الموضوعات الاكثر قراءة الصفحة الأولى | قضايا واراء من أسرار القرآن
-( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا....)
بقلم: د. زغلول النجار 3527
يروي مؤرخو السيرة النبوية الشريفة أنه في يوم الإثنين السابع عشر من ربيع الأول من السنة السابقة علي هجرة رسول الله- صلي الله عليه وسلم-( وقيل في27 رجب من نفس السنة أي: في حدود سنة620 م) طاف رسول الله- صلي الله عليه وسلم- حول الكعبة ليلا وحيدا. ثم رجع إلي بيته وأوي إلي فراشه, وعند منتصف الليل جاءه جبريل(عليه السلام) وأخبره بأن الله- تعالي- يدعوه إلي السماء. تحرك الركب الكريم علي البراق من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي, وصلي رسول الله ركعات في بيت المقدس ومعه الملائكة الكرام, ثم عرج به عبر السموات السبع حتي وصل إلي سدرة المنتهي, وهناك شاهد جنة المأوي, وراح يصعد حتي وقف بين يدي رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما وسجد- صلي الله عليه وسلم- قائلا: ا التحيات المباركات والصلوات الطيبات للهب فرد الحق ذ عز وجل- قائلا: ب السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاتهب, فردت الملائكة لهذه التحية الربانية قائلة: االسلام علينا وعلي عباد الله الصالحين ا( صحيح مسلم). وقد جعلت هذه التحية بداية التشهد الذي يردده المسلمون في صلواتهم التي فرضها الله- تعالي- عليهم في هذا الموقف العظيم, وأوحي الله- تعالي- إلي خاتم أنبيائه ورسله ما أوحي, وكان من ذلك الصلاة المفروضة علي المسلمين كما رأي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- في هذه الرحلة المباركة من آيات ربه الكبري ما لم يفصح القرآن الكريم عن تفصيله, وإن ذكرت السنة النبوبة المطهرة طرفا منه. وبعد رحلة التكريم الإلهي تلك, عاد رسول الله- صلي الله عله وسلم- إلي بيت المقدس, حيث صلي بأنبياء الله ورسله إماما, ثم عاد إلي مكة المكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئا. وعندما جاء الصباح حدث النبي- صلي الله علي وسلم- بأخبار رحلته وذهب بها المشركون إلي أبي بكر بن قحافة- رضي الله عنه- فكان أول المصدقين بها ومن هنا سمي باسم االصديقب لقوله: إن كان قال ذلك فقد صدق, إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك. ولكن المشركين ظلوا يتناقلون الخبر في سخرية وتعجب, وتحدي بعضهم رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أن يصف لهم بيت المقدس, فجلاه الله- تعالي- له, وطفق يصفه لهم وصفا تفصيليا, وفي ذلك يقول رسول الله- صلي الله عليه وسلم- الما كذبتني قريش قمت في الحجر, فجلي الله لي بيت المقدس, فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليهب. وفي صبيحة ليلة الإسراء كذلك جاء جبريل- عليه السلام- ليعلم رسول الله كيفية الصلاة وأوقاتها, وكان- صلي الله عليه وسلم- قبل مشروعية الصلاة يصلي ركعتين صباحا ومثليهما مساء كما كان يفعل إبراهيم- عليه السلام-. وفي ذلك يروي كل من الترمذي والنسائي عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: اجاء جبريل إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- حين زالت الشمس, فقال: قم يا محمد فصل الظهر حين مالت الشمس, ثم مكث حتي إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصل العصر, ثم مكث حتي إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم فصل المغرب, فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء, ثم مكث حتي إذا غاب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء, فقام فصلاها, ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح فقال: قم يا محمد فصل الصبح ا. وقد