بالكلية، وشارك في المناقشات الدكتور حسن الشافعي والدكتور محمد السيد الجليند أستاذا الفلسفة الإسلامية بالكلية وبعض الصحفيين والباحثين وطلاب الدراسات العليا، ودار موضوع السيمنار حول ظاهرة العلمانية، وما هي الظروف التي أدت إلى نشأتها في بلاد الغرب؟ وكيف أنها كانت حاجة لمجتمع بعينه هو المجتمع الغربي الذي انعزل فيه رجال الدين عن الواقع المعيش مرتكزين في ذلك لما نسبوه للمسيح عليه السلام: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وقوله: "مملكتي ليست من هذا العالم"، فسيطرت عليهم هذه النظرة إلى العالم الدنيوي بأنه عالم سيئ، وأنهم ينتظرون مجيء القيامة وعودة المسيح المنتظر الذي سيخلصهم من هذا العالم.
بالإضافة إلى ذلك جعل رجال الكنيسة في الغرب العلمَ مقصورًا عليهم وكذلك الدين فما يقولونه مفروض على المجتمع وما سواه خطأ مرفوض، ولا مجال للحرية أو الرأي، ومن سولت له نفسه - باستثناء رجال الدين- التحدث في الدين أو الجهر بنظرية علمية فليس أمامه إلا الموت أو الفرار.
وذكرت الدكتورة كريستيانا أن العلمانية نشأت في الغرب بسبب أزمة الكنيسة الكاثوليكية خلال القرون الوسطى، حيث "حُبس العلم والمعرفة في بداية الأمر داخل الأديرة، وشنّع رجال الدين على بعض العلماء والراغبين في إصلاح الكنيسة بوصفهم زنادقة ليتم من ثم قتلهم بمقتضى ذلك"، وفي المقابل كان هناك - والكلام لكريستيانا- "تقدم الإسلام الذي لا توجد بينه وبين الدنيا فجوة، ومن هنا نشبت حروب دينية في القرن السابع عشر استعر أوارها بين المذاهب المسيحية وانتهت بألا يُخلط الدين بالسياسة".
وتقول المستشرقة الألمانية "تزايد عدد البشر الذين صاروا في أوضاع اقتصادية تمكنهم من الاستمتاع بالأمور الدنيوية، حيث يخرجون من الطين والفقر وأودية الأسى التي فضحها فلاسفة التنوير على أنها عقيدة الكنيسة المتسلطة، التي تحول بين أتباعها والثقافة، حتى تضمن عبوديتهم وخضوعهم لها"، ثم أوردت كريستيانا عبارة كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب" بأنه "كان يطلق هذا الوصف على الكنيسة الرسمية بينما لم يجادل في الهدف الإيجابي للدين".
ثم حدث تحول وانكباب على الدنيا كما توضح كريستيانا باولس قائلة: "فالتحول للعلمانية كتوجه نحو الدنيا في مقابل الآخرة أدى إلى نشوء مادية سطحية"، وعن علاقة هذا الموضوع بما يجري بمصر بعد ثورة 25 يناير أوضحت كريستيانا "أن العلمانية كانت ضرورة للغرب المسيحي وخيرا له؛ حيث كان رجال الدين يستغلون الشعب ويسيطرون عليه مع الملوك والإقطاعيين بينما كان الشعب منشغلا بالسحر عن نور العلم محروما من أي ثقافة أو تعليم "واستشهدت كريستيانا في هذا السياق بآراء الشيخ يوسف القرضاوي المتعلقة بهذا الموضوع،" حيث لا يوجد أصلا في المجتمع الإسلامي طبقة كهنوت أو رجال دين يحيطون أنفسهم بقداسة المحرمات ويكتسبون شرعيتهم من المحظورات فهذه الطبقة لا يمكن أن تظهر إلا في المسيحية؛ لأنها لا تحتاج إلى تشريع ما دام العالم على أبواب يوم القيامة حيث ينشأ فراغ سياسي، وهذا الأمر غير وارد في الإسلام الذي يملك التشريع ويفصل بين السلطات ليتيح الرقابة على السلطة في سبيل العدالة الاجتماعية بل ويطالب بها".
ومن هنا فسواء كانت العلمانية نسبة إلى العالم أو العلم أو العمران أو المدنية، فالإسلام هو دين العلم والمدنية جعل العلم قسمة بين الجميع ممن كانوا له كفئا حتى ولو كانوا من العبيد والموالي، وهو دين واقعي يراعي كل شئون الحياة ولا يترك شاردة ولا واردة إلا تحدث عنها مصداقا لقوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أرسى للمسلمين منهج حياة شاملا جمع فيه بين الدنيا والآخرة حتى أنه علمهم كيفية الأكل والشرب وقضاء الحاجة ومعاملة النساء والأولاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق