أزمة نهر النيل بين مصر ودول الحوض | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني
أزمة نهر النيل بين مصر ودول الحوض
نهر
النيل هو أطول أنهار العالم؛ حيث يمتد من الجنوب إلى الشمال بطول 6695
كلم، ويتألف النيل من فرعين هما النيل الأبيض الذي تغذيه بحيرة فيكتوريا،
والنيل الأزرق الذي يشكل 85% من مياه النهر وتغذيه الهضبة الإثيوبية.
وتشترك
فيه عشر دول هي: إثيوبيا، والكونغو الديمقراطية (زائير سابقًا)، وكينيا،
وإريتريا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندي، وأوغندا، والسودان، ومصر.
وإذا كان السودان يشكل مجرى النيل، فإن مصر تمثل مجراه ومصبه، بينما الدول الأخرى تكون منبعه وحوضه.
جغرافية النيل
تبلغ
مساحة بحيرة فيكتوريا 68 ألف كلم2، أي ما يقارب سبعة أضعاف مساحة لبنان،
وهي ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم والأكبر في إفريقيا، كما
تعتبر أكبر بحيرة استوائية على وجه البسيطة، وتحيط بها كل من كينيا التي
تشغل 6% من شواطئها، وأوغندا التي تشغل منها 45%، وتنزانيا التي تشغل 49%
الباقية منها.
يعتبر نهر كاجيرا (Kagera) من الجداول الرئيسية
لنهر النيل، ومن أكبر الروافد التي تصب في بحيرة فيكتوريا، وينبع من
بوروندي قرب الرأس الشمالي لبحيرة تنجانيقا الواقعة إلى الجنوب من بحيرة
فيكتوريا في وسط إفريقيا، ويجري في اتجاه الشمال صانعًا الحدود بين تنزانيا
ورواندا، وبعدما يتجه إلى الشرق يصبح الحد الفاصل بين تنزانيا وأوغندا،
ومنها إلى بحيرة فيكتوريا بعدما يكون قد قطع مسافة 690كلم.
ويعرف
النيل بعد مغادرته بحيرة فيكتوريا باسم "نيل فيكتوريا"، ويستمر في مساره
لمسافة 500 كلم مرورًا ببحيرة إبراهيم (Kyoga)، حتى يصل إلى بحيرة ألبرت
التي تتغذى كذلك من نهر سمليكي (Semliki)، القادم أصلاً من جبال جمهورية
الكونغو الديمقراطية مرورًا ببحيرة إدوارد، وبعدها يدعى "نيل ألبرت".
وعندما
يصل جنوب السودان يدعى "بحر الجبل"، وبعد ذلك يجري في منطقة بحيرات وقنوات
ومستنقعات يبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال 400 كلم إلا أن نصف كمية
المياه التي تدخلها تختفي من جراء النتح والتبخر.
وبعد اتصاله
ببحر الغزال يجري النيل لمسافة 720 كلم حتى يصل الخرطوم، وفي هذه الأثناء
يدعى "النيل الأبيض"، حيث يلتحم هناك مع "النيل الأزرق" الذي ينبع مع
روافده الرئيسية (الدندر والرهد) من جبال إثيوبيا حول بحيرة تانا الواقعة
شرق القارة على بعد 1400 كلم عن الخرطوم.
أما آخر ما تبقى من
روافد نهر النيل بعد اتحاد النيلين الأبيض والأزرق ليشكلا نهر النيل، فهو
نهر عطبرة الذي يبلغ طوله 800 كلم، وينبع أيضًا من الهضبة الإثيوبية شمالي
بحيرة تانا.
ويلتقي عطبرة مع النيل على بعد 300 كلم شمال
الخرطوم، ثُم يتابع نهر النيل جريانه في الأراضي المصرية حتى مصبه في البحر
الأبيض المتوسط.
وهنا
يجدر بنا أن نورد ملحوظة مهمة جدًّا، وهي أن معظم الدول المتشاطئة في
الحوض -ما عدا السودان ومصر- تملك حاجتها من المياه وزيادة لكثرة البحيرات
العذبة والأنهار، ولكثرة هطول الأمطار فيها، بينما يعتمد السودان بنسبة
77%، ومصر بنسبة 97% على مياه نهر النيل
[1].
وعلى
هذا فإن نهر النيل يمثل شريان الحياة في مصر والسودان، ويمثل حزامهما
الأمني الإستراتيجي. وتحتاج الدولتان إلى العمل معًا ومع الدول الأخرى
المشاركة في حوض النيل من أجل تقاسم المياه، وضمان تدفق الحصص، وعدم
الاعتداء على الوضع المائي والإستراتيجي وتهديده.
