عنده على العرش)(2).
فتأمَّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة؛ ووضعه عنده على العرش، وطَابقْ بين ذلك وبين قوله: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه: 5].
وقوله: â ¢ÔèÔ 3“uqtGó™$# ’nωtã ĸöyèø9$# 4 ß`»yJôm§9$# ö@t«ó¡sù ¾ÏmÎ/ #ZŽÎ6yz ÇÎÒÈ á [الفرقان: 59] يفتح لك بابًا عظيمًا من معرفة الرب - تبارك وتعالى - إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم»(3).
ثالثًا: اسم (الرحمن) من الأسماء التي لا يجوز للمخلوق أن يتسمى بها؛ قال الله تعالى: â È@è% (#qãã÷Š$# ©!$# Írr& (#qãã÷Š$# z`»uH÷q§9$# ( $wƒr& $¨B (#qããô‰sω ã&s#sù âä!$yJó™F{$# 4Óo_ó¡çtø:$# 4 á [الإسراء: 110] فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره وهو (الله) – جـل جلاله - وأما (الرحيم) فإنه تعـالى وصف به نبيه r حيث قال:â ëȃÌym Nà6ø‹n=tæ šúüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ Ô$râäu‘ ÒÔŠÏm§‘ ÇÊËÑÈ á
[التوبة: 128].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم (الله)، (الرحمن)، (الخالق)، (الرازق) ونحو ذلك؛ ولهذا بدأ باسم الله الموصوف (بالرحمن) لأنه أخص وأعرف من (الرحيم)؛ لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء؛ فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص»(1).
إثبات صفة الرحمة لله رب العالمين:
صفة (الرحمة) من الصفات الثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة. وهي صفة كمال لائقة بذاته سبحانه كسائر الصفات، لا يجوز أن تنفيها أو تؤولها أو تحرفها أو تقوض معناها أو تكيفها كما هو مقرر في مذهب أهل السنة والجماعة في جميع الصفات. ويرد الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - على القائلين من أهل البدع بأن رحمة الله مجاز، وأنها عبارة عن إنعامه على عباده، وإحسانه إليهم من عدة وجوه منها:
«الأول: إن الإلحاد إما أن يكون بإنكار لفظ الاسم أو إنكار معناه، فإن كان إنكار لفظه إلحادًا فمن ادعى أن (الرحمن) مجاز لاحقيقة؛ فإنه يجوز إطلاق القول بنفيها فلا يستنكف أن يقول: ليس (بالرحمن) ولا (الرحيم) كما يصح أن يقال: للرجل الشجاع ليس بأسد على الحقيقة، وإن قالوا: نتأدب في إطلاق هذا النفي، فالأدب لا يمنع صحة الإطلاق. وإن كان الإلحاد هو إنكار معاني أسمائه وحقائقها فقد أنكرتم معانيها التي تدل عليها بإطلاقها، وما صرفتموها إليه من المجاز فنقيض معناها، أو لازم من لوازم معناها، وليس هو الحقيقة، ولهذا يصرح غلاتهم بإنكار معانيها بالكلية ويقولون: هي ألفاظ لا معاني لها.
الرد الثاني: إن هذا الحامل لكم على دعوى المجاز في اسم (الرحمن) هو بعينه موجود في اسم (العليم والقدير والسميع والبصير) وسائر الأسماء.
فإن المعقول من العلم صفة عرضية تقوم بالقلب إما ضرورية، وإما نظرية، والمعقول من الإرادة حركة النفس الناطقة لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها، أو ينفع غيرها أو يضره.
والمعقول من القدرة القوة القائمة بجسم تتأتى به الأفعال الاختيارية فهل تجعلون إطلاق هذه الأسماء والصفات على الله حقيقة أم مجازًا؟
فإن قلتم: حقيقة تناقضتم أقبح التناقض، إذ عمدتم إلى صفاته سبحانه فجعلتم بعضها حقيقة وبعضها مجازًا، مع وجود المحذور فيما جعلتموه حقيقة.
وإن قلتم: لا يستلزم ذلك محذورًا، فمن أين استلزم اسم (الرحمن) المحذور؟ وإن قلتم: الكل مجاز، لم تمكنوا بعد ذلك من إثبات حقيقة لله البتة، لا في أسمائه، ولا في الإخبار عنه بأفعاله وصفاته وهذا انسلاخ من العقل والإنسانية.
الرد الثالث: إن نفاة الصفات يلزمهم نفي الأسماء من جهة أخرى، فإن (العليم والقدير والسميع والبصير) أسماء تتضمن ثبوت الصفات في اللغة فيمن وصف بها، فاستعمالها لغير من وصف بها، استعمال للاسم في غير ما وضع له، فكما انتفت عنه حقائقها؛ فإنه تنتفي عنه أسماؤها، فإن الاسم المشتق تابع للمشتق منه في النفي والإثبات، فإذا انتفت حقيقة الرحمة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر انتفت الأسماء المشتقة منها عقلاً ولغة، فيلزم من نفي الحقيقة أن تنفي الصفة والاسم جميعًا.
الرد الرابع: إنه كيف يكون أظهر الأسماء التي افتتح الله بها كتابه في أم القرآن وهي من أظهر شعار التوحيد، والكلمة الجارية على ألسنة أهل الإسلام وهي: بسم الله الرحمن الرحيم التي هي مفتاح الطهور والصلاة وجميع الأفعال، فكيف يكون مجازًا؟
الرد الخامس: قولهم: الرحمة رقة القلب، تريدون رحمة المخلوق أم رحمة الخالق؟ أم كل ما سمي رحمة شاهدًا أو غائبًا؟
فإن قلتم: بالأول صدقتم ولم ينفعكم ذلك شيئًا، وإن قلتم: بالثاني والثالث كنتم قائلين غير الحق، فإن الرحمة صفة الرحيم وهي في كل موصوف بحسبه، فإن كان الموصوف حيوانًا له قلب فرحمته من جنسه رقة قائمة بقلبه، وإن كان مَلَكًا فرحمته تناسب ذاته.
فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق لمخلوق.
وهذا يطرد في سائر الصفات كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والإرادة إلزامًا ووجوبًا، فكيف يكون رحمة أرحم الراحمين مجازًا دون السميع العليم؟
الرد السادس: إنه من أعظم المحال أن تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازًا ورحمة العبد الضعيف القاصرة المخلوقة المستعارة من ربه التي هي من آثار رحمته حقيقة. وهل في قلب الحقائق أكثر من هذا؟
الرد السابع: ما رواه أهل السنن عن النبي r أنه قال: يقول الله تعالى: (أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)(1).
فهذا صريح في أن اسم الرحم مشتق من اسمه (الرحمن) تعالى، فدل على أن رحمته لما كانت هي الأصل في المعنى كانت هي الأصل في اللفظ ومثل هذا: قول حسان t في النبي r :
فَشــَقَّ له من اســــــمه لِيُجــله فذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحمد
فإذا كانت أسماء الخلق الممدوحة مشتقة من أسماء الله الحسنى كانت أسماؤه يقينًا سابقة فيجب أن تكون حقيقة، لأنها لو كانت مجازًا، لكانت الحقيقة سابقة لها، فإن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فيكون اللفظ قد سمي به المخلوق ثم نقل إلى الخالق وهذا باطل قطعًا.
الرد الثامن: ما في الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال: ( لما قَضَى الله الخَلْقَ كتبَ كتابًا فهو مَوضوعٌ عنده فوقَ العَرشِ: إنَّ رحمتي سَبَقَت غَضَبي)(2) ، وفي لفظ: (غلبت).
وقال تعالى: â |=tGx. öNä3š/u‘ 4’nωtã ÏmÅ¡øÿtR spyJôm§9$# á [الأنعام: 54]، فوصف نفسه سبحانه بالرحمة وتسمّى بالرحمن قبل أن يكون بنو آدم.
فادعاء المدعي أن وصفه بالرحمن مجاز من أبطل الباطل.
الرد التاسع: إنه من المعلوم أن المعنى المستعار يكون في المستعار منه أكمل في المستعار له، وأن المعنى الذي دل عليه اللفظ بالحقيقة أكمل من المعنى الذي دل عليه بالمجاز، وإنما يستعار لتكميل المعنى المجازي تشبيهه بالحقيقي، كما يستعار الشمس، والقمر، والبحر للرجل الشجاع، والجميل، والجواد.
فإذا جعل (الرحمن والرحيم والودود) وغيرهما من أسمائه سبحانه حقيقة في العبد، مجازًا في (الرب)، لزم أن تكون هذه الصفات في العبد أكمل منها في (الرب) تعالى.
الرد العاشر: إن الله سبحانه وتعالى فرق بين رحمته، ورضوانه، وثوابه المنفصل فقال تعالى: â öNèdçŽÅe³t6ムÔßgš/u‘ 7pyJômtÎ/ çm÷YÏiB 5bºuqôÊÍ‘ur ;M»¨Zy_ur öNçl°; $pkŽÏù ÒÔŠÏètR íÔŠÉ)•B ÇËÊÈ á [التوبة: 21].
فالرحمة والرضوان صفته، والجنة ثوابه، وهذا يبطل قول من جعل الرحمة والرضوان ثوابًا منفصلاً مخلوقًا، وقول من قال هي إرادته الإحسان، فإن إرادته الإحسان هي من لوازم الرحمة، فإنه يلزم من الرحمة أن يريد الإحسان إلى المرحوم فإذا انتفت حقيقة الرحمة انتفى لازمها وهو إرادة الإحسان» (1).
ويقول في موطن آخر: «إن (الربَّ) يستحيل أن يكون إلا (رحيمًا)، فرحمته من لوازم ذاته، ولهذا كتب على نفسه الرحمة؛ ولم يكتب على نفسه الغضب، فهو لم يزل ولا يزال (رحيمًا) ولا يجوز أن يقال: إنه لم يزل ولا يزال غضبانًا، ولا أن غضبه من لوازم ذاته، ولا أنه كتب على نفسه العقوبة والغضب، ولا أن غضبه يغلب رحمته ويسبقها»(1).
والرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان:
الأول: رحمة ذاتية موصوف بها سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه كسائر صفاته، يجب إثباتها لله - عز وجل - من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. كما قال سبحانه: â ÓÉLyJômu‘ur ôMyèÅ™ur ¨@ä. &äóÓx« á [الأعراف: 156]، وقوله تعالى: â šš/u‘ur ÓÍ_tóø9$# rèŒ ÏpyJôm§9$# 4 á [الأنعام: 133].
الثاني: رحمة مخلوقة أنزل الله - عز وجل - منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة كما جاء في قوله r: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها؛ وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة)(2). ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله r: (أن الله - عز وجل - قال عن الجنة: «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء.... » الحديث (3)؛ وهذه الرحمة من باب إضافة المفعول إلى فاعله، وهذه الرحمة ليست صفة لله تعالى، بل هي من أثر رحمته التي هي صفته الذاتية الفعلية.
ورحمة الله عز وجل لعباده نوعان:
الأولى - رحمة عامة:
وهي لجميع الخلائق بإيجادهم، وتربيتهم، ورزقهم، وإمدادهم بالنعم والعطايا، وتصحيح أبدانهم، وتسخير المخلوقات من نبات وحيوان وجماد في طعامهم وشرابهم، ومساكنهم، ولباسهم، ونومهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى.
قال الله - عز وجل -: â $uZ/u‘ |M÷èÅ™ur ¨@à2 &äóÓx« ZpyJôm§‘ $VJù=Ïãur á [غافر: 7]، يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية: «وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار؛ لأن الله قرن الرحمة هذه مع العلم؛ فكل ما بلغه علم الله، وعلم الله بالغ لكل شيء؛ فقد بلغته رحمته؛ فكما يعلم الكافر؛ يرحم الكافر أيضًا.
لكن رحمته للكافر رحمة جسدية بدنية دنيوية مختصة بالدنيا؛ فالذي يرزق الكافر هو الله الذي؛ يرزقه بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح وغير ذلك»(1).
الثانية - رحمة خاصة:
وهذه الرحمة لا تكون إلا للمؤمنين فيرحمهم الله - عز وجل - في الدنيا بتوفيقهم إلى الهداية والصراط المستقيم، ويثيبهم عليه، ويدافع عنهم وينصرهم على الكافرين ويرزقهم الحياة الطيبة ويبارك لهم فيما أعطاهم، ويمدهم بالصبر واليقين عند المصائب ويغفر لهم ذنوبهم ويكفرها بالمصائب ويرحمهم في الآخرة بالعفو عن سيئاتهم والرضا عنهم والإنعام عليهم بدخولهم الجنة ونجاتهم من عذابه - عز وجل - ونقمته. وهذه الرحمة هي التي جاء ذكرها في قوله تعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43].
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عن هذه الرحمة الخاصة بعد حديثه عن الرحمة العامة: «أما المؤمنون؛ فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم؛ لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية.
ولهذا تجد المؤمن أحسنَ حالاً من الكافر، حتى في أمور الدنيا؛ لأن الله يقول: â ô`tB Ÿ@ÏJtã $[sÎ=»|¹ `ÏiB @Ÿ2sŒ ÷rr& 4ÓsRé& uqèdur Ö`ÏB÷sãB ¼çm¨ZtÍ‹ósãZn=sù Zo4qu‹ym Zpt6ÍhŠsÛ ( á [النحل: 97] الحياة الطيبة هذه مفقودة بالنسبة للكفار، حياتهم كحياة البهائم.. لكن المؤمن إن أصابته ضراء صبر واحتسب الأجر على الله - عز وجل - وإن أصابته سراء شكر فهو في خير في هذا، وفي هذا وقلبه منشرح مطمئن»(1).
وقال عند قوله تبارك وتعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ á.
(قوله: â ttûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ á: متعلق بـ(رحيم)، وتقديم المعمول يدل على الحصر، فيكون معنى الآية: وكان بالمؤمنين لا غيرهم رحيمًا.
ولكن كيف نجمع بين هذه الآية والتي قبلها: â $uZ/u‘ |M÷èÅ™ur ¨@à2 &äóÓx« ZpyJôm§‘ $VJù=Ïãur á نقول: الرحمة التي هنا غير الرحمة التي هناك. هذه رحمة خاصة متصلة برحمة الآخرة لا ينالها الكفار؛ بخلاف الأولى. هذا هو الجمع بينهما، وإلا فكلٌ مرحوم، لكن فرق بين الرحمة الخاصة والرحمة العامة) (1).
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أحمد في المسند (1686)، وأبو داود في سننه (1694) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (520).
([2]) انظر النهج الأسمى محمد حمود النجدي 1/75، 76.
([3]) بدائع الفوائد 1/24.
([4]) البخاري (7404)، ومسلم: (2751).
([5]) البخاري: (3194).
([6]) مدارج السالكين 1/34.
([7]) تفسير ابن كثير 1/21.
([8]) الترمذي (1907)، وأحمد (1662)، وصـححه الألباني في صـحيح الترمـذي برقم (1557).
([9]) البخاري (3194)، ومسلم (2751).
([10]) مختصر الصواعق المرسلة «باختصار» ص 112 - 126.
([11]) مختصر الصواعق المرسلة: 1/259.
([12]) مسلم (2752).
(3) مسلم (2846).
(1) شرح العقيدة الواسطية (بتصرف يسير) 1/249.
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/249.
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/251.
/* للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل */
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الله تعالى قال: â ß`»oH÷q§9$# ÇÊÈ zN¯=tæ tb#uäöà)ø9$# ÇËÈ á [الرحمن: 1، 2].
وقال - عز وجل -: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه: 5].
وقال سبحانه: â Ïþ’ÎoTÎ) ß$%s{r& br& y7¡¡yJtƒ Ò>#x‹tã z`ÏiB Ç`»uH÷q§9$# á
[مريم: 45].
والآيات في ذكر اسم (الرحمن) كثيرة جاءت في (57) موضعًا من القرآن.
أما اسمه (الرحيم) فقد جاء في (123) موضعًا من القرآن الكريم أكثرها كان مقترنًا باسمه سبحانه (الغفور) ومن ذلك قوله تعالى: â (#rãÏÿøótGó™$#ur ©!$# ( ¨bÎ) ©!$# Ö‘qàÿxî 7LìÏm§‘ ÇËÉÈ á [المزمل: 20].
وقوله تعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 34].
وقوله تبارك وتعالى: â ߉ôJysø9$# ¬! Å_Üu‘ šúüÏJn=»yèø9$# ÇËÈ á [ الفاتحة: 2].
وقوله - عز وجل -: â ¨bÎ)ur š/u‘ uqçlm; Ⓝ͖yêø9$# ãLìÏm§9$# ÇÊÒÊÈ á [الشعراء: 191].
المعاني الكريمة لهذين الاسمين الجليلين:
هذان الاسمان الكريمان مشتقان من (الرحمة) على وجه المبالغة وهي الرقة والتعطف وإن كان اسم (الرحمن) أشد مبالغة من اسم (الرحيم)، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل وبناء فعلان: للسعة والشمول، واتفق أهل العلم على أن اسم (الرحمن) عربي لفظه، وفي الحديث القدسي: (أنا الرحمن ، خلقت الرحم، وشققت لها اسمًا من اسمي...) الحديث (1).
فقد دل هذا الحديث على الاشتقاق. وكانت العرب تعرف هذا الاسم في لغتها.
قال الله - عز وجل -: â (#qä9$s%ur öqs9 uä!$x© ß`»oH÷q§9$# $tB Nßg»tRô‰t7tã á [الزخرف: 20]. وجاء في أشعارهم قول الشاعر :
وعجلتم علينا إذ عجلنا عليكم وما يشأ الرحمن يعقـد ويطلق(2)
الفرق بين الاسمين: فرق بعض أهل العلم بين هذين الاسمين الكريمين بالفروق التالية:
أولاً: أن اسم (الرحمن): هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة.
وأما اسـم (الرحيم): فهو ذو الرحـمة للمؤمنين كما في قوله تعـالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43]. ولكن يشكل على ذلك قوله تعالى: â žcÎ) ©!$# Ĩ$¨Y9$$Î/ Ô$râäts9 ÒÔŠÏm§‘ ÇÊÍÌÈ á [البقرة: 341]، وقوله تعالى: â ãNä3š/§‘ “Ï%©!$# ÓÅe÷“ムãNà6s9 šù=àÿø9$# ’Îû Ìóst7ø9$# (#qäótGö;tGÏ9 `ÏB ÿ¾Ï&Î#ôÒsù 4 ¼çm¯RÎ) šc%x. öNä3Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÏÏÈ á [الإسراء: 66].
ثانيًا: أن اسم (الرحمن) دال على الرحمة الذاتية، و(الرحيم) دال على الرحمة الفعلية؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن (الرحمن) دال على الصفة القائمة به سبحانه و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم. فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43]، وقوله: â ¼çm¯RÎ) óÔÎgÎ/ Ô$râäu‘ ÒÔŠÏm§‘ ÇÊÊÐÈ á [التوبة: 117].
ولم يجيء قط (رحمن بهم) فعلم أن (الرحمن) هو الموصوف بالرحمة، (والرحيم) هو الرحيم برحمته» (1).
ويقول في موطن آخر: «ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين؛ مع ما في اسم (الرحمن) - الذي هو على وزن فعلان - من سعة هذا الوصف؛ وثبوت جميع معناه للموصوف به. ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا؛ وندمان، وحيران، وسكران، ولهفان، لمن مُلِئ بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول.
ولهـذا يقرن استواءه على العرش بهـذا الاسـم كثيرًا، كقـوله تعـالى: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه:5]: â ¢ÔèÔ 3“uqtGó™$# ’nωtã ĸöyèø9$# 4 ß`»yJôm§9$# á [الفرقان: 59].
فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيطٌ بالمخلوقات؛ قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق؛ واسعة لهم، كما قال تعالى: â ÓÉLyJômu‘ur ôMyèÅ™ur ¨@ä. &äóÓx« á [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيء.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لما قضى الله الخلق: كتب في كتاب - فهو عنده موضوعٌ على العرش -: إن رحمتي تغلب غضبي)(1). وفي لفظٍ: (فهو عنده على العرش)(2).
فتأمَّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة؛ ووضعه عنده على العرش، وطَابقْ بين ذلك وبين قوله: â ß`»oH÷q§9$# ’nωtã ĸöyèø9$# 3“uqtGó™$# ÇÎÈ á [طه: 5].
وقوله: â ¢ÔèÔ 3“uqtGó™$# ’nωtã ĸöyèø9$# 4 ß`»yJôm§9$# ö@t«ó¡sù ¾ÏmÎ/ #ZŽÎ6yz ÇÎÒÈ á [الفرقان: 59] يفتح لك بابًا عظيمًا من معرفة الرب - تبارك وتعالى - إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم»(3).
ثالثًا: اسم (الرحمن) من الأسماء التي لا يجوز للمخلوق أن يتسمى بها؛ قال الله تعالى: â È@è% (#qãã÷Š$# ©!$# Írr& (#qãã÷Š$# z`»uH÷q§9$# ( $wƒr& $¨B (#qããô‰sω ã&s#sù âä!$yJó™F{$# 4Óo_ó¡çtø:$# 4 á [الإسراء: 110] فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره وهو (الله) – جـل جلاله - وأما (الرحيم) فإنه تعـالى وصف به نبيه r حيث قال:â ëȃÌym Nà6ø‹n=tæ šúüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ Ô$râäu‘ ÒÔŠÏm§‘ ÇÊËÑÈ á
[التوبة: 128].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم (الله)، (الرحمن)، (الخالق)، (الرازق) ونحو ذلك؛ ولهذا بدأ باسم الله الموصوف (بالرحمن) لأنه أخص وأعرف من (الرحيم)؛ لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء؛ فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص»(1).
إثبات صفة الرحمة لله رب العالمين:
صفة (الرحمة) من الصفات الثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة. وهي صفة كمال لائقة بذاته سبحانه كسائر الصفات، لا يجوز أن تنفيها أو تؤولها أو تحرفها أو تقوض معناها أو تكيفها كما هو مقرر في مذهب أهل السنة والجماعة في جميع الصفات. ويرد الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - على القائلين من أهل البدع بأن رحمة الله مجاز، وأنها عبارة عن إنعامه على عباده، وإحسانه إليهم من عدة وجوه منها:
«الأول: إن الإلحاد إما أن يكون بإنكار لفظ الاسم أو إنكار معناه، فإن كان إنكار لفظه إلحادًا فمن ادعى أن (الرحمن) مجاز لاحقيقة؛ فإنه يجوز إطلاق القول بنفيها فلا يستنكف أن يقول: ليس (بالرحمن) ولا (الرحيم) كما يصح أن يقال: للرجل الشجاع ليس بأسد على الحقيقة، وإن قالوا: نتأدب في إطلاق هذا النفي، فالأدب لا يمنع صحة الإطلاق. وإن كان الإلحاد هو إنكار معاني أسمائه وحقائقها فقد أنكرتم معانيها التي تدل عليها بإطلاقها، وما صرفتموها إليه من المجاز فنقيض معناها، أو لازم من لوازم معناها، وليس هو الحقيقة، ولهذا يصرح غلاتهم بإنكار معانيها بالكلية ويقولون: هي ألفاظ لا معاني لها.
الرد الثاني: إن هذا الحامل لكم على دعوى المجاز في اسم (الرحمن) هو بعينه موجود في اسم (العليم والقدير والسميع والبصير) وسائر الأسماء.
فإن المعقول من العلم صفة عرضية تقوم بالقلب إما ضرورية، وإما نظرية، والمعقول من الإرادة حركة النفس الناطقة لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها، أو ينفع غيرها أو يضره.
والمعقول من القدرة القوة القائمة بجسم تتأتى به الأفعال الاختيارية فهل تجعلون إطلاق هذه الأسماء والصفات على الله حقيقة أم مجازًا؟
فإن قلتم: حقيقة تناقضتم أقبح التناقض، إذ عمدتم إلى صفاته سبحانه فجعلتم بعضها حقيقة وبعضها مجازًا، مع وجود المحذور فيما جعلتموه حقيقة.
وإن قلتم: لا يستلزم ذلك محذورًا، فمن أين استلزم اسم (الرحمن) المحذور؟ وإن قلتم: الكل مجاز، لم تمكنوا بعد ذلك من إثبات حقيقة لله البتة، لا في أسمائه، ولا في الإخبار عنه بأفعاله وصفاته وهذا انسلاخ من العقل والإنسانية.
الرد الثالث: إن نفاة الصفات يلزمهم نفي الأسماء من جهة أخرى، فإن (العليم والقدير والسميع والبصير) أسماء تتضمن ثبوت الصفات في اللغة فيمن وصف بها، فاستعمالها لغير من وصف بها، استعمال للاسم في غير ما وضع له، فكما انتفت عنه حقائقها؛ فإنه تنتفي عنه أسماؤها، فإن الاسم المشتق تابع للمشتق منه في النفي والإثبات، فإذا انتفت حقيقة الرحمة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر انتفت الأسماء المشتقة منها عقلاً ولغة، فيلزم من نفي الحقيقة أن تنفي الصفة والاسم جميعًا.
الرد الرابع: إنه كيف يكون أظهر الأسماء التي افتتح الله بها كتابه في أم القرآن وهي من أظهر شعار التوحيد، والكلمة الجارية على ألسنة أهل الإسلام وهي: بسم الله الرحمن الرحيم التي هي مفتاح الطهور والصلاة وجميع الأفعال، فكيف يكون مجازًا؟
الرد الخامس: قولهم: الرحمة رقة القلب، تريدون رحمة المخلوق أم رحمة الخالق؟ أم كل ما سمي رحمة شاهدًا أو غائبًا؟
فإن قلتم: بالأول صدقتم ولم ينفعكم ذلك شيئًا، وإن قلتم: بالثاني والثالث كنتم قائلين غير الحق، فإن الرحمة صفة الرحيم وهي في كل موصوف بحسبه، فإن كان الموصوف حيوانًا له قلب فرحمته من جنسه رقة قائمة بقلبه، وإن كان مَلَكًا فرحمته تناسب ذاته.
فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق لمخلوق.
وهذا يطرد في سائر الصفات كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والإرادة إلزامًا ووجوبًا، فكيف يكون رحمة أرحم الراحمين مجازًا دون السميع العليم؟
الرد السادس: إنه من أعظم المحال أن تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازًا ورحمة العبد الضعيف القاصرة المخلوقة المستعارة من ربه التي هي من آثار رحمته حقيقة. وهل في قلب الحقائق أكثر من هذا؟
الرد السابع: ما رواه أهل السنن عن النبي r أنه قال: يقول الله تعالى: (أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)(1).
فهذا صريح في أن اسم الرحم مشتق من اسمه (الرحمن) تعالى، فدل على أن رحمته لما كانت هي الأصل في المعنى كانت هي الأصل في اللفظ ومثل هذا: قول حسان t في النبي r :
فَشــَقَّ له من اســــــمه لِيُجــله فذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحمد
فإذا كانت أسماء الخلق الممدوحة مشتقة من أسماء الله الحسنى كانت أسماؤه يقينًا سابقة فيجب أن تكون حقيقة، لأنها لو كانت مجازًا، لكانت الحقيقة سابقة لها، فإن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فيكون اللفظ قد سمي به المخلوق ثم نقل إلى الخالق وهذا باطل قطعًا.
الرد الثامن: ما في الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال: ( لما قَضَى الله الخَلْقَ كتبَ كتابًا فهو مَوضوعٌ عنده فوقَ العَرشِ: إنَّ رحمتي سَبَقَت غَضَبي)(2) ، وفي لفظ: (غلبت).
وقال تعالى: â |=tGx. öNä3š/u‘ 4’nωtã ÏmÅ¡øÿtR spyJôm§9$# á [الأنعام: 54]، فوصف نفسه سبحانه بالرحمة وتسمّى بالرحمن قبل أن يكون بنو آدم.
فادعاء المدعي أن وصفه بالرحمن مجاز من أبطل الباطل.
الرد التاسع: إنه من المعلوم أن المعنى المستعار يكون في المستعار منه أكمل في المستعار له، وأن المعنى الذي دل عليه اللفظ بالحقيقة أكمل من المعنى الذي دل عليه بالمجاز، وإنما يستعار لتكميل المعنى المجازي تشبيهه بالحقيقي، كما يستعار الشمس، والقمر، والبحر للرجل الشجاع، والجميل، والجواد.
فإذا جعل (الرحمن والرحيم والودود) وغيرهما من أسمائه سبحانه حقيقة في العبد، مجازًا في (الرب)، لزم أن تكون هذه الصفات في العبد أكمل منها في (الرب) تعالى.
الرد العاشر: إن الله سبحانه وتعالى فرق بين رحمته، ورضوانه، وثوابه المنفصل فقال تعالى: â öNèdçŽÅe³t6ムÔßgš/u‘ 7pyJômtÎ/ çm÷YÏiB 5bºuqôÊÍ‘ur ;M»¨Zy_ur öNçl°; $pkŽÏù ÒÔŠÏètR íÔŠÉ)•B ÇËÊÈ á [التوبة: 21].
فالرحمة والرضوان صفته، والجنة ثوابه، وهذا يبطل قول من جعل الرحمة والرضوان ثوابًا منفصلاً مخلوقًا، وقول من قال هي إرادته الإحسان، فإن إرادته الإحسان هي من لوازم الرحمة، فإنه يلزم من الرحمة أن يريد الإحسان إلى المرحوم فإذا انتفت حقيقة الرحمة انتفى لازمها وهو إرادة الإحسان» (1).
ويقول في موطن آخر: «إن (الربَّ) يستحيل أن يكون إلا (رحيمًا)، فرحمته من لوازم ذاته، ولهذا كتب على نفسه الرحمة؛ ولم يكتب على نفسه الغضب، فهو لم يزل ولا يزال (رحيمًا) ولا يجوز أن يقال: إنه لم يزل ولا يزال غضبانًا، ولا أن غضبه من لوازم ذاته، ولا أنه كتب على نفسه العقوبة والغضب، ولا أن غضبه يغلب رحمته ويسبقها»(1).
والرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان:
الأول: رحمة ذاتية موصوف بها سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه كسائر صفاته، يجب إثباتها لله - عز وجل - من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. كما قال سبحانه: â ÓÉLyJômu‘ur ôMyèÅ™ur ¨@ä. &äóÓx« á [الأعراف: 156]، وقوله تعالى: â šš/u‘ur ÓÍ_tóø9$# rèŒ ÏpyJôm§9$# 4 á [الأنعام: 133].
الثاني: رحمة مخلوقة أنزل الله - عز وجل - منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة كما جاء في قوله r: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها؛ وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة)(2). ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله r: (أن الله - عز وجل - قال عن الجنة: «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء.... » الحديث (3)؛ وهذه الرحمة من باب إضافة المفعول إلى فاعله، وهذه الرحمة ليست صفة لله تعالى، بل هي من أثر رحمته التي هي صفته الذاتية الفعلية.
ورحمة الله عز وجل لعباده نوعان:
الأولى - رحمة عامة:
وهي لجميع الخلائق بإيجادهم، وتربيتهم، ورزقهم، وإمدادهم بالنعم والعطايا، وتصحيح أبدانهم، وتسخير المخلوقات من نبات وحيوان وجماد في طعامهم وشرابهم، ومساكنهم، ولباسهم، ونومهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى.
قال الله - عز وجل -: â $uZ/u‘ |M÷èÅ™ur ¨@à2 &äóÓx« ZpyJôm§‘ $VJù=Ïãur á [غافر: 7]، يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية: «وهذه هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفار؛ لأن الله قرن الرحمة هذه مع العلم؛ فكل ما بلغه علم الله، وعلم الله بالغ لكل شيء؛ فقد بلغته رحمته؛ فكما يعلم الكافر؛ يرحم الكافر أيضًا.
لكن رحمته للكافر رحمة جسدية بدنية دنيوية مختصة بالدنيا؛ فالذي يرزق الكافر هو الله الذي؛ يرزقه بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح وغير ذلك»(1).
الثانية - رحمة خاصة:
وهذه الرحمة لا تكون إلا للمؤمنين فيرحمهم الله - عز وجل - في الدنيا بتوفيقهم إلى الهداية والصراط المستقيم، ويثيبهم عليه، ويدافع عنهم وينصرهم على الكافرين ويرزقهم الحياة الطيبة ويبارك لهم فيما أعطاهم، ويمدهم بالصبر واليقين عند المصائب ويغفر لهم ذنوبهم ويكفرها بالمصائب ويرحمهم في الآخرة بالعفو عن سيئاتهم والرضا عنهم والإنعام عليهم بدخولهم الجنة ونجاتهم من عذابه - عز وجل - ونقمته. وهذه الرحمة هي التي جاء ذكرها في قوله تعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ ÇÍÌÈ á [الأحزاب: 43].
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - عن هذه الرحمة الخاصة بعد حديثه عن الرحمة العامة: «أما المؤمنون؛ فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم؛ لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية.
ولهذا تجد المؤمن أحسنَ حالاً من الكافر، حتى في أمور الدنيا؛ لأن الله يقول: â ô`tB Ÿ@ÏJtã $[sÎ=»|¹ `ÏiB @Ÿ2sŒ ÷rr& 4ÓsRé& uqèdur Ö`ÏB÷sãB ¼çm¨ZtÍ‹ósãZn=sù Zo4qu‹ym Zpt6ÍhŠsÛ ( á [النحل: 97] الحياة الطيبة هذه مفقودة بالنسبة للكفار، حياتهم كحياة البهائم.. لكن المؤمن إن أصابته ضراء صبر واحتسب الأجر على الله - عز وجل - وإن أصابته سراء شكر فهو في خير في هذا، وفي هذا وقلبه منشرح مطمئن»(1).
وقال عند قوله تبارك وتعالى: â tb%Ÿ2ur tûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ $VJŠÏmu‘ á.
(قوله: â ttûüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ á: متعلق بـ(رحيم)، وتقديم المعمول يدل على الحصر، فيكون معنى الآية: وكان بالمؤمنين لا غيرهم رحيمًا.
ولكن كيف نجمع بين هذه الآية والتي قبلها: â $uZ/u‘ |M÷èÅ™ur ¨@à2 &äóÓx« ZpyJôm§‘ $VJù=Ïãur á نقول: الرحمة التي هنا غير الرحمة التي هناك. هذه رحمة خاصة متصلة برحمة الآخرة لا ينالها الكفار؛ بخلاف الأولى. هذا هو الجمع بينهما، وإلا فكلٌ مرحوم، لكن فرق بين الرحمة الخاصة والرحمة العامة) (1).
* من كتاب ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . دراسة تربوية للآثارالإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ) للشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل . ط . دار طيبة 1429هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أحمد في المسند (1686)، وأبو داود في سننه (1694) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (520).
([2]) انظر النهج الأسمى محمد حمود النجدي 1/75، 76.
([3]) بدائع الفوائد 1/24.
([4]) البخاري (7404)، ومسلم: (2751).
([5]) البخاري: (3194).
([6]) مدارج السالكين 1/34.
([7]) تفسير ابن كثير 1/21.
([8]) الترمذي (1907)، وأحمد (1662)، وصـححه الألباني في صـحيح الترمـذي برقم (1557).
([9]) البخاري (3194)، ومسلم (2751).
([10]) مختصر الصواعق المرسلة «باختصار» ص 112 - 126.
([11]) مختصر الصواعق المرسلة: 1/259.
([12]) مسلم (2752).
(3) مسلم (2846).
(1) شرح العقيدة الواسطية (بتصرف يسير) 1/249.
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/249.
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/251.
إسم الرب- سبحانة وتعالى
[ اسم الرب ]
الرب من أسماء الله الحسنى , التي يدعى ويمجد بها . وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم, إنما جاء مضافاً إلى الخلق عموماً, أو إلى بعضهم خصوصاً؛ مثل ( رب العالمين ), ( رب الملائكة والروح ) . وقد ورد ذكره في القرآن في 900 موضع , كقوله تعالى { الحمد لله رب العالمين }[ الفاتحة 2] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر 92] , ومن أمثلة وروده في السنة, ما جاء ي صحيح البخاري, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ, وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ, وَالْفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ, حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".([1])
والأحاديث في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم –كثيرة, يصعب حصرها .
معنى اسم [ الرب ]في اللغة :-
يقول ابن فارس - رحمه الله :
" الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ, والقيامُ عليه . فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. يقال رَبَّ فلانٌ ضَيعتَه، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِّ.
والأصل الآخرُ: لُزوم الشيءِ, والإقامةُ عليه، وهو مناسبٌ للأصل الأوّل. يقال أربَّت السّحابةُ بهذه البلدةِ، إذا دامَتْ. وأرْضٌ مَرَبٌّ: لا يزال بها مَطَرٌ؛ ولذلك سُمِّي السَّحاب رَباباً.
والأصل الثالث: ضمُّ الشيء للشَّيء، وهو أيضاً مناسبٌ لما قبله، ومتى أُمعِنَ النَّظرُ, كان الباب كلُّه قياساً واحداً"([2]).
معنى اسم [ الرب ] في حق الله:-
والله رب العالمين :أي" الخالق المالك لكل شيء ,المدبر لجميع الأمور.
والعالمين : اسم لكل ما سوى الله"([3]) .
اسم (الرب) - سبحانه وتعالى- من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى: "و (الرب) هو المربي جميع عباده بالتدبير, وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه, بإصلاح قلوبهم, وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة"([4]) .
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله - عز وجل - في كتابه الكريم عن أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام - وأوليائه الصالحين, حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم, ومن ذلك :
- دعاء الأبوين - عليهما السلام - بقولهما: (رَبَّناظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ) [الأعراف: 23].
- دعاء نوح - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ... الآية [نوح: 28]، وقوله: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود: 54] .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة ,كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها([5]) .
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله - عز وجل - رب كل شيء, وخالقه, ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له, في قبضته, وتحت قهره, لأن أحدًا لا يدَّعي أنه, أو غيره من المخلوقين, هو الخالق, البارئ, المحيي, المميت, القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذرًا من ملاحدة الصوفية، والباطنية, والنصرانية التي تزعم أنه مع الله - عز وجل - شريك في ربوبيته, وتصريفه لهذا الكون, تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
أما أكثر طوائف المشركين, فقد أقروا بربوبية الله - عز وجل - ولم ينكروها. وهم عبيد لله - عز وجل - بهذا المعنى قال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) ) [يونس: 31]([6]).
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب):-
أولاً: إن اسم (الرب) سبحانه, وما يستلزم من الأسماء والصفات, يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم, وما يضرهم؛ فكونه رب العالمين, لا يليق به أن يترك عباده سدى, هملاً,لا يعرفهم بنفسه, ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها.. فهذا هضم للربوبية, ونسبة للرب إلى ما لا يليق: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ) [المؤمنون: 115].
ثانيًا: الإقرار بربوبية الله - عز وجل - يقتضي ويستلزم توحيد الله - عز وجل -, وعبادته لا شريك له, إذ أن الخالق لهذا الكون, وما فيه, والمتصرف فيه بالإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، والتدبير, هو المستحق للعبادة وحده, إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل ندًا لله تعالى في المحبة, والتعظيم, والعبادة, وهو لم يخلق, ولا يملك لنفسه تدبيرًا, فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهذا ما احتج الله - عز وجل - به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه, ولكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره, وقد جاءت هذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها:
- قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) )) [ البقرة: 21، 22].
- وقوله تعالى: (( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) )) [الأعراف: 191]، وقوله سبحانه: (( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ )), [النحل: 17].
- وقوله تعالى: (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) )) [المؤمنون: 89، 90].
- وقوله تعالى: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) )) [الزمر: 38]. والآيات في هذا كثيرة جدًا.
ثالثًا: الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل - يعني: الإيمان بأسمائه الحسنى, وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه, كونه قادرًا, خالقًا, بارئًا, مصورًا، حيًا، قيومًا, عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا. وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات. إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها - إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه, وفي ذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى: "إن ربوبيته سبحانه, إنما تتحقَّق بكونه: فعَّالاً مُدبِّرًا؛ متصرِّفًا في خلقه؛ يعلم، ويقدر، ويريد، ويسمع، ويبصر.
فإذا انتفت أفعاله وصفاته: انتفت ربوبيته، وإذا انتفت عنه صفة الكلام: انتفى الأمر والنهي ولوازمها، وذلك ينفي حقيقة الإلهية"([7]) .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة, كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها.
رابعًا: الإيمان باسم (الرب) - عز وجل -, وما يتعلق به من صفات, يقتضي الرضا به -سبحانه-, ربًا, وإلهًا, وحاكمًا, ومشرعًا، لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه, وينهاه عنه، ويقسمه له, ويقدره عليه، ويعطيه إياه, ويمنعه منه. فإن لم يحصل الرضى بذلك كله, لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع الوجوه، ولا يذوق عبد طعم الإيمان, حتى يأتي بكل موجبات الربوبية, ولوازمها. وهذا معنى قوله: (ذاق طعم الإيمان, من رضي بالله ربًا, وبالإسلام دينًا, وبمحمدٍ رسولاً) ([8]). ومتى ذاق العبد طعم الإيمان, فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته, وثباته، ولو احتوشته البلايا, والرزايا. كما أن من هذا شأنه, فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه, وتلذ له، كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل -, والنفور منها.
خامسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه الذي يربي عباده, وينقلهم من طور إلى طور, وينعم عليهم بما يقيم حياتهم, ومعاشهم. وهو الذي أحسن خلقهم,(( وأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) }[طه50]. فإن هذه المعاني, من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه, وحب ما يحبه, ومن يحبه، وبغض ما يبغضه, ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته، وتعظيمه, وإجلاله, وشكره, وحمده الحمد اللائق بجلاله, وعظمته, وسلطانه, وإنعامه.
سادسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه المتكفل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض, له الملك, وله الحمد, يحيي, ويميت, وهو على كل شيء قدير. فإن هذه الصفات, تورث في قلب العبد العارف لربه – سبحانه- قوة عظيمة, في التوكل عليه –سبحانه-, في جلب المنافع، ودفع المضار، وفي تصريف جميع أموره؛ فلا يتعلق إلا بالله تعالى, ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه – سبحانه-, إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله, لا يملك لنفسه نفعًا, ولا ضرًا, ولا موتًا, ولا حياةً, ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
سابعًا: لما كان من معاني الربوبية, اختصاصه سبحانه بجلب المنافع, ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات, فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم, من معرفة ربهم بهذه الصفات - يلجأون إلى ربهم, ويتضرعون إليه في الشدائد, والملمات, وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل -, وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته, أثر هذا في دعائه, وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه -سبحانه-, والوثوق بكفايته سبحانه, وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى -, وأوليائه تكرار الدعاء بقولهم: (ربنا، ربنا).
ثامنًا: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-العبد أن يقول لسيده (ربي) فقال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي، وفتاتي، وغلامي)([9]).
قال الحافظ ابن حجر: "وفيه نهي العبد أن يقول لسيده (ربي), وكذلك نهي غيره, فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده اسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه.
والسبب في النهي, أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن (الرب) هو المالك القائم بالشيء، فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب, متعبد بإخلاص التوحيد لله، وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم, لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات, والجمادات, فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة؛ كقوله: رب الدار، ورب الثوب.
قال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله.
[وتعقبه الحافظ بقوله]: والذي يختص بالله تعالى إطلاق (الرب) بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ )) [يوسف: 42]، وقوله: (( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ )) [يوسف: 50]، وقوله عليه الصلاة, والسلام, في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها). فدلَّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز...
وقيل: المراد: النهي عن الإكثار من ذلك, واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة" أهـ ([10]).
وترك استعمال هذه الكلمة لورود النهي عنها أسلم, وأحوط, والله أعلم([11]).
ذكر الأسماء الحسنى التي اقترنت باسم (الرب) تبارك وتعالى.
ورد اقتران اسم (الرب) - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم بأسماء كريمة هي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز).
- قال سبحانه وتعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) )) [الفاتحة: 2، 3].
- وقال - عز وجل -: (( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ ))[النبأ:37].
- وقال تبارك وتعالى: (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) )) [ص: 66].
- وقال تبارك وتعالى: (( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) )) [يس: 58].
- وقال سبحانه: (( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )) [سبأ:15].
وبتأمل هذه الأسماء المقترنة باسم (الرب) - تعالى-, نجد أن فيها صفة الرحمة, والمغفرة، وفي هذا التأكيد على أن من أخص صفات (الرب) - عز وجل -, الرحمة, والرأفة بعباده, وأنها من موجبات ربوبيته. ومن ذلك تربيته لعباده، وإنعامه عليهم، وإرساله الرسل إليهم, وإنذارهم, وتبشيرهم. وهذه هي من لوازم التربية العامة، وأما التربية الخاصة من الله - عز وجل - لأوليائه بتوفيقهم، وحفظهم، ورعايتهم، وتربيتهم. فالرحمة، والرأفة، والمغفرة, واضحة جلية في ذلك, والله أعلم، وفي الآية الثانية ورد اسم: (العزيز الغفار). وصفة: (العزة والغلبة) من موجبات الربوبية, والسؤدد([12]).
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
[1] صحيح البخاري الحديث رقم 614,(1 / 159) .
[2] معجم مقاييس اللغة لابن فارس بتصرف (2/383,382) .
[3] تفسير القرآن الكريم – الفاتحة والبقرة- لابن عثيمين– صـ 10.
[4] تفسير السعدي 5/486.
[5] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها بتصرف, لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 88- 91.
[6] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 91.
[7] مختصر الصواعق المرسلة 2/474.
[8] مسلم (34)، وأحمد 1/208.
[9] البخاري (2552).
[10] فتح الباري 5/179.
[11] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها 96- 101.
[12] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 102- 103.
الرب من أسماء الله الحسنى , التي يدعى ويمجد بها . وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم, إنما جاء مضافاً إلى الخلق عموماً, أو إلى بعضهم خصوصاً؛ مثل ( رب العالمين ), ( رب الملائكة والروح ) . وقد ورد ذكره في القرآن في 900 موضع , كقوله تعالى { الحمد لله رب العالمين }[ الفاتحة 2] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر 92] , ومن أمثلة وروده في السنة, ما جاء ي صحيح البخاري, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ, وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ, وَالْفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ, حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".([1])
والأحاديث في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم –كثيرة, يصعب حصرها .
معنى اسم [ الرب ]في اللغة :-
يقول ابن فارس - رحمه الله :
" الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ, والقيامُ عليه . فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. يقال رَبَّ فلانٌ ضَيعتَه، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِّ.
والأصل الآخرُ: لُزوم الشيءِ, والإقامةُ عليه، وهو مناسبٌ للأصل الأوّل. يقال أربَّت السّحابةُ بهذه البلدةِ، إذا دامَتْ. وأرْضٌ مَرَبٌّ: لا يزال بها مَطَرٌ؛ ولذلك سُمِّي السَّحاب رَباباً.
والأصل الثالث: ضمُّ الشيء للشَّيء، وهو أيضاً مناسبٌ لما قبله، ومتى أُمعِنَ النَّظرُ, كان الباب كلُّه قياساً واحداً"([2]).
معنى اسم [ الرب ] في حق الله:-
والله رب العالمين :أي" الخالق المالك لكل شيء ,المدبر لجميع الأمور.
والعالمين : اسم لكل ما سوى الله"([3]) .
اسم (الرب) - سبحانه وتعالى- من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى: "و (الرب) هو المربي جميع عباده بالتدبير, وأصناف النعم. وأَخَصُّ من هذا: تربيته لأصفيائه, بإصلاح قلوبهم, وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة"([4]) .
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله - عز وجل - في كتابه الكريم عن أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام - وأوليائه الصالحين, حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم, ومن ذلك :
- دعاء الأبوين - عليهما السلام - بقولهما: (رَبَّناظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ) [الأعراف: 23].
- دعاء نوح - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ... الآية [نوح: 28]، وقوله: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود: 54] .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة ,كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها([5]) .
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله - عز وجل - رب كل شيء, وخالقه, ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له, في قبضته, وتحت قهره, لأن أحدًا لا يدَّعي أنه, أو غيره من المخلوقين, هو الخالق, البارئ, المحيي, المميت, القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذرًا من ملاحدة الصوفية، والباطنية, والنصرانية التي تزعم أنه مع الله - عز وجل - شريك في ربوبيته, وتصريفه لهذا الكون, تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
أما أكثر طوائف المشركين, فقد أقروا بربوبية الله - عز وجل - ولم ينكروها. وهم عبيد لله - عز وجل - بهذا المعنى قال تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) ) [يونس: 31]([6]).
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب):-
أولاً: إن اسم (الرب) سبحانه, وما يستلزم من الأسماء والصفات, يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم, وما يضرهم؛ فكونه رب العالمين, لا يليق به أن يترك عباده سدى, هملاً,لا يعرفهم بنفسه, ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها.. فهذا هضم للربوبية, ونسبة للرب إلى ما لا يليق: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ) [المؤمنون: 115].
ثانيًا: الإقرار بربوبية الله - عز وجل - يقتضي ويستلزم توحيد الله - عز وجل -, وعبادته لا شريك له, إذ أن الخالق لهذا الكون, وما فيه, والمتصرف فيه بالإحياء، والإماتة، والخلق، والرزق، والتدبير, هو المستحق للعبادة وحده, إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل ندًا لله تعالى في المحبة, والتعظيم, والعبادة, وهو لم يخلق, ولا يملك لنفسه تدبيرًا, فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهذا ما احتج الله - عز وجل - به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه, ولكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره, وقد جاءت هذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها:
- قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) )) [ البقرة: 21، 22].
- وقوله تعالى: (( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) )) [الأعراف: 191]، وقوله سبحانه: (( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ )), [النحل: 17].
- وقوله تعالى: (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) )) [المؤمنون: 89، 90].
- وقوله تعالى: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) )) [الزمر: 38]. والآيات في هذا كثيرة جدًا.
ثالثًا: الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل - يعني: الإيمان بأسمائه الحسنى, وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه, كونه قادرًا, خالقًا, بارئًا, مصورًا، حيًا، قيومًا, عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا. وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات. إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها - إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه, وفي ذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى: "إن ربوبيته سبحانه, إنما تتحقَّق بكونه: فعَّالاً مُدبِّرًا؛ متصرِّفًا في خلقه؛ يعلم، ويقدر، ويريد، ويسمع، ويبصر.
فإذا انتفت أفعاله وصفاته: انتفت ربوبيته، وإذا انتفت عنه صفة الكلام: انتفى الأمر والنهي ولوازمها، وذلك ينفي حقيقة الإلهية"([7]) .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة, كريمة, يتضمنها هذا الاسم الكريم, أو يستلزمها.
رابعًا: الإيمان باسم (الرب) - عز وجل -, وما يتعلق به من صفات, يقتضي الرضا به -سبحانه-, ربًا, وإلهًا, وحاكمًا, ومشرعًا، لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه, وينهاه عنه، ويقسمه له, ويقدره عليه، ويعطيه إياه, ويمنعه منه. فإن لم يحصل الرضى بذلك كله, لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع الوجوه، ولا يذوق عبد طعم الإيمان, حتى يأتي بكل موجبات الربوبية, ولوازمها. وهذا معنى قوله: (ذاق طعم الإيمان, من رضي بالله ربًا, وبالإسلام دينًا, وبمحمدٍ رسولاً) ([8]). ومتى ذاق العبد طعم الإيمان, فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته, وثباته، ولو احتوشته البلايا, والرزايا. كما أن من هذا شأنه, فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه, وتلذ له، كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل -, والنفور منها.
خامسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه الذي يربي عباده, وينقلهم من طور إلى طور, وينعم عليهم بما يقيم حياتهم, ومعاشهم. وهو الذي أحسن خلقهم,(( وأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) }[طه50]. فإن هذه المعاني, من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه, وحب ما يحبه, ومن يحبه، وبغض ما يبغضه, ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته، وتعظيمه, وإجلاله, وشكره, وحمده الحمد اللائق بجلاله, وعظمته, وسلطانه, وإنعامه.
سادسًا: لما كان من معاني (الرب), أنه المتكفل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض, له الملك, وله الحمد, يحيي, ويميت, وهو على كل شيء قدير. فإن هذه الصفات, تورث في قلب العبد العارف لربه – سبحانه- قوة عظيمة, في التوكل عليه –سبحانه-, في جلب المنافع، ودفع المضار، وفي تصريف جميع أموره؛ فلا يتعلق إلا بالله تعالى, ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه – سبحانه-, إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله, لا يملك لنفسه نفعًا, ولا ضرًا, ولا موتًا, ولا حياةً, ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
سابعًا: لما كان من معاني الربوبية, اختصاصه سبحانه بجلب المنافع, ودفع المضار، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات, فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم, من معرفة ربهم بهذه الصفات - يلجأون إلى ربهم, ويتضرعون إليه في الشدائد, والملمات, وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل -, وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته, أثر هذا في دعائه, وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه -سبحانه-, والوثوق بكفايته سبحانه, وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى -, وأوليائه تكرار الدعاء بقولهم: (ربنا، ربنا).
ثامنًا: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-العبد أن يقول لسيده (ربي) فقال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئ ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي، وفتاتي، وغلامي)([9]).
قال الحافظ ابن حجر: "وفيه نهي العبد أن يقول لسيده (ربي), وكذلك نهي غيره, فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده اسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه.
والسبب في النهي, أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن (الرب) هو المالك القائم بالشيء، فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب, متعبد بإخلاص التوحيد لله، وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم, لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات, والجمادات, فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة؛ كقوله: رب الدار، ورب الثوب.
قال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله.
[وتعقبه الحافظ بقوله]: والذي يختص بالله تعالى إطلاق (الرب) بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ )) [يوسف: 42]، وقوله: (( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ )) [يوسف: 50]، وقوله عليه الصلاة, والسلام, في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربها). فدلَّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز...
وقيل: المراد: النهي عن الإكثار من ذلك, واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة" أهـ ([10]).
وترك استعمال هذه الكلمة لورود النهي عنها أسلم, وأحوط, والله أعلم([11]).
ذكر الأسماء الحسنى التي اقترنت باسم (الرب) تبارك وتعالى.
ورد اقتران اسم (الرب) - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم بأسماء كريمة هي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز).
- قال سبحانه وتعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) )) [الفاتحة: 2، 3].
- وقال - عز وجل -: (( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ ))[النبأ:37].
- وقال تبارك وتعالى: (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) )) [ص: 66].
- وقال تبارك وتعالى: (( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) )) [يس: 58].
- وقال سبحانه: (( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )) [سبأ:15].
وبتأمل هذه الأسماء المقترنة باسم (الرب) - تعالى-, نجد أن فيها صفة الرحمة, والمغفرة، وفي هذا التأكيد على أن من أخص صفات (الرب) - عز وجل -, الرحمة, والرأفة بعباده, وأنها من موجبات ربوبيته. ومن ذلك تربيته لعباده، وإنعامه عليهم، وإرساله الرسل إليهم, وإنذارهم, وتبشيرهم. وهذه هي من لوازم التربية العامة، وأما التربية الخاصة من الله - عز وجل - لأوليائه بتوفيقهم، وحفظهم، ورعايتهم، وتربيتهم. فالرحمة، والرأفة، والمغفرة, واضحة جلية في ذلك, والله أعلم، وفي الآية الثانية ورد اسم: (العزيز الغفار). وصفة: (العزة والغلبة) من موجبات الربوبية, والسؤدد([12]).
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
[1] صحيح البخاري الحديث رقم 614,(1 / 159) .
[2] معجم مقاييس اللغة لابن فارس بتصرف (2/383,382) .
[3] تفسير القرآن الكريم – الفاتحة والبقرة- لابن عثيمين– صـ 10.
[4] تفسير السعدي 5/486.
[5] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها بتصرف, لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 88- 91.
[6] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 91.
[7] مختصر الصواعق المرسلة 2/474.
[8] مسلم (34)، وأحمد 1/208.
[9] البخاري (2552).
[10] فتح الباري 5/179.
[11] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها 96- 101.
[12] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل صـ 102- 103.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
مشاركة مميزة
-
Can I sign u AHMED MOHAMED EL-WAZIRY" , "sami _rn2000" , "FAIRS animal" , "DR Abd-El-Rahman" , &quo...
-
http://www.ahram.org.eg/Egypt/News/123073.aspx اللهم لاتجعل هلاك مصر على يد الجنزورى اد-عبدالعزيزنور nouraziz2000@yahoo.com (رسالة مو...
-
Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of ... Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of Fragil...