بقلم: بهاء طاهر
بهاء طاهر
412
عدد القراءات
بينما نبحث عن علاج حقيقي لفتنة امبابة الطائفية الأخيرة فظني اننا يجب ان نمضي إلي ابعد من الأمور الظاهرة ـ اي تآمر فلول النظام البائد وبقايا جهاز المباحث راعي السلفيين المتطرفين,
وتمويل بعض رجال الاعمال لمثيري الفتنة من البلطجية واعداء الثورة, لاشك في أن هذا التآمر قد حدث بمشاركة محتملة من هذه العناصر, ولكن ما كان للمؤامرة ان تفلح لولا ان هناك شرخا غائرا في جسد المجتمع والدولة اتاح للتآمر ان ينفذ.
وعندي ان هذا الشرخ ناجم عن التآكل التدريجي للقيم التي أسست دولتنا المدنية الحديثة والتي استغرق الصراع لارسائها قرابة قرنين من الزمان.
خاصة المجتمع بقيادة نخبه المستنيرة معارك زاخرة بالتضحيات من أجل تكوين وطن مصري مستقل عن الخلافة العثمانية وعن الاستعمار الغربي علي حد سواء.
وقام هذا الوطن بالفعل علي اساس الوحدة الوطنية بين جناحيه من المسلمين والمسيحيين, واستمرت معاركه طوال القرن التاسع عشر من أجل ارساء حرية العقيدة وجلاء الوجه المنير لإسلامنا الحنيف, وكان الشيخ الامام محمد عبده هو رائد هذه المعركة, ويلخص موقفه في هذه المسألة قوله, لايسوغ لقوي ولا لضعيف ان يتجسس علي عقيدة احد, وليس يجب علي مسلم ان يأخذ عقيدته أو يتلقي اصول ما يعمل به من احد, إلا عن كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم, لكل مسلم ان يفهم عن الله, من كلام الله وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسيط احد من سلف أو خلف, وانما يجب عليه قبل ذلك ان يحصل من وسائله ما يؤهله للفهم.
اراد الشيخ الامام بذلك ان ينزع اي صفة دينية عن اي حاكم بشري مهما كان لقبه وينزعها بالمثل عن اي جماعة او مؤسسة تدعي لها سلطة دينية من اي نوع, ودفع محمد عبده ثمنا فادحا في مواجهة هجمات الرجعية المرتدية لمسوح الدين ولكن تحرير العقل المصري من الاتجار بالدين تحقق في النهاية بفضل كفاح الشيخ وتلاميذه, وتابعيه, وتجلت صورة الإسلام الحقيقي الذي ينهض بالفرد وبالمجتمع في صحوة ثورة1919 وما تلاها من العقود, وظلت مصر في تلك الفترة من الدولة المدنية منارة يقتدي بها جيرانها في إسلامها السمح المستنير, وفي هذه الاثناء ايضا كانت الكنيسة القبطية مدرسة للوطنية المصرية, تصد محاولات الغرب للهيمنة عليها وتشارك في محاربة الاحتلال الانجليزي وفي كل معارك الوطن علي قدم المساواة.
هكذا كنا فلماذا لم يستمر الحال علي ما كان عليه بعد أنبل وأعظم ثورة مصرية في التاريخ عشناها في يناير الماضي وبعد ان كنا في خلال هذه الثورة نموذجا يحتذي في التآلف والتعاون مسلمين ومسيحيين؟
روح الثورة هي التي جمعتنا علي قلب رجل واحد, غير ان الثورة قد أريد لها أن تقف عند حد لاتتعداه, فتم اقصاء الشباب الذين نظموها وقادوها, واحتضن الاعلام الرسمي وجهات نافذة لا أعرفها( سألت وأسال عن ماهيتها دون ان اجد جوابا), جماعة الاخوان المسلمين وتيارات دينية اخري تصدرت المشهد الاعلامي والسياسي, بل الاصح ان اقول انها احتكرت هذا المشهد دون سواها, وواصلت هذه الجماعات تنفيذ مخطط كان جاريا منذ سنوات طويلة لهدم مقومات الدولة المدنية حتي تخلو لهم الساحة.
لعبت السياسة في عهد مبارك دورا اساسيا في تقويض اولي دعائم الدولة المدنية, وهو استغلال مصر التي كنا نفخر بانها لاشرقية ولاغربية, فأصبحت علي عهده غربية مائة في المائة ومهادنة للصهيونية, تفاءلت الكبرياء الوطنية لدي المواطن العادي فتقدمت التيارات الدينية لسد فراغ الهوية, ودخل الاخوان المسلمون الساحة متأخرين, ولكنهم كانوا اكثر من استفادوا, فقد سبق ظهورهم وعودة قادتهم في السبعينيات حملة قادها الرئيس السادات لاقصاء كل انصار الدولة المدنية من الليبراليين واليساريين والمستقلين من ساحة السياسة والاعلام, واستبدل بهم مجموعة من الوعاظ ملأوا الصحف والشاشات, وكانت رسائلهم تفترق تماما عن منهج الامام محمد عبده وغيره من الدعاة الذين ركزوا كما قلت علي صلاحية الإسلام الحنيف لمواءمة حاجات الانسان في كل عصر.
ارتدبنا هؤلاء الوعاظ الجدد إلي إسباغ القداسة علي الحاكم وتحريم الخروج عليه أو حتي الاختلاف معه, ثم عمروا الشاشات والصحف بسيل من الفتاوي عن أبسط شئون الحياة اليومية, وكان الهدف واضحا انت لاتستطيع ان تدير شئونك, نحن الاعلم بأمور الدين نديرها نيابة عليك, سواء في السياسة او في حياتك الخاصة, والمهم ان اعداد هؤلاء الوعاظ ظلت تتزايد وظلوا ينتشرون بلا انقطاع فتآكلت قيم المجتمع المدني ومهدوا التربة تماما ليحرثها الاخوان ويزرعوها بدعوتهم بروية وذكاء, وهاهم الآن يحصدون الثمار.
وكان من انجازات بعض الوعاظ سالفي الذكر في فترة السبعينيات الغمز واللمز في جناح الامة المسيحي, وزاد الأمر تفاقما ان متعصبين علي الطرف الآخر, لاسيما من اقباط المهجر قد ردوا بالطعن في جناحها الإسلامي, وهكذا اصبحت الامة مهيضة فظلت الفتن الطائفية تتواتر منذ السبعينيات, لايخبو أوارها لفترة إلا لكي تشتعل من جديد, وكل طرف يلقي اللوم علي الآخر, والخلاصة ان تلك الوحدة التي قضينا قرنا علي الاقل في تمتين عراها إلي ان اصبحت حقيقة واقعة في ظل الدولة المدنية قد تزعزعت خلال سنوات قليلة.
بناء القيم الايجابية يستغرق وقتا اطول بكثير من هدمها, وقد هدت معاول كثيرة تدك بينيان الدولة المدنية خلال العقود الماضية, لهذا يستطيع الاخوان المسلمون وأنصار التيارات الدينية الاخري القول بأنهم يؤيدون الدولة المدنية وهم يعلمون ان هذه الدولة لم يعد لها وجود وان الساحة قد خلت لهم او فلنقل انهم يتصورون ذلك!
فانا مازلت وسأظل اعلق امالا كبيرة علي شباب ثورة25 يناير وانصارهم في المجتمع المصري, لقد استطاعوا ان يقلبوا موازين معادلة اصعب من تلك حين اسقطوا حكم مبارك, وندائي لهم في كل مرة هو ان يوحدوا صفوفهم وان يعملوا من جديد مع الشعب الذين ضحوا من أجله بدمائهم الطاهرة, هذه المرة يجب ان نجتمع كلنا للدفاع عن الدولة المدنية التي تكفل لنا الوحدة والحرية.
وعندئذ قد لايكون تهديد مرشد الاخوان لدعاة الدولة المدنية انذارا نهائيا بالاستسلام, فقد نقلت الصحف عنه قوله هناك صحفيون علمانيون يخدمون اجندات خاصة ويحرضون ضد الدين ويغذون الفتن بكتاباتهم بحجة المناداة بالدولة المدنية.
كل هذه الاتهامات في اقل من سطرين! ولاحظ الاجندات مرة اخري من فضلك.
ولاحظ الاتهام الذي يصل إلي حد التكفير بان هؤلاء الصحفيين السيئيين من دعاة الدولة المدنية يحرضون ضد الدين وهي تهمة توشك ان تهدر دماءهم, وهم فضلا عن خدمة الاجندات يخدمون مصالحهم ويحمون وجودهم, ماشاء الله!
حسنا ياسيادة المرشد, كثير من الصحفيين العلمانيين لايعتبرون تلك الصفة وصمة, لان العلمانية لاتناقض الايمان بالدين الذي يؤمنون ويعتزون به وهم يدعون للدولة المدنية دون ان تكون لهم اي اجندة او مصلحة خاصة غير ايمانهم بان الدولة المدنية هي النظام الاصلح لوطنهم الذي يكفل الأمن للجميع ويقضي علي الفتن الطائفية وغير الطائفية ويمنع ظهور الديكتاتورية والفاشية المتسربلة بأيديولوجيات غير مدنية.
واخيرا فانا لايفوتني التنكير والتجهيل المتعمد في اتهامات سيادة المرشد الذي لايجعلها موجهة لاحد بالذات ولكنها في الواقع موجهة للجميع!
واخيرا فانا مع سيادة المرشد في اني أريد ان احمي وجودي احميه من ماذا بالضبط؟