الأربعاء، سبتمبر 5

قضايا واراء - هكذا تحدث جارودي‏:‏ الإسلام عقيدة وشريعة

  الإسلام عقيدة وشريعة


هكذا تحدث جارودي‏:‏
الإسلام عقيدة وشريعة

بقلم: د. محمد عمارة
د. محمد عمارة
 
عدد القراءات


لقد تحدث جارودي‏ (1913‏ ـ‏2012‏ م‏)‏ عن التحولات الفكرية التي انتهت به إلي الالتحام بالإسلام‏..‏
فقال: لقد كنت لا أدريا, كأبوي واتصلت بموريس بلونيل (1816 ـ1949م) ـ الفيلسوف الكاثوليكي وتحولت من البروتستانتية إلي الكاثوليكية, وتحمست لها, ثم تركت الكاثوليكية إلي الماركسية.. ثم تنبهت إلي النظرية الإسلامية, وتتبعت مصادر الإسلام إلي الأصول الإبراهيمية, وهي الأصول الأكثر استيعابا لكل الأديان, والذي يريحني في الإسلام أنه ديانة لا تنفي غيرها من الديانات, ولا تنكر المسيحية, لأن الإسلام يبني علي ما سبقه ـ المسيحية واليهودية معا ـ ولقد أذهلتني صورة المسيح في القرآن, والمسيح في النظرية الإسلامية نبي من أنبياء الاسلام, لأن الإسلام هو الدين, وما سواه ليس إلا مللا.
ولقد عاش جارودي عمره الإسلامي الذي امتد أكثر من ثلاثين عاما.. ولقد مثل هذا العمر الإسلامي قمة النضج الفكري لهذا الفيلسوف الكبير, وقدم فيه أكثر من خمسة وعشرين كتابا, تحدث فيها عن الإسلام حديث الفيلسوف ـ العاشق فقال ـ ضمن ما قال ـ: إن الإسلام هو البديل لكل الأيديولوجيات المعاصرة, وإن الحضارة الغربية أفلست, وتحولت إلي الإلحاد, وتتصف بالشرك, وإن المسيحية رغم صمودها حتي الآن, إلا أنها لم تعد ذات فاعلية, والحقيقة التي نعيشها تحتلها ثلاثة آلهة يتعبدها الانسان الأوروبي المعاصر هي: النمو الاقتصادي, والقومية, والفلسفة الوضعية.
والأول ـ أي النمو الاقتصادي: يفتقد الغاية الانسانية, وتأخذ به كل دول العالم بحسب المفهوم الغربي, ولا يزال النتاج متزايدا ويتسارع ويتعاظم بصرف النظر عن الحاجة الحقيقية للسلع المنتجة في ظل هذا النمو, وسواء كانت هذه السلع مفيدة أو ضارة, تماما كالأسلحة التي صارت تجتذب أكبر الاستثمارات لأنها تحقق أعلي نسبة من الأرباح, ويتهافت العالم اليوم علي الانتاج السلعي علي حساب التنمية الحقيقية للمجتمعات وصالح الأفراد والأمم.
والثاني ـ أي القومية: من شأنها أن تولد الانقسامات, إن القومية لم تنشأ أصلا إلا علي أنقاض الوحدة المسيحية الأوروبية, وكان بزوغها بسبب الرأسماليات الوطنية, والقومية في أوروبا نقيض الأممية الإسلامية, التي من رأيها التآلف بين مختلف المجتمعات الإسلامية وجمعها ولم شملها.
والثالث ـ وهو الفلسفة الوضعية: لا تجعل للعالم غاية, وإنما تجعله هدفا في ذاته, وتفصله عن الأخلاق والقيم والمبادئ والإيمان بالمطلق, وبذلك يتحول العالم عن إنسانيته ولا يصبح في خدمة الإنسانية, والعلم الحديث صار ديدنه الوسيلة, وانفصمت عراه بالحب والايمان والجمال, وامتلك التقنية التي يمكن أن يبيد بها الحياة برمتها فوق البسيطة.
والإسلام, علي العكس, يوظف المعرفة والعلم وكل القيم في خدمة الانسان والحياة وتعمير الأرض, فالإنسان خليفة الله في الكون ليعمره لا ليدمره.
والإسلام يرفض فكرة الشعب المختار, وأن يكون المرء مسلما يعني أن تكون له الوسيلة الأقوي للكفاح ضد الصهيونية.. والإسلام هو الديانة الأكثر عالمية وشمولية, وهو يضم الديانات السابقة جميعها ـ الموسوية والمسيحية, والعقائدية منذ نوح ولوط ويونس إلي ابرهيم, وما شدني إلي الإسلام أكثر: الإسلام العقيدة وليس فقط الإسلام الحضارة إن الإسلام قد أسس روابط جديدة بين الإيمان والسياسة, ومن ثم بين الإيمان والعلم, والتوحيد في الإسلام, ليس فقط التركيز علي وحدانية الله, ولكن علي وحدانية العالم, وكل شخص رغم تميزه لا وجود له إلا في إطار علاقته بالكل وبالرب الخالق.
والشريعة الإسلامية ليست مجموعة قوانين فحسب بل طريقة حياة وهي قانون ملزم كثير المطالب, ومسيطر علي كل وجوه الحياة الداخلية والخارجية, ومن الممكن للإنسان أن يغش ويخدع في عمله أو في تعامله مع الآخرين, ولكنه يستحيل أن يفعل ذلك إذا آمن بأن الله يراه, وأنه سميع بصير عليم.
وتطبيق الشريعة يعني إفادة مجتمع لا تتكدس فيه الثروات, والله يقول: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ـ البقرة 177, وليس تطبيق الشريعة أن نبدأ في تطبيق العقاب قبل أن نوجد اسلوبا في التربية, ونقيم نظاما سياسيا يوحي للفرد وللمجتمع بالكرامة جنبا إلي جنب مع الشعور بالواجب, ومعني أن يكون الإنسان مسلما: هو أن تعيش حياتك كلها تتقي الله ومن التعسف البين أن نجتزئ الشريعة ولا نأخذ بها جميعها, ولا يمكن تطبيق حد السرقة مثلا علي السارق إلا في سياق العدالة الاجتماعية. ونلاحظ أن عمر بن الخطاب لم يعلق حد السرقة في وقت المجاعة, وإنما لم ير تنفيذه ـ وهو أمر الله ـ بدون أن تتوافر شروط التطبيق.
وإن معظم الانتقادات التي توجه لي عن الإسلام تتعلق بوضع المرأة, والغربيون في طرحهم هذه القضية يفصحون عن خبثهم, لأنه إذا لم يكن تعدد الزوجات في قوانينهم, إلا أنهم يمارسونه بالأفعال, والزنا قاعدة عامة في سلوكهم.
وإن العالم الإسلامي لم يتدهور إلا بسبب جموده في فهم نصوص الشريعة, ولذلك ينبغي أن نتعامل مع القرآن, ونصوص الدين بشكل شامل, فنبحث عن الجوهر, ونجتهد الرأي, ونستخرج الفكر الأزلي أو الثوابت في الإسلام والمقاصد والمعاني الكبيرة, ونستعين بها في حل مشاكلنا المعاصرة.
إن الإسلام يحتاج إلي إعادة اكتشاف, ومسئولية المسلمين هي صنع فكر القرن الحادي والعشرين, والإسلام قادر علي حل مشكلات كل العالم, لقد كان الإسلام دائما بين الجمال, وتحريم الفن ليس له أصل في الدين, وإن الحضارة الأوروبية ابتداء من القرن السابع عشر ادعت انها قادرة علي إدارة العالم وشئونه بدلا من الخالق, والإنسان الجديد يحلم بسعادة أن يمتلك ويسيطر علي الطبيعة بالعلم والتكنولوجيا التي تعطيه السلطان علي الآخرين, وعلي كوكب الأرض بأسره, ويعوزه الإيمان, ويسير بخطي حثيثة نحو تدمير كل شيء, أما الإسلام, فهو علي العكس من ذلك ينفتح علي العالم, وعلي العلم, ويوظفهما لخدمة الإنسان ومعرفة الله, ومعرفة الله هي أن تتقيه في الناس, وفي الطبيعة, وفي كل الموجودات, فلا يكون استخدامها إلا بقدر, وبعلم وفيما يحقق الخير والعدل والجمال.
هكذا تحدث الفيلسوف الإسلامي جارودي عن الإسلام

طريق جارودي إلي الإسلام

قضايا واراء - طريق جارودي إلي الإسلام


طريق جارودي إلي الإسلام
بقلم: د. محمد عمارة
د. محمد عمارة
 
عدد القراءات


أعلن جارودي إسلامه‏,1913‏ ـ‏2012‏ م‏]‏ وكانت بداية تعرف جارودي علي هذا الدين الذي ختم حياته بالانتماء إليه‏,‏
والجهاد الفكري دفاعا عن أمته وحضارته, قد مثلت لحظة الميلاد الجديد الذي أنقذ حياة هذا الفيلسوف من الإعدام قبل إعلان إسلامه بنحو أربعين عاما!.
ففي أثناء الحرب العالمية الثانية,1939 ـ1945 م] كان جارودي ـ المناضل الشيوعي ـ قد انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية ـ كتائب الأنصار ـ ضد الاحتلال النازي لفرنسا, لكنه وقع في أسر الحكومة الفرنسية الخائنة حكومة لافيشي,1940 ـ1945 م] بزعامة الجنرال بيتان,1856 ـ1951 م] ـ التي كانت متعاونة مع الجيش النازي ضد الحلفاء والمقاومة الفرنسية. وفي معسكر الاعتقال ـ بالجزائر ـ تمرد جارودي مع عدد من الأسري, فأصدر قائد المعسكر أمرا إلي الجنود بإعدام هؤلاء المتمردين بالرصاص, وأيقن جارودي أن لحظة الإعدام علي وشك الحدوث. ولكن المفاجأة المذهلة كانت في امتناع سجانه عن أن يطلق عليه الرصاص ـ وكان هذا السجان جنديا جزائريا مسلما يخدم في الجيش الفرنسي ـ فلما سأله جارودي: لماذا لم تنفذ أمر قائدك, وتطلق علي الرصاص؟!, كان جواب الجندي المسلم: لأني مسلم, والإسلام يحرم قتل الأسير!.
وهنا سمع جارودي اسم الإسلام مقترنا بهذه القيمة الأخلاقية النبيلة والفريدة, التي جعلت هذا الجندي المسلم يعرض نفسه لأشد المخاطر في سبيلها!, ورأي كيف أن قيم هذا الإسلام ومبادئه كانت المنقذ الذي وهب له الحياة من جديد.
ولقد لفتت هذه الحادثة نظر الفيلسوف الشيوعي إلي الجزائر المسلمة, وإلي قيم هذا الإسلام, فقرأ عن أمير المقاومة الوطنية الجزائرية ـ الأمير عبدالقادر,1222 ـ1300 هـ ـ1807 ـ1883 م] ـ الذي حارب الغزو الفرنسي للجزائر قرابة عشرين عاما ـ ورأي جارودي ـ من خلال سيرته ـ صفحة من صفحات الحضارة الإسلامية, وكيف اقترنت البسالة في الجهاد ضد الاحتلال بالإنسانية الحانية, التي جعلت الأمير عبدالقادر الجزائري ينقذ أرواح الآلاف من غير المسلمين إبان الفتن الطائفية ـ التي أشعلتها الدسائس الاستعمارية الفرنسية ـ الإنجليزية في الشام1860 م ـ فهذا الأمير المسلم, المتصوف, والمريد للشيخ الأكبر ابن عربي,560 ـ638 هـ ـ1165 ـ1240 م] قد حمي أرواح الآلاف من الموارنة والدروز إبان إقامته ـ منفيا ـ بالشام.. وكان تأمل جارودي لهذه القيمة الإسلامية المحطة الثانية في اقترابه من الإسلام.. وسعيه ـ كلما حانت له الفرصة ـ للتعرف علي هذا الدين.
أما المحطة الثالثة ـ والمهمة ـ فكانت الدراسة التي كتبها جارودي ـ عقب الحرب العالمية الثانية ـ عن, الحضارة العربية الإسلامية والدور الذي مثلته في التاريخ], وهي الدراسة التي أنصف فيها الإسلام وحضارته, حتي لقد اعتبر هذه الحضارة, والفتوحات العربية الإسلامية في الشرق ـ وحتي في أوروبا ـ نموذج التقدم والرقي اللذين أنقذا البلاد المفتوحة من الرجعية والتخلف والظلم والانحطاط.
نعم.. لقد كتب جارودي هذه الدراسة الرائعة في إنصافها للإسلام وأمته وحضارته, وهو في قمة تألقه كفيلسوف ماركسي, ومناضل كبير في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي.
وعلي حين كان الشيوعيون يعتبرون الشيوعية شباب العالم, فإن جارودي ـ في هذه الدراسة ـ قد اعتبر الإسلام شباب العالم, وذلك عندما قال: إن الإسلام, حتي قبل ازدهار ثقافته الخاصة, قد أوجد, بفتوحاته الواسعة نفسها, الظروف الضرورية لتجديد الحضارة, ولتجديد شباب العالم.. ودافع جارودي عن الفتوحات الإسلامية التي جددت الحضارة وشباب العالم, حتي لقد اعتبر أن تراجع هذه الفتوحات عن أن تشمل سائر أوروبا كارثة حضارية لأوروبا والأوروبيين!.. ذلك أن الفتح الإسلامي كان بعثة تمدن أكثر منه فتحا, وكانت الحضارة الإسلامية هي الرحيق الحاوي والوارث لخير ما في تراث الحضارات الإنسانية عبر القرون التي سبقت ظهور الإسلام, بل والمنقذ لهذا التراث الإنساني من الموت.
وفي هذه الدراسة, ظهر اهتمام جارودي بالعلم الإسلامي, وبالتراث الإسلامي في الفلسفة والعمران, وظهر استيعابه لكتابات المستشرقين الأوروبيين الذين أنصفوا هذا التراث..
ولقد ساعد المنهاج الماركسي المنحاز للعدل الاجتماعي, الفيلسوف جارودي علي اكتشاف كنوز الإسلام في العدل والإنصاف والتكافل ـ وهي كنوز جاءت في القرآن الكريم ـ ووضعتها السنة النبوية في الممارسة والتطبيق.
ولأن جارودي قد كتب هذه الدراسة وهو في أوج انتمائه للماركسية, ونضاله في الحزب الشيوعي الفرنسي, فلقد تطلع إلي المسلمين في الاتحاد السوفيتي كي يبعثوا التراث الإسلامي, وينظروا إليه نظرة تقدمين, دون أن يسهموا إسهاما كبيرا في ميلاد حضارة أصيلة, ترتبط ارتباطا وثيقا بتقاليد الثقافة العربية القديمة وتراثها العريق, كما ترتبط بفتوحات الحضارة الغربية المعاصرة.
فعلي حين كان بعض الشيوعيين يصنفون التراث في خانة الرجعية رأي جارودي في التراث الإسلامي إسهاما كبيرا في ميلاد حضارة أصيلة وجديدة.
وعندما زار جارودي القاهرة سنة1968 م, وألقي محاضرته الشهيرة في مبني صحيفة الأهرام ـ وكنت واحدا من شهودها ـ طرح علي العقل العربي والمسلم فكرة أصالة التراث الإسلامي وتميز مناهج الفكر فيه, الأمر الذي يجعل النهضة العربية الإسلامية المنشودة امتدادا وبعثا لهذا التراث, وليست قطيعة معرفة معه, وتقليدا للنموذج الأوروبي في التحديث.. لقد أشار ـ في هذه المحاضرة ـ إلي فلسفة ابن رشد,520 ـ595 هـ ـ1126 ـ1198 م] كتأصيل لفلسفة إسلامية معاصرة.. وإلي ابن خلدون,732 ـ808 هـ1332 ـ1406 م] والثورات التقدمية في التاريخ الإسلامي باعتبار ذلك كله الطريق الشرقي إلي التقدم والعدل الاجتماعي..
هكذا سلك جارودي طريقه إلي الالتحام بالإسلام ـ الذين والحضارة ـ.. وهكذا كانت المحطات واللحظات المتميزة علي هذا الطريق.. والتي أفضت إلي اللحظة الحاسمة عندما أعلن هذا الفيلسوف الكبير إسلاميه ـ بالمركز الإسلامي بجنيف ـ في2 يوليو سنة1982 م.. بادئا مرحلة من العطاء الفكري الخصب في سبيل الإسلام وحضارته, ودفاعا عن القيم النبيلة لهذا الدين العظيم.

فضائل مصر في تاريخ الإسلام

  فضائل مصر في تاريخ الإسلام



فضائل مصر في تاريخ الإسلام
بقلم: د. محمد عمارة
د. محمد عمارة
 
عدد القراءات


منذ أن دخلت مصر في الإسلام‏,‏ بدأت عصرا من النهوض والإحياء‏,‏ بعد القهر الاغريقي الروماني الذي استمر عشرة قرون ـ من الاسكندر الأكبر ‏[356 ـ‏324‏ ق‏.‏م‏]‏
في القرن الرابع قبل الميلاد, وحتي هرقل [610 ـ641م] في القرن السابع للميلاد.. أحياها الإسلام فأستأنفت مسيرتها الحضارية, وتبوأت مكانتها القيادية في المحيط الاسلامي, وأعطت للفكر الاسلامي والحضارة الاسلامية العطاء الذي وصلت به حاضرها الاسلامي بتراثها الحضاري القديم, فكان ان امتلكت المجد ـ الديني والحضاري ـ من طرفيه..
ففيها بشر سيدنا إدريس ـ عليه السلام ـ بالتوحيد, وعلم الناس علوم المدنية والتمدن منذ فجر الانسانية ـ علي عهد آدم عليه السلام ـ وفيها ارتفعت رايات التوحيد الذي جاء به خاتم الأنبياء ـ محمد بن عبدالله ـ صلي الله عليه وسلم.
ولمكانة مصر هذه في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية, خصها أعلام المؤرخين ـ في مؤلفاتهم ـ بالحديث عن فضائلها التي استأثرت بها علي سائر البلدان.. ومن هؤلاء المؤرخين المقريزي وغيره.
وإذا كان هذا التراث ـ في, فضائل مصر] ـ هو مما يجب التعريف به, وتدريسه لأبنائنا وبناتنا بالمدارس والجامعات, لإحياء الروح الوطنية, وإذكاء عوامل وعواطف الولاء والانتماء للوطن الذي مثل ويمثل المركز القائد في المحيط الاسلامي, فيكفي ـ في هذا المقام ـ أن نشير إلي أن هؤلاء المؤرخين العظام, الذين جعلوا الحديث عن, فضائل مصر] سنة متبعة في كتب التاريخ, فقد أبرزوا امتياز هذا البلد الأمين بأن ذكره قد جاء في القرآن الكريم في خمسة وعشرين موضعا.. منها (وأوحينا إلي موسي وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة] ـ يونس:  87 ـ, ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين] ـ يوسف: 99 ـ, اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم] ـ البقرة: 61 ـ, وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلي ربوة ذات قرار ومعين] ـ المؤمنون: 50 ـ, وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته اكرمي مثواه] ـ يوسف 21 ـ, ودخل المدينة علي حين غفلة من أهلها] ـ القصص:15, وجاء رجل من أقصي المدينة يسعي] ـ القصص: 20 ـ, أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي] ـ الزخرف: 51 ـ.. الخ.. الخ.. الخ..
> وحتي قبل الفتح الاسلامي لمصر, كانت استجابة شعبها لرسالة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ التي حملها الصحابي حاطب بن أبي بلتعة [35ق.هـ ـ30هـ 586 ـ650م] إلي المقوقس ـ عظيم القبط ـ سنة 7 هـ سنة 628م ـ استجابة ايجابية,, فلقد دار بينهما حوار أرسي مبادئ الإسلام في الرفض لاستبداد الفرعونية, وفي الاعتراف بكل النبوات والكتب والرسالات الدينية, وفي جعل الايمان بالاسلام ـ الشامل لكل الرسالات ـ إضافة وارتقاء علي سلم الايمان بالدين الإلهي الواحد, دون الإنكار لأي شريعة من شرائع الأنبياء السابقين, وذلك ـ عندما قال حاطب للمقوقس: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلي فانتقم الله به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك, ولايعتبر بك.. وإن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه ـ وهو الإسلام ـ الكافي به الله, وما بشارة موسي بعيسي إلا كبشارة عيسي بمحمد, وما دعاؤنا إياك إلي القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلي الانجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح, ولكنا نأمرك به.
> ولمكانة هذا البلد الأمين, كانت نبوءة رسول الاسلام ـ صلي الله عليه وسلم ـ بدخوله في الاسلام, وكانت وصاياه بأهله, الذين سيتبوءون في التاريخ الاسلامي مكان الريادة والقيادة, وسيمثلون كنانة الله في أرضه, المدافعة عن حياض دار الاسلام.. وفي هذه الوصايا قال صلي الله عليه وسلم: ـ ستفتح عليكم بعدي مصر, فاستوصوا بقبطها خيرا, فإن لكم منهم صهرا وذمة ـ رواه مسلم ـ وقال ـ صلي الله عليه وسلم: ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط, فاستوصوا بأهلها خيرا, فإن لهم ذمة ورحما ـ رواه مسلم ـ فمن رحم هاجر المصرية جاء اسماعيل ابن أبي الأنبياء ابراهيم ـ عليهما السلام ـ ومن مصر كانت مارية القبطية, التي ولدت للرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ ابنه الوحيد ابراهيم ـ الذي سماه باسم أبي الأنبياء ـ الأمر الذي جعل المؤرخين الذين أرخوا لفضائل مصر يقولون: إن العرب والمسلمين كافة لهم نسب بمصر من جهة أمهم مارية أم ابراهيم ابن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لأن أزواج النبي أمهات المؤمنين, والقبط أخوال العرب والمسلمين, وصارت العرب كافة من مصر بأمهم هاجر لأنها أم إسماعيل وهو أبوالعرب.
> كما تنبأ رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأن أهل مصر سيكون ـ علي امتداد تاريخ الاسلام ـ القوة الضاربة دفاعا عن ديار الاسلام في مواجهة التحديات والغزوات.. فقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ لصحابته: إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا, فذلك الجند خير أجناد الأرض... فلما سأله أبوبكر الصديق: ولم ذلك يارسول الله؟ قال: لأنهم في رباط إلي يوم القيامة..
ولقد صدق التاريخ علي نبوءة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم.
ـ فالجند الذين خرجوا من مصر هم الذين هزموا الصليبيين, وحرروا القدس من الاغتصاب الصليبي. ـ والجند الذين خرجوا من مصر هم الذين كسروا شوكة التتار في عين جالوت سنة 658هـ سنة 1260م ـ فأنقذوا الحضارة من الدمار, وحافضوا علي حوزة الاسلام.
ـ والجند الذين خرجوا من مصر ـ سنة 910هـ سنة 1504م ـ هم الذين حاربوا طلائع الغزوة الصليبية الحديثة علي شواطئ الهند المسلمة, عندما حاربوا البرتغاليين الذين التفوا حول العالم الاسلامي تمهيدا لغزو قلبه, واغتصاب القدس من جديد..
ـ كما أن مصر وأجنادها قد مثلت القيادة لحركات التحرر الوطني في عصرنا الحديث, والقوة المرابطة علي جبهة التحرير للقدس وفلسطين من الاغتصاب الصهيوني..
> وإذا كان المسلمون قد فتحوا الشام والعراق والخليج وفارس في عام واحد, فإن فتح مصر قد استغرق خمس سنوات, لأن الرومان قد اتخذوها عاصمة لامبراطوريتهم الشرقية, وجعلوا معركتها الفاصلة التي حررت الشرق من استعمارهم وقهرهم الذي دام عشرة قرون.. حتي لقد قال هرقل: إذا سقطت الاسكندرية ضاع ملك الروم!.
وفي هذا الفتح الاسلامي لمصر شاركت كوكبة من صحابة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ زاد عددها علي المائة, كان من بينهم كثيرون من كبار الصحابة وأبطالهم المبرزين.
> ولقد روت كتب, فضائل مصر] دعاء سيدنا نوح ـ عليه السلام ـ لمصر ـ التي سميت باسم حفيده ـ الذي سكنها بعد الطوفان ـ ولقد جاء في دعائه لحفيده ولأهل مصر: اللهم بارك في ذريته, وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد, ونهرها أفضل أنهار الدنيا, واجعل فيها أفضل البركات..
ولقد وصف عمرو بن العاص هذا البلد الأمين فقال: إن ولاية مصر جامعة, تعدل خلافة.. أما ابنه عبدالله, فلقد وصف أهلها فقال: إنهم أكرم الأعاجم محتدا. وأسمحهم يدا, وأفضلهم عنصرا, وأقربهم رحما بالعرب كافة, وبقريش خاصة, ومن أراد أن ينظر إلي الفردوس فلينظر إلي أرض مصر حين تخضر زروعها, ويزهر ربيعها, وتكسي بالنوار أشجارها, وتغني أطيارها.. أما الصحابي كعب الأحبار [32هـ 652م], فقال فيها: إني لأحب مصر وأهلها, لأن أهلها أهل عافية. ومن أرادها بسوء كبه الله علي وجهه..
وهكذا امتازت مصر وتميزت ـ في القرآن والسنة ـ وهكذا أصبحت فضائلها فنا من فنون تاريخ الاسلام.

الأولى - تقرير محطة الضبعة النووية أمام الرئيس قريبا

الأولى - تقرير محطة الضبعة النووية أمام الرئيس قريبا


تقرير محطة الضبعة النووية أمام الرئيس قريبا
القاهرة ـ السيد حجازي‏:‏
 
عدد القراءات


انتهي تقرير اللجنة الفنية لمشروع المحطة النووية بالضبعة إلي ضرورة البدء في تنفيذ المشروع‏,‏ وإزالة جميع التعديات الحالية‏,‏
 تمهيدا لطرح المناقصة العالمية لإنشائها. ومن المقرر أن تناقش لجنة وزارية تضم وزراء الكهرباء, والدفاع, والداخلية, والتنمية المحلية, والزراعة, تقرير اللجنة الفنية الاثنين المقبل تمهيدا لرفعه لرئيس الجمهورية. ومن جانبه, نفي الدكتور خليل ياسو رئيس هيئة المحطات النووية, وجود أي عقود مسجلة لواضعي اليد علي الأراضي المخصصة للمحطات النووية في الضبعة, مؤكدا أنها مخصصة للهيئة, وأنه تم تعويض الأهالي بعد صدور القرار الجمهوري903 لسنة.1891 وأوضح أن الهيئة ستنظم ندوات لأهالي المنطقة لتعريفهم بأهمية المشروع, وأبعاده القومية والعامة.

الثلاثاء، سبتمبر 4

الوطن | «قطرنة» مصر..! | مجدى الجلاد

الوطن | «قطرنة» مصر..! | مجدى الجلاد

«قطرنة» مصر..!

مجدى الجلاد الإثنين 03-09-2012 08:57
ما كنت أود أن أعيش هذه اللحظة.. كيف أعيشها وأنا الذى رأى مصر تقود العرب بالعمل والثقافة والاقتصاد.. كيف أتحمل زمناً يهبط فيه الهرم خضوعاً لأموال «الصغار»، ويجرى فيه النيل تحت أقدام غريبة تدوس أرض الحضارة وتهدر كرامتها؟!.. ما كنت أتوقع أن نصل إلى هذه اللحظة المخزية..! فى الشخصية المصرية آفة، لا تفرق بين رئيس وحكومة ومواطن: نغمض أعيننا عن أشياء يراها الآخرون شمساً ساطعة.. نصطنع التجاهل و«الطناش»، ثم نفيق فجأة على كارثة، فنلطم الخدود، ونملأ الدنيا صراخاً على «المؤامرة» التى حِيكت من خلف ظهورنا.. والمفارقة أن المؤامرات تأتى دائماً بمقدمات واضحة.. ولكننا اعتدنا منذ القدم على الغرق فى فيضان النيل، رغم أننا نعلم موعده..! الفيضان المقبل ليس لمياه النيل التى تحمل خيراً على جناح الخطر.. الفيضان المقبل قطرى الجنسية.. أمريكى التخطيط.. إسرائيلى الأهداف.. فيضان لا خير فيه سوى لمن دبروا وخططوا لإيقاع مصر فى هوة سحيقة..! نخطئ بشدة حين نظن أن المخطط القطرى فى المنطقة العربية يقتصر على قناة «الجزيرة» ودورها المكشوف.. فـ«الجزيرة» مجرد ذراع إعلامية لتمهيد الأرض لما هو أعظم وأخطر.. لذا كان طبيعياً أن تبدأ موجة «قطرنة» مصر بعد ثورة 25 يناير مباشرة.. و«القطرنة» هنا تركز على ثلاثة محاور أساسية: الأول.. تمويل ومساندة قوى سياسية محددة للسيطرة على الدولة المصرية بما يحقق الإرادة الأمريكية والإسرائيلية لتقسيم مصر إلى طوائف سياسية ودينية متنازعة على المدى القريب.. توطئة لتقسيمها مع دول أخرى فى المنطقة إلى دويلات تعكس هذا التنازع على المدى البعيد.. هذا المحور بدا شديد الوضوح فى التحركات والاتصالات القطرية المحمومة خلال المرحلة الانتقالية مع تيارات وقوى سياسية عدة فى مصر، ومئات الملايين من دولارات التمويل. المحور الثانى.. النفاذ - عبر فائض الأموال القطرية - إلى العمود الفقرى للاقتصاد المصرى بامتلاك مؤسسات مصرفية كبرى، وكيانات استثمارية حاكمة بما يتيح لقطر ومن ورائها أمريكا وإسرائيل إحكام قبضتها على مفاصل الاقتصاد المصرى الهش، ثم تشكيل مجموعات مصالح وجماعات ضغط لترسيخ هذه القبضة فى مجتمع يعانى أزمة هوية تاريخية..! مقدمات السيطرة على الاقتصاد المصرى جاءت سريعة أيضاً.. منها إعلان المجموعة المالية «هيرمس القابضة» عن توقيعها اتفاقاً مع مؤسسة «كيوانفست» القطرية تستحوذ بمقتضاها الشركة القطرية على 60٪ من أنشطة «هيرمس»، ثم الرغبة المستميتة التى تبديها البنوك القطرية، وعلى رأسها بنك قطر الوطنى لشراء البنوك فى مصر، ومنها «بيريوس» ثم المصرف المتحد المملوك للبنك المركزى المصرى بنسبة 99٫9٪ بجانب بنك «بى إن بى باريبا»، وتعززت هذه الرغبة منذ أيام عندما تقدم بنك الأهلى سوستيه جنرال بطلب من البنك المركزى للموافقة على أن يبدأ بنك قطر الوطنى عملية الفحص تمهيداً لشرائه. هذا الدور يتسق تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية الحديثة التى تعتمد على تنفيذ المخطط «الأمريكى - الإسرائيلى» فى المنطقة العربية عبر السيطرة على الاقتصاد لكل دولة على حدة، وبناء نظام سياسى يتكئ على الخارج ولاءً وبقاءً، وتتنازعه الصراعات السياسية والطائفية، بما يتيح تنفيذ أى مخطط مستقبلى استناداً إلى سلطة «تابعة» وشعب ممزق..! أما المحور الثالث لـ«قطرنة مصر» فهو الأخطر.. وهو أيضاً قصة أخرى

الوطن | «قطرنة» مصر..! (2) | مجدى الجلاد

الوطن | «قطرنة» مصر..! (2) | مجدى الجلاد



 «قطرنة» مصر..! (2)
التقى مصطلح «قطرنة مصر» مع ما استقر فى نفوس عدد كبير من المواطنين.. وتلقيت تعليقات عديدة من السادة القراء. اتفقت كلها فى الخوف الشديد على مستقبل مصر.. واختلفت فى تفسير المصطلح ذاته..! وقبل أن نقرأ سوياً تعليقاتكم الأكثر عمقاً ودلالة.. دعونى أكمل محاور خطة السيطرة «القطرية - الأمريكية - الإسرائيلية» على مفاصل مصر.. توقفنا أمس عند المحور الثالث لهذا المخطط.. فالثابت أن للولايات المتحدة الأمريكية سياسة ثابتة تجاه الشرق الأوسط.. هذه السياسة لا تتغير بتغير الرئيس.. فأمريكا ليست مصر.. الرئيس يأتى ويرحل، بينما المؤسسات وجماعات الضغط هى التى تحكم.. السياسة فى واشنطن تعتنق ديانة واحدة: إسرائيل لا شريك لها.. ومن يكفر بذلك له الويل والثبور وعظائم الأمور.. ! أمريكا بلا قلب.. لا تعرف العواطف التى تحرك الساسة فى مصر.. وهى أيضاً ترانا -حتى لو أقسمنا على المصحف والإنجيل والتوراة- أعداء راسخين لتل أبيب.. ويخطئ من يعتقد أو يضحك على نفسه أن أى سلطة حاكمة فى مصر بإمكانها تغيير هذه القناعة.. لذا لم يكن غريباً أن تدعم واشنطن -عبر صديقها وسمسارها- قطر سيناريو المرحلة الانتقالية فى مصر وفقاً لما سار عليه بالضبط.. كان المطلوب حدوث اضطراب شديد فى البلاد يزرع بداخل الناس كراهية للثورة واهتزاز الثقة بمن أشعلوها.. وكان المجلس العسكرى والإخوان من الأدوات الرئيسية لهذه الأحداث.. والاثنان نفذا السيناريو بإتقان شديد.. ولكل منهما دوافعه.. المجلس العسكرى لما تمتلكه واشنطن من أدوات وأوراق ضغط عليه.. والإخوان للمكسب السريع بالوصول إلى السلطة.. إنه حلم 84 سنة.. ومن أجله كل شىء يهون.. !! المحور القطرى الثالث ركز على تمويل ودعم الفصائل المصرية القادرة على عقد «صفقات» مستقبلية لتنفيذ المخطط الأمريكى فى المنطقة، فالمطلوب الآن وخلال السنوات المقبلة، طرف سياسى وتيار له يد طولى فى المجتمع، وبإمكانه تسويق أى قرار أو «صفقة»، وليس رئيساً مدنياً «بطوله» لا ينتمى لتيار قوى.. لذا لم يكن غريباً أن تتعدد لقاءات وزيارات مسئولين بالمخابرات القطرية لمصر، أو أن تتكرر زيارات قيادات بالتيارات السياسية الصاعدة إلى الدوحة خلال المرحلة الانتقالية..! ولمن يريد أن يفهم أكثر.. فإن المقصود بـ«الصفقات» هنا يعنى أن السياسة وفقاً لمن يلعبها لا تعترف دائماً بكلمة «مستحيل»، فمنذ 20 عاماً مثلاً إذا قلت لمواطن سودانى إن بلده سيتم تقسيمه، كان الرد الفورى «مستحيل»، ولكن دولة الجنوب فى السودان باتت الآن واقعاً على الأرض.. وفى العقيدة السياسية الأمريكية أن خطط تغيير الدول والمجتمعات بحاجة إلى وقت طويل، ويبدأ التنفيذ دائماً بإفقاد المجتمع تماسكه فى مسألة «الهوية».. ثم خلق جماعة مصالح جديدة.. ثم صناعة علاقة حميمة بين هذه الجماعة والسلطة بحيث يسهل مساومتها سياسياً ثم تمرير المخطط باعتباره حلاً لمشاكل داخلية وثمناً لاستمرار هذا الفصيل بمصالحه ومكتسباته فى السلطة..! وفى أى خطوة أمريكية فى منطقة العواصف العربية تكون إسرائيل المستفيد الأوحد على المدى الاستراتيجى.. ولا يمنع أن تستفيد دويلة مثل «قطر» بكعكة الاقتصاد المصرى، ولكن بعد أن يعض الشعب المصرى أصابعه «جوعاً».. وفى هذا إجابة واضحة للسؤال الذى حيّرنا جميعاً: لماذا تعثر قرض صندوق النقد الدولى طوال عامين، رغم الخطاب الأمريكى الداعم والمحتفى بالثورة المصرية.. ولماذا رفضت كل دول الخليج والاتحاد الأوروبى مساعدة مصر اقتصادياً.. ولماذا حاولوا إقناعنا بأن سبب سلبية دول الخليج وصمتها هو «التعاطف مع مبارك»؟! بينما يعرف كل اللاعبين فى «سياسة مصر» أن واشنطن أصدرت أوامرها للجميع «اتركوهم حتى يصرخوا».. وحين نصرخ سوف تأتى الإجابة على النداء من البيت الأبيض.. وسيكون الثمن غالياً، لأن الأموال القطرية لا تأتى للشعب المصرى، وإنما لمن سيقبل توقيع الصفقة مع أمريكا..! وإلى أن نقرأ معاً تعليقاتكم.. أورد تعليقاً للشاب محمود صبرى على مقال الأمس: هيّه «قطرنة مصر» جاية من «القطران»؟!.. وإجابتى: لا فرق يا محمود..

الوطن | «قطرنة» مصر..! (2) | مجدى الجلاد

الوطن | «قطرنة» مصر..! (2) | مجدى الجلاد



 «قطرنة» مصر..! (2)
التقى مصطلح «قطرنة مصر» مع ما استقر فى نفوس عدد كبير من المواطنين.. وتلقيت تعليقات عديدة من السادة القراء. اتفقت كلها فى الخوف الشديد على مستقبل مصر.. واختلفت فى تفسير المصطلح ذاته..! وقبل أن نقرأ سوياً تعليقاتكم الأكثر عمقاً ودلالة.. دعونى أكمل محاور خطة السيطرة «القطرية - الأمريكية - الإسرائيلية» على مفاصل مصر.. توقفنا أمس عند المحور الثالث لهذا المخطط.. فالثابت أن للولايات المتحدة الأمريكية سياسة ثابتة تجاه الشرق الأوسط.. هذه السياسة لا تتغير بتغير الرئيس.. فأمريكا ليست مصر.. الرئيس يأتى ويرحل، بينما المؤسسات وجماعات الضغط هى التى تحكم.. السياسة فى واشنطن تعتنق ديانة واحدة: إسرائيل لا شريك لها.. ومن يكفر بذلك له الويل والثبور وعظائم الأمور.. ! أمريكا بلا قلب.. لا تعرف العواطف التى تحرك الساسة فى مصر.. وهى أيضاً ترانا -حتى لو أقسمنا على المصحف والإنجيل والتوراة- أعداء راسخين لتل أبيب.. ويخطئ من يعتقد أو يضحك على نفسه أن أى سلطة حاكمة فى مصر بإمكانها تغيير هذه القناعة.. لذا لم يكن غريباً أن تدعم واشنطن -عبر صديقها وسمسارها- قطر سيناريو المرحلة الانتقالية فى مصر وفقاً لما سار عليه بالضبط.. كان المطلوب حدوث اضطراب شديد فى البلاد يزرع بداخل الناس كراهية للثورة واهتزاز الثقة بمن أشعلوها.. وكان المجلس العسكرى والإخوان من الأدوات الرئيسية لهذه الأحداث.. والاثنان نفذا السيناريو بإتقان شديد.. ولكل منهما دوافعه.. المجلس العسكرى لما تمتلكه واشنطن من أدوات وأوراق ضغط عليه.. والإخوان للمكسب السريع بالوصول إلى السلطة.. إنه حلم 84 سنة.. ومن أجله كل شىء يهون.. !! المحور القطرى الثالث ركز على تمويل ودعم الفصائل المصرية القادرة على عقد «صفقات» مستقبلية لتنفيذ المخطط الأمريكى فى المنطقة، فالمطلوب الآن وخلال السنوات المقبلة، طرف سياسى وتيار له يد طولى فى المجتمع، وبإمكانه تسويق أى قرار أو «صفقة»، وليس رئيساً مدنياً «بطوله» لا ينتمى لتيار قوى.. لذا لم يكن غريباً أن تتعدد لقاءات وزيارات مسئولين بالمخابرات القطرية لمصر، أو أن تتكرر زيارات قيادات بالتيارات السياسية الصاعدة إلى الدوحة خلال المرحلة الانتقالية..! ولمن يريد أن يفهم أكثر.. فإن المقصود بـ«الصفقات» هنا يعنى أن السياسة وفقاً لمن يلعبها لا تعترف دائماً بكلمة «مستحيل»، فمنذ 20 عاماً مثلاً إذا قلت لمواطن سودانى إن بلده سيتم تقسيمه، كان الرد الفورى «مستحيل»، ولكن دولة الجنوب فى السودان باتت الآن واقعاً على الأرض.. وفى العقيدة السياسية الأمريكية أن خطط تغيير الدول والمجتمعات بحاجة إلى وقت طويل، ويبدأ التنفيذ دائماً بإفقاد المجتمع تماسكه فى مسألة «الهوية».. ثم خلق جماعة مصالح جديدة.. ثم صناعة علاقة حميمة بين هذه الجماعة والسلطة بحيث يسهل مساومتها سياسياً ثم تمرير المخطط باعتباره حلاً لمشاكل داخلية وثمناً لاستمرار هذا الفصيل بمصالحه ومكتسباته فى السلطة..! وفى أى خطوة أمريكية فى منطقة العواصف العربية تكون إسرائيل المستفيد الأوحد على المدى الاستراتيجى.. ولا يمنع أن تستفيد دويلة مثل «قطر» بكعكة الاقتصاد المصرى، ولكن بعد أن يعض الشعب المصرى أصابعه «جوعاً».. وفى هذا إجابة واضحة للسؤال الذى حيّرنا جميعاً: لماذا تعثر قرض صندوق النقد الدولى طوال عامين، رغم الخطاب الأمريكى الداعم والمحتفى بالثورة المصرية.. ولماذا رفضت كل دول الخليج والاتحاد الأوروبى مساعدة مصر اقتصادياً.. ولماذا حاولوا إقناعنا بأن سبب سلبية دول الخليج وصمتها هو «التعاطف مع مبارك»؟! بينما يعرف كل اللاعبين فى «سياسة مصر» أن واشنطن أصدرت أوامرها للجميع «اتركوهم حتى يصرخوا».. وحين نصرخ سوف تأتى الإجابة على النداء من البيت الأبيض.. وسيكون الثمن غالياً، لأن الأموال القطرية لا تأتى للشعب المصرى، وإنما لمن سيقبل توقيع الصفقة مع أمريكا..! وإلى أن نقرأ معاً تعليقاتكم.. أورد تعليقاً للشاب محمود صبرى على مقال الأمس: هيّه «قطرنة مصر» جاية من «القطران»؟!.. وإجابتى: لا فرق يا محمود..

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر