الأحد، يناير 8

ترشيد استهلاك المياه





أهمية الماء:

الماء نعمة عظيمة أنعم الله بها على بني البشر، قال سبحانه وتعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، ويقول جل شأنه ( الله خلق كل دابة من ماء).

وقد تحدث القرآن الكريم كثيراً عن قيمة المياه وأهميته لحياة البشر والأحياء.

وقال سبحانه: ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى).



ترشيد استهلاك المياه:

يعتبر ترشيد استهلاك المياه من المواضيع الحيوية التي تشغل الرأي العام العالمي ولا ينبغي تجاهلها وهي مسؤوليتنا جميعا للحفاظ على الموارد الطبيعية وممارسة الأساليب الحضارية في التعامل مع المياه وتكييف عاداتنا اليومية مع الحلول العملية التي تقدمها الدراسات العملية في هذا المجال.

والترشيد هو الاستخدام الأمثل للمياه بحيث يؤدي إلى الاستفادة منها بأقل كمية وبأرخص التكاليف المالية الممكنة في جميع مجالات النشاط.

وعندما نتحدث عن ترشد الاستهلاك فإننا نهدف إلى توعية المستهلك بأهمية المياه باعتبارها أساس الحياة وتنمية الموارد المائية الذي أصبح مطلبا حيويا لضمان التنمية المستدامة في كافة المجالات الصناعية والسياحية والزراعية وذلك عن طريق العمل على تغيير الأنماط والعادات الاستهلاكية اليومية بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي للفرد أو للأسرة بالتعقل والاتزان والرشاد حيث يشب الإفراد على ممارسة العادات التي يجدون عليها الآباء والأمهات والإخوان ولا يعرفون أي طريق أخرى أفضل‚ و الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك لا يقصد بها الحرمان من استخدام المياه بقدر ما يقصد بها العمل على تربية النفس والتوسط وعدم الإسراف في الاستفادة من نعمة من نعم ا لله عز وجل والتي حث عليها في الآية الكريمة «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين».

والهدف من ترشيد استهلاك المياه:

1ـ التوجيه نحو الاستخدام الأمثل للمياه الصالحة للشرب والمحافظة عليها.

2ـ الترشيد بشكل عام في استهلاك المياه وخاصة في القطاعات الحكومية والصناعية والسكنية والتجارية.

3ـ التوعية العامة لجميع أفراد المجتمع والتأكيد علي أهمية الترشيد.

4- تخفيض قيمة فاتورة الاستهلاك.

5- البعد عن الإسراف المنهى عنه.

الماء نعمة حباها الله وأسبغها على البشر والحفاظ عليها أمرٌ في غاية الأهمية وترشيد استهلاك الماء والأمن المائي من المفاهيم الحديثة التي باتت واسعة الانتشار بين أفراد المجتمع لأنها على تماس مباشر مع حياتهم اليومية.

و إن واقع الحال يشير إلى القصور في جوانب متعددة من الممارسات اليومية لاستهلاك المياه مما يؤدي إلى هدر هذا المورد الحيوي واستنزافه بلا محددات لهذه الثروة القابلة للنفاد.

وعليه,لابد من أن تستخدم التوعية النفسية بصورة تنسجم مع متطلبات الحياة المعاصرة لإحداث التطوير الفكري والسلوكي المنشود.

وقد تنبهت الدول العربية والمؤسسات العلمية والبحثية إلى ضرورة التصدي ووضع الخطط والدراسات وإقامة المؤتمرات الخاصة لإشاعة الاستهلاك التقشفي في استخدامات المياه في جميع مناحي الحياة.

وتعد مشكلة استهلاك المياه من المشاكل التي تواجه الأفراد اقتصادياً واجتماعياً , فالاستهلاك غير المسوغ للمياه يعني إهدار هذا المورد الحيوي , الذي يشكل أهمية حيوية في حياة الأفراد والمجتمع.

وإننا نشهد اليوم اهتماماً متزايداً بترشيد استهلاك المياه وعلى المستويات الاجتماعية المختلفة والتي أخذت تنادي جميعاً بأهمية هذا الترشيد وتشترك في تحمل هذه المسؤولية ,فضلاً عن أن الفرد وعلى المستوى الشخصي ينبغي أن يمارس دوراً أساسياً ومهماً في تحقيق عملية الترشيد.

وفي نظرة سريعة لهذا الدور نجد أن قابلية النضب والاستنزاف تتنامى أيضاً نتيجة للاستهلاك الذي حصل بفعل متطلبات النمو السكاني والتطور الاقتصادي والاجتماعي .وبسبب نضوب بعض الموارد المائية نتيجة للجفاف وتزايد معدلات التصحر ,نجد أن مسألة العجز المائي باتت من المشكلات التي تعد أخطر التحديات التي تتطلب مواجهتها والتخطيط لها من خلال أساليب علمية وتكنولوجية يصاحبها توعية نفسية وتربوية بأهمية ترشيد الاستهلاك. وأن القصور في هذا الجانب سوف يجعل من مشكلة العجز المائي تتعاظم بسبب أن معظم الأنهار في الوطن العربي منابعها من خارجه فضلاً عن استمرار الجفاف في عدد من أجزاء الوطن العربي وانتشاره.

فلابد من أن تشحذ الهمم للتفكير الجدي بالأمن المائي وترشيد المتاح من المياه مع العمل على اكتشاف مصادر جديدة له.

لأن تغير نمط استهلاك المياه سيكون في مقدمة التحديات لخطط التنمية العربية وقد نبّهت إلى ذلك مؤتمرات خبراء المياه العرب إذ دقت ناقوس الخطر ودعت إلى ترشيد استهلاك المياه بشكل دقيق وصارم .

واقترح الخبراء أن يصبح للمياه سعراً يوازي ندرتها المتوقعة وذلك لإجبار المستهلكين على التقنيين وأشاروا إلى ضرورة إشاعة استهلاك تقشفي جديد لاستخدامات المياه المنزلية.

وأشارت دراسة إلى أن المياه يجب أن تعامل معاملة الثروات المعدنية القابلة للنفاذ.

الأمر الذي يدعونا إلى الإسهام في توفير هذا الأمن من خلال استخدام أساليب للتوعية النفسية غايتها تغيير الأنماط السلوكية في الاستهلاك والترشيد للمياه.



التربية المائية واجب ومسؤولية وطنية:

هناك من الدلائل ما يفيد سوء استغلال الإنسان لبيئته المائية متمثلاً ذلك في استنزاف الموارد المائية العذبة وتلويث مجاريها ومسطحاتها، وبالرغم من الأهمية القاطعة للمياه التي تفرض على الإنسان مسؤولية الحفاظ عليها, لأنها جزء من الحفاظ على حياته وحياة الكائنات الحية المسخرة له، فلا بقاء لهذه الكائنات بدون الماء، كما أنه لا بقاء للبيئة كلها في ظل عدم توفر الماء العذب الصالح للاستخدام.

ومشكلات نقص وتلوث المياه ليست مشكلات فنيه خالصة، بل لابد من مشاركة جميع أفراد المجتمع في علاج هذه المشكلة، وذلك عن طريق تربيتهم تربية مائية تركز على إنماء الوعي المائي وتنمية المهارات والاتجاهات والسلوكيات السليمة لدى المواطنين، انطلاقاً من إمكانية إعداد الفرد المتفهم لموارده المائية، والمدرك لظروفها, والواعي بما يواجهها من مشكلات وما يتهددها من أخطار، والقادر على المساهمة الايجابية في التغلب على هذه المشكلات والحد من تلك الأخطار عن طريق برامج التربية المائية.



الوعي المائي: مصطلح ومفهوم جديد علينا ..لكن دراسات علمية حديثة تحدثت كثيراً عن هذا المفهوم وأعطت تعريفاً خاصاً به فهو: ( إدراك الفرد للمشكلة المائية كإحدى المشكلات البيئية من حيث حجمها وأسبابها وأبعادها وكيفية مواجهتها, وتأثير الإنسان فيها وتأثره بها، والشعور العميق بالمسؤولية تجاه مواجهة هذه المشكلة والتصدي لها).

وهذا يفرض على الأجيال الحالية والقادمة المزيد من الاهتمام بالمياه العذبة بوجه عام ، وذلك بعد تفاقم أزمة المياه على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وأن تزيد من وعيها بكل ما يتعلق به وتجعله محوراً مهماً وأساسياً لفكرها وعملها، وتترجم ذلك بصفة مستمرة إلى عمل متواصل من أجل تنمية وترشيد استخدام مياهه والمحافظة عليها من الهدر والتلوث.

ونحن نعلم انه كلما كان الفرد يتمتع برصيد قيمي زاخر بالمبادئ الحضارية ارتفع مؤشر الإحساس بالمسؤولية وسمت مفاهيم المواطنة الحقة لديه وهو سمو متوهج في هذه الحالة يدفع صاحبه إلى عملية تفعيل القيم إلى واقع سلوكي ملموس.

ولابد من إشراك المرأة في مختلف المجالات حيث لا يمكننا تجاهل نصف المجتمع، فقد شغلت المرأة وظائف عديدة مارست من خلالها قناعاتها ومبادئها بضرورة الوعي بالثروات الطبيعية وأهمها الماء إيماناً منها بأن الوعي البيئي لابد أن يترسخ في ذهن الطفل حتى يشب عليها فهؤلاء هم رجال وأمهات المستقبل .

خاتمة:

إن توعية المجتمع واجب وطني ومسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع فلا بد من نشر الوعي المائي من خلال تثقيف الطفل منذ صغره على عدم التبذير في استخدام المياه وإشراك المرأة في هموم وقضايا المياه وتوعيتها بندرتها وإرشادها إلى الاقتصاد في استعمالها وتنشئة أطفالها على ذلك. لأن هدر المياه منبوذ ولا يقره الدين قال الله تعالىSadوكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ) الأعراف /31 .

الثلاثاء، يناير 3

تاريخ الرسل: موسى

تاريخ الرسل: موسى • قتل أبناء قوم موسى • قصة الولادة والنشأة • مع نبي الله شعيب • دعوة فرعون •قصة سَحِرة فِرعون •غَرَق فِرعَون • في ميقات ربه وعبادة بني اسرائيل العجل • بقرة بني اسرائيل تاريخ الرسل: موسى 0 تاريخ الرسل: موسى قتل أبناء قوم موسى كان بنو إسرائيل يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك مَلِك مصر على يديه، وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل، ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه؛ فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام، فكان بنو إسرائيل يعيشون في قهر وظلم من قِبَل فرعون{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }[القصص: 4] ، فأراد الله أن يمن على المستضعفين من بني إسرائيل {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5- 6] ، فرغم أن فرعون احترز ـ كل الاحتراز ـ أن لا يوجد موسى، حتى جعل رجالًا وقوابل يدورون على الحبالى ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكرًا إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته، ولكن الله تعالى أراد أن يُرِي فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون. قصة الولادة والنشأة فلما ولدت أم موسى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] ؛ فخافت عليه فوضعته في تابوت ورمته في البحر{فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص: 8] ، وأُلقِي حب موسى في قلب امرأة فرعون{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9] ، أما أم موسى {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص:10- 11]{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[القصص:12- 13] وكَبُر موسى عليه السلام في بيت الطاغية فرعون{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ١٤ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ١٥ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٦ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:14- 17] مع نبي الله شعيب ولكنه بعد ما قتل عدوه وعدو الإسرائيلي {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ١٨ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ١٩ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ٢٠ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:18- 21] ، فخرج من مصر باتجاه مَدْيَن{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ٢٢ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ٢٣ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:22- 24] ، فأخبر البنتان أباهما ـ نبي الله شعيبًا ـ بما كان منه، فأرسل نبي الله شعيب عليه السلام إحدى ابنتيه إلى موسى عليه السلام {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25] ، ووصل موسى إلى شعيب عليهما السلام {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25] ، ولما رأت ابنته من أمانة موسى عليه السلام {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، فطلب شعيب من موسى عليهما السلام {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ٢٧ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28] دعوة فرعون فلما قضى موسى الأجل الذي اتفقا عليه سافر بأهله{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29] ، وعند ذلك أوحي إليه {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ٣٠ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ ٣١ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص:30- 32] لكن موسى عليه السلام تخوَّف من فرعون بسبب قتله عدوه سابقًا، وبسبب العقدة التي في لسانه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ٣٣ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص:33- 34] وسأل الله أن يجعل معه أخاه هارون وزير{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ٢٩ هَارُونَ أَخِي ٣٠ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ٣١ و وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ٣٢ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ٣٣ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ٣٤ إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ٣٥ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}[طه:29- 36] فلما ذهبا إلى فرعون وبلّغاه ما أُرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن يفكَّ أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا، ويتفرّغون لتوحيده ودعائه والتضرّع إليه، فتكبَّر فرعون في نفسه وعتا وطغى ونظر إلى موسى بعين الازدراء والانتقاص قائلًا له {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ١٨ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الشعراء:18- 19]، فرد عليه موسى {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20]؛ أي: قبل أن يُوحَى إليَّ ويُنَزَّل عَليَّ{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 21]، ثم قال مجيبًا لفرعون عما امتن به من التربية والاحسان إليه: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22]؛ أي: وهذه النعمة التي ذكرت من أنك أحسنت إليَّ وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكامله واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك، ثم سأل فرعون عن الربِّ الذي يدعو موسى إليه {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: 23]، فجاءه الرد المقنع{قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}[الشعراء: 24]، فبدأ فرعون بالسخرية{قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ}[الشعراء: 25] ، واستمر موسى في دعوته لا يأبه بأحد{قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 26]، فزاد فرعون في عتوه{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] ، لكن رسول الله موسى لم ينثني عن قضيته{قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 28] فبدأ الديكتاتور المتكبر فرعون فاقد الحجة والعقل والمنطق بالتهديد{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، وكما لم يصرف موسى عليه السلام السخرية والإستهزاء عن دعوته، لم يصرفه التهديد أيضًا؛ فرد {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ٣٠ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٣١ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ٣٢ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء:30- 33] ، فخاف فرعون أن يؤمن الناس به {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ٣٤ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ٣٥ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ٣٦ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء:34- 37] قصة سَحِرة فِرعون فبعد أن رأى فرعون كل الحجج تكبَّر وكذَّب وأبى{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ٥٦ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ٥٧ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ٥٨ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ٥٩ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} [طه:56- 60]، فخشي موسى عليهم العذاب {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }[طه: 61]؛ فاختلفوا، وقال بعضهم: ما هذا بكلام ساحر {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه: 62]، لكنهم رجعوا، وقال أغلبهم{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ٦٣ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[طه:63- 64]{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى 65 قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:65- 66]؛ فخاف أن يفتن السحرة الناس{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67]، وجاءه الأمر من الله {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ٦٨ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:68- 69]{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ١١٧ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:117- 118] وكانت المفاجئة{فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ١١٩ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ١٢٠ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ١٢١ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:119- 122]{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: 70] فكان رد فرعون تهديدًا غبيًّا {قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}[طه: 71]، فكان جوابهم مفاجئة له، وبيان كيف يفعل الإيمان بأصحابه{قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ٥٠ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:50- 51] غَرَق فِرعَون واستمر فرعون في إيذاء المؤمنين؛ فعاقبه الله ومن معه {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130 فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:130- 131] فلم يؤمنوا ولم يتوبوا{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ١٣٢ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف:132- 133] فلما بلغ بهم الجهد {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ١٣٤ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ }[الأعراف:134- 135] فلما لم يفوا بشيء مما قالوا وتعهدوا به، بل نكثوا ما قالوا {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 136] ولما تمادى أهل مصر في كفرهم وعتوهم وعنادهم متابعة لملكهم فرعون، ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام؛ وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة، وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحيَّر العقول، وهم مع ذلك لا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون، ولم يؤمن منهم إلا القليل من قوم فرعون، والسحرة كلهم، وجميع شعب بني إسرائيل، وإيمانهم كان خفية لمخافتهم من فرعون وسطوته وجبروته وسلطته، أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما بيوتًا متميزة فيما بينهم عن بيوت أتباع فرعون؛ ليكونوا على أهبة الرحيل إذا أُمروا به ليعرف بعضهم بيوت بعض، وليعبدوا الله فيها{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 87] ثم إن الله أوحى إلى عبده موسى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء: 52] فكان رد فرعون{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ٥٣ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ٥٤ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ٥٥ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[الشعراء:53- 56]، وأراد الله{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ٥٧ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ٥٨ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:57- 59]، فلحقوا ببني إسرائيل{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60]، ولما وصلوا إلى بني إسرائيل {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] ، لكن رد رسول الله موسى عليه السلام كان مليئًا بالثقة بالله والمعرفة به سبحانه والتوكل عليه {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] ، وجاءت هداية الله ورحمته{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ٦٣ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ ٦٤ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ٦٥ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ٦٦ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ٦٧ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:63- 68] وفي هذه اللحظة الرهيبة {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا} [يونس: 90]، وهنا أيقن فرعون بالموت والغرق{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: 90]، لكنه كان قد تأخر؛ فقد أدركه الموت {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] في ميقات ربه وعبادة بني اسرائيل العجل وأتم الله النعمة على بني إسرائيل بغرق عدوهم؛ فلما جاوزوا البحر{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ}[الأعراف: 138]؛ أي طلب جاهل بعد نعمة أن نجاهم الله من فرعون وجنوده{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ 138 إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:138- 139] ، ثم إن موسى عليه السلام ذهب لميقات ربه{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142] وكلَّم الله موسى وخصَّه بكلامه ورسالته {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144]، وأنعم عليه بالموعظة والتوراة التي فيها أحكام الله {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف: 145]، فلما أتم الميقات، وأعطاه ربه التوراة رجع موسى إلى قومه فوجدهم{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ١٤٨ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:148- 149]، فكان وقع الخبر على موسى كبيرًا {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ١٥٠ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف:150- 151] السامري صانع العجل "لا يمكن أن يكون نبي الله هارون هو صانع العجل وداعية الشرك؛ فالأنبياء والرسل كلهم دعاة لتوحيد الله تعالى، ومن نقل غير هذا فقد حرَّف، ومن ذلك ما جاء: "قال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلًا مسبوكًا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج 32/2-4) ثم خاطب السامري الذي صنع العجل، فقال له {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه: 95] فرد عليه {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه: 96]؛ فكان جواب موسى قويًّا قاطعًا للشرك بالله{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا 97 إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:97- 98]، ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجهًا نحو الأرض المقدسة، بعد ما أخذ الألواح {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] ، فكان بعض بني إسرائيل لا يريد أن يقبل ما في التوراة؛ فرفع الله الجبل فوقهم {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171]، فأخذوه رغم كونه هدًى ورحمة مخافة أن يقع الجبل عليهم بقرة بني اسرائيل واستمر تعنت بني إسرائيل مع نبي الله موسى عليه السلام، فمرة قتلوا نفسًا، وكان رجلًا من بني إسرائيل غنيًّا ثريًّا، فمر عليه ابن أخيه في الليل فذبحه! فاختلفوا وتدافعوا التهمة ونفاها كل شخص عن نفسه، فاختصموا لرسول الله موسى عليه السلام، وقالوا تعنتًا وبسوء أدب: إن كنت يا موسى نبيًّا فسلْ ربك! فأمر الله موسى بأن: يا موسى مُر بني إسرائيل أن يأخذوا بقرة فيذبحونها، ثم يأخذوا عضوًا منها فيضربوا الميت؛ فإني سوف أحييه بإذني؛ فيتكلم فيخبر بمن قتله، قال الله {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 72 فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:72- 73] ؛ فقال موسى: اذبحوا بقرة، ولو أخذوا بقرة من عرض البقر لأجزأتهم لكنهم تعنتوا، قال الله تعالى على لسان نبيه موسى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] فقال القوم {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة: 68] فتشدَّدوا فشدَّد الله عليهم {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68]؛ ليست بالكبيرة المسنة ولا بالصغيرة البكر{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة: 68]؛ فضيَّقوا الدائرة على أنفسهم {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة: 69]، وإلا فالله لم يسألهم عن اللون، ولم يشترط عليهم لونًا خاصًّا {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] فاجتمعوا في مجلس مغلق، ثم عادوا إليه: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة: 70]، فردَّ عليهم {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}[البقرة: 71]، فطافوا مدن بني إسرائيل وقراهم قرية قرية؛ فوجدوا هذه البقرة بمشقة وبتكلفة عالية؛ فذبحوها وماكادوا يفعلون، فضربوا الميت الذي اختلفوا فيمن قتله بجزء من البقرة؛ فانتفض من قبره حيًّا بإذن الله فإذا به واقف، قال موسى: من قتلك؟ قال: هذا: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73]، ولما وصلوا للأرض المقدسة، وجدوا فيها قومًا جبارين {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ٢٠ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ٢١ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 20-22]{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة: 24]؛ فذمَّهم الله على تخاذلهم، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم، فقال موسى {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] فاستجاب الله تعالى {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26] فكانوا يسيرون فى الأرض إلى غير مقصد ليلًا ونهارًا، صباحًا ومساءً.

هامان في القرآن الكريم

هامان في القرآن الكريم مقدمة: ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أخبار كثير من الأمم السابقة, وخصوصاً تلك الأمم التي أرسل إليهم أنبياءه الكرام, وأخبر تعالى عن المؤمنين منهم والكافرين, وكيف كانت الغلبة لعباده المؤمنين, ومن تلك الأمم قوم فرعون في أرض مصر, وفي طيات هذا الإخبار جاء ذكر بعض الشخصيات في دولة فرعون, ومن تلك الشخصيات وزير من وزراء فرعون, وقد كان هذا الوزير مثالاً لوزير السوء في بلاط الملك الكافر, هذا الوزير هو هامان, وقد أخبر القرآن العظيم عن هذا الوزير في أكثر من موضع, وأشار إلى بعض أفعاله والمهام التي كان فرعون يكلها إليه, مع العلم بأن هذا الإخبار جاء في زمن كانت فيه هذه الأخبار قد اندثرت وأصبحت من الغيب الماضي, فجاء هذا الإخبار ليجلي هذه الحقيقة الغائبة في تلك الحقبة التاريخية من دون إخلال بالتفاصيل الهامة, وسنتكلم في بحثنا هذا عن هامان في القرآن وعن بعض ملامح شخصيته,وعن علاقته بفرعون . ذكر هامان في القران الكريم: جاء ذكر هامان في ستة مواضع في كتاب الله,وهي على النحو التالي: 1- قال تعالى: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون﴾ [القصص:6] 2- قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص:8 ] . 3- قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [القصص:38 ] . 4- قال تعالى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴾ [العنكبوت:39 ] . 5- قال تعالى: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّاب ﴾ [غافر:24 ] . 6- قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب ﴾ [ غافر:36 ] . من خلال هذه الآيات الكريمة يظهر لنا مقدار تلك الصلة الوثيقة والرابطة القوية بين هامان وفرعون, فقد ارتبط اسم هامان باسم فرعون في كل تلك الآيات, مما يدل على قوة العلاقة بين هاتين الشخصيتين, فقد اشتركا في التكذيب بنبي الله موسى عليه السلام,وكان هامان سنداً وعوناً لفرعون. هامان في ضوء الاكتشافات التاريخية: لقد تجلت كثير من أمور التاريخ الفرعوني بعد الاكتشافات التاريخية والدراسات التي قامت بها الحملات العلمية, ومن ضمن تلك الاكتشافات,اكتشاف ما يسمى بحجر رشيد,وقد كان هذا الحجر مكتوباً عليه بثلاث لغات هي اللغة الهيروغليفية والديموقيطية واليونانية وبمساعدة اليونانية تم فك لغز الهيروغليفية من قبل شاملبيون وبعدها تم معرفة الكثير من تاريخ الفراعنة ومن خلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن اسم [ هامان] وهذا الاسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا, وتوجد مجموعة أخرى من النقوش كشفت لنا أن هامان كان في زمن تواجد موسى في مصر قد رُقّي إلى أن أصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية, وقد كان هامان رفيق الصبا لفرعون [رمسيس الثاني ],كما جاء ذلك في كتاب: Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen ونسخته العربية [ رمسيس الثاني، فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين ] ويذكر هذا المؤلف أن هامان ترقى وصار قائد المركبات الملكية وناظر الخيل, وهذا مصداق قوله تعالى:﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون﴾[القصص:6] فقد جاء في هذه الآية أن هامان كان له جنود يقودهم, ويواصل المؤلف ويقول أن هامان أصبح رسول الملك إلى كل البلاد الأجنبية, وأن هذا المنصب كان مقصوراً على كبار ضباط سلاح العربات الحربية . ويذكر موريس بوكاي أنه وجد اسم هامان في "قاموس أسماء الأشخاص في المملكة الجديدة Dictionary of Personal names of the New Kingdom هو القاموس المستند على مجموعة المعلومات المستقاة من الكتابات المصرية القديمة, وأن عمله هو رئيس عمال المقالع. (1) وقد شهد القرآن بذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب﴾ [غافر:36 ] . فطلب فرعون هذا العمل ـ وهو بناء الصرح ـ من هامان يدل على هذا العمل كان من مهام وزيره هامان .وجاء في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [القصص:38 ], أن فرعون حدد لهامان مادة هذا البناء وهي الطين الموقود [المحروق ]وهو ما يسمى الآجر، وهذا يعتبر من الإعجاز التاريخي للقرآن الكريم فقد ظل الاعتقاد السائد عند المؤرخين أن الآجر لم يظهر في مصر القديمة قبل العصر الروماني وذلك حسب رأي بعض المؤرخين, وظل هذا هو رأي المؤرخين إلى أن عثر عالم الآثار بتري على كمية من الآجر المحروق بنيت به قبور ، وأقيمت به بعض من أسس المنشآت ، ترجع إلى عصور الفراعين رعمسيس الثاني ومرنبتاح وسيتي الثاني من الأسرة التاسعة عشر [1308 1184 ق. م ] وكان عثوره عليها في: "نبيشة " و" دفنه" غير بعيد من بي رعمسيس [ قنطير ] عاصمة هؤلاء الفراعين في شرق الدلتا(2). خاتمة: من خلال ما سبق نرى الإعجاز التاريخي واضحاً جلياً في إخبار القرآن الكريم عن شخصية الوزير هامان, فأشارت الآيات إلى الصلة القوية والرابطة الوثيقة بين هامان وفرعون [رمسيس الثاني ] من اقتران اسم هامان باسم فرعون في كل المواضع التي جاء فيها ذكر هامان, وهذا مطابق للكشوف التاريخية التي تجعل من هامان رفيقاً لفرعون في صباه,ووزيراً له زمن توليه للملك. وأخبرت الآيات السابقة أن فرعون طلب من هامان أن يبني له صرحاً من الطين الموقود وهو الآجر, حتى يطّلع إلى إله موسى ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وكأن هذا العمل من مهام هامان, وفي ذلك مطابقة تامة لما كشفت عنه الدراسات التاريخية من أن هامان كان وزير البناء في مملكة فرعون, وأن الآجر كان معروفاً ومستخدماً في عمليات البناء آنذاك بخلاف ما كان يقوله المؤرخون قبل هذا الاكتشاف . >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> (1) - القرآن والعلم المعاصر لموريس بوكاي. (2) - كتاب الحضارة المصرية تأليف محمد بيومي مهران ج3 ص429.

قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون

قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ(23)إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ(24)فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ(25)وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ(26)وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ(27)}. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} اللام موطئة للقسم أي والله لقد بعثنا رسولنا موسى بالآيات البينات، والدلائل الواضحات، وبالبرهان البيّن الظاهر وهو معجزة اليد والعصا {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ} أي إلى فرعون الطاغية الجبار، ووزيره هامان، وقارون صاحب الكنوز والأموال، قال أبو حيّان: وخصَّ قارون وهامان بالذكر لمكانتهما في الكفر، ولأنهما أشهر أتباع فرعون {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} أي فقالوا عن موسى إنه ساحر فيما أظهر من المعجزات، كذَّاب فيما ادعاه أنه من عند الله، وصيغة كذَّاب للمبالغة {فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا} أي فلما جاءهم بالمعجزات الباهرة التي تدل على صدقه، والتي أيَّده الله بها {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ} أي اقتلوا الذكور لئلا يتناسلوا، واستبقوا الإِناث للخدمة، قال الصاوي: وهذا القتلُ غيرُ الأول، لأن فرعون بعد ولادة موسى أمسك عن قتل الأولاد، فلما بُعث موسى وعجز عن معارضته أعاد القتل في الأولاد ليمتنع الناس من الإِيمان، ولئلا يكثر جمعهم فيكيدوه، فأرسل الله عليهم أنواع العذاب كالضفادع والقُمَّل والدم والطوفان، إلى أن خرجوا من مصر فأغرقهم الله تعالى وجعل كيدهم في نحورهم {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} أي وما تدبيرهم ومكرهم إلا في خسران وهلاك، لأن الله لا يوفّقهم فيما يكيدونه للمؤمنين {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} أي قال فرعون الجبار: اتركوني حتى اقتلْ لكم موسى {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي وليناد ربه حتى يخلصه مني، وإِنما ذكره على سبيل الاستهزاء وكأنه يقول: لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإِنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى، وغرضُه أن يوهمهم بأنه إِنما امتنع عن قتله رعايةً لقلوب أصحابه، قال أبو حيان: والظاهر أن فرعون لعنه الله كان قد استيقن أنه نبيٌ، وأن ما جاء به ءاياتٌ باهرة وما هو بسحر، ولكن الرجل كان فيه خبثٌ وجبروت وكان قتالاً سفاكاً للدماء لأهون شيء، فكيف لا يقتل من أحسَّ منه بأنه يهدّد عرشه ويهدم ملكه، ولكنه يخاف إن همَّ بقتله أن يُعاجل بالهلاك، وكان كلامه للتمويه على قومه وإيهامهم أنهم هم الذين يكفّونه، وما كان يكفُّه إلا شدةُ الخوف والفزع {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أي إني أخشى أن يغيّر ما أنتم عليه من عبادتكم لي إلى عبادة ربه {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} أي أو أن يثير الفتن والقلاقل في بلدكم، ويكون بسببه الهرجُ، وهذا كما قال المثل "صار فرعون واعظاً" {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أي إني استجرتُ بالله واعتصمتُ به ليحفظني {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أي من شر كل جبارٍ عنيد متكبر عن الإِيمان بالله، لا يصدِّق بالآخرة، قال في التسهيل: وإِنما قال {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} ولم يذكره باسمه ليشمل فرعون وغيره، وليكون فيه وصفٌ لغير فرعون بذلك الوصف القبيح. دفاع مؤمن آل فرعون عن موسى عليه السلام {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(28)يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ(29)وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ(30)مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ(31)وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ(32)يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(33)وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ(34)الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءاياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ(35)} {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} قال المفسرون: كان هذا الرجل ابن عم فرعون وكان قبطياً يخفي إيمانه عن فرعون، فلما سمع قول الجبار متوعداً موسى بالقتل نصحهم بقوله {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ} استفهام إنكاري للتبكيت عليهم أي أتقتلون رجلاً لا ذنب له إلا لأجل أن قال: ربيَ الله من غير تفكرٍ ولا تأملٍ في أمره؟ {وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} أي والحال أنه قد أتاكم بالمعجزات الظاهرة التي شاهدتموها من عند ربكم {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} أي إن كان كاذباً في دعوى الرسالة فضرر كذبه لا يتعداه، قال القرطبي: ولم يكن ذلك لشكٍ منه في رسالته وصدقه، ولكنْ تلطفاً في الاستكفاف، واستنزالاً عن الأذى {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} أي وإِن كان صادقاً في دعواه أصابكم بعضُ ما وعدكم به من العذاب {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} أي لا يوفق للهداية والإِيمان من هو مسرفٌ في الضلال، مبالغ في الكذب على الله،قال الإِمام فخر الدين الراي: وفي هذا إشارة إلى رفع شأن موسى لأن الله هداه وأيده بالمعجزات، وتعريضٌ بفرعون في أنه مسرفٌ في عزمه على قتل موسى، كذَّاب في إِقدامه على ادعاء الإِلهية، والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته، بل يبطله ويهدم أمره، وقال أبو حيّان: هذا نوعٌ من أنواع علم البيان يسميه علماؤنا "استدراج المخاطب" وذلك أنه لما رأى فرعون قد عزم على قتل موسى، وقومه على تكذيبه، أراد الانتصار له بطريق يُخفي عليهم بها أنه متعصبٌ له، وأنه من أتباعه، فجاءهم بطريق النصح والملاطفة فقال {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} ولم يذكر اسمه بل قال رجلاً ليوهمهم أنه لا يعرفه، ثم قال {أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ} ولم يقل رجلاً مؤمناً بالله أو هو نبيُ الله، إذ لو قال ذلك لعلموا أنه متعصب ولم يقبلوا قوله، ثم أتبعه بقوله {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا} فقدَّم الكذب على الصدق موافقة لرأيهم فيه ثم تلاه بقوله {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} ولم يقل هو صادق وكذلك قال {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} ولم يقل كلُّ ما يعدكم ولو قال ذلك لعلموا أنه متعصب له، وأنه يزعم نبوته وأنه يصدّقه، ثم أتبعه بكلام يفهم منه أنه ليس بمصدِّق له وهو قوله {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} وفيه تعريضٌ بفرعون، إذ هو في غاية الإِسراف والكذب على الله، إذْ ادعى الألوهية والربوبية {يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ} كرر النصح مع التلطف والمعنى: أنتم غالبون عالون على بني إسرائيل في أرض مصر قد قهرتموهم واستعبدتموهم اليوم {فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا} أي فمن ينقذنا من عذاب الله وينجينا منه إن قتلتم رسوله، قال الرازي: وإِنما قال {يَنصُرُنَا}و{جَاءنَا} لأنه كان يُظهر لهم أنه منهم، وأنَّ الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه .. وهنا تأخذ فرعون العزةُ بالإِثم، ويستبدُّ به الجبروت والطغيان {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى} أي ما أشير عليكم برأيٍ سوى ما ذكرتُه من قتل موسى حسماً لمادة الفتنة {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} أي وما أهديكم بهذا الرأي إلا طريق الصواب والصلاح {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} أي أخشى عليكم مثل أيام العذاب التي عُذّب بها المتحزبون على الأنبياء {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} هذا تفسير للأحزاب أي مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود وما أصابهم من العذاب والدمار بتكذيبهم لرسلهم {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي والمكذبين بعد أولئك كقوم لوط {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} أي لا يعاقب العباد بدون ذنب، قال الزمخشري: أي إن تدميرهم كان عدلاً وقسطاً لأنهم استوجبوه بأعمالهم، وفيه مبالغة حيث جعل المنفي إرادة الظلم، ومن كان بعيداً عن إرادة الظلم، كان عن الظلم أبعد {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} خوَّفهم بعذاب الآخرة بعد أن خوفهم بعذاب الدنيا والمعنى إني أخاف عليكم من ذلك اليوم الرهيب يوم الحشر الأكبر، حيث ينادي المجرمون بالويل والثبور {دعوا هنالك ثُبُوراً} {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أي تولون منهزمين من هول عذاب جهنم، قال المفسرون: إن الكفار إذا سمعوا زفير النار أدبروا هاربين، فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة يتلقونهم يضربون وجوههم، فيرجعون إلى مكانهم فتتلقفهم جهنم {مَا لَكُمْمِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} أي ليس لكم مانع ولا دافع يصرف عنكم عذاب الله {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أي ومن يضلله اللهُ فليس له من يهديه إلى طريق النجاة {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} أي ووالله لقد جاءكم يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالمعجزات الظاهرات {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ} أي فلَم تزالوا شاكين في رسالته كافرين بما جاء به من عند الله، قال المفسرون: المراد ءاباؤكم وأصولكم {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً} أي حتى إذا مات قلتم على سبيل التشهّي والتمني من غير حجة ولا برهان لن يأتي أحد يدعي الرسالة بعد يوسف، قال أبو حيان: وليس هذا تصديقاً لرسالة يوسف، كيف وما زالوا في شك منه، وإِنما المعنى لا رسول من عند الله فيبعثه إلى الخلق، ففيه نفي الرسول ونفي بعثته {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} أي مثل ذلك الضلال الفظيع يُضلُّ الله كل مسرفٍ في العصيان، شاكٍّ في الدين، بعد وضوح الحجج والبراهين {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} هذا من تتمة كلام الرجل المؤمن والمعنى الذين يجادلون في شريعة الله بغير حجة وبرهان جاءهم من عند الله {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي عظُم بغضاً عند الله وعند المؤمنين جدالُهم بغير برهان، قال أبو حيّان: عدل الواعظ عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب، لحسنِ محاورته لهم واستجلاب قلوبهم، لئلا يفجأهم بالخطاب، وفي قوله {كبُر مقتاً} ضربٌ من التعجب والاستعظام لجدالهم، كأنه خارج عن حدِّ أمثاله من الكبائر {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} أي كما ختم على قلوب هؤلاء المجادلين كذلك يختم بالضلال على قلب كل متكبر عن الإِيمان، متجبرٍ على العباد، حتى لا يعقل الرشاد، ولا يقبل الحق، وإِنما وصف القلب بالتكبر والجبروت لكونه مركزهما ومنبعهما، وهو سلطان الأعضاء، فمتى فسد فسدت.

الأربعاء، ديسمبر 21

مستقبل الإستزراع البحرىFuture of Marine Aquaculture فى مصر

https://www.blogger.com/blog-this.do?zx=18gclqfk3hs5h


مستقبل الإستزراع البحرىarine  AquacultureFuture of M
فى مصر

ا.د. عبدالعزيز نور
20 ديسمبر 2016
اكثر من نصف سكان العالم حاليا يعيشون على الأسماك المصيدة من المصايد  Capture Fisheries والمستزرعة Fish Culture كمصدر جيد للبروتين  Protein Sourceعالى القيمة الغذاءية High Nutritive Value والفيتامينات Vitamins  والعناصر المعدنية  Minerals. وللوفاء باحتياجات العالم الذى سيبلغ عشرة مليارات نسمة فى 2050 فان الأمال معقودة على التوسع فى الإستزراع البحرى لتلبية المطالب المتزايدة على المنتجات البحرية.
 الأستزراع البحرى Marine aquaculture  هو جزء من منظومة الأستزراع المائى Aquaculture للنباتات  المائيةAquatic Plants والأسماك  Fish والقشريات    Crustacean  والمحاريات  Mollusks المستزرعة فى المياه المالحة  Marine Water وذلك فى البحارٍ Sea والمحيطات   )The Ocean تغطى اكثر من 70% من مساحة الكرة الأرضية وتغطى فقط 2% من الأحتياجات الغذاءية العالمية) والاراضى الغدقة المتاخمة لها.
والأستزراع البحرى يتم فى المياة مباشرة فى أقفاص ) Cages متنوعة الأحجام والأشكال والمواصفات كالطافى والغاصس والمعلق وخلافة...) أو على الأرض فى تانكاتTanks PVC أو أحواض ترابية Earthen Ponds  أو أحواض خرسانية Tanks Cement  او مجارى ماءيةRaceways ,,,,,,
وتتجه مصر حالياً بشدة نحو الأستزراع السمكى البحرى فى مشروعات عملاقة تابعة  لقناة السويس والشركة الوطنية فى بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ وذلك لإستزراع الأسماك البحرية كالقاروص والدنيس وبلطى المياه المالحة وأسماك العائلة البورية والجمبرى وخلافة.... وذلك تجنباً للأسراف فى استخدام المياه العذبة والأراضى الزراعية والتلوث وخلافة.... وهى المشاكل التى تواجه فيها البلاد تحديات جسيمة حالياً نظراً للتغيرات المناخية والسياسات الخاصة بدول منابع النيل وتلوث المياه وغيرها .
وتحتاج البلاد  الى وضع استراتيجيات قصيرة ومنوسطة وبعيدة الأمد يجب ان يشارك فى وضعها مختلف الجهات العلمية والتنفيذية حتى يمكن الوصول الى سياسات تضمن تحقيق  استثمارات ناجحة وآمنة  ومتنوعةومستدامة.....  
ولعل أهم تحديات الأستزراع السمكى البحرى فى مصرحاليا تكمن فى:
1-   عدم توفر البنية الأساسية اللآزمة( مفرخات – مصانع اعلاف – احواض .....).
2-   عدم توافرالخامات العلفيةوالأدوية البيطرية والتحصينات .
3-   عدم توافر الخبرات المدربة اللآزمة.
4- عدم اتباع نظم متكاملة تحقق الأمن الحيوى  Bio-securityللمزارع والأمان الحيوى للمنتجات Bio-safety  . 
 وما سبق يتطلب مناالحذرالبالغ عند التخطيط لأى مشروعات مستقبلية جديدة للأستزراع السمكى البحرى ف مصر  ويجب دراسة الجدوى الأقتصادية والبيءية لأى مشروع قبل تنفيذة حتى لانفاجأء بصدمات توءدى الى ضياع الأستثمارات .
 والأمل معقود على ان تبدأ المرحلة الأولى فى مشروع الشركة الوطنية ببحيرة غليون محافظة كفر الشيخ على مساحة ثلاثة آلاف فدان والتى تضم مختلف العناصر اللآزمة لتشغيل المشروعات العملاقة والتى تضم المفرخات ومصانع الأعلاف ومصانع تصنيع الأسماك ومخازن مبردة وأحواض بمواصفات قياسية وأماكن لأعاشة العاملين بالمشروع.....ويتم تقييم نتاءجها قبل الشروع فى التوسع فى مشروعات وضخ استثمارات جديدة غير مأءمونة العواقب .....
ان البداية الصحيحة لإدارة هذة المشروعات العملاقة  تحتاج الى تطبيق نظام الأمن الحيوى من أول لحظة استلام للمشروع إلى إنتاج المنتج وتوصيله للمستهلك بمواصفات تحقق الآمان الحيوى لتحقيق إنتاج جيد بأسعار منافسة.
أن مستقبل الأستزراع البحرى فى مصر يجب الا ينحصر فقط فى إنتاج الأسماك والقشريات بل يجب تنويعة والدخول فى انشطة اخرى كمشروعات استزراع الطحالب الدقيقة لإنتاج الوقود الحيوى والغذاء والأعلاف والكيماويات وخلافه.... وكذلك مشروعات إنتاج الأصداف البحرية وإنتاج اللؤلؤ وخلافه .... ونوجة الى ان التنوع فى المنتجات والأنشطة البحرية سيسهم فى التخفيف من آثار قصور انتاج الخامات العلفية التى تستورد كاملة من الخارج بتكاليف باهظة.
ومن الذكاء عدم أهمال دور المسطحات المائية لمياهنا العذبة والشروب الداخلية فى إنتاج أسماك رخيصة  واستخدامها فى تغذية الأسماك البحرية بما يخفض من التكاليف التشغيلية للمشروعات ويزيد من المقدرة على المنافسة باعتبار ان التغذية هى العامل المحدد وتكلفتهامن اجمالى التكاليف التشغيلية لاتقل عن 60 الى 70% من التكاليف.
ومن الضرورى وضع الضمانات والمحددات اللازمة للتوسع فى هذا النشاط ومراقبته مراقبة علمية سليمة لمنع انتشار الأمراض والأوبئة التى يمكنها ان تقضى على هذه الأستثمارات فى حال عدم تلبية متطلباتها.


مستقبل الإستزراع البحرى فى مصر

البحرىFuture of Marine Aquaculture فى مصر ا.د. عبدالعزيز نور nouraziz2000@yahoo.com 20 ديسمبر 2016 اكثر من نصف سكان العالم حاليا يعيشون على الأسماك المصيدة من المصايد Capture Fisheries والمستزرعة Fish Culture كمصدر جيد للبروتين Protein Sourceعالى القيمة الغذاءية High Nutritive Value والفيتامينات Vitamins والعناصر المعدنية Minerals. وللوفاء باحتياجات العالم الذى سيبلغ عشرة مليارات نسمة فى 2050 فان الأمال معقودة على التوسع فى الإستزراع البحرى لتلبية المطالب المتزايدة على المنتجات البحرية. الأستزراع البحرى Marine aquaculture هو جزء من منظومة الأستزراع المائى Aquaculture للنباتات المائيةAquatic Plants والأسماك Fish والقشريات Crustacean والمحاريات Mollusks المستزرعة فى المياه المالحة Marine Water وذلك فى البحارٍ Sea والمحيطات )The Ocean تغطى اكثر من 70% من مساحة الكرة الأرضية وتغطى فقط 2% من الأحتياجات الغذاءية العالمية) والاراضى الغدقة المتاخمة لها. والأستزراع البحرى يتم فى المياة مباشرة فى أقفاص ) Cages متنوعة الأحجام والأشكال والمواصفات كالطافى والغاصس والمعلق وخلافة...) أو على الأرض فى تانكاتTanks PVC أو أحواض ترابية Earthen Ponds أو أحواض خرسانية Tanks Cement او مجارى ماءيةRaceways ,,,,,, وتتجه مصر حالياً بشدة نحو الأستزراع السمكى البحرى فى مشروعات عملاقة تابعة لقناة السويس والشركة الوطنية فى بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ وذلك لإستزراع الأسماك البحرية كالقاروص والدنيس وبلطى المياه المالحة وأسماك العائلة البورية والجمبرى وخلافة.... وذلك تجنباً للأسراف فى استخدام المياه العذبة والأراضى الزراعية والتلوث وخلافة.... وهى المشاكل التى تواجه فيها البلاد تحديات جسيمة حالياً نظراً للتغيرات المناخية والسياسات الخاصة بدول منابع النيل وتلوث المياه وغيرها . وتحتاج البلاد الى وضع استراتيجيات قصيرة ومنوسطة وبعيدة الأمد يجب ان يشارك فى وضعها مختلف الجهات العلمية والتنفيذية حتى يمكن الوصول الى سياسات تضمن تحقيق استثمارات ناجحة وآمنة ومتنوعةومستدامة..... ولعل أهم تحديات الأستزراع السمكى البحرى فى مصرحاليا تكمن فى: 1- عدم توفر البنية الأساسية اللآزمة( مفرخات – مصانع اعلاف – احواض .....). 2- عدم توافرالخامات العلفيةوالأدوية البيطرية والتحصينات . 3- عدم توافر الخبرات المدربة اللآزمة. 4- عدم اتباع نظم متكاملة تحقق الأمن الحيوى Bio-securityللمزارع والأمان الحيوى للمنتجات Bio-safety . وما سبق يتطلب مناالحذرالبالغ عند التخطيط لأى مشروعات مستقبلية جديدة للأستزراع السمكى البحرى ف مصر ويجب دراسة الجدوى الأقتصادية والبيءية لأى مشروع قبل تنفيذة حتى لانفاجأء بصدمات توءدى الى ضياع الأستثمارات . والأمل معقود على ان تبدأ المرحلة الأولى فى مشروع الشركة الوطنية ببحيرة غليون محافظة كفر الشيخ على مساحة ثلاثة آلاف فدان والتى تضم مختلف العناصر اللآزمة لتشغيل المشروعات العملاقة والتى تضم المفرخات ومصانع الأعلاف ومصانع تصنيع الأسماك ومخازن مبردة وأحواض بمواصفات قياسية وأماكن لأعاشة العاملين بالمشروع.....ويتم تقييم نتاءجها قبل الشروع فى التوسع فى مشروعات وضخ استثمارات جديدة غير مأءمونة العواقب ..... ان البداية الصحيحة لإدارة هذة المشروعات العملاقة تحتاج الى تطبيق نظام الأمن الحيوى من أول لحظة استلام للمشروع إلى إنتاج المنتج وتوصيله للمستهلك بمواصفات تحقق الآمان الحيوى لتحقيق إنتاج جيد بأسعار منافسة. أن مستقبل الأستزراع البحرى فى مصر يجب الا ينحصر فقط فى إنتاج الأسماك والقشريات بل يجب تنويعة والدخول فى انشطة اخرى كمشروعات استزراع الطحالب الدقيقة لإنتاج الوقود الحيوى والغذاء والأعلاف والكيماويات وخلافه.... وكذلك مشروعات إنتاج الأصداف البحرية وإنتاج اللؤلؤ وخلافه .... ونوجة الى ان التنوع فى المنتجات والأنشطة البحرية سيسهم فى التخفيف من آثار قصور انتاج الخامات العلفية التى تستورد كاملة من الخارج بتكاليف باهظة. ومن الذكاء عدم أهمال دور المسطحات المائية لمياهنا العذبة والشروب الداخلية فى إنتاج أسماك رخيصة واستخدامها فى تغذية الأسماك البحرية بما يخفض من التكاليف التشغيلية للمشروعات ويزيد من المقدرة على المنافسة باعتبار ان التغذية هى العامل المحدد وتكلفتهامن اجمالى التكاليف التشغيلية لاتقل عن 60 الى 70% من التكاليف. ومن الضرورى وضع الضمانات والمحددات اللازمة للتوسع فى هذا النشاط ومراقبته مراقبة علمية سليمة لمنع انتشار الأمراض والأوبئة التى يمكنها ان تقضى على هذه الأستثمارات فى حال عدم تلبية متطلباتها.

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر