الثلاثاء، يونيو 21
قضايا واراء - من أسرار القرآن (370) [ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتي][ طه:69]
قضايا واراء - من أسرار القرآن (370) [ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتي][ طه:69]
من أسرار القرآن (370)
[ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتي][ طه:69]
بقلم: د. زغلول النجار
7318
هذا النص القرآني الكريم جاء في منتصف سورة( طه), وهي سورة مكية, وآياتها مائة وخمس وثلاثون(135) بعد البسملة,
وقد سميت بهذا الاسم تكريما لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) لأن( طه) اسم من أسمائه الشريفة بدليل توجيه الخطاب إليه مباشرة بعد هذا النداء, وإن اعتبر عدد من المفسرين هذين الحرفين( طه) من المقطعات الهجائية التي استهل بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, ويؤكد ذلك أن سورة( طه) من أولها إلي آخرها تعتبر خطابا من الله ـ تعالي ـ إلي خاتم أنبيائه ورسله ـ يؤكد صدق نبوته, وخاتمية رسالته, ويثبته علي الحق الذي بعث به, ويسري عنه مما كان يلقاه من كفار ومشركي قريش من مقاومة لدعوته, واضطهاد للمؤمنين به, وتجريح لشخصه الكريم, وهو الذي اشتهر بينهم بوصف الصادق الأمين, ويهون عليه الأمر بتكليفه بمجرد البلاغ عن الله ـ تعالي ـ والتبشير بالجنة ونعيمها, والتحذير من النار وأهوالها, والإنذار من خطر الوقوع في أي من مواردها, وترك الخيار للإنسان( ذلك المخلوق المكرم, العاقل, المختار, المكلف) أن يسلك ما يشاء من الطريقين, وأمره متروك إلي الله ـ تعالي ـ وحده الذي يحكم بين الناس بعلمه المحيط بكل شيء, وعدله المطلق الذي لا يظلم أحدا.
هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة( طه), وما جاء فيها من ركائز العقيدة, والاشارات الكونية والتاريخية والعلمية, ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التاريخي والتشريعي في النص الكريم الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال.
أولا: من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في النص الكريم:
يشير هذا النص القرآني الكريم إلي واقعة تاريخية مهمة في سيرة عبد الله ورسوله موسي بن عمران( علي نبينا وعليه من الله السلام), وقد وقعت في يوم عاشوراء المعروف بيوم الزينة, وهو اليوم الذي أظهر الله ـ تعالي ـ فيه عبده ورسوله موسي علي فرعون وسحرته. وكان ذلك بعد أن أوفي موسي بالأجل الذي قطعه علي نفسه لصهره بأرض مدين( في أقصي الشمال الغربي من جزيرة العرب) وسار بأهله تجاه أرض مصر فتاهوا في شبه جزيرة سيناء. وفي ليلة مظلمة شديدة البرد رأي موسي نارا تتأجج في جانب الطور, فتحرك إليها لعله أن يأتي لأهله بقبس منها أو أن يجد علي النار هدي, فلما وصل إليها في الجانب الغربي من' الوادي المقدس طوي' ناداه الله ـ تعالي ـ وشرفه بالنبوة, وكلفه بهداية فرعون وملئه إلي عبادة الله وحده, فشكا موسي إلي الله ـ تعالي ـ خوفه من انتقامهم, لسابق قتله نفرا منهم, وهروبه إلي أرض مدين, كما شكا من عقدة لسانه, وسأل ربه أن يشد أزره بأخيه هارون, فآتاه الله ـ تعالي ـ طلبه, وأعطاه تسع آيات بينات تشهد له بالنبوة. وأوحي الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي هارون أن يلقي أخاه موسي وأن يكون بجانبه في هدايته إلي فرعون وملئه, وفي ذلك تقول الآيات:[ اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري(42) اذهبا إلي فرعون إنه طغي(43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي(44) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغي(45) قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأري(46) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام علي من اتبع الهدي(47) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب علي من كذب وتولي(48) قال فمن ربكما يا موسي(49) قال ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي(50) قال فما بال القرون الأولي(51) قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي(52) الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتي(53) كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهي(54) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري(55) ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبي(56) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسي(57) فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوي(58) قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحي(59) فتولي فرعون فجمع كيده ثم أتي(60) قال لهم موسي ويلكم لا تفتروا علي الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افتري(61) فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوي(62) قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلي(63) فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلي(64) قالوا يا موسي إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقي(65) قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعي(66) فأوجس في نفسه خيفة موسي(67) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلي(68) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتي(69) فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسي(70) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقي(71) قالوا لن نؤثرك علي ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا(72) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقي(73)[ طه:42-73].
وجاء تفصيل واقعة يوم الزينة في أربعة مواقع أخري من القرآن الكريم في كل من سورة' الأعراف'(102-136), وسورة' يونس'(62ـ75), وسورة'101 و102, وسورة' الشعراء'(10 ـ51)
ويتضح وجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في تسجيل القرآن الكريم لواقعة لقاء كل من موسي وهارون ـ عليهما السلام ـ مع فرعون وسحرته بهذا التفصيل الدقيق. وهو أروع ما في الواقعة مما يجعل رواية القرآن الكريم لها وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في كتاب الله.
ثانيا: من أوجه الإعجاز التشريعي في تحريم السحر:
يعرف السحر بمجموع الأقوال والأفعال المنافية لأصول الدين الإسلامي, والمتعارضة مع الأخلاق الشرعية, ولذلك عرفه الفقهاء بأنه الكلام الموضوع الذي يعظم به غير الله ـ تعالي ـ, وهذا المخلوق المعظم زورا ينسب إليه زورا كذلك القدرة علي التحكم في مقدرات الكائنات, وبذلك يصبح السحر كبيرة من أقبح الكبائر, ويمثل ردة ظاهرة عن الدين, بصرف النظر عما يترتب علي ذلك من الآثار, وذلك لأن الذي يعظم غير الله بما هو مختص بالذات الإلهية فقط أو يصف الإله بما لا يليق به هو كافر بين الكفر إلي أن يتوب.
ومن السحر ما هو من باب التوهم والخيال, ومنه ما هو حقيقة, وقد تترتب عليه آثار حقيقية, سواء كانت ضعيفة محدودة, أو كانت بالغة الضرر والأثر. ويخبرنا القرآن الكريم بأن فرعون موسي قد جمع من قومه كل سحار عليم, وجاء بهم مجتمعين, فلم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له, كما وصفه القرآن الكريم بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ[ قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعي][ طه:66].
والنص صريح بأن سحرة فرعون ـ وقد كانوا من أمهر السحرة ـ لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له, وكان ذلك قصاري جهدهم.
أما السحر الحقيقي فقد جاءت الإشارة إليه في القرآن الكريم عن قصة( هاروت وماروت) ومنه قول ربنا ـ تبارك وتعالي:[ واتبعوا ما تتلو الشياطين علي ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل علي الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتي يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون][ البقرة:102].
والقرآن الكريم ينفي عن عبدالله ونبيه سليمان أنه كان ساحرا, ويقرر أن السحر كفر ينفيه عن سليمان, ويثبته للشياطين, ويعتبر تعلمه واستخدامه كفرا كذلك, كما ينفي أن السحر منزل من عند الله علي الملكين ببابل( هاروت وماروت), ويبين أن هذين الملكين كانا في بابل( من أرض الكوفة) ابتلاء للناس لحكمة يعلمها الله ـ تعالي ـ وقد كان بعض الناس يصبر علي تعلم السحر منهما علي الرغم من تحذيرهما من ذلك, ومن تأكيد الله ـ تعالي ـ أن السحر يضر القائم به ولا ينفعه وأن من يشتريه لا نصيب له من خيري الدنيا والآخرة, فما أسوأ ما باعوا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. وفي ختام الآية الكريمة تقرير لكلية التصور الإسلامي الصحيح بأنه لا يقع شيء في هذا الوجود إلا بإذن الله, لأنه هو رب هذا الكون ومليكه, حاكمه ومدبر كل أمره.
ولذلك أوصانا ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بالتعوذ به والاعتصام بجلاله بقوله العزيز:[ ومن شر النفاثات في العقد][ الفلق:4]. والنفاثات هن النساء الساحرات اللائي كن ينفثن( أي ينفخن) في عقد الخيوط حين يسحرن بها ليصبن عباد الله بسحرهن. والسحر يدفع شره بكثرة التعوذ بالله ـ تعالي ـ والتحصن به, واللجوء إليه, وبتقوي الله- تعالي- في السر والعلن, وأداء حقوقه, ومراقبة أوامره ونواهيه, فمن اتقي الله- تعالي- تولي حفظه, ولم يكله إلي غيره.
ومباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام, سواء كانت المباشرة عملا به أو تعليما أو تعلما له. والمجاهر بالسحر حكمه القتل لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: حد الساحر, ضربه بالسيف'.
وقد تدخل الكهانة في السحر, وإن كان الكاهن هو العراف الذي يحدث ويتخرص, والذي له من الجن من يأتيه بالأخبار. والكاهن حكمه حكم الساحر, فيقتل إن جاهر بكهانته لقول سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه:' اقتلوا كل ساحر وكاهن'.
وفي قوله ـ تعالي:[ ولا يفلح الساحر حيث أتي][ طه:69]. تأكيد علي ذم السحر وأهله, وقد اعتبره رسول الله صلي الله عليه وسلم من الكبائر, ومن السبع الموبقات المهلكات.
ومن ذلك كله يتضح وجه الإعجاز التشريعي في تحريم السحر تحريما قاطعا بمختلف أشكاله وأساليبه وصوره, ومساواته بالكفر, واعتباره من الكبائر, لأنه قائم علي الاتصال الخفي بشياطين الجن وتوظيفهم في الإضرار بالأبرياء الغافلين من خلق الله, من أجل منازعة الله في سلطانه, وهو_ تعالي ـ رب هذا الكون ومليكه, وحاكمه ومدبر أمره. والسحر ضرب من أخذ زمام معاقبة الأبرياء دون محاكمة, ونوع من الظلم المتجاوز لكل الحدود في حق الله ـ تعالي ـ وفي حق عباده.
فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قضايا واراء - من أسرار القرآن
قضايا واراء - من أسرار القرآن
من أسرار القرآن
بقلم: د. زغلول النجار
263
(377 ج)إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم] (التوبة:40).
في المقالين السابقين استعرضنا عددا من الدروس التربوية الهامة المستقاة من هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وصاحبه أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من مكة المكرمة إلي يثرب في ضوء الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال, والظروف الصعبة التي كان المسلمون يمرون بها وقت تنزل هذه الآية الكريمة.
هذا وقد سبق لنا أن أشرنا إلي أن هذا الحدث الذي غير مجري التاريخ بانتقال المسلمين من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء التي عاشوها في مكة, إلي مرحلة العزة, والقوة, والمنعة والتمكين في الأرض التي بدأوها في المدينة المنورة. وقلنا أن مسلمي اليوم قد عادوا في دورة من دورات الزمن إلي حالة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء علي مستوي دولي أكبر وأخطر مما لقيه مسلمو مكة, وإذا أراد مسلمو اليوم الخروج من ذلك الذل الذي غرقوا فيه فعليهم معاودة الاستفادة بالدروس التربوية المستقاة من هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حتي يتمكنوا من استعادة دورهم الرائد في هداية البشرية الضالة التائهة, والتي أعماها ما حققته من تقدم علمي وتقني مذهل, صاحبه انحسار ديني وأخلاقي وسلوكي مذهل كذلك, فأغري ذلك الطواغيت بالإفساد في الأرض, والتسلط علي الخلق ونشر الظلم في أرجاء الأرض في غطرسة عمياء, وتجبر فاق الحدود مما أغرق الأرض في بحار من الدماء والأشلاء والخراب والدمار, ولا مخرج للبشرية كلها من ذلك إلا بالعودة مرة أخري إلي الله. ولا يملك مفتاح تلك العودة إلا المسلمون.
وعرضنا في المقالين الماضيين عددا من الدروس المستفادة من الهجرة نلخصها فيما يلي:
أولا: ضرورة الإيمان الصادق بالله ـ تعالي ـ وجميل التوكل عليه, والجهاد من أجل إقامة عدل الله في الأرض, والتحرك المخلص بذلك, مع الاستعداد للتضحية من أجل إعلاء كلمة الله, ونصرة دينه, واليقين بأن النصر من الله والاستبشار بقرب تحقق ذلك إن شاء الله ـ تعالي.
ثانيا: الإيمان بحقيقة الأخوة الإنسانية, والتسليم بحتمية صراع أهل الباطل مع أهل الحق علي الرغم من ذلك.
ثالثا: ضرورة إحكام التخطيط لكل أمر, وأخذ الحيطة الكاملة من مؤامرات أهل الشر, وقد تكالبوا علي المسلمين في هذه الأيام.
رابعا: اليقين في رعاية الله ـ تعالي ـ لعباده المؤمنين به والمتوكلين عليه.
خامسا: التأكيد علي أن حب مكة المكرمة من الإيمان, وكذلك حب الأوطان.
سادسا: ضرورة حب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وحب صحابته الكرام.
سابعا: ضرورة الأخذ بالأسباب في كل أمر من أمور الحياة, مع جميل التوكل علي الله( تعالي).
ثامنا: ضرورة اليقين في معية الله ـ تعالي ـ لعباده المؤمنين, وحفظه لهم.
تاسعا: ضرورة الوفاء بالعهد تحت مختلف الظروف.
وفي هذا المقال نضيف الدرسين التاليين:
أولا: ضرورة الإيمان بمعجزات الأنبياء وبكرامة الصالحين:
سار الركب النبوي متجها إلي المدينة, وتابعهما أحد فرسان قريش وكان اسمه' سراقة بن مالك' وكاد يلحق بهما, لولا أن أقدام فرسه غاصت في الرمال فاستجار برسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأجاره, ولكن الطمع في المائتي ناقة كان ينسيه ما حدث له فيتابع المطاردة لتغوص قدما فرسه بالأرض بصورة أشد من ذي قبل, وتكرر ذلك عدة مرات, والرسول يجيره حتي آمن سراقة بأنه لا سبيل له في الوصول إلي الرسول وصاحبه, فقرر الرجوع رادا للمتعقبين لرسول الله وصاحبه من كفار قريش, خاصة وأن رسول الله وعده أن يلبسه الله ـ سبحانه وتعالي ـ سواري كسري, وهو يتعجب كيف يمكن أن يكون له ذلك والفرس يحكمون المنطقة بالكامل, ثم تحقق له ذلك بالفعل بعد إسلامه, وكان ذلك إبان إمارة الفاروق عمر بن الخطاب( رضي الله عنه).
وفي أثناء رحلة الهجرة كان رسول الله يأمر أبا بكر أن يشغل الناس عنه, فكان إذا سئل: من هذا الذي أنت بين يديه؟ فيرد أبو بكر قائلا:' هاد يهديني السبيل' وقد صدق فيما قال من تورية تعتبر درسا للمسلمين في كل ما يمكن أن يمروا به من الشدائد.
وفي الطريق إلي المدينة نزل ركب رسول الله للتزود بالطعام والشراب علي خيام لأم معبد الخزاعية, والمنطقة كانت يومئذ تعيش في شدة من الجدب والعوز, فسألوها أن تبيعهم لحما أو لبنا أو تمرا, فقالت: والله لو كان عندنا ما أعوزناكم القري( أي القيام بواجبات الضيافة). وفجأة أبصر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ شاة خلفها عن الغنم شدة ما بها من هزال وجهد, فسأل: هل بها من لبن؟ قالت أم معبد: هي أجهد من ذلك, قال: أتأذنين لي في حلابها؟ أجابت: والله ما ضربها من فحل قط, فشأنك إن رأيت فيها حلبا فاحلبه, وأحضرتها له. فمسح رسول الله- صلي الله علي وسلم- بيده الشريفة علي ظهر الشاة وعلي ضرعها مسميا باسم الله, فدرت, ودعا بإناء كبير يروي جماعة من الناس فحلب, ونزل اللبن قويا في صوته, ثرا في تدفقه حتي امتلأ الإناء, فقدمه لأم معبد أمام دهشة الجميع, فشربت حتي رويت, وشرب جميع من حضر حتي روي, وأخيرا شرب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حتي روي, وكان قدومه علي أهل هذه المنطقة بشير يمن وبركة, فنزل الغيث, واخضرت الأرض, ودرت ضروع الحيوانات, فأطلقوا علي زائرهم لقب' المبارك'.
وفي الطريق إلي يثرب لقي ركب النبي كلا من أبي بريدة والزبير بن العوام, وكان أبو بريدة زعيم قومه قد خرج في وفد منهم فاق عدده السبعين رجلا في طلب الرسول وصاحبه, ولكن لما واجهوه أسلموا جميعا, وكان الزبير في جماعة من التجار المسلمين العائدين من بلاد الشام ففرحوا بلقاء الرسول وصحبه.
ثانيا: اليقين في ضرورة تحقق نصر الله:
بعد أحد عشر يوما في الطريق وصل ركب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلي قباء فاستقبله أهلها بالترحاب والفرحة والبهجة, وقضي الرسول وصحبه عدة أيام في قباء يصلون في مسجدها( مسجد قباء). وهو أول مسجد أسس علي التقوي.
ثم تحرك الركب إلي المدينة انتزاعا من قلوب أهل' قباء', وبمجرد الوصول إليها تزاحم أهل يثرب علي زمام ناقة الرسول, كل يريد أن يظفر بنزول هذا الركب المبارك عنده, ورسول الله ـ صلي الله علي وسلم ـ يقول:' دعوها فإنها مأمورة' حتي بركت في موضع مسجده الشريف إلي جوار بيت أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ الذي نزل به رسول الله. وكانت الأرض التي بركت فيها الناقة أرضا خلاء يملكها يتيمان في المدينة, فوهباها لرسول الله ولكنه أصر علي دفع ثمنها كاملا قبل البدء ببناء المسجد فيها.
وفي هذا المسجد ـ الذي كان شديد التواضع في بساطته ـ ربي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ جيلا من الرجال والنساء الذين فهموا حقيقة رسالتهم في الحياة: عبادا صالحين لله, يعبدونه سبحانه وتعالي بما أمر, ومستخلفين ناجحين في الأرض, مطالبين بعمارتها, وبإقامة شرع الله وعدله في ربوعها, وبذلك أسسوا قاعدة دولة الإسلام في المدينة. وبهؤلاء الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات أقام رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أعظم دولة عرفتها الإنسانية عبر تاريخها الطويل, وانطلاقا من دولة المدينة أقام المسلمون أعظم حضارة شهدتها الأرض منذ أن عمرها الإنسان.
من هنا فإننا نحتفل بذكري هذا الحدث العظيم ـ هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فهو الحدث الذي غير مسيرة التاريخ كله, لأنه لولاه ما وصلنا الإسلام, ولعاشت البشرية كلها في دياجير من ظلام الشرك والكفر والضلال التي كانت قد غاصت فيها قبل البعثة النبوية الشريفة, والتي لايزال يغوص فيها غالبية أهل الأرض إلي اليوم, وذلك لأن الهجرة كانت انتقالا من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد لأهل الحق إلي مرحلة انتصارهم علي أهل الباطل.
وإذا كان المسلمون في أيامنا هذه قد عادوا في دورة من دورات الزمن ـ إلي مرحلة من مراحل الاستضعاف والاضطهاد, فإن من الواجب عليهم مدارسة هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وحركته في الانتقال بالمستضعفين من المسلمين إلي مرحلة النصر المبين, الذي نستبشر بقرب تحققه فالإسلام قادم قادم, والنصر قريب إن شاء الله.
فكما جاهد رسول الله علي مدار ثلاث وعشرين سنة حتي أوصل لنا الإسلام الذي لا يرتضي ربنا ـ تبارك وتعالي ـ من عباده دينا سواه. فإن واجب المسلمين اليوم هو بذل أقصي الجهد لنصرة دين الله بتعلمه من مصادره الصحيحة, وبتحقيقه أمرا واقعا في حياة المسلمين, وبحسن الدعوة إليه بالكلمة الطيبة والحجة البالغة وباللغة التي يفهمها أهل عصرنا وهي لغة العلم.
وإذا كانت هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد توجت بإقامة دولة الإسلام في المدينة, ثم بفتح مكة, وبامتداد دولة الإسلام بعد ذلك, لتشمل نصف المعمورة في أقل من قرن من الزمان, فإن روح الهجرة تبقي ـ في زمن الفتن الذي نعيشه ـ تجسيدا لضرورة فرار المسلم إلي الله ورسوله فرارا حقيقيا مخلصا وذلك لأقواله ـ صلي الله عليه وسلم ـ التي منها ما يلي:
1ـ' لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية'( متفق عليه).
2ـ'... والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه'( متفق عليه).
3ـ' لا تنقطع الهجرة حتي تنقطع التوبة, ولا تنقطع التوبة حتي تطلع الشمس من مغربها'( أبو داود; النسائي).
4ـ' لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو'( النسائي, ابن حبان, أحمد).
5ـ' من مات, ولم يغز ولم يحدث نفسه به, مات علي شعبة من النفاق'( مسلم).
والمسلمون في أوضاعهم الحالية, وقد تمزقت وحدتهم في أكثر من ستين دولة ودويلة, بالأضافة إلي أقليات تقدر بعشرات الملايين في بعض الحالات( مثل الهند والصين).
وقد أدي انقسام المسلمين إلي بعثرة إمكاناتهم البشرية والمادية مما تسبب في تراجعهم الحضاري, في كل الميادين ومنها التخلف العلمي والتقني, والانحسار الاقتصادي والتعليمي والإعلامي والهزيمة العسكرية علي أيدي أعداء اغتصبوا قلب العالمين العربي والإسلامي دون أدني حق ديني أو عرقي أو تاريخي أو لغوي أو قانوني, وللأسف الشديد استسلم العرب( وهم أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة), كما استسلم المسلمون( وهم أكثر من مليار ونصف المليار نسمة) لما فرضته ولا تزال تفرضه عليهم هذه الحفنة من حثالات الأمم, ونفايات الشعوب, في مذلة وصغار لم يسبق للعرب ولا للمسلمين أن ذاقوا مثل مرارته من قبل.
وإذا أراد المسلمون الخروج من حالة المهانة التي يعيشون فيها اليوم فعليهم بمراجعة وقائع الهجرة النبوية الشريفة ومدارستها في ضوء الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال. ويكفي أن نشير في ذلك إلي ضرورة تذكير أمة الإسلام بحتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل, وبأن الحق لا ينتصر لمجرد كونه حقا, ولكنه يحتاج إلي الحركة الدائبة والتضحية المخلصة من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض, والبذل السخي, والعطاء الجزل في سبيل تحقيق ذلك, مع الإيمان العميق بأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله, فإذا أحسنا الثقة بالله ـ تعالي ـ, وتوكلنا عليه حق التوكل بعد بذل جهد الطاقة منا تحقق لنا النصر بإذن الله. وإذا تأكد ذلك في عقول وقلوب مسلمي اليوم لخرجوا من حالة التمزق والتشرذم والتخلف التي يعيشونها, ومن وضع التراجع في كل الميادين التي خاضوها, ومن مرحلة الاستضعاف والاضطهاد التي يمرون بها إلي وحدة الكلمة وجمع الصفوف علي نصرة دين الله, وإلي تحقيق قيادة العالم من جديد, وإلي مرحلة العزة والقوة والمنعة التي تميزوا بها في القديم, والنصر المؤزر الذي سوف يحققونه بتأييد الله, وإن لم ينتبه مسلمواليوم إلي حجم المخططات الشيطانية التي تحاك لهم في السر والعلن فإنهم سوف يتعرضون إلي المزيد من التمزق والتفتت والتشرذم كالذي يدبر اليوم لكل من السودان والصومال والعراق وأفغانستان, والمخطط الشيطاني لمزيد التفتيت لجميع الكيانات المسلمة طويل ومرير إذا لم يستيقظ المسلمون لمقاومته والتصدي لنع تنفيذه. ومن أخطار مخطط التفتيت للعالمين العربي والإسلامي أن أهل الكفر والشرك والضلال قد توحدوا في كيانات كبيرة, استحوذت علي جميع مقومات الغلبة المادية مما يجعل المواجة غير متكافئة علي الإطلاق. وعلي الرغم من ذلك كله فإن الله- تعالي- تعهد علي ذاته العلية تعهدا مطلقا بنصرة عباده المؤمنين وما ذلك علي الله بعزيز, والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العامين
قضايا واراء - من أسرار القرآن
قضايا واراء - من أسرار القرآن
الأولى
مصر
المشهد السياسي
المحافظات
الوطن العربي
العالم
تقارير المراسلين
تحقيقات
قضايا واراء
اقتصاد
رياضة
حوادث
دنيا الثقافة
المراة والطفل
إذاعة وتليفزيون
الكتاب
الاعمدة
أراء حرة
ملفات الاهرام
بريد الاهرام
الاخيرة
سياحة وسفر
ملفات دولية
شباب وتعليم
طب وعلوم وبيئة
ملحق الجمعه
صور برلمانيه
فكر دينى
هوامش حره
أوراق دبلوماسيه
كتب
سينما
قضايا إستراتيجية
بريد الجمعة
لغة العصر
ملحق ع الهوا
تراث و حضارة
ملحق الصعيد
موضوعات من نفس الباب
المواجهة مع النفس
ظاهرة ويكيليكس والسلطة الخامسة
تونس ونظرية الأواني المستطرقة في السياسة العربية...
الإسلام والآخر.. درس باكستان
باراك: استنساخ مشوه لتجربة شارون
الموضوعات الاكثر قراءة
بريد السبت يكتبه: أحمد البري
الحب الصامت! [67195]
الليلة الأهلي بقيادة جوزيه أمام المقاصة [22826]
أزمات الوزراء الثلاثة لا تنتهي..!
[20726]
الزمالك يتعادل أمام الإنتاج الحربي
[19158]
طلعت يثير أزمة في مران الأهلي
[13818]
الأهرام Ahram
eahram
eahram "خناقة" بين أحمد بهجت ومراسم مجلس الوزراء بسبب الجلوس فى الصفوف الأمامية http://gate.ahram.org.eg... #egypt #news #ahram · reply · retweet · favorite
eahram 25 قتيلا في انفجار سيارتين بوسط العراق http://gate.ahram.org.eg... #egypt #news #ahram · reply · retweet · favorite
eahram الأهلى يسعى للاستفادة من هدية الجيش .. و"يخطب ود" القمة بمواجهة إنبى http://t.co/29R51Rb via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram عراقيل تقف أمام عودة "عمر أفندي" للدولة.. و"التمويل الدولية" تسأل عن مصيرها http://t.co/uZWEwVm via @eahram · reply · retweet · favorite
Join the conversation
الصفحة الأولى | قضايا واراء
من أسرار القرآن
بقلم: د. زغلول النجار
2958
377 ب --((إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )) (سورة التوبة:40)
في المقال السابق استعرضنا عددا من الدروس التربوية الهامة المستقاة من هجرة الرسول- صلي الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- من مكة المكرمة إلي يثرب; وذكرنا أن هذا الحدث الذي غير مجري التاريخ بانتقال المسلمين من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء التي عاشوها في مكة إلي مرحلة العزة والقوة والمنعة والتمكين في الأرض التي بدأوها في المدينة.
وعرضنا من الدروس المستفادة ما يلي:
أولا: ضرورة الإيمان الصادق بالله- تعالي, وهذا الإيمان يربي أبناء وبنات المسلمين علي حتمية التوكل علي الله- تعالي- حق التوكل, وعلي بذل الجهد والمال والفكر من أجل نصرة دين الله في الأرض, وضرورة التحرك المخلص لذلك, مع الاستعداد للتضحية بالنفس والنفيس من أجل تحقيق ذلك النصر, والوثوق التام بأن النصر من الله- تعالي- والاستبشار والفرح بقرب تحققه ـ إن شاء الله.
ثانيا: مع الإيمان بحقيقة الأخوة الإنسانية, لابد من التسليم بحتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل, وكان واقع المسلمين في مكة خير شاهد علي ذلك, كما أن واقع المسلمين اليوم وهم يتعرضون لمؤامرات أعوان الشيطان من كل حدب وصوب لا يكاد يختلف كثيرا عن واقع الذين آمنوا مع رسول الله- صلي الله عليه وسلم- من أهل مكة وتعرضوا لاضطهاد كفار قريش.
ثالثا: ضرورة إحكام التخطيط لكل أمر من أمور المسلمين وقد فقدوا مرجعيتهم الدينية الموحدة في هذه الأيام-, ولقد كان في تخطيط رسول الله- صلي الله عليه وسلم- لرحلة الهجرة درسا لكل مسلم ومسلمة لا يجوز أن ينسي خاصة في أيام المحن الشديدة التي يتعرض لها مسلمو اليوم.
وفي مقال اليوم نواصل استعراضنا لعدد آخر من الدروس المستفادة من هذا الحدث الهام وذلك في النقاط التالية:
أولا: ضرورة اليقين في رعاية الله ـ تعالي ـ لعباده المؤمنين:
في العتمة من ليلة الهجرة النبوية الشريفة, طوق بيت النبي- صلي الله عليه وسلم- أحد عشر شاباي من كفار قريش المتوشحين بالسيوف, وأخذوا يرصدون كل حركة فيه. وعند منتصف الليل قام النبي- صلوات ربي وسلامه عليه ـ ليخلفه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- في فراشه, وخرج رسول الله من بين المطوقين للبيت دون أن يشعروا به, لأن الله ـ تعالي ـ كان قد أغشي أبصارهم بالكامل فلم يروه, وأخذ رسول الله- صلي الله عليه وسلم- حفنة من تراب في يده الشريفة, وجعل ينثر ذلك التراب علي رؤوسهم وهو يتلو قوله- تعالي:( يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين علي صراطي مستقيمي تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوماي ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول علي أكثرهم فهم لايؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاي فهي إلي الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداي ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواءي عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) حتي فرغ من هذه الآيات, ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع علي رأسه ترابا, ثم انصرف إلي حيث أراد أن يذهب, فأتاهم آت ممن لم يكن معهم, فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمدا; قال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد, ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع علي رأسه ترابا, وانطلق لحاجته, أفما ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده علي رأسه فإذا عليه تراب, ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا علي الفراش متسجيا ببرد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده, فلم يبرحوا كذلك حتي أصبحوا فقام علي- رضي الله عنه- عن الفراش, فقالوا: والله لقد صدقنا الذي حدثنا( سيرة ابن هشام) ثم تحرك رسول الله- صلي الله عليه وسلم- للقاء أبي بكر كي ينطلقا في رحلة الهجرة, عامدين إلي غار ثور.
ثانيا: التأكيد علي أن حب مكة المكرمة( بصفة خاصة) وحب الوطن( بصفة عامة) من صميم الإيمان بالله- تعالي:
خرج المهاجران الكريمان من خوخة في ظهر بيت أبي بكر, قاصدين جبل ثور إلي الجنوب من مكة, ولكن قبل البدء في مسيرة الهجرة وقف رسول الله- صلي الله عليه وسلم- علي رابية صغيرة في أحد أسواق مكة, واتجه ببصره إلي الكعبة المشرفة يودع أحب بقاع الأرض إلي الله ـ تعالي ـ وإليه قائلا: والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي, وأنك أحب أرض الله إلي الله ـ عز وجل ـ وأكرمها عليه, وإنك خير بقعة علي وجه الأرض, ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت. وهذا درس في حب مكة المكرمة( بصفة خاصة) وفي حب الأوطان( بصفة عامة) يجب أن يتأسي به كل مسلم.
ثالثا: ضرورة حب رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وحب صحابته الكرام:
سار رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر مسافة عشرة كيلو مترات علي الأقدام متجهين جنوباي قاصدين غار ثور, وقد حمل أبو بكر معه كل ثروته, ولم يترك لأبنائه منها شيئاي, وسار وهو خائف علي رسول الله من أن تلمحه عين من أعين كفار ومشركي قريش, فتارة يمشي أمامه وتارة يأتي خلفه, وثالثة عن يمينه, ورابعة عن يساره, فسأله رسول االله عن ذلك فقال: يا رسول الله! أذكر الرصد فأكون أمامك, وأذكر الطلب فأكون خلفك, ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك, لا آمن عليك.
وبعد صعود جبل ثور, وهو جبل شامخ الارتفاع, صعب المرتقي, كثير الأحجار الصلدة, الناتئة, وصل النبي وصاحبه إلي فم الغار, وهم- صلي الله عليه وسلم-بدخوله, فسبقه أبو بكر قائلا: لا تدخل يا رسول الله حتي أدخله قبلك, فإن كان فيه شيء أصابني دونك. دخل أبو بكر إلي جوف الغار, ودار علي جوانبه يتفحصها, فوجد فيها جحوراي كثيرة, فشق ثوبه, ومزقه قطعا دار بها علي جوانب الغار يسد جحورها بخرق الثوب حتي نفدت, وبقي جحران متقاربان لم يجد لديه ما يسدهما به, فاستلقي علي أرض الغار مواجها هذين الجحرين وعمد إلي سدهما بقدميه خشية أن يكون فيهما شيء من الهوام, ثم نادي علي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فدخل, ووضع رأسه الشريفة علي إحدي فخذي أبي بكر ونام من شدة الإجهاد.
بعد فترة من الزمن فوجئ أبو بكر بحية تلدغه من أحد الجحرين اللذين سدهما بقدميه, فتحمل الألم ولم يحرك قدمه حتي لا تخرج الحية فتؤذي رسول الله, ولكن الألم زاد عليه فبدأ يبكي بكاء مكتوما من شدة الألم, وسقط شيء من دموعه علي وجه رسول الله فتنبه مستيقظا سائلا: ما لك يا أبا بكر؟ فقال: لدغت يا رسول الله فداك أبي وأمي, فعالج رسول الله مكان اللدغة فشفيت.
ولما جاء وقت الفجر, ووصل نور النهار إلي قلب الغار لاحظ رسول الله أن أبا بكر لا يلبس الثوب الذي كان عليه حين خرجا من مكة, فسأله عنه فأخبر بأنه مزقه ليسد به جحور الغار خوفا من الهوام, فرفع النبي- صلي الله عليه وسلم- يديه إلي السماء قائلا: اللهم اجعل أبا بكر في درجتي يوم القيامة( أبو نعيم حلية الأولياء). وهذا درس لا ينسي في حب رسول الله وفي مقام الصحبة في الله رابعا ـ ضرورة الأخذ بالأسباب في كل أمر من أمورالحياة مع جميل التوكل علي الله:
مكث رسول الله- صلي الله عليه وسلم-وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتي يأمنا انصراف المطاردين لهما عن جبال مكة وكانا قد رتبا أن يأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار ليلا, ويبيت عندهما حتي السحر, وأن تأتيهما أسماء بنت أبي بكر بالطعام والشراب ثم تعود مع أخيها قبل طلوع النهار, ورتبا أن يقوم عامر بن فهيرة برعي الغنم جنوب مكة ليغطي علي آثار المتحركين إلي غار ثور ومنه, وكان في ذلك من دروس حسن الإعداد وضرورة الأخذ بالأسباب ما يجب علي المسلمين أن يأخذوا به في جميع أمورهم, بعد جميل التوكل علي الله- سبحانه وتعالي.
خامسا ـ ضرورة الإيمان بمعية الله ـ تعالي ـ لعباده المؤمنين وحفظه لهم:
بعد خروج رسول الله وصاحبه من مكة شمر كفار ومشركو قريش عن سواعدهم في طلب المهاجرين الكريمين, وجندوا كل إمكانياتهم في سبيل تحقيق ذلك, وقرروا إعطاء مكافأة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما, لمن يعيدهما إلي قريش حيين أو ميتين كائناي من كان.
وأملا في الحصول علي تلك المكافأة السخية جد كلي من قصاصي الأثر والفرسان وانتشروا في كافة الأودية والجبال المحيطة بمكة في طلب المهاجرين الكريمين, حتي وصل بعض المقتفين للأثر إلي فتحة غار ثور, وقالوا: والله ما جاز مطلوبكم هذا المكان.
سمع أبو بكر هذا الكلام فبكي بكاء مكتوما, هامسا لرسول الله بقوله: والله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا. لو هلك أبو بكر لهلك فرد واحد, أما أنت يا رسول الله لو هلكت لذهب الدين, وهلكت الأمة, والله ما علي نفسي أبكي, ولكن مخافة أن أري فيك ما أكره. فطمأنه رسول الله- صلي الله عليه وسلم-قائلا: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا وفي ذلك يقول القرآن الكريم: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودي لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم.( التوبة:40ـ41)
وقد كان رسول الله واثقاي من معية الله ـ سبحانه وتعالي- لهما, وبالفعل أوحي الله ـ تعالي ـ إلي شجرة أن تنحاز إلي فم الغار لتسده, كما أوحي إلي إحدي إناث العنكبوت أن تنسج نسيجاي يطبق علي فم الغار, وإلي حمامتين أن تبيضا وتفرخا بالوصيد, مما جعل كلا من المطاردين وقصاصي الأثر ينبذون الرأي القائل بأنهما قد دخلا إلي جوف غار ثور, فعادوا أدراجهم خائبين بعد أن صرف الله أنظارهم عمن بداخل الغار بالشواهد التي أمر بتغطيتها لفوهة الغار, ولذلك قال تعالي: وأيده بجنودي لم تروها...( التوبة:40)
سادسا ـ ضرورة الوفاء بالعهد: بعد مبيت رسول الله وصاحبه ثلاثة أيام في غار ثور هدأ طلب كفار قريش لهما في كهوف الجبال حول مكة, واتجهت أنظارهم شمالا إلي الطريق المؤدية إلي يثرب, وفي هذا الوقت كان من حسن التخطيط أن جاء عبد الله بن أبي بكر بالراحلتين والدليل ـ الذي كان مشركاي, ولكنه كان قد أعطي العهد ألا يخون الأمانة ـ وجاءت أسماء بنت أبي بكر بالزاد, وخرج كل من أبي بكر ورسول الله من الغار, فقدم له أبو بكر أفضل الراحلتين, فقال: إني لا أركب بعيراي ليس لي فقال أبو بكر: هي لك يا رسول الله, قال: لا, ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به؟ قال: كذا, قال- صلي الله عليه وسلم- قد أخذتها به. قال أبو بكر: هي لك يا رسول الله. فركبا, وانطلقا سالكين طريق الساحل علي الرغم من أنه أطول من الطريق الجبلي, وكان في صحبتهما كل من عامر بن فهيرة مولي أبي بكر, والدليل عبد الله بن أريقط الذي لم يفش سرهما رغم شركه, ولم يكن في عرض مشركي قريش مائتي ناقة لمن يعيد المهاجرين الكريمين إليهم حيين أو ميتين إغراء كافيا أن يخون عهده معهما, وهو درس في الوفاء بالعهد تحتاجه البشرية كلها في زمن الفتن الذي نعيشه اليوم
قضايا واراء - من أسرار القران (377 ) إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار
قضايا واراء - من أسرار القران (377 ) إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار
موضوعات من نفس الباب
حرب خفية لتخريب برنامج إيران النووي!
عودة إلي تقارير قديمة.. ونسأل
الإسكندرية والمنيا: قراءة في عودة الإرهاب
أجمل شئ في الدنيا
عبد الرءوف الريدي.. مدرسة في الدبلوماسية والأخلاق الرفيعة
الموضوعات الاكثر قراءة
بن علي يتخلي عن السلطة و يصل السعودية [61844]
بريد السبت يكتبة:احمد البري
الأم الحقيقية! [39649]
بعد تهور التوأم.. أحداث الزمالك وأصفهان تطوي صفحاتها [25272]
أمطار غزيرة تستمر72 ساعة
[20509]
انتقالات شتوية ساخنة... 14 صفقة بـ26 مليون جنيه [19252]
الأهرام Ahram
eahram
eahram "خناقة" بين أحمد بهجت ومراسم مجلس الوزراء بسبب الجلوس فى الصفوف الأمامية http://gate.ahram.org.eg... #egypt #news #ahram · reply · retweet · favorite
eahram 25 قتيلا في انفجار سيارتين بوسط العراق http://gate.ahram.org.eg... #egypt #news #ahram · reply · retweet · favorite
eahram الأهلى يسعى للاستفادة من هدية الجيش .. و"يخطب ود" القمة بمواجهة إنبى http://t.co/29R51Rb via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram عراقيل تقف أمام عودة "عمر أفندي" للدولة.. و"التمويل الدولية" تسأل عن مصيرها http://t.co/uZWEwVm via @eahram · reply · retweet · favorite
Join the conversation
الصفحة الأولى | قضايا واراء
من أسرار القران (377 )
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار
بقلم: د. زغلول النجار
3873
هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الثلث الأول من سورة' التوبة', وهي سورة مدنية, ومن طوال سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها مائة وتسعا وعشرين(129), وهذا ما يجعلها سادس أطول سور الكتاب العزيز.
وسورة' التوبة' من أواخر السور التي أنزلت علي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- إذ أنزلت في السنة التاسعة من الهجرة, وقد سميت بهذا الاسم( التوبة) لورود هذه الكلمة ومشتقاتها في اثنتي عشرة آية من آياتها. كذلك سميت هذه السورة باسم( براءة) وهي الكلمة التي استهلت بها, وسميت بأسماء أخري منها:( لفاضحة) و( المخزية) و( المتبرة) أي المهلكة, و(المنكلة), و(سورة العذاب); وذلك لفضحها للمنافقين, ولكونها المهلكة لهم, والمنكلة بهم, والواصفة لعذابهم, كذلك سميت باسم( المحفزة) أو( الحافزة) لتحفيزها المؤمنين علي الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء دينه.
ولم تستفتح سورة' التوبة' بالبسملة, لأن( البسملة) رحمة من الله- تعالي- والسورة تبدأ بإعلان من الله- سبحانه وتعالي- ومن خاتم أنبيائه ورسله- صلي الله عليه وسلم- بالبراءة من المشركين, ورحمة الله لا تلتقي أبدا مع البراءة من ذمة الله وذمة خاتم أنبيائه ورسله.
ويدور المحور الرئيسي لسورة' التوبة' حول عدد من التشريعات الإسلامية المتعلقة بالجهاد في سبيل الله, وبمصارف الزكاة, والحاكمة للعلاقة بين المسلمين وبين كل من المشركين والمنافقين في كل من المجتمعات المسلمة وغير المسلمة. كذلك أشارت السورة الكريمة إلي هجرة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ذلك الحدث الذي غير وجه التاريخ بالكامل, لأنه كان العامل الرئيسي غنشاء دولة المسلمين بالمدينة والتي منها انطلق الفتح الإسلامي ليشمل نصف الكرة الأرضية في أقل من قرن من الزمان, ويقيم أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية لأنها كانت أكمل الحضارات لجمعها بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة, كما كانت أطول الحضارات الإنسانية فيما نعلم.
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة' التوبة' وما جاء فيها من التشريعات والعقائد الإسلامية, والإشارات الكونية والإنبائية, ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التربوي في هجرة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق-( رضي الله عنه وأرضاه) وفي الآية الكريمة التي اخترناها عنوانا لهذا المقال.