بين هذا الحديث أول كل وقت, وله بقية اشتملت علي بيان نهاية الوقت, ومن تلك البقية اأنه جاءه في اليوم التالي, وأمره بصلاة الظهر حين بلغ ظل كل شيء مثله, وأمره بصلاة العصر حين بلغ ظل كل شيء مثليه, وأمره بصلاة المغرب في وقتها الأول, وأمره بصلاة العشاء حين ذهب ثلث الليل الأول, وأمره بصلاة الصبح حين أسفر جدا, ثم قال له: ما بين هذين وقت كله. وفي وصف رحلة الإسراء يقول ربنا- تبارك وتعالي- في محكم كتابه{ سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}( الإسراء:1). والإسراء واقعة تاريخية لم ينكرها كفار قريش, وإن تعجبوا من كيفية وقوعها. أما حادثة المعراج فقد أكدتها الآيات(1-18) في مطلع سورة االنجمب, وهي من خوارق المعجزات التي أخبرنا بها الله- سبحانه وتعالي- في محكم كتابه وهو خير الشاهدين وفي ذلك يقول: { اوالنجم إذا هويY ما ضل صاحبكم وما غويY وما ينطق عن الهويY إن هو إلا وحي يوحيY علمه شديد القويY ذو مرة فاستويY وهو بالأفق الأعليY ثم دنا فتدليY فكان قاب قوسين أو أدنيY فأوحي إلي عبده ما أوحيY ما كذب الفؤاد ما رأيY أفتمارونه علي ما يريY ولقد رآه نزلة أخريY عند سدرة المنتهيY عندها جنة المأويY إذ يغشي السدرة ما يغشيY ما زاغ البصر وما طغيY لقد رأي من آيات ربه الكبريY ب. وتعتبر رحلة الإسراء والمعراج أعظم معجزة حدثت في تاريخ البشرية كلها. فلم يسبق لنبي من الأنبياء ولا لرسول من الرسل أن طوي له المكان وأوقف له الزمان كما حدث مع خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), كما لم يسبق لنبي من الأنبياء أن عرج به إلي سدرة المنتهي عبر السموات السبع وشرف بالمثول بين يدي الحضرة الإلهية, وتلقي من التكريم ما لقيه. وكان في هذه الرحلة المباركة من معاني وحدانية الإله الخالق, ووحدة رسالة السماء والأخوة بين الأنبياء ما تجلي في الربط بين الكعبة المشرفة والمسجد الأقصي المبارك, وما تجسد في إمامته لجميع الأنبياء والمرسلين( صلوات ربي وسلامه عليه وعليهم أجمعين). كذلك أكدت هذه الإمامة أن رسالته الخاتمة قد نسخت ما قبلها من رسالات, وأصبحت نور الله في الأرض وهدايته لجميع الخلق, فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
الثلاثاء، يوليو 12
قضايا واراء - من أسرار القرآن -( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا....)
قضايا واراء - من أسرار القرآن
في المقالين السابقين استعرضنا عددا من الدروس التربوية الهامة المستقاة من هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وصاحبه أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من مكة المكرمة إلي يثرب في ضوء الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال, والظروف الصعبة التي كان المسلمون يمرون بها وقت تنزل هذه الآية الكريمة. هذا وقد سبق لنا أن أشرنا إلي أن هذا الحدث الذي غير مجري التاريخ بانتقال المسلمين من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء التي عاشوها في مكة, إلي مرحلة العزة, والقوة, والمنعة والتمكين في الأرض التي بدأوها في المدينة المنورة. وقلنا أن مسلمي اليوم قد عادوا في دورة من دورات الزمن إلي حالة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء علي مستوي دولي أكبر وأخطر مما لقيه مسلمو مكة, وإذا أراد مسلمو اليوم الخروج من ذلك الذل الذي غرقوا فيه فعليهم معاودة الاستفادة بالدروس التربوية المستقاة من هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حتي يتمكنوا من استعادة دورهم الرائد في هداية البشرية الضالة التائهة, والتي أعماها ما حققته من تقدم علمي وتقني مذهل, صاحبه انحسار ديني وأخلاقي وسلوكي مذهل كذلك, فأغري ذلك الطواغيت بالإفساد في الأرض, والتسلط علي الخلق ونشر الظلم في أرجاء الأرض في غطرسة عمياء, وتجبر فاق الحدود مما أغرق الأرض في بحار من الدماء والأشلاء والخراب والدمار, ولا مخرج للبشرية كلها من ذلك إلا بالعودة مرة أخري إلي الله. ولا يملك مفتاح تلك العودة إلا المسلمون. وعرضنا في المقالين الماضيين عددا من الدروس المستفادة من الهجرة نلخصها فيما يلي: أولا: ضرورة الإيمان الصادق بالله ـ تعالي ـ وجميل التوكل عليه, والجهاد من أجل إقامة عدل الله في الأرض, والتحرك المخلص بذلك, مع الاستعداد للتضحية من أجل إعلاء كلمة الله, ونصرة دينه, واليقين بأن النصر من الله والاستبشار بقرب تحقق ذلك إن شاء الله ـ تعالي. ثانيا: الإيمان بحقيقة الأخوة الإنسانية, والتسليم بحتمية صراع أهل الباطل مع أهل الحق علي الرغم من ذلك. ثالثا: ضرورة إحكام التخطيط لكل أمر, وأخذ الحيطة الكاملة من مؤامرات أهل الشر, وقد تكالبوا علي المسلمين في هذه الأيام. رابعا: اليقين في رعاية الله ـ تعالي ـ لعباده المؤمنين به والمتوكلين عليه. خامسا: التأكيد علي أن حب مكة المكرمة من الإيمان, وكذلك حب الأوطان. سادسا: ضرورة حب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وحب صحابته الكرام. سابعا: ضرورة الأخذ بالأسباب في كل أمر من أمور الحياة, مع جميل التوكل علي الله( تعالي). ثامنا: ضرورة اليقين في معية الله ـ تعالي ـ لعباده المؤمنين, وحفظه لهم. تاسعا: ضرورة الوفاء بالعهد تحت مختلف الظروف. وفي هذا المقال نضيف الدرسين التاليين: أولا: ضرورة الإيمان بمعجزات الأنبياء وبكرامة الصالحين: سار الركب النبوي متجها إلي المدينة, وتابعهما أحد فرسان قريش وكان اسمه' سراقة بن مالك' وكاد يلحق بهما, لولا أن أقدام فرسه غاصت في الرمال فاستجار برسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأجاره, ولكن الطمع في المائتي ناقة كان ينسيه ما حدث له فيتابع المطاردة لتغوص قدما فرسه بالأرض بصورة أشد من ذي قبل, وتكرر ذلك عدة مرات, والرسول يجيره حتي آمن سراقة بأنه لا سبيل له في الوصول إلي الرسول وصاحبه, فقرر الرجوع رادا للمتعقبين لرسول الله وصاحبه من كفار قريش, خاصة وأن رسول الله وعده أن يلبسه الله ـ سبحانه وتعالي ـ سواري كسري, وهو يتعجب كيف يمكن أن يكون له ذلك والفرس يحكمون المنطقة بالكامل, ثم تحقق له ذلك بالفعل بعد إسلامه, وكان ذلك إبان إمارة الفاروق عمر بن الخطاب( رضي الله عنه). وفي أثناء رحلة الهجرة كان رسول الله يأمر أبا بكر أن يشغل الناس عنه, فكان إذا سئل: من هذا الذي أنت بين يديه؟ فيرد أبو بكر قائلا:' هاد يهديني السبيل' وقد صدق فيما قال من تورية تعتبر درسا للمسلمين في كل ما يمكن أن يمروا به من الشدائد. وفي الطريق إلي المدينة نزل ركب رسول الله للتزود بالطعام والشراب علي خيام لأم معبد الخزاعية, والمنطقة كانت يومئذ تعيش في شدة من الجدب والعوز, فسألوها أن تبيعهم لحما أو لبنا أو تمرا, فقالت: والله لو كان عندنا ما أعوزناكم القري( أي القيام بواجبات الضيافة). وفجأة أبصر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ شاة خلفها عن الغنم شدة ما بها من هزال وجهد, فسأل: هل بها من لبن؟ قالت أم معبد: هي أجهد من ذلك, قال: أتأذنين لي في حلابها؟ أجابت: والله ما ضربها من فحل قط, فشأنك إن رأيت فيها حلبا فاحلبه, وأحضرتها له. فمسح رسول الله- صلي الله علي وسلم- بيده الشريفة علي ظهر الشاة وعلي ضرعها مسميا باسم الله, فدرت, ودعا بإناء كبير يروي جماعة من الناس فحلب, ونزل اللبن قويا في صوته, ثرا في تدفقه حتي امتلأ الإناء, فقدمه لأم معبد أمام دهشة الجميع, فشربت حتي رويت, وشرب جميع من حضر حتي روي, وأخيرا شرب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حتي روي, وكان قدومه علي أهل هذه المنطقة بشير يمن وبركة, فنزل الغيث, واخضرت الأرض, ودرت ضروع الحيوانات, فأطلقوا علي زائرهم لقب' المبارك'. وفي الطريق إلي يثرب لقي ركب النبي كلا من أبي بريدة والزبير بن العوام, وكان أبو بريدة زعيم قومه قد خرج في وفد منهم فاق عدده السبعين رجلا في طلب الرسول وصاحبه, ولكن لما واجهوه أسلموا جميعا, وكان الزبير في جماعة من التجار المسلمين العائدين من بلاد الشام ففرحوا بلقاء الرسول وصحبه. ثانيا: اليقين في ضرورة تحقق نصر الله: بعد أحد عشر يوما في الطريق وصل ركب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلي قباء فاستقبله أهلها بالترحاب والفرحة والبهجة, وقضي الرسول وصحبه عدة أيام في قباء يصلون في مسجدها( مسجد قباء). وهو أول مسجد أسس علي التقوي. ثم تحرك الركب إلي المدينة انتزاعا من قلوب أهل' قباء', وبمجرد الوصول إليها تزاحم أهل يثرب علي زمام ناقة الرسول, كل يريد أن يظفر بنزول هذا الركب المبارك عنده, ورسول الله ـ صلي الله علي وسلم ـ يقول:' دعوها فإنها مأمورة' حتي بركت في موضع مسجده الشريف إلي جوار بيت أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ الذي نزل به رسول الله. وكانت الأرض التي بركت فيها الناقة أرضا خلاء يملكها يتيمان في المدينة, فوهباها لرسول الله ولكنه أصر علي دفع ثمنها كاملا قبل البدء ببناء المسجد فيها. وفي هذا المسجد ـ الذي كان شديد التواضع في بساطته ـ ربي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ جيلا من الرجال والنساء الذين فهموا حقيقة رسالتهم في الحياة: عبادا صالحين لله, يعبدونه سبحانه وتعالي بما أمر, ومستخلفين ناجحين في الأرض, مطالبين بعمارتها, وبإقامة شرع الله وعدله في ربوعها, وبذلك أسسوا قاعدة دولة الإسلام في المدينة. وبهؤلاء الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات أقام رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أعظم دولة عرفتها الإنسانية عبر تاريخها الطويل, وانطلاقا من دولة المدينة أقام المسلمون أعظم حضارة شهدتها الأرض منذ أن عمرها الإنسان. من هنا فإننا نحتفل بذكري هذا الحدث العظيم ـ هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فهو الحدث الذي غير مسيرة التاريخ كله, لأنه لولاه ما وصلنا الإسلام, ولعاشت البشرية كلها في دياجير من ظلام الشرك والكفر والضلال التي كانت قد غاصت فيها قبل البعثة النبوية الشريفة, والتي لايزال يغوص فيها غالبية أهل الأرض إلي اليوم, وذلك لأن الهجرة كانت انتقالا من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد لأهل الحق إلي مرحلة انتصارهم علي أهل الباطل. وإذا كان المسلمون في أيامنا هذه قد عادوا في دورة من دورات الزمن ـ إلي مرحلة من مراحل الاستضعاف والاضطهاد, فإن من الواجب عليهم مدارسة هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وحركته في الانتقال بالمستضعفين من المسلمين إلي مرحلة النصر المبين, الذي نستبشر بقرب تحققه فالإسلام قادم قادم, والنصر قريب إن شاء الله. فكما جاهد رسول الله علي مدار ثلاث وعشرين سنة حتي أوصل لنا الإسلام الذي لا يرتضي ربنا ـ تبارك وتعالي ـ من عباده دينا سواه. فإن واجب المسلمين اليوم هو بذل أقصي الجهد لنصرة دين الله بتعلمه من مصادره الصحيحة, وبتحقيقه أمرا واقعا في حياة المسلمين, وبحسن الدعوة إليه بالكلمة الطيبة والحجة البالغة وباللغة التي يفهمها أهل عصرنا وهي لغة العلم. وإذا كانت هجرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد توجت بإقامة دولة الإسلام في المدينة, ثم بفتح مكة, وبامتداد دولة الإسلام بعد ذلك, لتشمل نصف المعمورة في أقل من قرن من الزمان, فإن روح الهجرة تبقي ـ في زمن الفتن الذي نعيشه ـ تجسيدا لضرورة فرار المسلم إلي الله ورسوله فرارا حقيقيا مخلصا وذلك لأقواله ـ صلي الله عليه وسلم ـ التي منها ما يلي: 1ـ' لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية'( متفق عليه). 2ـ'... والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه'( متفق عليه). 3ـ' لا تنقطع الهجرة حتي تنقطع التوبة, ولا تنقطع التوبة حتي تطلع الشمس من مغربها'( أبو داود; النسائي). 4ـ' لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو'( النسائي, ابن حبان, أحمد). 5ـ' من مات, ولم يغز ولم يحدث نفسه به, مات علي شعبة من النفاق'( مسلم). والمسلمون في أوضاعهم الحالية, وقد تمزقت وحدتهم في أكثر من ستين دولة ودويلة, بالأضافة إلي أقليات تقدر بعشرات الملايين في بعض الحالات( مثل الهند والصين). وقد أدي انقسام المسلمين إلي بعثرة إمكاناتهم البشرية والمادية مما تسبب في تراجعهم الحضاري, في كل الميادين ومنها التخلف العلمي والتقني, والانحسار الاقتصادي والتعليمي والإعلامي والهزيمة العسكرية علي أيدي أعداء اغتصبوا قلب العالمين العربي والإسلامي دون أدني حق ديني أو عرقي أو تاريخي أو لغوي أو قانوني, وللأسف الشديد استسلم العرب( وهم أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة), كما استسلم المسلمون( وهم أكثر من مليار ونصف المليار نسمة) لما فرضته ولا تزال تفرضه عليهم هذه الحفنة من حثالات الأمم, ونفايات الشعوب, في مذلة وصغار لم يسبق للعرب ولا للمسلمين أن ذاقوا مثل مرارته من قبل. وإذا أراد المسلمون الخروج من حالة المهانة التي يعيشون فيها اليوم فعليهم بمراجعة وقائع الهجرة النبوية الشريفة ومدارستها في ضوء الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال. ويكفي أن نشير في ذلك إلي ضرورة تذكير أمة الإسلام بحتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل, وبأن الحق لا ينتصر لمجرد كونه حقا, ولكنه يحتاج إلي الحركة الدائبة والتضحية المخلصة من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض, والبذل السخي, والعطاء الجزل في سبيل تحقيق ذلك, مع الإيمان العميق بأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله, فإذا أحسنا الثقة بالله ـ تعالي ـ, وتوكلنا عليه حق التوكل بعد بذل جهد الطاقة منا تحقق لنا النصر بإذن الله. وإذا تأكد ذلك في عقول وقلوب مسلمي اليوم لخرجوا من حالة التمزق والتشرذم والتخلف التي يعيشونها, ومن وضع التراجع في كل الميادين التي خاضوها, ومن مرحلة الاستضعاف والاضطهاد التي يمرون بها إلي وحدة الكلمة وجمع الصفوف علي نصرة دين الله, وإلي تحقيق قيادة العالم من جديد, وإلي مرحلة العزة والقوة والمنعة التي تميزوا بها في القديم, والنصر المؤزر الذي سوف يحققونه بتأييد الله, وإن لم ينتبه مسلمواليوم إلي حجم المخططات الشيطانية التي تحاك لهم في السر والعلن فإنهم سوف يتعرضون إلي المزيد من التمزق والتفتت والتشرذم كالذي يدبر اليوم لكل من السودان والصومال والعراق وأفغانستان, والمخطط الشيطاني لمزيد التفتيت لجميع الكيانات المسلمة طويل ومرير إذا لم يستيقظ المسلمون لمقاومته والتصدي لنع تنفيذه. ومن أخطار مخطط التفتيت للعالمين العربي والإسلامي أن أهل الكفر والشرك والضلال قد توحدوا في كيانات كبيرة, استحوذت علي جميع مقومات الغلبة المادية مما يجعل المواجة غير متكافئة علي الإطلاق. وعلي الرغم من ذلك كله فإن الله- تعالي- تعهد علي ذاته العلية تعهدا مطلقا بنصرة عباده المؤمنين وما ذلك علي الله بعزيز, والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العامين.
قضايا واراء - من أسرار القرآن (وقـل جـاء الـحـق وزهـق البـاطـل إن البـاطـل كـان زهـوقا)
وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في مطلعها إلي معجزة الإسراء من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي. ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية, ولذلك بدأت بتسبيح الله ـ تعالي والتسبيح هو الذكر بالتمجيد والتقديس, مع التنزيه عن جميع صفات الخلق, وعن كل وصف لا يليق بجلال الخالق ـ سبحانه وتعالي والإقرار بتفرده بالسلطان في ملكه. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة الإسراء, وما جاء فيها من ركائز العقيدة, والتشريعات الإسلامية, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز التشريعي في الآية التي اخترناها عنوانا لهذا المقال. من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم يقول ربنا ـ تبارك وتعالي موجها الخطاب إلي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ:( وقـل جـاء الـحـق وزهـق البـاطـل إن البـاطـل كـان زهـوقا) الإسراء:81. أي: قل يا محمد منذرا قومك ـ خاصة ـ والناس ـ عامة ـ إنه مع نزول وحي السماء الخاتم قد جاء الحق بنوره وبإقامة العدل بين الناس, وذهب الباطل بظلامه وبما أشاعه في الأرض من مظالم ومفاسد, والحق دائما يعلو ولا يعلي عليه, والباطل دائما نهايته إلي الزوال والبوار والانهيار مهما طال ليله..!! ولفظة الحق بمشتقاتها المختلفة جاءت في مائتين وسبعة وثمانين 287 موضعا من آيات القرآن الكريم, فقد جاءت إشارة إلي الخالق ـ سبحانه وتعالي الذي أوجد كل شيء خلقه بحسب ما تقتضيه الحكمة, كما جاءت إشارة إلي خلق الله ـ تعالي الذي خلق بحسب مقتضي الحكمة, أي بإتقان وإحكام بالغين, وجاءت إشارة إلي الإيمان بكل حق ثابت, كما جاءت في وصف كل فعل صادق, وكل قول واقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب, وفي الوقت الذي يجب تماما بغير أدني قدر من التخلف أو التوقف, وعلي ذلك, فإن الحق هو الثابت الصحيح من كل أمر, و(الحق) ضد الباطل يقال في اللغة: (حق) الأمر( يحق)( حقا) بمعني: ثبت ووجب. ويقال ( أحق) الله (الحق) أي: أظهره وأثبته للخلق, واستحقالشيء يستحقهأي وجبه, استحق عليه أي: وجب عليه.ذلك فإن الحقهو أصل في الوجود كله, أصل قوي صادق, ثابت, يستمد وجوده من فطرته, وإن وقف ضده كل أصحاب الأهواء والمطامع والشهوات, وإن حاربه أهل الباطل وحاولوا ستره, والباطل زاهق, مندحر, زائل مهما طال علوه واستمرت هيمنته. وهذه هي حقيقة كونية يقررها القرآن الكريم (وهو حق) في قرابة الثلاثمائة آية, ويجملها في الآية الكريمة التي نحن بصددها والتي تؤكد أنه مهما كان للباطل صولة ودولة, ومهما انتفخ أهل الباطل ونفشوا ريشهم فنهايته ونهايتهم إلي الانحدار, والدمار, والزوال, وذلك لأن الباطل مناف للفطرة التي فطر الله ـ تعالي خلقه عليها, ومن هنا فإنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته, وبذلك فإنه سرعان ما يذوي وينهار مذموما مخذولا من جميع صور الحق وأهله, لأن الحق من عند الله ـ تعالي الذي جعله من أسمائه الحسني, وهو الحي الباقي الذي لا يزول ولا يحول أبدا, ووعد الله حق, وسلطان الله أقوي من سلطان الباطل وأهله مهما تكاثروا (ومـن أصـدق مـن اللـه حـديثا) "النساء 87". والباطل من أسماء الشيطان, ومن ورائه هذا اللعين الذي يترصد الإنسان دوما ليضله عن الحق, ويعميه عن طريقه, ويغريه بالباطل, ويغويه بالوقوع فيه..( إن كـيـد الشــيـطـان كـان ضـعـيفا) "النساء 76": لذلك جعل الله ـ تعالي الحق في فطرة كل شيء من الإنسان إلي الحيوان, والنبات, والجماد, وفي الكون كله وفي كل ما خلق الله, مما نعلم من الخلق وما لا نعلم. ولكن الإنسان مخلوق جعله الله ـ سبحانه وتعالي ذا إرادة حرة, فإما أن يتوافق مع الفطرة التي فطره الله عليها, ويستقيم علي أوامر الله, فيلزم جانب الحق, وإما أن يعارض فطرته فيخرج علي أوامر ربه ـ وهي الحق ـ ويخضع لأوامر الشيطان حتي يستذله, والشيطان هو الباطل, وهو العدو اللدود للإنسان, يجري منه مجري الدم من العروق, محاولا إخراجه من دائرة الحق إلي دوائر الباطل بكل وسيلة ممكنة, فيضله ضلالا بعيدا(... وكـان الشــيـطـان للإنسان خـذولا) "الفرقان 29:. والحق فطري في الإنسان, وفي جميع ما خلق الرحمن, ولذلك يصبح العلم بالحق أمرا فطريا لا تكلف فيه ولا افتعال, فيبقي حب كل من الحق, والخير, والجمال من الأمور الفطرية في الإنسان, وتبقي التبصرة بها والهداية إليها ميسرة له في كل حال, مادام عرف ربه الحق, ودان نفسه بدين الله الحق. ولكن إذا أخضع الإنسان فطرته السوية لوساوس الشيطان أخرجه عنها, واستذله بهذا الخروج عن الحق, وقاده إلي دياجير الظلام الحالك, والباطل الزاهق حتي يغرق فيه إلي الآذان فيهلكه ويقضي عليه, وذلك لأنه لا يمكن لشيء في الوجود كله أن يكون أو أن يدوم بغير الحق, وأن معركة الشيطان مع الإنسان تتركز حول محاولته هذا اللعين إخراج أكبر عدد ممكن من بني الإنسان من دائرة الحق إلي دوائر الباطل. والذين يدرسون التاريخ وسير الرجال ويتدبرون عواقب الأمور بشيء من البصيرة والاتزان, يدركون تمام الإدراك أن دولة الباطل ساعة, ودولة الحق إلي قيام الساعة, ويعلمون تمام العلم أن الحق لا يهزم أبدا مهما تكاثر عليه أهل الباطل, وأن الباطل لا يدوم أبدا مهما علا واستفحل. من هنا يدرك كل عاقل تصور أنه لا يجوز له أن يسمح للشيطان بإخراجه عن الحق إلي الباطل مهما كانت المغريات من زهرة الحياة الدنيا وزينتها. ولما كان الله ـ تعالي هو الحق, فقد أخذ علي ذاته العلية العهد بنصرة كل ما هو حق, ويسحق كل ما هو باطل..( وكـان اللـه عـلـي كـل شـيء قـديرا) "الأحزاب27". وقد فرض الله ـ تعالي الالتزام بالحق علي الإنسان ـ ذلك المخلوق المكرم, العاقل, المكلف, ذو الإرادة الحرة ـ فمن التزم به سعد في الدنيا ونجي في الآخرة, ومن خرج عن الحق إلي الباطل شقي في الدنيا وفي الآخرة. ويؤكد القرآن الكريم في الآية التي اخترناها عنوانا لهذا المقال, وفي قرابة الثلاثمائة آية أخري, أن سعادة الإنسان في دنياه, وأن نجاته في أخراه يتوقفان علي الإيمان بالحق والعيش بمقتضاه, وأن من رحمة الله ـ تعالي بعباده أن جعل إحقاق الحق في الدنيا سببا للنعيم في الآخرة. من هنا تتضح ومضة الإعجاز التشريعي في تأكيد حتمية انتصار الحق واندحار الباطل, مهما طالت غلبة الباطل وجنده وتعرض الحق وأهله إلي العديد من المظالم, والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
مشاركة مميزة
-
http://www.ahram.org.eg/Egypt/News/123073.aspx اللهم لاتجعل هلاك مصر على يد الجنزورى اد-عبدالعزيزنور nouraziz2000@yahoo.com (رسالة مو...
-
الأولى - مؤتمر لفرص الاستثمار بمصر خلال أكتوبر مؤتمر لفرص الاستثمار بمصر خلال أكتوبر القاهرة ـ آمال علام: 159 أكد الدكتور م...
-
Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of ... Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of Fragil...