ولكنها ستحقق لشعبها في نهاية المطاف الديمقراطية, ومختلف الحريات التي تطلع إليها هذا الشعب الصبور طويلا.
وتعد الأيام والأسابيع القليلة المقبلة مرحلة دقيقة في عمر الشعب المصري لأنها ستحدد مسار مصر ذلك البلد المحوري إذا أردنا الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط برمتها.
ومما لا شك فيه أن التطورات السياسية المحلية في مصر تمثل مفتاح الأحداث المرتقبة. وفي هذا السياق, أجدني مدفوعا لأن أنصح أبناء وطني بأن يتحدوا حول مفهوم ورؤية مشتركة بشأن ما أصفه بالتغيير المنضبط. ويتعين أن ترضي هذه الرؤية المنشودة تطلعات ملايين المصريين من جميع الأعمار, ومختلف الديانات, وشتي الفئات, فهؤلاء جميعا اتحدوا معا في ميدان التحرير وفي مختلف المحافظات من أجل تقرير مصيرهم وتحسين أوضاع مستقبلهم.
إن السياسة في الشارع أو علي المستوي الرسمي هي المحرك الحقيقي للأحداث اليوم, وفي خضم ذلك, ستقع صور من التوتر, وسنتعلم تدريجيا فنون التوصل إلي حلول وسط, غير أن العوامل الاقتصادية والمالية سوف تلعب أيضا دورا محوريا في هذا المجال, خصوصا عندما يتعلق الأمر بمحاولة الانعاش العاجل لاقتصاد كاقتصاد مصر عاني عدة سكتات مفاجئة وموجعة خلال الفترة الأخيرة. ووفقا لطبيعة هذه المحاولات, ستتحدد كيفية خروج أصدقاء مصر وحلفائها عن صمتهم الحالي للمساعدة في إنجاز هذا التحول غير المسبوق في تاريخ البلاد.
لقد توقف الاقتصاد المصري عمليا لمدة أسبوعين تقريبا, فتناقص المعروض السلعي وأغلقت كثير من البنوك والمتاجر أبوابها, ونفد رصيد البنكنوت من ماكينات الصراف الآلي, وأغلقت المدارس والمصالح الحكومية, كما اضطربت حركة التجارة الداخلية والخارجية, أما الحركة السياحية فقد انعدمت.
إن ما يحتاجه الاقتصاد المصري اليوم هو إعادة التشغيل, ثم التأهيل للانطلاق. وهناك ثلاث أولويات يجب ألا تفوتنا عند تنفيذ ذلك لضمان أداء صحي وصحيح للاقتصاد المصري علي الأجل الطويل, وهو ما سيعود بالخير علي ملايين المصريين الذين يحتجون اليوم من أجل حريات أوسع.
ويتصدر هذه الأولويات: ضرورة استئناف العمل بالجهاز المصرفي بالصورة المعتادة وبأسلوب منظم. وأحسنت حكومة الثورة بتشغيل جزء من النظام المصرفي بمجرد استشعار تحسن الأوضاع الأمنية نسبيا, ولكن ثمة تحديات قائمة, فما من بديل آخر أمام البنك المركزي سوي إمداد النظام المالي المصري بالسيولة الكافية بالعملة المحلية والنقد الأجنبي. وفي هذا السياق, أنصح البنك المركزي, والبنوك التجارية بأن يستمرا في تلبية طلبات السحب من الودائع, لأن الامتناع عن إجابة طلبات العملاء سوف يتسبب في حالة من الهلع لسحب الودائع المصرفية.
ثانيا: يتعين علي وزارة المالية التعامل بهدوء مع حالة مرتقبة من التدهور غير المسبوق في الإيرادات الضريبية. ويجب أن تتأكد الوزارة من عدم تسبب هذا الاضطراب العارض للإيرادات السيادية في اضطرابات موازية للإنفاق الحكومي. وبالتالي, يجب صرف الرواتب في مواعيدها, مع سداد جميع حقوق الموردين في مواعيدها وبانتظام.
ثالثا: يجب الاهتمام بوضع برامج للإنفاق الاجتماعي عبر قنوات محددة وبخاصة في قطاعات الصحة, ودعم المواد الغذائية الأساسية, والإسكان. ويجب ألا ننسي في هذا السياق أن الطبقات الفقيرة من المجتمع ستكون الأكثر تضررا من حالة الاضطراب الاقتصادي, والمالي الراهنة.
ولن تكون إعادة تأهيل الاقتصاد المصري في هذه الظروف أمرا هينا علي الإطلاق. ولن يتمكن المصريون من مواجهة هذا التحدي بمفردهم, بل سيحتاجون للدعم الخارجي. وأقول بكل ثقة إن الشجاعة, والاصرار اللذين أظهرهما الشعب المصري لإنجاز ثورته يستحقان من العالم الخارجي تقديم يد العون في هذه الظروف الطارئة.
وبمجرد استعادة الاستقرار السياسي, سيجد أصدقاء مصر وحلفاؤها الفرصة لمساندة الاقتصاد المصري حتي يستعيد عافيته. وأعتقد أن الأصدقاء والحلفاء عليهم أن يستعدوا لذلك بفتح خطوط ائتمان عن طريق البنوك المركزية, مع الإسراع بتقديم المساعدات المحددة سلفا, وإعادة توجيهها إلي مجالات بديلة إذا تطلب الأمر ذلك. وفضلا عن هذا, يجب عليهم أن يسهلوا دعم المؤسسات المصرية الفاعلة والتي ترتبط بشبكة علاقات واسعة مع الشرائح الأكثر ضعفا داخل المجتمع المصري.
لقد قدم الشعب المصري تضحيات كبيرة بخروجه للمطالبة بمزيد من الديمقراطية في أكبر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعدادا بالسكان. وتطلب ذلك كثيرا من الألم والمخاطرة. وعلينا أن نساند هذه الشجاعة التاريخية بالمساهمة في إعادة تأهيل الاقتصاد المصري الذي تعرض لسكتة مفاجئة وخطيرة.