من اسباب نزول هذه الآية الكريمة:
لما رجع رسول الله- صلي الله عليه وسلم- من غزوة حنين بالطائف, أمر المسلمين بالنفير العام لغزوة تبوك, ردا علي تجمع جيوش الروم في أقصي الجنوب من بلاد الشام علي أطراف الجزيرة العربية, وردا علي ما كان هرقل ملك الروم قد قرره من دفع رواتب جنده لمدة سنة مقدما تشجيعا لهم علي مقاتلة المسلمين, وبعد أن انضم لهم عدد من قبائل العرب في شمال الجزيرة إلي قوات الروم, كان منهم قبائل كل من لخم, وجذام, وعاملة, وغسان, وتقدمت القوات الرومانية وحلفاؤها إلي أرض البلقاء من بلاد الأردن الحالية.
ومن أجل مواجهة هذه القوات الغازية وحلفائها استنفر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- الناس إلي قتال الروم. وكان هذا الرسول القائد- صلوات ربي وسلامه عليه- قلما يخرج إلي غزوة دون التورية بغيرها, إلا ما كان من غزوة تبوك, فقد صرح بها لبعد الشقة وشدة الحر, وكان قد اندس في صفوف المسلمين نفر من المنافقين يحاولون تخذيلهم عن القتال, ويخوفونهم من أعداد وعدة الروم وحلفائهم, ومن طول الطريق إليهم في قيظ مهلك, وندرة للماء والغذاء. وأخذ هؤلاء المنافقون يرغبون المسلمين في حياة الأمن والدعة والمال والظلال, فنزلت هذه الآية الكريمة مذكرة بخروج رسول الله- صلي الله عليه وسلم- من مكة ليلة الهجرة, وقد تآمرت قريش لقتله فأطلعه الله ـ سبحانه وتعالي- علي ما تآمروا به عليه, وأمره بالخروج, فخرج وحيدا إلا من صاحبه الصديق. فنصره الله عليهم, وأخرجه سالما من بين أظهرهم, وقوتهم المادية التي تفوق إمكاناته المادية بكثير, فكانت الهزيمة والذل والصغار من نصيبهم, وكان العز والانتصار لرسول الله وصاحبه, علي الرغم من خلو أيديهم من السلاح, وذلك كي لا يهيب أصحاب الحق أهل الباطل أبدا مهما بلغت أعدادهم وإمكاناتهم المادية لأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله- سبحانه وتعالي- ولذلك فمن توكل عليه حق التوكل وجب له نصر الله, فأولياء الله لا يذلون أبدا لأن الله العزيز قد تعهد لهم بنصره, والله الحكيم يقدر النصر لمن يستحقه.
من هنا كان علي المسلمين مدارسة الهجرة النبوية الشريفة في كل عام, واستخلاص الدروس والعبر من أحداثها, ومن أبرزها اليقين في نصر الله لعباده المؤمنين به الموحدين لذاته العلية, والمنزهين له عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله:
من الإعجاز التربوي في هجرة رسول الله-صلي الله عليه وسلم-
كانت هجرة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- انتقالا بالمسلمين من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد إلي مرحلة القوة والعزة والمنعة, وإذا كان مسلمو اليوم قد عادوا إلي مرحلة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء في دورة من دورات الزمن, فما أحوجهم إلي إعادة مدارسة حدث الهجرة النبوية, وما فيه من الدروس والعبر,حتي يعاودوا نهضتهم من جديد, ويقوموا بدورهم الرائد في قيادة البشرية كما قادها أسلافهم من قبل.
ففي فجر الجمعة الموافق27 من شهر صفر سنة14 من البعثة النبوية الشريفة( الموافق13 من شهر سبتمبر سنة622 م) هاجر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر الصديق_ رضي الله عنه_ من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة, انصياعا لأمر الله_ تعالي_ بعد ثلاث وخمسين سنة قضاها رسول الله في مكة, ولم يكن سهلا علي نفسه الشريفة مغادرة مهبط رأسه, وأحب البلاد إلي قلبه لولا نزول أمر الله إليه بذلك.
وكان في هذا الحدث العظيم كم هائل من الدروس التربوية التي يجب علي كل مسلم ومسلمة استرجاعها في كل احتفال بهذه الذكري المباركة حتي تتحقق الفوائد المرجوة من هذا الاحتفال. ومن هذه الدروس ما يلي:
أولا: من أبرز الدروس التربوية المستفادة من هجرة رسول الله ضرورة أن يكون المسلم صادق الإيمان بربه, متوكلا عليه حق التوكل, باذلا من جهده وماله وفكره في سبيل نصرة دين الله أقصي ما يملك, ومتحركا من أجل تحقيق ذلك حركة خالصة لوجه الله_ تعالي_ مضحيا بالنفس والنفيس, واثقا من نصر الله, ومبشرا بقرب تحققه إن شاء الله.
ثانيا: مع الإيمان بحقيقة الأخوة الإنسانية لا بد من التسليم بحتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل:
إن الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل سنة من سنن الحياة الدنيا, وهذا الصراع لا يبدأه أهل الحق, بل هو مفروض عليهم, وللتدليل علي ذلك نستعرض واقع مكة المكرمة قبل الهجرة مباشرة:
فقد رأي كفار ومشركو قريش أن انتشار الإسلام في يثرب, وخروج مسلمي مكة إليها, واستقرارهم بها بعد أن أقبل أهلها علي الإسلام زرافات ووحدانا, حتي لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه عدد من المسلمين. ورأي كفار ومشركو قريش في ذلك المد الإسلامي بيثرب تمهيدا لخروج رسول الله إليها, وتحركه بالدعوة إلي دين الله بحرية كاملة بعد أن كانوا قد جاروا عليه وعلي الذين آمنوا بدعوته جورا فاجرا, وقد أدركوا أن قوة حجته, وروعة بيانه, وصدق دعوته وتفاني أصحابه في حبه, كل ذلك كان كفيلا بجمع قبائل العرب حوله, وأن ذلك يشكل خطرا كبيرا عليهم. لذلك دعوا إلي اجتماع في دار الندوة حضره عدد من صناديدهم, وبعد تداول الأمر تكلم في هذا الاجتماع' أبو البحتري بن هشام' فاقترح حبس رسول الله- صلي الله عليه وسلم- حتي الموت فرفض اقتراحه خشية أن تعيرهم العرب بذلك, واقترح' الأسود بن عمرو' نفيه إلي خارج مكة, فردوا عليه قائلين: ليس هذا برأي, ألم تروا حسن حديثه, وقوة منطقه, فإذا حل عند قوم لا يلبث أن يستولي علي نفوسهم, ويحل في سويداء قلوبهم؟ بعد ذلك تحدث' أبو جهل'( عمرو بن هشام زعيم بني مخزوم من قريش) قائلا: أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي, شابا, جليدا, نسيبا, وسيطا فينا, ثم نعطي كل واحد منهم سيفا صارما, ويذهبون حيث محمد, فيضربونه بها ضربة رجل واحد, فيتفرق دمه في القبائل كلها, فلا يستطيع' بنو عبد مناف' قتال الجميع, فرضوا منا بالعقل( أي: الدية) فعقلناه لهم, فاستحسن الحضور الرأي, وقرروا إخراجه إلي حيز التنفيذ. وعلي الفور أوحي الله_ تعالي_ إلي خاتم أنبيائه ورسله_ صلي الله عليه وسلم- بتفاصيل المؤامرة التي أنزل بشأنها قرآنا يتلي إلي يوم الدين يقول فيه ربنا_ تبارك وتعالي-:
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين, الأنفال:30].
وهذا الموقف يمثل صورة من صور الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل, وهو صراع بدأ بقتل قابيل لأخيه هابيل, واستمر إلي وقتنا الراهن, وسوف يبقي حتي قيام الساعة. من هنا كان واجبا علي أهل الحق ألا يغفلوا أبدا عن تآمر أهل الباطل عليهم في كل زمان وفي كل مكان وأن يأخذوا حذرهم من ذلك التآمر باستمرار حتي لا يؤخذون علي غرة من أهل الباطل أبدا.
ثالثا: ضرورة إحكام التخطيط لكل أمر:
بعد انتشار الإسلام في يثرب إثر بيعتي العقبة الأولي والثانية, أمر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- مسلمي مكة بالهجرة إليها قائلا لهم:' إن الله_ عز وجل_ جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها, فخرجوا إليها, وبقي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بمكة ينتظر الإذن من الله- تعالي_ بالهجرة إلي المدينة وبقي معه كل من أبي بكر وعلي بن أبي طالب وعدد من ضعفاء المسلمين.
وعندما جاء أمر الله_ سبحانه وتعالي_ إلي خاتم أنبيائه ورسله بالهجرة بدأ_ عليه الصلاة والسلام_ بالإعداد لذلك, آخذا بكل ما لديه من الأسباب, فكتم موعدها حتي عن صاحبه الذي أخبره الله_ تعالي_ أنه سوف يرافقه في هجرته, إلا أن الرسول- صلي الله عليه وسلم- أمر أبا بكر بإعداد الدليل الماهر بالطريق, وترتيب أمور تموين الرحلة, فابتاع أبو بكر راحلتين, وأخذ يهيئهما للرحلة الطويلة. كذلك كان رسول الله-صلي الله عليه وسلم- قد عهد إلي ابن عمه علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه, حتي يرد ما كان عند رسول الله من أمانات لكفار ومشركي قريش, وهو درس في أداء الأمانة لمن ائتمنك حتي ولو كان كافرا أو مشركا, يجب أن يتعلمه كل مسلم ومسلمة.
وفي ساعة القيلولة من اليوم السابق علي الهجرة خرج رسول الله- صلي الله عليه وسلم- لإخبار أبي بكر بالإذن الإلهي بالهجرة, وتروي أم المؤمنين السيدة عائشة_ رضي الله عنها_ في حديثها عن تلك الزيارة المفاجئة قائلة:' كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- لا يخطئ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار, إما بكرة وإما عشية, حتي إذا كان ذلك اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله- صلوات ربي وسلامه عليه- بالهجرة والخروج من مكة من بين ظهراني قومه, أتانا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها, فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله- صلي الله عليه وسلم- هذه الساعة إلا لأمر حدث. فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره, فجلس رسول الله_ صلوات ربي وسلامه عليه_ وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء, فقال رسول الله-صلي الله عليه وسلم-:( أخرج عني من عندك) فقال أبو بكر: يا رسول الله! إنما هما ابنتاي, وما ذاك فداك أبي وأمي؟ فقال رسول الله:( إن الله قد أذن لي بالخروج والهجرة) فقال أبو بكر' الصحبة يا رسول الله, قال- صلي الله عليه وسلم-:( الصحبة). وتضيف أم المؤمنين قولها: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من شدة الفرح حتي رأيت أبا بكر يبكي يومئذ..'.
وعلي الفور اتصل أبو بكر بالدليل الذي كان قد اتفق معه ليصحبهما في الرحلة إلي المدينة, وأمر ابنه عبد الله أن يعد نفسه لجمع أخبار أهل مكة ونقلها إليهما, وأمر خادمه عامر بن فهيرة أن يستعد لرعي الغنم ليعفو علي آثارهما إذا تحركا, وكان قد درب ابنته أسماء_ رضي الله عنها_ علي حمل الطعام والشراب وعلي تسلق الجبال لإيصاله إليهما حيثما يكونا. وكان هذا الإعداد درسا في حسن التخطيط يجب أن يحتذي به المسلمون في كل أمر من أمورهم.
هذا وسوف نواصل استعراض بقية الدروس التربوية المستقاة من الهجرة النبوة الشريفة في المقالات القادمة إن شاءالله.
قضايا واراء - حرمة دم المؤمن
قضايا واراء - حرمة دم المؤمن
موضوعات من نفس الباب
مرة أخري.. الديمقراطية هي الحل!
بوجه واحد لا بسبعة وجوه..
ثورة الشباب: أصداء الداخل والخارج
ضرورة محاكمة مرتكبي الجرائم الجسيمة ضد المصريين
راى الاهرام
مصر الجديدة.. تولد من رحم الثورة
الموضوعات الاكثر قراءة
بريد السبت يكتبه: أحمد البرى
حديث الثورة! [40370]
المخابرات الأمريكية: ثروة الرئيس مبارك
وعائلته تتراوح بين مليار و 5 مليارات دولار [39623]
بي بي سي: سويسرا ستجمد أرصدة مبارك [37827]
جنازة عسكريــــة وشعبيــــة مهيبــــة
للفريق الشاذلي أحد أبطال حرب أكتوبر [31162]
قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة
[28520]
الأهرام Ahram
eahram
eahram 25 قتيلا في انفجار سيارتين بوسط العراق http://gate.ahram.org.eg... #egypt #news #ahram · reply · retweet · favorite
eahram الأهلى يسعى للاستفادة من هدية الجيش .. و"يخطب ود" القمة بمواجهة إنبى http://t.co/29R51Rb via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram عراقيل تقف أمام عودة "عمر أفندي" للدولة.. و"التمويل الدولية" تسأل عن مصيرها http://t.co/uZWEwVm via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram ضبط عاطل والبحث عن آخرين لاتهامهم بالشروع فى قتل سائق لسرقته http://t.co/w37CJ1L via @eahram · reply · retweet · favorite
Join the conversation
الصفحة الأولى | قضايا واراء
حرمة دم المؤمن
بقلم: د. زغلول النجار
4090
..ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما( النساء:92 و93).
إن سفك دم المؤمن عمدا دون حق هو من الكبائر التي توجب الخلود في النار, وعليه فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يقتل مؤمنا أبدا بغير حق, إذا وقع ذلك بالخطأ أي عن غير قصد,
فإذا حدث ووقع قتل المؤمن لأخيه المؤمن بطريق الخطأ في مجتمع للمسلمين, فإن الشرع يفرض علي القاتل عتق رقبة مؤمنة, كفارة عن حق الله, فمن لم يجد فعليه صيام شهرين قمريين متتابعين توبة إلي الله ودفع دية مسلمة إلي أهل القتيل تدفعها عاقلته( أي عصبة أهله من جهة أبيه) إلا إذا عفا أهل القتيل عنه, وأسقطوا الدية باختيارهم, وحينئذ فإن الدية لا تجب عليه, وتبقي عليه الكفارة, وذلك لقول الله تعالي:
( ومن كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يصدقوا....)( النساء:92).
وإذا كان القتيل مؤمنا وأهله من أعداء المسلمين, فإن الشرع يفرض علي القاتل عتق رقبة مؤمن, فمن لم يجد فصيام شهرين قمريين متتاليين توبة إلي الله, ولا دية عليه لأهل القتيل لأنهم أعداء محاربون للمسلمين, فلا يجوز إعطاؤهم من أموال المسلمين ما يستقوون به عليهم ويستعينون علي قتالهم وإيذائهم, ولا مكان هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم أعداء محاربون للمسلمين, وإذا كان القتيل معاهدا أو ذميا, فإن الشرع يفرض علي المؤمن القاتل بالخطأ في هذه الحالة ما يفرضه في قتل المؤمن في المجتمع المسلم: عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين قمريين متتاليين, ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يعفوا, ولم تنص الآية الكريمة في هذه الحالة علي كون المقتول مؤمنا مما جعل عددا من المفسرين يأخذون النص علي إطلاقه, باعتبار أن العهد بين المؤمنين وغير المؤمنين يجعل الدماء بينهم مصونة, ولكن لما كانت الآية من مطلعها تنصب علي تحريم قتل المؤمن بغير حق, ثم بينت الحالات التي يكون القتيل فيها مؤمنا, فقد رأي بعض المفسرين أن القتيل المعاهد أو الذمي إذا لم يكن مؤمنا يكتفي في هذه الحالة بدفع الدية إلي أهله, كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم في دفع الدية لبعض قتلي المعاهدين دون عتق رقاب بعددهم, ثم شرع الله سبحانه وتعالي لمن يقتل مؤمنا متعمدا الخلود في نار جهنم, واستحقاق غضب الله ولعنته والعذاب الشديد الذي توعده به وأعده له يوم القيامة.
والإسلام العظيم حرم قتل النفس بغير الحق بصفة عامة, وذلك صونا للأنفس عن الإهدار, فإن للدماء حرمتها, فلا يستباح إلا بالحق وبالأمر البين الذي لا إشكال فيه, وذلك لأن الله تعالي هو واهب الحياة, ولا يجوز أن ينهيها غيره إلا بإذنه, فإذا أقدم إنسان علي قتل إنسان آخر بغير حق, فكأنما قد اعتدي علي حق من حقوق الله, ولذلك قال تعالي في ولدي آدم: فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين( المائدة:30).
وقال قوله الحق:
( من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون)( المائدة:32).
وقال عز من قائل:( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)( الإسراء:33).
وفي ذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مؤمن( البيهقي والترمذي), وقال عليه الصلاة والسلام: من أعان علي قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله, ولذلك أفتي ابن عباس عليهما رضوان الله بعدم قبول توبة قاتل المؤمن عمدا, بينما ذهب جمهور العلماء إلي أن توبة القاتل عمدا يمكن أن تقبل, واستدلوا علي ذلك بأن الكفر أعظم من القتل العمد, وتوبة الكافر قد تقبل, والخلود في جهنم لقاتل المؤمن عمدا هو مشروع لمن استحل قتله, وقد يكون المقصود بالخلود هنا طول المكث لقول الله تعالي: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افتري إثما عظيما( النساء:48).
والقتل إما عمدا أو شبه عمد أو خطأ, أما العمد فهو القصد إلي القتل بما يفضي إلي الموت, وهذا ما يوجب القصاص والحرمان من الميراث, وتحمل غضب الله ولعنه والخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عظيم في الآخرة كذلك لقول ربنا تبارك وتعالي:
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم, ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون( البقرة:178 و179)
وقتل المؤمن لأخيه المؤمن كبيرة من الكبائر, تتنافي كلية مع الإيمان بالله تعالي فلا يكفر عنها دية, أو عتق رقبة, وإنما يوكل جزاؤها إلي الله الذي توعد الواقع فيها بالخلود في جهنم, وبغضب الله عليه ولعنه, وبما أعد له من عذاب عظيم, ولذلك اتجه بعض المفسرين ـ ومنهم ابن عباس ـ إلي أنه لا توبة منها, وإن رأي البعض الآخر رجاء المغفرة للتائب منها, وفسر الخلود في النار بأنه الزمن الطويل.
والقتل شبه العمد هو الضرب الخفيف المقصود به التأديب, وليس القتل, فهو عمد في الضرب وخطأ في القتل, والنيات لا يعلمها إلا الله تعالي, وهذا فيه الدية والكفارة إذا ثبت عدم العمد إلي القتل, وليس فيه قصاص, وإذا عفا أهل القتيل سقطت الدية عن القاتل, وعليه الكفارة.
والقتل الخطأ أن يقصد رمي غير المقتول المؤمن من إنسان أو حيوان فيصيبه, أو أن يظنه عدوا ثم يظهر له غير ذلك, والأول خطأ في الفعل, والثاني خطأ في القصد, وهذا فيه الدية والكفارة, فإن عفا أهل القتيل سقطت الدية, وبقيت الكفارة, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتاليين, أخرج أبوداود من حديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد, ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل, منها أربعون في بطونها أولادها.
وأخرج كل من أحمد, وأبوداود, والنسائي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال: ألا وإن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه الدية مغلظة.
وروي عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: لقد سمعت نبيكم صلي الله عليه وسلم يقول عن المؤمن الذي قتل قتلا متعمدا بدون وجه حق أنه يجيء يوم القيامة معلقا رأسه بإحدي يديه ـ إما بيمينه أو بشماله ـ آخذا صاحبه بيده الأخري, تشخب أوداجه( أي تسيل عروقه دما) حيال عرش الرحمن يقول: يارب سل عبدك هذا علام قتلني؟( الطبري ابن كثير).
هذه الآية القرآنية أهديها للعصابات المجرمة التي حاصرت المعتصمين بميدان التحرير وأطلقت عليهم زخات الرصاص المطاطي والحي وأغرقتهم برشات المياه في محاولة لكسر إرادتهم وأخص من هؤلاء المبالغين في الإجرام منهم والذين قاموا في يومي الخميس والجمعة30 صفر و1 ربيع الأول1432 هـ
وقاموا برجم المعتصمين في الميدان بآلاف الأحجار وقنابل المولوتوف لأكثر من عشر ساعات متواصلة, مما أدي إلي سقوط مئات الشهداء, وآلاف الجرحي من شباب مصر الحر الذي قام بالمطالبة بحقه في الحياة الحرة الكريمة بطريقة حضارية سلمية. ولم يكتف المعتدون بهذه الجرائم, بل قاموا بمحاصرة المعتصمين ليمنعوا عنهم امدادات الطعام والشراب والدواء, وقد بلغ من إجرام هذه الميليشيات المنظمة أن أغار نفر من أفرادها علي المعتصمين في الميدان ممتطين صهوة البغال والجمال ومدججين بالأسلحة البيضاء في هجمة همجية إجرامية لا يقوم بها إلا عتاة المجرمين في عصور الجاهلية الأولي, وقد بلغت هذه الميليشيات المأجورة حدا غير مسبوق في الإجرام تجسد في قيادة عدد من السيارات المصفحة التي قادوها بسرعات جنونية مذهلة وسط حشود المعتصمين في الميدان فقتلوا تحت عجلات سياراتهم الآثمة عشرات من الشهداء, هؤلاء جميعا أهدي إليهم قول الحق تبارك وتعالي: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما( النساء:93).
والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
قضايا واراء - من أسرار القرآن (... وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
قضايا واراء - من أسرار القرآن (... وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
موضوعات من نفس الباب
أمريكا وإسرائيل.. والرئيس القادم
الليبرالية واليسار والإسلاميون: المعركة الخطأ
في أصول مصر المستقبل(5)
الأمل في النهوض بسيناء
المستقبل.. دائما هو الأهم
الموضوعات الاكثر قراءة
شاهدة عيان: ليلة رعب في شبرا
[60477]
مفاجأة في تحقيقات الكسب غير المشروع مع شهاب [50496]
كشف غموض اختطاف سعوديين بالقاهرة
[30259]
العالم بدون بن لادن ..قوة أمريكية محمولة جوا اغتالته برصاصة فى الرأس داخل منزل بإسلام آباد [26025]
طلب من زوجاته الا يتزوجن بعده وأن يترك أبناءه القاعدة .. بن لادن في وصيته : سأكون ضحية للغدر والخيانة من المحيطين بى [25268]
الأهرام Ahram
eahram
eahram الأهلى يسعى للاستفادة من هدية الجيش .. و"يخطب ود" القمة بمواجهة إنبى http://t.co/29R51Rb via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram عراقيل تقف أمام عودة "عمر أفندي" للدولة.. و"التمويل الدولية" تسأل عن مصيرها http://t.co/uZWEwVm via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram ضبط عاطل والبحث عن آخرين لاتهامهم بالشروع فى قتل سائق لسرقته http://t.co/w37CJ1L via @eahram · reply · retweet · favorite
cnnarabic مصرع 44 شخصاً بتحطم طائرة ركاب شمال روسيا http://fb.me/PvAkscNH · reply · retweet · favorite
Join the conversation
الصفحة الأولى | قضايا واراء
من أسرار القرآن
(... وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
بقلم: د. زغلول النجار
3644
والمقصود هنا بتعبير( أيام الله) هو الأحداث الكبري في حياة الناس من النعم والنقم, ومن أعظم نعم الله- تعالي- علي أهل الأرض جميعا كانت بعثة الرسول الخاتم- صلي الله عليه وسلم.
-, الذي تلقي الوحي وبشر بالرسالة, وكان ذلك اليوم هو أعظم يوم من أيام الله, لأنه كان اليوم الذي استردت فيه البشرية صلتها بنور السماء بعد أن كانت قد فقدته بالكامل, فقد كان عرب الجزيرة قد انحرفوا عن التوحيد الذي دعا إليه كل من إبراهيم وولده إسماعيل- عليهما السلام- وجددوا عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا قد ورثوها عن مشركي قوم نوح, ثم عن كل من البابليين, والفرس, والرومان, واليونان, كما عبدوا النجوم والكواكب. وبجوار هذه الوثنيات انتشرت المجوسية في بلاد فارس, كما انتشر كل من الزرادشتية, والمانوية, والمزدكية, والصابئة, والدهرية, وغيرها من العبادات الفاسدة.
وكان من وراء فارس شرقا شبه القارة الهندية, ومن ورائها دولة الصين وبقية دول جنوب آسيا, وقد سادتها من الوثنيات القديمة كل من الهندوسية, والبوذية, والشنتووية, والكنفوشية, والطاوية, وغيرها من الفلسفات والمعتقدات الموضوعة.
وكان إلي الغرب من بلاد فارس الإمبراطورية الرومانية الشرقية( البيزنطية), ومن ورائها نظيرتها الغربية وكانوا قد انقسموا إلي العديد من الفرق والمذاهب المتصارعة. ومن وراء الإمبراطورية الرومانية الغربية كانت بقية دول العالم تحيا حياة بدائية همجية, لا تعرف لها عقيدة محددة ولا فكرا واضحا, ولا فلسفة حياتية معينة, ولا أثرا حضاريا يذكر. وذلك باستثتاء مصر التي كانت منبعا للفكر الفرعوني الذي اختلط فيه الحق بالباطل, ثم الفكر اليوناني الهيليني, ثم الفكر الروماني الغربي والشرقي. وقد اكتوي المصريون بنيران هذا الاحتلال الغريب الذي عاث في أرضهم فسادا واستعبادا حتي أنقذهم جيش من جيوش خاتم الأنبياء والمرسلين.
فالهداية الربانية علمها ربنا- تبارك وتعالي- لأبينا آدم- عليه السلام- لحظة خلقه, وعاشت بها البشرية عشرة قرون كاملة قبل أن يتمكن الشيطان من فتنة نفر من قوم نوح بعبادة الأصنام والأوثان, فبعث الله- تعالي- إليهم عبده ونبيه نوحا- عليه السلام- ليردهم إلي توحيد الله من جديد فما آمن معه إلا أقل القليل ولذلك أغرقهم الله- تعالي- بالطوفان.
وبعد طوفان نوح ظلت البشرية تتردد بين الإيمان والكفر, وبين التوحيد والشرك, والله- تعالي- يرسل الرسول تلو الرسول, والنبي تلو النبي, وكان خاتمهم سيدنا محمد- صلي الله عليه وسلم, ولذلك قال له ربنا- تبارك وتعالي-:( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)( فاطر:24). فأعاد سيدنا محمدلأهل الأرض صلتهم بربهم وبهدايته لهم. من هنا كان ميلاده- صلي الله عليه وسلم- أعظم أيام الله, لأنه كان أعظم نعمة من الله- تعالي- بها علي أهل الأرض جميعا.
والذي يعلم ذلك لا بد له من الحرص الشديد علي مدارسة السيرة العطرة لهذا الرسول الخاتم- صلي الله عليه وسلم- حتي يري صورة للكمال البشري في أعلي درجاته فيحاول محاكاته قدر الاستطاعة, واتخاذه مثلا أعلي يحتذي, فقد لاقي سيدنا محمد- عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم- من صنوف الابتلاء ما لاقي وهو أحب خلق الله إلي الله, وكان أتقي الخلق لله, وأكثرهم وصلا به, وعبادة له- سبحانه وتعالي- وكان أزهد الناس في الدنيا, ما سئل شيئا قط فقال: لا, وما عاب طعاما قط قدم إليه, وكان راسخ الإيمان, جم التواضع, كريم الخلق, شجاعا مقداما, قوي العزم في السلم وفي الحرب, ثابت الشخصية في جميع المواقف, ملك قلوب صحابته, كما ملك إعجاب وتقدير أعدائه.
حوصر هو ومن آمن معه ثلاث سنوات كاملة في شعب بني هاشم فصبر واحتسب, وما لانت له قناة. حاربه كفار قريش وآذوه ومن معه, ثم لجأ إلي أهل الطائف فردوه ردا غير جميل فعاد إلي مكة في حماية أحد المشركين.
وقد عاش رسول الله- صلي الله عليه وسلم-(63) سنة, كان منها(40) سنة قبل البعثة الشريفة قضاها في عبادة فطرية واستقامة وطهر بإلهام من الله, وكان منها(23) سنة في النبوة والدعوة إلي دين الله, وفي عمل دؤوب حتي تمكن من إقامة دولة الإسلام علي الأرض. وقد تحمل- في سبيل تحقيق ذلك- الهجرة من مكة إلي المدينة. ومن المدينة خاض ثلاثين معركة, وستين سرية وبعثا. وواجه خلال ذلك من الحروب العسكرية والنفسية, والحصار الاجتماعي والاقتصادي ما واجه, وتعرض لمحاولات القتل, وإلي مختلف الاتهامات المفتراة. ولكن لم يفت كل ذلك في عضده, ولم يضعف من عزيمته حتي من الله- تعالي- عليه بفتح مكة الذي كان بابا لفتح بقية جزيرة العرب التي دان أهلها بالإسلام. وفاضت روحه الشريفة وهو يقول:ا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم اغفر لي وارحمني, والحقني بالرفيق الأعلي, اللهم الرفيق الأعلي( ثلاث مرات)ب.
ومن حسن الطالع أننا احتفلنا بذكري مولد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- كأعظم أيام الله, ونحن نحتفل بانتصار ثورة شباب وشعب مصر الذين قاموا في2011/1/25 م( الموافق1432/2/21 هـ) من أجل إسقاط واحد من أسوأ النظم الشمولية الظالمة في المنطقة العربية, وصمدوا ثمانية عشر يوما حتي تم إسقاط هذا النظام في يوم الجمعة2011/2/11 م( الموافق1432/3/8 هـ), وعلي ذلك فإن يوم(2011/1/25 م) هو يوم من أيام الله الذي قدر فيه ربنا- تبارك وتعالي- خلاص شعب مصر من نظام جائر جثم علي صدور أبنائها ثلاثين عاما يحكمهم حكما بوليسيا مستبدا تحت مسمي اقانون الطوارئب.
وفي مساء الجمعة2011/2/11 م( الموافق1432/3/8 هـ) تم تنحي رئيس الجمهورية عن منصبه, وإن كانت ذيول النظام لا تزال موجودة إلا أن الشعب في مصر وفي جميع دول العالمين العربي والإسلامي تنفس الصعداء وسجد حمدا لله علي نعمائه علي الرغم من فداحة الخسائر المادية والبشرية والتي تجاوزت مليارات الدولارات وقرابة الألف شهيد وسبعة آلاف جريح.
وانطلاقا من ذلك فإن يوم2011/1/25 م( الموافق1432/2/21 هـ) سوف يبقي يوما من أيام الله المشهودة, وسوف يحتفل به المصريون ومعهم بقية العالمين العربي والإسلامي, وجميع الأحرار في العالم إلي قيام الساعة.
من هنا تتضح ومضة الإعجاز التربوي في الأمر الإلهي إلي خاتم الأنبياء والمرسلين- صلي الله عليه وسلم- أن يتذكر الأحداث الكبري في تاريخ الإنسانية, ومنها يوم آخر من أيام الله نجي فيه ربنا ذ تبارك وتعالي ذ عبده ونبيه موسي بن عمران والذين آمنوا معه من جور فرعون مصر وظلمه واضطهاده بعد أن صبروا علي إيذائه سنين طويلة, وما أشبه الليلة بالبارحة...!!
وعلي ذلك فإن الاحتفال بالأحداث المصيرية في حياة الناس هو أمر مشروع, علي أن يتم بالضوابط الإسلامية الصحيحة, ويوضح ذلك وجه الإعجاز التربوي في قوله ذ تعالي ذ لعبده ونبيه موسي بن عمران:(... وذكرهم بأيام الله...). والله يقول الحق, ويهدي إلي سواء السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
قضايا واراء - من أسرار القرآن بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (النساء:138)
قضايا واراء - من أسرار القرآن بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (النساء:138)
موضوعات من نفس الباب
الثورة والإقطاع الجديد: مواجهة أم تعايش؟
من أجل ان تحقق الثورة اهدافها
الوحدة الوطنية ليست أحضانا وقبلات
حكومة شرف.. ومستقبل مصر وشعبها
قناة السويس تستطيع حل الأزمة
الموضوعات الاكثر قراءة
تاجر مسيحى العقل المدبر لـ أحداث إمبابة و 12 من فلول الحزب الوطني وراء الفتنة الطائفية [103925]
حوار لـ عبير فخرى بطلة أحداث الفتنة الطائفية فى إمبابة : نعم أشهرت إسلامى وغيرت اسمى لـ أسماء
[53470]
الكشف عن المحرض الأساسي وضبط50 متهما بينهم 25 مصابا بالمستشفيات [51579]
محمــد حســنين هـــيكل يكتب للأهرام
[43016]
مفاجأة : عبير أقامت دعوي تفريق من زوجها المسيحي بعد إشهار إسلامها [32408]
الأهرام Ahram
eahram
eahram الأهلى يسعى للاستفادة من هدية الجيش .. و"يخطب ود" القمة بمواجهة إنبى http://t.co/29R51Rb via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram عراقيل تقف أمام عودة "عمر أفندي" للدولة.. و"التمويل الدولية" تسأل عن مصيرها http://t.co/uZWEwVm via @eahram · reply · retweet · favorite
eahram ضبط عاطل والبحث عن آخرين لاتهامهم بالشروع فى قتل سائق لسرقته http://t.co/w37CJ1L via @eahram · reply · retweet · favorite
cnnarabic مصرع 44 شخصاً بتحطم طائرة ركاب شمال روسيا http://fb.me/PvAkscNH · reply · retweet · favorite
Join the conversation
الصفحة الأولى | قضايا واراء
من أسرار القرآن
بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (النساء:138)
بقلم: د. زغلول النجار
821
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل الربع الأخير من سورة النساء, وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وست وسبعون(176) بعد البسملة, وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة البقرة, والأعراف, وآل عمران.
وقد سميت سورة النساء بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالنساء.
ويدور المحور الرئيس لسورة النساء حول قضايا التشريع لكل من المرأة, والأسرة, والمجتمع, والدولة, وذلك من مثل تشريعات الزواج, والطلاق, والعبادات, والمواريث, والجهاد في سبيل الله. وحسن تربية الأبناء, من أجل إقامة المجتمع المسلم الخالي من المخالفات الشرعية, ومن رواسب الجاهلية القديمة والحديثة.
وبالإضافة إلي ذلك تقرر سورة النساء وحدانية الخالق- سبحانه وتعالي- التي تؤكد وحدة رسالة السماء, وعلي الأخوة بين الأنبياء, وبين الناس جميعا.
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة النساء, وما جاء فيها من التشريعات الإسلامية, وركائز العقيدة, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي لمحة الإعجاز التشريعي في تحريم النفاق, وذم المنافقين, وتأكيد خطر وجودهم في مجتمع من المجتمعات الإنسانية, لأنهم أخطر علي المجتمع الذي يتواجدون فيه من أي انحراف آخر سواء كان هذا الانحراف عقديا أو سلوكيا علي خطورة مثل تلك الانحرافات علي المجتمعات الإنسانية بصفة عامة إذا أرادت أن تحيا حياة سوية.
من أوجه الإعجاز التشريعي في الآية الكريمة يقول ربنا- تبارك وتعالي- في محكم كتابه:
بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا. وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا( النساء:138-140).
وتستمر الآيات في سورة النساء محذرة من المنافقين ومن أخطارهم علي المجتمع حتي يأتي قرار الله- تعالي- حاسما جازما يجعلهم أكثر خطرا علي المجتمعات من الكافرين وذلك بقوله- تعالي-: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا( النساء:145).
ومن معاني هذه الآيات الكريمة أن الله- تعالي- يأمر خاتم أنبيائه ورسله- صلي الله عليه وسلم- أن ينذر المنافقين بأن لهم عذابا أليما يوم القيامة, لتوليهم الكافرين من دون المؤمنين, فهل يطلبون العزة من هؤلاء الكافرين ؟ والعزة لله- تعالي- وحده يهبها لمن يشاء من عباده المؤمنين, ومن اعتز بالله عز ومن اعتز بغير الله ذل. وقد نزل الله عليكم في القرآن الكريم أنكم إذا سمعتم من المنافقين الاستهزاء والجحود بآيات الله فلا تقعدوا معهم حتي ينتقلوا إلي حديث غيره, فإن لم تفعلوا ذلك شاركتموهم في جريمة الكفر بآيات الله والسخرية منها, وإن عاقبة ذلك وخيمة علي كل من الكافرين والمنافقين الذين سيجمعهم الله جميعا في جهنم.
وجاءت الإشارة إلي النفاق والمنافقين بمختلف صياغات الكلمة( اسما وفعلا ومصدرا, وبالإفراد والجمع) في سبعة وثلاثين(37) موضعا من كتاب الله. و(النفاق) هو فعل المنافق الذي يدخل في الشرع من باب ويخرج عنه من باب آخر, أي يظهر الإسلام وهو يبطن الكفر, ولذلك نبه ربنا- تبارك وتعالي- علي خطر النفاق والمنافقين بقوله العزيز:
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون( التوبة:67).
و(الفاسقون) في هذه الآية الكريمة هم الخارجون عن شرع الله. ومن معاني هذه الآية الكريمة أن المنافقين والمنافقات يتشابهون في أنهم يفعلون من الأمور أقبحها, ويتظاهرون بالصلاح والورع, ويتركون الحق وينأون عنه, ويدعمون الباطل ويساندونه, ويدعون أنهم الأصلح للمجتمع. ويبخلون بأموالهم عن وجوه الخير, وينفقونها في وجوه الشر وجاهة وسمعة. أعرضوا عن خالقهم فأعرض عنهم, وتركهم في ضلالهم لأنهم هم حقا الخارجون عن شرع ربهم.
وبالإضافة إلي التملق المزيف لأصحاب الجاه والسلطان, وإلي إظهار المنافق غير ما يبطن, وإلي خداع نفسه وخداع غيره, وتلونه بكل لون, فإن نهاية النفاق دوما إلي بوار. ورسول الله- صلي الله عليه وسلم- يضيف إلي صفات المنافقين الخيانة والكذب والغدر والفجور وذلك بقوله الشريف آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان وقال- صلي الله عليه وسلم- أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتي يدعها: إذا اؤتمن خان, وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر( أخرجه كل من البخاري ومسلم).
لذلك كان صحابة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أبعد الناس عن النفاق والمنافقين, وأحرصهم علي ألا يتسلل إلي تصرفاتهم شيء من هذه الصفات الذميمة, فعن ابن أبي مليكة- رحمه الله- أنه قال أدركت ثلاثين من أصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق علي نفسه. ويذكر عن الحسن البصري- رضي الله عنه- قوله عن النفاق: ما خافه إلا مؤمن, ولا أمنه إلا منافق.
والنفاق يدمر الروابط في المجتمع, وينشر فيه كلا من الخداع, والمراوغة, والتلبيس, والغش, والكذب, حتي تنعدم الثقة بين الناس, ويسود علاقاتهم الحذر والحيطة والشك في كل أمر, والخداع والريبة في كل صلة. ومن صفات المنافق قساوة القلب, وجمود العين, والإصرار علي الذنب, والحرص علي الدنيا.
فكل من الخيانة, والكذب, والغدر, والفجور هي من صفات المنافقين, وإذا اجتمعت هذه الصفات الذميمة في فرد واحد كان منافقا خالصا كما وصفه رسول الله- صلي الله عليه وسلم-. وهذه الصفات القبيحة تعبر عن انحطاط في أخلاق من يحملها, لأنه لا يمكن أن يؤتمن علي شيء من تعود علي خيانة الأمانة, ولا يمكن لمن تعود علي الكذب أن يصدقه الناس, ولا يمكن لغادر أن يحفظ العهد, ولا يمكن لفاجر إلا أن يرمي خصومه بالافتراءات الكاذبة وبالتهم الباطلة, وإنسان هذا شأنه لا يمكن أن يكون لبنة صالحة في مجتمع سليم, بل هو خارج علي قوانين المجتمع وأمنه, وخارج عن فطرته السوية التي فطره الله- تعالي- عليها, لأنه كي يحقق مآربه الشيطانية فلا بد وأن يظهر غير ما يبطن, وأن يدعي الصدق وهو يعلم أنه كاذب, ويتظاهر بالأمانة ثم يخون, ويدعي المحافظة علي العهد وهو يخطط للغدر به. والمنافق إذا لم يراجع نفسه, وإذا لم يردها عن غيها باستمرار غلب عليه النفاق حتي في معاملته مع ربه مما يؤدي إلي انتزاع الإيمان من قلبه, وتركه ليمتلئ بالنفاق حتي يلقي ربه وهو- تعالي- غاضب عليه, وفي ذلك يقول الحق- تبارك وتعالي-:ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون.فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون( التوبة:75-77).
والمنافقون في كل زمان ومكان همهم الأكبر الحصول علي أكبر قدر من المكاسب المادية بأي ثمن دون تحري الحلال من الحرام, حتي لو كان ذلك علي حساب حقوق الآخرين وحساب المصالح العامة والأخلاق والقيم وعلي حساب كرامتهم الشخصية, فيعيشون كالعبيد الذين لا يملكون من أمرهم شيئا, ولا يحركهم إلي مطامعهم إلا شهواتهم الدنيئة.
ومن أبشع صور النفاق ما يعرف باسم النفاق السياسي الذي يتبعه المتسلقون الوصوليون أصحاب الشهوات المفتوحة علي المال والسلطة, فيستخدمون النفاق في مجاملة الحكام وتملقهم, وتزيين أعمالهم الخاطئة, في أنظارهم وأنظار الغير وإظهارها بغير مظهرها الحقيقي فيخدعوهم ويخدعوا المجتمع كله ويخدعوا أنفسهم, وذلك من أجل بعض المكاسب الشخصية.
والنفاق السياسي يزدهر في ظل كل حكم فردي مستبد, ينفرد فيه الحاكم بالسلطة المطلقة دون أدني رقابة من أجهزة الدولة, فيحيطه المنافقون طمعا في بعض المكاسب الشخصية من حوله, أو خوفا من قهره وسلطانه وبطشه.
وطبقة المنافقين في كل زمان ومكان كانت ولا تزال أخطر الطبقات علي المجتمعات الإنسانية, ولذلك تهدد القرآن الكريم المنافقين بمنزلة في جهنم أخفض من مقام الكافرين بكثير فقال- تعالي- إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا( النساء:145).
وهنا يتضح وجه الإعجاز التشريعي في حكم القرآن الكريم علي هذه الطبقة من الفاسدين الفاسقين وفي قول الحق- تبارك وتعالي- لخاتم أنبيائه ورسله بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما( النساء:138).
بهذه الصياغة التهديدية التهكمية الساخرة في جعل العذاب الأليم الذي ينتظر المنافقين بشارة لهم بدلا من أن تكون إنذارا, والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل.
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
مشاركة مميزة
-
Effects of dietary mannan oligosaccharides on growth, body composition and intestine of the sea bass ( Dicentrarchus labrax L.) Aut...
-
كندا تحول نشارة الخشب إلى وقود حيوي hare var addthis_config = {"data_track_clickback":true}; كندا تحول نشارة الخشب إلى وقود حيو...
-
[HTML] from sciencedirect.com In vitro degradation of lysine by ruminal fluid-based fermentations and by Fusobacterium necrophorum ...