مناهضة التمييز سبيل وأد الفتنة الطائفية
لا يمكن عند توصيف حال مصر ومناقشة بدائل مستقبلها إهمال هذه المشكلة الرئيسية التي تهدد سلامة نسيج المجتمع المصري وقد تعصف بمستقبله إن تركت لتتفاقم.
من الضروري الاعتراف، بداية، بأن الاحتقان الطائفي الحاد بين"عنصري الأمة" من أغلبية المسلمين وأقلية المسيحيين "الأقباط"، يعود إلى قدر من التمييز الممارس ضد غير المسلمين، خاصة من قبل أجهزة الحكم، وإلى التعصب الديني، الذي يستعر في المجتمعات التي تنحط فيها قيمة المواطنة المتساوية، لدى جمهرة العنصرين. هذا الاحتقان ما فتئ يندلع في تجليات عنيفة بين الحين والآخر، يتصاعد أوارها باطراد حتى بات يحصد أرواحا بريئة من الطرفين. وبلغ الأمر ببعض متشددي الأقباط، خاصة المقيمين في الخارج، إلى استعداء الولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، لحمايتهم. كما تلوّح الولايات المتحدة بورقة اضطهاد الأقباط كلما أرادت ممارسة ضغوط على الحكم في مصر.
ويغذي هذا الاحتقان، ويزيد من مغبته، تجاهل الحكم لأسبابه الأصيلة، متغنيا بوحدة وطنية تبدو متوهمة أو مفتعلة خاصة في وقت اشتداد الاحتقان الطائفي أو استعار الفتنة، عزوفا عن اجتراح الحلول الناجعة للقضاء على جذور الاحتقان.
وبديهي أن لن يجدي الحل الأمني وحده. حيث أزعم أن الجذر الأساس للاحتقان الطائفي يقع في افتقاد المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان بوجه عام من دون أي تمييز حسب المعتقد، خاصة في ممارسات السلطة.
ونعلم الآن أنه في نظام حكم الرئيس المخلوع كان إشعال الحرائق الطائفية أحد مكائد هذا النظام، عتيد الإجرام، ضد وحدة الشعب المصري إلهاء له عن عدوه الأساس في نظام حكم الفساد والاستبداد.
وأخشى أن السلطة الانتقالية في مصر الثورة، المجلس الأعلى وحكومته، ليست بريئة من اندلاع الحرائق الطائفية مؤخرا، وإن كنت أنزهِّ المجلس وحكومته عن القصد الدنيء في هذا الصدد. إلا أن أخطاء للسلطة الانتقالية ساهمت في الانتكاس إلى استعار الداء الطائفي بعد الثورة.
بداية، فإن التباطؤ في القصاص من مجرمي النظام الساقط، مع تقاعس السلطة الانتقالية عن تطهير جنبات الدولة والمجتمع من فلول نظام الرئيس المخلوع، في أجهزة الأمن والمجالس المحلية وحتى في القضاء، بما يقي نسيج الدولة والشعب من كيدهم للثورة، قد يسّر لهؤلاء التمادي في تنفيذ مخططات النظام الساقط للإضرار بالثورة وبمستقبل البلد حرصا على مغانمهم الإجرامية فيما قبل الثورة. فلا زالت قيادات في جهاز أمن الدولة الإجرامي المنحل مثلا، والذي كان يشعل الفتن الطائفية بلا حياء أو مروة، تتبوأ مواقع مؤثرة في وزارة الداخلية في حكومة الثورة.
ومن ناحية أخرى، فإن من أطلق أعضاء جماعات الإسلام السياسي المتشددة، على مصر الثورة، من السجون ومن الخارج، من دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتأمين الحريات في البلد، وفتح لهم أبواب الإعلام واسعة، بل وقدم بعضهم للناس باعتبارهم قادة المجتمع المعتمدين من السلطة الانتقالية، يتحمل قدرا من المسئولية عن الفتنة الطائفية التي تعود بعد الثورة لتهدد مستقبل مصر، ولو بداع من مساهمة هؤلاء في التهييج الأرعن وإلهاب مشاعر التعصب الأعمى المقيتة (هل رأيت عزيزي القارئ آلاف البوسترات الفاخرة التي ارتفعت تحت مئات الذقون الكثة تقول "أنا عايز أختي كاميليا، قبل ما يقتلوها!!" , وأي مسلسل هابط ذلك الذي يدور حول اختطاف امرأة مسيحية أسلمت، وكأن الإسلام لن يعزّ إلا بمثلها!!) . وليست هذه دعوة للانتقاص من حقوق أحد، ولكن كل المجتمعات الآمنة تضع ضوابط لنشاط من تُحرِّر بعد الانغماس في نشاطات مضرة بالمجتمع. و يتعين ألا ننسى هنا أن هذه الجماعات كانت من توابع النظام الساقط، وتعقد الصفقات الانتهازية معه، بل ومن المروجين لطاعته ومنع الخروج عليه، ومن ثم فهي، باعترافها كانت إما مضادة للثورة أو من أشد المنافقين لحكم الطاغية المخلوع. كما أن هذه الجماعات يمكن أن تتقوى بدعم ضخم من قوى الرجعية العربية المناهضة لمصر الثورة، والرافضة لمبدأ محاكمة "أولي الأمر" خشية أن يطالهم يوما. ولسوف يطالهم لا محالة!
ولكن لا مناص من التأكيد على أن الحل الأمني الغاشم لن يكفي لقطع دابر الفتنة الطائفية في مصر, فليست متطلبات القضاء على هذا الاحتقان الكريه أقل من القضاء على جميع أشكال التمييز في المجتمع المصري واحترام حقوق الإنسان كافة من دون أي تمييز حسب الدين أو المعتقد، ليس فقط في البنية التشريعية ولكن في الإجراءات الإدارية كافة وفى السلوك المجتمعي على أرض الواقع المعاش.
ولكن أي حكم تسلطي تحتكر فيه ثلة، أو جماعات متشددة، السلطة، ويهدر مبدأ المواطنة المتساوية، يقوم في الأساس على التمييز وعلى غمط حقوق الغالبية الساحقة من السكان، إن لم يكن جميع المواطنين ولو بدأ بالتمييز ضد أقلية مضطهدة، كما كان الحال تحت الحكم التسلطي الذي أسقطته الثورة. أما في مصر الثورة فيتعين أن تختفي جميع أشكال التمييز حسب الجنس او المعتقد. ومن هنا تتأكد أهمية ضمان تحول مصر إلى نمط من الحكم الديمقراطي الصالح يقوم على المواطنة المتساوية عبر مسار آمن ومضمون. ويتبع ذلك تشديد العقوبات القبانونية على من ينتهك حقوق أي مواطن بداع من التمييز على أساس الجنس أو الدين.
ولهذا، فعلينا أن نضع مبدأ المواطنة المتساوية للجميع على رأس أولويات البناء الدستوري والمؤسسي لمصر الثورة، وأخشى أن مسار لجنة المستشار البشري- المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة المرحلة الانتقالية يقود إلى عكس ذلك تماما، ويرجَّح أن يفضي إلى انتقاص جسيم في حقوق النساء وغير المسلمين، لا سيما في مجال الحقوق المدنية السياسية. وهذا سبب آخر وجيه للعدول عن هذا المسار، والتحول إلى صوغ دستور مصر الحرية والعدل على أساس حوار شعبي واسع وعميق تهتدي بنتاجه جمعية تأسيسية تمثل جميع أطياف الشعب العظيم ولا تُستثني أي من فئاته في صياغة مواد الدستور.
من الضروري الاعتراف، بداية، بأن الاحتقان الطائفي الحاد بين"عنصري الأمة" من أغلبية المسلمين وأقلية المسيحيين "الأقباط"، يعود إلى قدر من التمييز الممارس ضد غير المسلمين، خاصة من قبل أجهزة الحكم، وإلى التعصب الديني، الذي يستعر في المجتمعات التي تنحط فيها قيمة المواطنة المتساوية، لدى جمهرة العنصرين. هذا الاحتقان ما فتئ يندلع في تجليات عنيفة بين الحين والآخر، يتصاعد أوارها باطراد حتى بات يحصد أرواحا بريئة من الطرفين. وبلغ الأمر ببعض متشددي الأقباط، خاصة المقيمين في الخارج، إلى استعداء الولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، لحمايتهم. كما تلوّح الولايات المتحدة بورقة اضطهاد الأقباط كلما أرادت ممارسة ضغوط على الحكم في مصر.
ويغذي هذا الاحتقان، ويزيد من مغبته، تجاهل الحكم لأسبابه الأصيلة، متغنيا بوحدة وطنية تبدو متوهمة أو مفتعلة خاصة في وقت اشتداد الاحتقان الطائفي أو استعار الفتنة، عزوفا عن اجتراح الحلول الناجعة للقضاء على جذور الاحتقان.
وبديهي أن لن يجدي الحل الأمني وحده. حيث أزعم أن الجذر الأساس للاحتقان الطائفي يقع في افتقاد المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان بوجه عام من دون أي تمييز حسب المعتقد، خاصة في ممارسات السلطة.
ونعلم الآن أنه في نظام حكم الرئيس المخلوع كان إشعال الحرائق الطائفية أحد مكائد هذا النظام، عتيد الإجرام، ضد وحدة الشعب المصري إلهاء له عن عدوه الأساس في نظام حكم الفساد والاستبداد.
وأخشى أن السلطة الانتقالية في مصر الثورة، المجلس الأعلى وحكومته، ليست بريئة من اندلاع الحرائق الطائفية مؤخرا، وإن كنت أنزهِّ المجلس وحكومته عن القصد الدنيء في هذا الصدد. إلا أن أخطاء للسلطة الانتقالية ساهمت في الانتكاس إلى استعار الداء الطائفي بعد الثورة.
بداية، فإن التباطؤ في القصاص من مجرمي النظام الساقط، مع تقاعس السلطة الانتقالية عن تطهير جنبات الدولة والمجتمع من فلول نظام الرئيس المخلوع، في أجهزة الأمن والمجالس المحلية وحتى في القضاء، بما يقي نسيج الدولة والشعب من كيدهم للثورة، قد يسّر لهؤلاء التمادي في تنفيذ مخططات النظام الساقط للإضرار بالثورة وبمستقبل البلد حرصا على مغانمهم الإجرامية فيما قبل الثورة. فلا زالت قيادات في جهاز أمن الدولة الإجرامي المنحل مثلا، والذي كان يشعل الفتن الطائفية بلا حياء أو مروة، تتبوأ مواقع مؤثرة في وزارة الداخلية في حكومة الثورة.
ومن ناحية أخرى، فإن من أطلق أعضاء جماعات الإسلام السياسي المتشددة، على مصر الثورة، من السجون ومن الخارج، من دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتأمين الحريات في البلد، وفتح لهم أبواب الإعلام واسعة، بل وقدم بعضهم للناس باعتبارهم قادة المجتمع المعتمدين من السلطة الانتقالية، يتحمل قدرا من المسئولية عن الفتنة الطائفية التي تعود بعد الثورة لتهدد مستقبل مصر، ولو بداع من مساهمة هؤلاء في التهييج الأرعن وإلهاب مشاعر التعصب الأعمى المقيتة (هل رأيت عزيزي القارئ آلاف البوسترات الفاخرة التي ارتفعت تحت مئات الذقون الكثة تقول "أنا عايز أختي كاميليا، قبل ما يقتلوها!!" , وأي مسلسل هابط ذلك الذي يدور حول اختطاف امرأة مسيحية أسلمت، وكأن الإسلام لن يعزّ إلا بمثلها!!) . وليست هذه دعوة للانتقاص من حقوق أحد، ولكن كل المجتمعات الآمنة تضع ضوابط لنشاط من تُحرِّر بعد الانغماس في نشاطات مضرة بالمجتمع. و يتعين ألا ننسى هنا أن هذه الجماعات كانت من توابع النظام الساقط، وتعقد الصفقات الانتهازية معه، بل ومن المروجين لطاعته ومنع الخروج عليه، ومن ثم فهي، باعترافها كانت إما مضادة للثورة أو من أشد المنافقين لحكم الطاغية المخلوع. كما أن هذه الجماعات يمكن أن تتقوى بدعم ضخم من قوى الرجعية العربية المناهضة لمصر الثورة، والرافضة لمبدأ محاكمة "أولي الأمر" خشية أن يطالهم يوما. ولسوف يطالهم لا محالة!
ولكن لا مناص من التأكيد على أن الحل الأمني الغاشم لن يكفي لقطع دابر الفتنة الطائفية في مصر, فليست متطلبات القضاء على هذا الاحتقان الكريه أقل من القضاء على جميع أشكال التمييز في المجتمع المصري واحترام حقوق الإنسان كافة من دون أي تمييز حسب الدين أو المعتقد، ليس فقط في البنية التشريعية ولكن في الإجراءات الإدارية كافة وفى السلوك المجتمعي على أرض الواقع المعاش.
ولكن أي حكم تسلطي تحتكر فيه ثلة، أو جماعات متشددة، السلطة، ويهدر مبدأ المواطنة المتساوية، يقوم في الأساس على التمييز وعلى غمط حقوق الغالبية الساحقة من السكان، إن لم يكن جميع المواطنين ولو بدأ بالتمييز ضد أقلية مضطهدة، كما كان الحال تحت الحكم التسلطي الذي أسقطته الثورة. أما في مصر الثورة فيتعين أن تختفي جميع أشكال التمييز حسب الجنس او المعتقد. ومن هنا تتأكد أهمية ضمان تحول مصر إلى نمط من الحكم الديمقراطي الصالح يقوم على المواطنة المتساوية عبر مسار آمن ومضمون. ويتبع ذلك تشديد العقوبات القبانونية على من ينتهك حقوق أي مواطن بداع من التمييز على أساس الجنس أو الدين.
ولهذا، فعلينا أن نضع مبدأ المواطنة المتساوية للجميع على رأس أولويات البناء الدستوري والمؤسسي لمصر الثورة، وأخشى أن مسار لجنة المستشار البشري- المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة المرحلة الانتقالية يقود إلى عكس ذلك تماما، ويرجَّح أن يفضي إلى انتقاص جسيم في حقوق النساء وغير المسلمين، لا سيما في مجال الحقوق المدنية السياسية. وهذا سبب آخر وجيه للعدول عن هذا المسار، والتحول إلى صوغ دستور مصر الحرية والعدل على أساس حوار شعبي واسع وعميق تهتدي بنتاجه جمعية تأسيسية تمثل جميع أطياف الشعب العظيم ولا تُستثني أي من فئاته في صياغة مواد الدستور.