وتأمل عدة دول
من حوض النيل من بينها تنزانيا وكينيا في مراجعة اتفاقيات عام 1929م بشأن
تقاسم مياه النيل التي أبرمتها بريطانيا باسم مستعمراتها في شرق إفريقيا
آنذاك. وتعطي هذه الاتفاقيات لمصر حق النقض (الفيتو) على أي مشروعات مائية
من شأنها التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إليها.
واستكملت
اتفاقيات عام 1929م باتفاقية مصرية سودانية عام 1959م تعطي لمصر حق
استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى
السودان، لتكون بذلك حصة هذا البلد 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.
وقد
حاولت إثيوبيا في بداية السبعينيات تشييد منشآت على النيل الأزرق، وهو ما
دفع مصر إلى التهديد بالقوة لمنع قيام المشروع. ووضعت الإدارة الأمريكية
دراسات اقترحت فيها على إثيوبيا إقامة 26 سدًَّا وخزانًا تستوعب 5.4
مليارات متر مكعب. ورغم أن هذه المشروعات لم تر النور، فإنها تعتبر تذكيرًا
أمريكيًّا لمصر بإحدى أهم نقاط ضعفها.
وقد وقعت مصر وإثيوبيا
عام 1993م على إطار تعاون بشأن استخدام مياه النيل على أساس قواعد ومبادئ
القانون الدولي، مع الامتناع عن أي نشاط يضر بمصالح الطرف الآخر.
وفي
عام 1999م أُطلقت مبادرة حوض النيل التي تضم عشرة بلدان إفريقية هي
بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا
وأوغندا ورواندا والسودان وتنزانيا، ولا يوجد حتى الآن اتفاقية شاملة بين
دول حول حوض النيل العشر تنظم استخدام مياهه.
غير أن محمد عبد
الحليم أبو زيد -وزير الريّ المصري السابق- شدّد على أن التقاسم العادل
لمياه النهر لا يعني أن تحصل كل دولة من دول حوض النيل على حصص متساوية،
وإنما يعني التعاون فيما بينها لتنفيذ مشروعات تخدم أهدافها المشتركة،
وتضمن توزيعًا منصفًا وعادلاً لموارد النيل، مع الحفاظ على الحقوق
التاريخية لمصر في استخدام مياه النيل. ولفت أبو زيد دول حوض النيل
بالتركيز على الاستفادة من مياهه المهدورة, بدلاً من إثارة قضية الحصص
[2].
الدور الصهيوني في أزمة دول حوض النيل
سارت
الأمور بين الدول المشتركة في حوض النيل على أتم ما يرام حتى نشطت دولة
الكيان الصهيوني بين الدول الإفريقية، وكان من أهدافها تأليب دول الحوض على
مصر لأسباب عديدة، منها إضعاف مصر وإخراجها من الطوق العربي. كما تعمل
الآن على تغذية الحرب الأهلية القائمة في دارفور بعدما نجحت في تدمير
العراق وخرابه، وما زالت تأمل في الحصول على حصة من مياه النيل، كما نجحت
في الاستيلاء على مياه نهر الأردن
[3].
وبعد
الجهود التحريضية الحثيثة بدأت بعض الدول بالانقلاب على الاتفاقيات
والمطالبة بالمحاصصة المتساوية في نهر النيل، بل ومطالبة مصر والسودان بدفع
أثمان المياه القادمة من بحيرة فيكتوريا حيث ينبع نهر النيل!!
الحدث في وسائل الإعلام عالميًّا وعربيًّا
تناقلت العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية أخبار الفشل الذي خيّم على اجتماعات دول حوض النيل بالإسكندرية؛ حيث جاء فيها:
خيمت
أجواء من الفشل على انطلاق اجتماع وزراء الري والموارد المائية في دول حوض
النيل العشرة بمدينة الإسكندرية شمال مصر في 27 يوليو 2009م، وظهر ذلك
جليًّا في تمسك أطراف الخلاف حول حصص المياه بمواقفها، وتخلف رئيس الوزراء
المصري أحمد نظيف عن افتتاح الاجتماع السابع عشر لدول الحوض، الذي استمر
يومين تحت عنوان "تعزيز الشراكة من أجل الرخاء".
ويدور الخلاف
أساسًا حول سعي دول المنبع إلى تمرير اتفاق إطاري تعاوني جديد بغية إنشاء
مفوضية دائمة لدول حوض النيل دون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان)،
عِوَضًا عن الاتفاقات القديمة لتوزيع المياه التي تردد تلك الدول أنها لا
تحقق مصالح كل شعوب دول الحوض، خاصة في نصها على عدم إقامة أية مشروعات على
مجرى النيل في دول المنبع دون موافقة الخرطوم والقاهرة.
بينما
تردد أن مصر لن توقع على الاتفاقية الجديدة إلا بعد موافقة دول المنبع على
شروط تتعلق بالأمن المائي، وهي: الإخطار المسبق قبل تنفيذ مشروعات في أعالي
النيل، واتخاذ القرارات بالإجماع أو الأغلبية المشروطة بموافقة القاهرة
والخرطوم.
وخلال اجتماعات المجلس الوزاري لدول حوض النيل في
العاصمة الكونجولية كينشاسا في شهر مايو 2009م فوجئت مصر أن الاتفاقية خلت
من النص على حقوقها المائية السابقة، وأعطت دول المصب الحق في بناء ما تشاء
من سدود ومشاريع -بحجة توليد الكهرباء والزراعة الدائمة بدل الزراعة
الموسمية- قد تحجب المياه عن مصر؛ ولذلك رفضت توقيع هذا "الإطار القانوني
والمؤسسي لمياه النيل"، وبدأت القاهرة تغيِّر من لهجتها من اللين إلى
الشدة، وانعكس هذا على التغيير الوزاري المفاجئ لوزير الموارد المائية
المصري، ورفضت مصر التوقيع على تعديلات اتفاقية حوض النيل في غياب نص صريح
يضمن عدم المساس بحصتها التاريخية من المياه (55 مليار متر مكعب سنويًّا)،
ويضمن كذلك إخطارها مسبقًا بأي مشروعات تعتزم إقامتها دول أعالي النيل، وأن
يكون تعديل الاتفاقية بالإجماع وليس بالأغلبية
[4].
الحدث بأقلام المحللين
حذر الأستاذ محمد جمال عرفة المحلل السياسي بموقع إسلام أون لاين
[5]
من خطورة فشل اجتماعات وزراء دول حوض النيل العشر التي عقدت في 27 يوليو
2009م بمدينة الإسكندرية خشية نشوب حرب مياه بين دول الحوض؛ وذلك لأن مواقف
دول منابع النيل ودول المصب لا تتزعزع خطوة واحدة.
ولخّص نقاط
الاختلاف الجذري بين دول منابع النيل ودولتي المصب (مصر والسودان) إلى ثلاث
نقاط تريد دول المنابع تغييرها في بنود الاتفاقية الإطارية بين دول حوض
النيل وهي:
1- تغيير عبارة "موافقة بقية الدول" التي تعني ضرورة
موافقة باقي دول النيل على أي مشاريع على النيل (خصوصًا موافقة مصر) بعبارة
"إخطار عند إقامة أي مشروعات جديدة في إحدى دول الحوض" التي تعني مجرد
إخطار مصر بأي مشاريع سدود دون أن يكون لها حق الفيتو، وفق الاتفاقيات
القديمة.
2- تغيير كلمة "الأغلبية" التي تعني ضرورة موافقة دولتي
المصب (مصر والسودان) بكلمة "الإجماع" التي تعني موافقة 7 دول هي دول
المنبع على أي مشاريع، وتجاهل موافقة دولتي المصب فقط!.
3- تغيير
عبارة "إنشاء سدود لتوليد الكهرباء"، التي تعني السماح فقط لهذه الدول
ببناء سدود لتوليد الكهرباء تمر منها المياه لمصر، إلى عبارة أخرى صريحة
تقول: "إنشاء سدود لصرف أو حجز مياه".
وقد اعترضت القاهرة على هذه التعديلات، واعتبرتها "لاءات ثلاثة" لا يجوز التنازل عنها.
كما
أشار الأستاذ محمد جمال عرفة إلى الأصابع الصهيونية والأمريكية التي تشجع
دول منابع النيل على المضي في خططها التي ستضر مصر، من خلال عروض قدمتها
شركات صهيونية وأمريكية لتمويل مشاريع المياه الإفريقية التي تعارضها مصر؛
لأنها ستنقص من حصتها المائية. وأثبت هذا وزير الموارد المائية المصري
السابق الدكتور محمود أبو زيد في تصريح له يوم 11 مارس 2009م عندما حذَّر
في بيان له حول أزمة المياه في الوطن العربي ألقاه أمام لجنة الشئون
العربية من تزايد النفوذ الأمريكي والصهيوني في منطقة حوض النيل من خلال
"السيطرة على اقتصاديات دول الحوض وتقديم مساعدات فنية ومالية ضخمة"، بحسب
تعبيره!.
والجديد في هذا التدخل الصهيوني الأمريكي هو طرح فكرة
"تدويل المياه" أو تدويل مياه الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول
المتشاطئة في نهر ما، والهدف من ذلك هو الوقيعة بين مصر ودول حوض النيل.
وقد ألمح وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور أبو زيد في فبراير
2009م إلى وجود مخطط صهيوني - أمريكي للضغط على مصر لإمداد تل أبيب بالمياه
بالحديث عن قضية "تدويل الأنهار"، وأكد أن إسرائيل لن تحصل على قطرة واحدة
من مياه النيل.
والهدف بالطبع هو إضعاف مصر التي لن تكفيها
أصلاً كمية المياه الحالية مستقبلاً بسبب تزايد السكان، والضغط على مصر عبر
فكرة مد تل أبيب بمياه النيل عبر أنابيب، وهو المشروع الذي رفضته مصر عدة
مرات، ولا يمكنها عمليًّا تنفيذه حتى لو أردت؛ لأنها تعاني من قلة نصيب
الفرد المصري من المياه، كما أن خطوة كهذه تتطلب أخذ إذن دول المنبع.
ومن جهته حمّل الكاتب الكبير فهمي هويدي الدولة المصرية الجزء الأكبر من المسئولية عن استفحال الأزمة مع دول حوض النيل فكتب
[6]:
فشل
المفاوضات مع دول حوض النيل درس جديد لمصر، يذكرها بأنها يجب أن تأخذ
متطلبات أمنها القومي على محمل الجد، وأن "الفهلوة" لا يمكن أن تكون بديلاً
عن الإستراتيجية.
ولفت إلى أن الأمر ليس هينًا ولا يحتمل
التراخي أو الهزل، فموضوعه مياه النيل التي تعتمد عليها مصر بنسبة 95% وحين
يكون الأمر كذلك، فهو يعني أننا نتحدث عن مصدر الحياة في هذا البلد منذ
دبت فيه الحياة.
صحيح أن الخطر ليس حالاً ولا داهمًا، ولكن
مقدماته لا تخطئها عين؛ ذلك أن حصة مصر التاريخية من مياه النيل المستقرة
منذ عام 1929م وبالاتفاق مع السودان عام 1950م (55 مليار متر مكعب) تتعرض
الآن إلى النقد والمراجعة، وفي الوقت الذي أدركت فيه مصر أنها بحاجة إلى أن
تضيف إلى حصتها 11 مليارًا أخرى؛ بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان
ومعدلات الاستهلاك، إذا بها تفاجأ بأن عليها أن تخوض معركة طويلة لكي تحافظ
على حصتها الأصلية.
الموقف بدأ في التغير ابتداء من عام 1995م،
حين ارتفعت الأصوات في دول المنبع داعية إلى إعادة النظر في توزيع حصص مياه
النيل استنادًا إلى ثلاثة عوامل هي: أن دول المنبع اعتبرت أن تلك المياه
ملك لها، ومن ثَم فلها الحق ليس فقط في حجزها وراء السدود ولكن أيضًا في
بيعها لمصر والسودان. العامل الثاني أن بعض تلك الدول (كينيا وتنزانيا
مثلاً) ذكرت أن الحصص ينبغي أن يعاد النظر فيها بما يلبي تطور احتياجاتها
التنموية، خصوصًا في التحول من الزراعة الموسمية إلى الزراعة الدائمة.
العامل الثالث أن تلك الدول احتجت بأن اتفاقية عام 1929م وقعتها مصر مع
سلطة الاحتلال البريطاني، التي لم تراع احتياجات "مستعمراتها"، وبعدما نالت
تلك المستعمرات استقلالها فإن الأمر اختلف، بما يسوغ إعادة النظر في
الاتفاقات التي عقدها البريطانيون.
هذه الحجج لم تكن بريئة
تمامًا، فالدعوة إلى إعادة توزيع الحصص بصورة "أكثر عدالة" تثير الانتباه؛
إذ في حين تعتمد مصر في احتياجاتها المائية على مياه النيل بنسبة 95%، فإن
نسبة اعتماد إثيوبيا التي تقود الحملة حوالي 1%، وكينيا 2% وتنزانيا 3%
والكونغو 1% وبوروندي 5% والسودان 15%؛ ذلك أن كثافة هطول الأمطار على تلك
البلدان تقلل من أهمية مياه النيل بالنسبة لها. الأمر الآخر المهم أن
اتفاقات المرحلة الاستعمارية التي يراد إعادة النظر فيها، بما فيها اتفاق
توزيع حصص المياه، هي ذاتها التي أنشأت تلك الدول، وإعادة النظر فيها من
شأنها أن تطلق عنان الفوضى ليس في دول حوض النيل فحسب، وإنما في إفريقيا
كلها.
يضاف إلى ما سبق أن ثمة قواعد عامة لإدارة مياه الأنهار
العابرة للدول تنص على إقرار مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة في الموارد
المائية، وتعتبر أن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة
بذاتها، وهذه القواعد أقرها معهد القانون الدولي عام 1961م.
وفي
الجولة التفاوضية الأخيرة التي عقدت في شرم الشيخ وانتهت يوم الأربعاء
(14/4) كان واضحًا أن دول حوض النيل السبع (المنبع) تكتلت ضد مصر والسودان
(وهما دولتا المصب)؛ إذ رفضت المقترحات المصرية السودانية لاتفاقية التعاون
فيما بينهما، خصوصًا ثلاثة بنود أصر عليها البلدان تقضي بما يلي: 1- ضرورة
قيام دول منابع النيل بإخطار الدولتين مسبقًا قبل تنفيذ مشروعات على أعالي
النهر قد تؤثر على حصصهما في المياه. 2- استمرار العمل بالاتفاقيات
السابقة التي توزع حصص المياه باعتبارها حقوقًا تاريخية. 3- في حالة إنشاء
مفوضية لدول حوض النيل، فإن التصويت فيها إما أن يتم بالإجماع وإما
بالأغلبية التي يشترط فيها موافقة دولتي المصب.
مؤتمر شرم الشيخ
كان بمنزلة الجولة الثالثة للمناقشات مع دول حوض النيل، الأولى كانت في
كينشاسا بالكونغو (مايو 2009م)، والثانية كانت في الإسكندرية (يوليو
2009م). وحسب البيان الذي أصدرته دول الحوض السبع منفردة، فإن لقاء
الإسكندرية هو آخر اجتماع لبحث الموضوع، وإذا سارت الأمور على النحو الذي
حدده البيان ولم يتدخل الرؤساء لتغيير موقف الوزراء، فإن تلك الدول ستوقع
الاتفاقية خلال عام، دون أن تشارك فيها مصر أو السودان، وهذه الخطوة إذا
تمت فإنها ستكون بمنزلة أول شقاق علني بين دول حوض النيل، منبعه ومصبه،
والمرة الأولى التي تتحدى فيها تلك الدول مصر وتتصرف على نحو يفتح الباب
لاحتمال المساس مستقبلاً بحصتها في المياه، ومن ثَم الإضرار بأمنها القومي.
كما أن هذا الشقاق سوف يكرس المواجهة بين الدول العربية في القارة والدول
الإفريقية غير العربية.
ويؤكد هويدي أن مصر تدفع الآن ثمن غيابها
عن إفريقيا؛ ذلك أن إفريقيا حين كانت إحدى دوائر الانتماء في المرحلة
الناصرية، كان لها شأن مختلف تمامًا، فقد كان هناك مكتب يعنى بأمرها في
رئاسة الجمهورية، تولى المسئولية عنه السيد محمد فايق، إلى جانب المكاتب
الأخرى التي خصصت لمتابعة الشئون العربية والآسيوية والأوربية، وكانت
القاهرة مفتوحة الذراعين لحركات التحرر في مختلف الدول الإفريقية. في حين
كانت شركة النصر للتصدير والاستيراد هي غطاء أنشطة المخابرات المصرية في
دول القارة إلى جانب أنشطتها الأخرى. كما كانت مدينة البعوث الإسلامية
والجامعات المصرية تستقبل باستمرار أعدادًا كبيرة من أبناء تلك الدول.
وفي
التركيز على دول منابع النيل فإن الرئيس عبد الناصر أقام علاقة خاصة مع
الإمبراطور هيلاسلاسي وكان يحضر اجتماعاتهما في القاهرة الأنبا كيرلس
بطريرك الأقباط الأرثوذكس، الذي كانت تتبعه كنيسة الحبشة. لكن هذه الصفحة
طويت بمضي الوقت بعد رحيل عبد الناصر، وجرى تفكيك كل الجسور التي تم بناؤها
مع مختلف دول القارة، حتى الكنيسة الإثيوبية انفصلت عن الكنيسة المصرية.
وتعزز
وتعمق التباعد حين جرت محاولة اغتيال الرئيس مبارك أثناء توجهه للمشاركة
في القمة الإفريقية بأديس أبابا عام 1995م، وهو العام الذي لم تنتكس فيه
علاقة مصر بالدول الإفريقية فحسب، ولكن بدا أيضًا أن التراجع تحول إلى ما
يشبه الخصومة التي سقطت بمقتضاها إفريقيا من أولويات أجندة السياسة
الخارجية المصرية.
ل