الأربعاء، أغسطس 17
طريق مصر للازدهار الاقتصادي والاجتماعي
طريق مصر للازدهار الاقتصادي والاجتماعي
بقلم: عاطف الغمري
بقلم: عاطف الغمري
392
علي رأس أولويات المصريين الآن, إطلاق مشروع قومي للتنمية, والتقدم, والنهضة, وذلك لمجموعة من الأسباب الملحة منها
ـ من ناحية ـ ان المشروع القومي لمصر سيكون بمثابة القاطرة التي تجذبها بعيدا عن حافة الهاوية التي دفع بها النظام السابق إليها, بسياسات منهجية, كان من نتائجها تفتيت القدرات الذاتية للوطن, علي يد سياسات, وممارسات, وشخوص, اختيروا بمواصفات من يشارك في الهدم ولا يبني.
ومن ناحية أخري, لأن دولا كثيرة غيرنا تطبق الآن سياسات, أساسها اعتبار أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, هو عقد التنمية الاقتصادية واسعة النطاق, من أجل الارتقاء بالدولة والمستوي المعيشي لشعبها, وكذلك لأن الدول التي نجحت في تنمية اقتصادها, هي التي ستشارك في إدارة النظام الدولي الجديد.
وحتي لا يحدث لبس, أو يختلط الأمر, فيما يتعلق بالمشروع القومي المطلوب, فإن كلا من مشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز, ومشروع الصحوة العلمية للدكتور أحمد زويل, يعتبر ركنا عظيما وبالغ الأهمية, لدفع النهضة والتقدم, لكن كليهما ليس المشروع القومي, الذي هو أعم وأشمل, لكننا لا ننكر أن كلا منهما سيكون من الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها بناء الحلم القومي لمصر.
وحتي تتضح الرؤية, فإن المشروع القومي ـ حسب التعريف العلمي ـ هو صحوة وطنية للأمة في ظرف زمني معين, لتحقيق أهداف تنهض بها, في إطار ظروف بعينها, وهي أهداف تتضمن الانتقال من وضع الاحتلال الي التحرر والاستقلال, أو من الظلم للعدل, أو من التخلف والجمود الي الازدهار, أو من الحكم الشمولي والدكتاتوري الي حرية المواطن واحترام حقوق الانسان, وغيرها من الاهداف, أو هي كلها مجتمعة, حسب إلحاح الظرف الزمني, وإلحاح الأولويات القومية.
أي أن المشروع القومي باختصار هو نهضة قومية شاملة, تنطلق داخل حدود دولة, وتتحدد مواصفاته بحساب الظروف, وتطورات العصر, وقواعد عمله.
ان المشروع القومي الذي تحتاجه مصر الآن, لابد أن يخرج بها أولا من ممارسات سياسية, واقتصادية وإدارية, واجتماعية, وأمنية, عملت علي تجريفها, من كل قدراتها الذاتية المؤكدة للهوية, والكرامة الوطنية, ومن كل طاقة منتجة ومبدعة, من الموارد والبشر. وان ينزع هذا المشروع جذور سياسات كان همها نهب الموارد, وقطع الطريق علي أي محاولة لخلق كيانات منتجة, والتوسع النهم, في استيراد كل شيء, ضمانا للعمولات التي تجلب لهم الثروات, في عداء صريح لفكرة الانتاج وتعظيم الموارد الذاتية, وهو ما كان سيحل المشاكل المزمنة, كالبطالة, وعدم قدرة الشباب علي تكوين أسرة, وجنون الاسعار, وغيرها.
وثانيا: ان المشروع القومي للتنمية, هو اكبر من كونه خطة اقتصادية, لكنه عمل وطني واسع المدي, يطلق طاقات الدولة, ويستنهض كافة القطاعات غير الاقتصادية, والتي تعد في الحقيقة, عناصر أساسية لدفع التقدم وهي: التعليم, والبحث العلمي, والتكنولوجيا, والصحة, والثقافة, والفنون, والأمن, أي أن المشروع القومي من أول أساسياته, إحداث طفرة في كافة شرايين المجتمع, وتعزيز غريزة الهوية, والكرامة الوطنية.
ولما كنا في عصر ثورة المعلومات بكافة متطلباتها, فإن التعليم والتدريب والارتقاء بالمهارات, تحتل مكانة متقدمة, لأن التنافسية صارت من سمات القرن الحادي والعشرين, وهذه التنافسية بين الدول في كل شيء, لا تتأتي سوي من قدرة الدولة علي خلق مجتمع المعرفة, حيث لم تعد السياسات تخضع للنظريات السياسية والاقتصادية القديمة, بل تقوم علي إنتاج أفكار متطورة, واطلاق الخيال لابتداع أساليب تتعامل مع المشاكل بطرق غير تقليدية.
كما أن التنمية لا تنجح إلا إذا اعتمدت علي العمل المؤسسي, الذي يتيح الفرصة لأصحاب الآراء المتنوعة, للتعمق في سير عملية التنمية, وفي الاعتماد علي أصحاب الخبرة, من ذوي الاستقلالية الذين لا يتبعون وظيفيا المسئول التنفيذي عن الخطة, ومنعا لانفراد الوزير أو المسئول, بالقرار.
لقد لوحظ من خلال تجارب الدول التي سلكت هذا السبيل, ان نجاحها في تحقيق القدرة الاقتصادية التنافسية, قد حقق لها في الوقت نفسه, مجموعة من الأهداف في وقت واحد, مثل تعزيز الأمن القومي, بعد ان أصبح الأمن الاقتصادي يتساوي مع بقية المكونات التقليدية للأمن القومي, ومضاعفة القدرات الذاتية للمجتمع, وتعظيم الشعور بالكرامة الوطنية, واتخاذ مواقف مجتمعية في مواجهة أي سلبيات, فضلا عن أن بلوغ القدرة الاقتصادية التنافسية عن طريق تنمية ناجحة, كان هو صك الاعتراف من العالم, للدولة, بمكانتها ووزنها في محيطها الإقليمي, وعلي المستوي الدولي.
وذلك كله له نقطة بداية, وهي تشكيل رؤية استراتيجية واضحة ومحددة الملامح, لمشروع قومي, يستوعب قوي الدولة ومواردها مادية وبشرية, ووضع توقيت زمني للتنفيذ, ومحاسبة ومساءلة مستمرة لكل من يعهد إليه بجانب أو بقطاع من المشروع, وكل ذلك في إطار دولة القانون, بالمعني السليم للكلمة.
ومن ناحية أخري, لأن دولا كثيرة غيرنا تطبق الآن سياسات, أساسها اعتبار أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, هو عقد التنمية الاقتصادية واسعة النطاق, من أجل الارتقاء بالدولة والمستوي المعيشي لشعبها, وكذلك لأن الدول التي نجحت في تنمية اقتصادها, هي التي ستشارك في إدارة النظام الدولي الجديد.
وحتي لا يحدث لبس, أو يختلط الأمر, فيما يتعلق بالمشروع القومي المطلوب, فإن كلا من مشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز, ومشروع الصحوة العلمية للدكتور أحمد زويل, يعتبر ركنا عظيما وبالغ الأهمية, لدفع النهضة والتقدم, لكن كليهما ليس المشروع القومي, الذي هو أعم وأشمل, لكننا لا ننكر أن كلا منهما سيكون من الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها بناء الحلم القومي لمصر.
وحتي تتضح الرؤية, فإن المشروع القومي ـ حسب التعريف العلمي ـ هو صحوة وطنية للأمة في ظرف زمني معين, لتحقيق أهداف تنهض بها, في إطار ظروف بعينها, وهي أهداف تتضمن الانتقال من وضع الاحتلال الي التحرر والاستقلال, أو من الظلم للعدل, أو من التخلف والجمود الي الازدهار, أو من الحكم الشمولي والدكتاتوري الي حرية المواطن واحترام حقوق الانسان, وغيرها من الاهداف, أو هي كلها مجتمعة, حسب إلحاح الظرف الزمني, وإلحاح الأولويات القومية.
أي أن المشروع القومي باختصار هو نهضة قومية شاملة, تنطلق داخل حدود دولة, وتتحدد مواصفاته بحساب الظروف, وتطورات العصر, وقواعد عمله.
ان المشروع القومي الذي تحتاجه مصر الآن, لابد أن يخرج بها أولا من ممارسات سياسية, واقتصادية وإدارية, واجتماعية, وأمنية, عملت علي تجريفها, من كل قدراتها الذاتية المؤكدة للهوية, والكرامة الوطنية, ومن كل طاقة منتجة ومبدعة, من الموارد والبشر. وان ينزع هذا المشروع جذور سياسات كان همها نهب الموارد, وقطع الطريق علي أي محاولة لخلق كيانات منتجة, والتوسع النهم, في استيراد كل شيء, ضمانا للعمولات التي تجلب لهم الثروات, في عداء صريح لفكرة الانتاج وتعظيم الموارد الذاتية, وهو ما كان سيحل المشاكل المزمنة, كالبطالة, وعدم قدرة الشباب علي تكوين أسرة, وجنون الاسعار, وغيرها.
وثانيا: ان المشروع القومي للتنمية, هو اكبر من كونه خطة اقتصادية, لكنه عمل وطني واسع المدي, يطلق طاقات الدولة, ويستنهض كافة القطاعات غير الاقتصادية, والتي تعد في الحقيقة, عناصر أساسية لدفع التقدم وهي: التعليم, والبحث العلمي, والتكنولوجيا, والصحة, والثقافة, والفنون, والأمن, أي أن المشروع القومي من أول أساسياته, إحداث طفرة في كافة شرايين المجتمع, وتعزيز غريزة الهوية, والكرامة الوطنية.
ولما كنا في عصر ثورة المعلومات بكافة متطلباتها, فإن التعليم والتدريب والارتقاء بالمهارات, تحتل مكانة متقدمة, لأن التنافسية صارت من سمات القرن الحادي والعشرين, وهذه التنافسية بين الدول في كل شيء, لا تتأتي سوي من قدرة الدولة علي خلق مجتمع المعرفة, حيث لم تعد السياسات تخضع للنظريات السياسية والاقتصادية القديمة, بل تقوم علي إنتاج أفكار متطورة, واطلاق الخيال لابتداع أساليب تتعامل مع المشاكل بطرق غير تقليدية.
كما أن التنمية لا تنجح إلا إذا اعتمدت علي العمل المؤسسي, الذي يتيح الفرصة لأصحاب الآراء المتنوعة, للتعمق في سير عملية التنمية, وفي الاعتماد علي أصحاب الخبرة, من ذوي الاستقلالية الذين لا يتبعون وظيفيا المسئول التنفيذي عن الخطة, ومنعا لانفراد الوزير أو المسئول, بالقرار.
لقد لوحظ من خلال تجارب الدول التي سلكت هذا السبيل, ان نجاحها في تحقيق القدرة الاقتصادية التنافسية, قد حقق لها في الوقت نفسه, مجموعة من الأهداف في وقت واحد, مثل تعزيز الأمن القومي, بعد ان أصبح الأمن الاقتصادي يتساوي مع بقية المكونات التقليدية للأمن القومي, ومضاعفة القدرات الذاتية للمجتمع, وتعظيم الشعور بالكرامة الوطنية, واتخاذ مواقف مجتمعية في مواجهة أي سلبيات, فضلا عن أن بلوغ القدرة الاقتصادية التنافسية عن طريق تنمية ناجحة, كان هو صك الاعتراف من العالم, للدولة, بمكانتها ووزنها في محيطها الإقليمي, وعلي المستوي الدولي.
وذلك كله له نقطة بداية, وهي تشكيل رؤية استراتيجية واضحة ومحددة الملامح, لمشروع قومي, يستوعب قوي الدولة ومواردها مادية وبشرية, ووضع توقيت زمني للتنفيذ, ومحاسبة ومساءلة مستمرة لكل من يعهد إليه بجانب أو بقطاع من المشروع, وكل ذلك في إطار دولة القانون, بالمعني السليم للكلمة.
الاصلاح السياسى
الإصلاح الاقتصادي.. من أين يبدأ؟
بقلم: عاطف الغمري
بقلم: عاطف الغمري
107
الأمر الذي لا خلاف عليه, أن ثورة 25 يناير, هي حدث وقع في عالم يتغير, وكانت أداته المستخلصة من هذا التغيير,
هي استخدام مواقع الاتصال الاجتماعي علي شبكة الانترنت, التي تعد من المظاهر المهمة للتغيير الذي أفرزه انتقال العالم إلي عصر ثورة المعلومات, وذلك ضمن متغيرات متعددة الأشكال والمفاهيم والمباديء السياسية والاقتصادية, والتي يتصدرها تغير مفهوم قوة الدولة, التي كانت تقاس من قبل بما تملكه من قدرات عسكرية, تليها في الترتيب بقية مكونات قوة الدولة.
ونتيجة لهذه المتغيرات, فإن ما كان يصلح من أفكار وتوجهات ونظريات في سنوات سابقة, لم يعد كله صالحا الآن لحكم دولة وإدارة شئونها, وفي إطار ظروفنا الراهنة في مصر, فإن مما يثير القلق في الصورة العامة للحراك السياسي, منذ 25 يناير وحتي الآن, ما يعكسه الخطاب السياسي للغالبية العظمي من الذين أعلنوا ترشيح أنفسهم للرئاسة, والذي يفتقد الرؤية الاستراتيجية عند الكثيرين التي تلم بأبعاد هذا التغيير, الذي يشمل كل شيء, بما في ذلك تغير مفهوم الإصلاح الاقتصادي والتنمية, وهو ما يعد في المرحلة الحالية, قضية مصر الأولي, مع وجود استثناءات قليلة ومتميزة بين المرشحين.
في فترة التسعينيات من القرن العشرين, وبناء علي تحولات النظام الدولي بانتهاء الحرب الباردة, وبناء علي ظهور البدايات المبشرة للتجارب الناجحة للدول التي حققت صعودا اقتصاديا في آسيا, كان قد استقر في الفكر السياسي في العالم في هذه السنوات, أن القدرة الاقتصادية التنافسية, قد صعدت إلي قمة مكونات الأمن القومي للدولة لتتساوي مع القدرة العسكرية, وقد تتجاوزها أحيانا, وهذا تطور دفع بدوره إلي إعطاء أولوية للأمن القومي الاقتصادي, موازيا للأمن القومي للدولة بمعناه الاستراتيجي والتقليدي.. علي ضوء ذلك يكون السؤال: ــ من أين يبدأ الإصلاح الاقتصادي؟!.
بداية ـ أن الإصلاح الاقتصادي, لابد أن يسبقه الإصلاح السياسي, خاصة ما يتعلق بإقرار الأمن الداخلي, وسيادة دولة القانون, وحفظ كرامة المواطن, وترسيخ الديمقراطية, وتبني دستور توافقي متوازن, يعبر عن المصريين جميعا.
ونظرا للتداخل بين السياسة والاقتصاد, فإنه يلزم أن تتبلور للدولة فلسفة سياسية واقتصادية واضحة ومحددة المعالم, تبني علي أساس مشروع قومي للتقدم والنهضة, يستوعب كل موارد الدولة ما هو مستغل, وما هو غير مستغل, ويضع في حساباته كل مشكلات مصر, منها ما هو اقتصادي, ومنها ما قد لا يكون اقتصاديا في طبيعته لكنه يتأثر بالاقتصاد ويؤثر فيه. وهو ما يعني التنوع في أهل العلم والخبرة, الذين يعهد إليهم بصياغة المشروع القومي, والذي يعد عملا سياسيا استراتيجيا, لا يختص به رجال اقتصاد, فحسب لكنهم يشاركون فيه مع غيرهم من أهل المعرفة.هنا تكون محاولة الاجابة عن السؤال: الإصلاح الاقتصادي من أين يبدأ؟.
1 ــ اعادة صياغة الفلسفة الاقتصادية للدولة, والتحديد الواضح لهويتها السياسية والاقتصادية.
بما يعظم هدف الانتاج, صناعيا وزراعيا, ويزيل خطايا النظام السابق, بما أرساه من قواعد هدم فكرة الإنتاج, من أجل حماية ثقافة العمولات التي تفشت بشكل تخريبي, والتي استحوذت عليها الطبقة الحاسمة, والتي توسعت عشوائيا في الاستيراد (مصر تستورد 75% من احتياجاتها من المواد الغذائية من الخارج) والعمل بكل الطرق لإبقاء مصر دولة مستهلكة مستوردة, والأمثلة لا تعد ولا تحصي علي سلوكيات العداء للانتاج من بينها: ــ الغاء المشروع القومي لتنمية سيناء (6991) ــ عدم تنفيذ مشروع إقامة المدينة الصناعية التكنولوجية شمال غرب خليج السويس والتي وقع عقد إنشائها رئيسا وزراء مصر والصين في يونيو 2006 ــ إلغاء مشروع إقامة مصنع إنتاج مبيدات آمنة للاستخدام المحلي والتصدير بمنحة مجانية من الوكالة الدولة للطاقة الذرية 2007.
2 ــ أن البداية للإصلاح الاقتصادي تكون بتشخيص لأوضاع مصر الاقتصادية, وبناء علي ما لديها تتحدد رؤية للهدف الذي تريد مصر أن تكونه, وما تستطيعه لبلوغ ذلك, مع الاستفادة من ايجابيات التغييرات الداخلية في مصر, وتغير المزاج النفسي للمصريين, الذين كانوا قبل 25يناير قد أعطوا ظهرهم للنظام القائم في الدولة, وتفادي أي سلبيات موجودة الآن, وأيضا الاستفادة من الفرص المتاحة لعلاقات مع دول أخري, ومن تجارب نجحت في دول مثل الصين, والهند, وسنغافورة, وماليزيا, والبرازيل, وتركيا وجنوب إفريقيا, وبما يراعي جوانب الخصوصية في الحالة المصرية.
3 ــ أن مصر بطبيعتها دولة يمتد عمقها الاستراتيجي, إلي اتجاهات متعددة ومتنوعة, وتتطلب احتياجات أمنها القومي, أن تمد جسورا في هذا العمق: ـ في إفريقيا جوارها الاسترايتيجي ــ وفي آسيا الصاعدة بقوة ــ وفي العالم العربي, حيث انتماؤها القومي, وذلك وفق فلسفة سياسية متطورة.
4 ــ لما كان الاصلاح السياسي هو نقطة الانطلاق لأي إصلاح اقتصادي ناجح, فإن الديمقراطية تكون هي مربط الفرس, فهي المنطلق للحكم الصالح, والسلام الاجتماعي, والعدالة الاجتماعية, والأمن القومي, والانتماء والهوية, والتنمية الاقتصادية.
.. ورغم حجم المشكلات المتراكمة والمتوارثة, من نظام هدم الدولة الذي سقط في 25 يناير, فإن هذا لا يمنع من التفاؤل بمستقبل مصر, فمصر تملك من الموارد المادية والبشرية, ومن طاقة روح الوطنية التي اطلقتها ثورة 25 يناير, ما يؤهلها لقفزة اقتصادية في سنوات قليلة, وهي نظرة مستخلصة من المقارنة بدول كانت فقيرة جدا في كل شيء لكنها, وفي سنوات محدودة صعدت إلي مستوي الدولة المتقدمة والغنية, لا شيء, سوي أنها وضعت يدها علي المفاتيح الحقيقية, للبدء بالإصلاح الاقتصادي, بناء علي رؤية سياسية محددة.
ونتيجة لهذه المتغيرات, فإن ما كان يصلح من أفكار وتوجهات ونظريات في سنوات سابقة, لم يعد كله صالحا الآن لحكم دولة وإدارة شئونها, وفي إطار ظروفنا الراهنة في مصر, فإن مما يثير القلق في الصورة العامة للحراك السياسي, منذ 25 يناير وحتي الآن, ما يعكسه الخطاب السياسي للغالبية العظمي من الذين أعلنوا ترشيح أنفسهم للرئاسة, والذي يفتقد الرؤية الاستراتيجية عند الكثيرين التي تلم بأبعاد هذا التغيير, الذي يشمل كل شيء, بما في ذلك تغير مفهوم الإصلاح الاقتصادي والتنمية, وهو ما يعد في المرحلة الحالية, قضية مصر الأولي, مع وجود استثناءات قليلة ومتميزة بين المرشحين.
في فترة التسعينيات من القرن العشرين, وبناء علي تحولات النظام الدولي بانتهاء الحرب الباردة, وبناء علي ظهور البدايات المبشرة للتجارب الناجحة للدول التي حققت صعودا اقتصاديا في آسيا, كان قد استقر في الفكر السياسي في العالم في هذه السنوات, أن القدرة الاقتصادية التنافسية, قد صعدت إلي قمة مكونات الأمن القومي للدولة لتتساوي مع القدرة العسكرية, وقد تتجاوزها أحيانا, وهذا تطور دفع بدوره إلي إعطاء أولوية للأمن القومي الاقتصادي, موازيا للأمن القومي للدولة بمعناه الاستراتيجي والتقليدي.. علي ضوء ذلك يكون السؤال: ــ من أين يبدأ الإصلاح الاقتصادي؟!.
بداية ـ أن الإصلاح الاقتصادي, لابد أن يسبقه الإصلاح السياسي, خاصة ما يتعلق بإقرار الأمن الداخلي, وسيادة دولة القانون, وحفظ كرامة المواطن, وترسيخ الديمقراطية, وتبني دستور توافقي متوازن, يعبر عن المصريين جميعا.
ونظرا للتداخل بين السياسة والاقتصاد, فإنه يلزم أن تتبلور للدولة فلسفة سياسية واقتصادية واضحة ومحددة المعالم, تبني علي أساس مشروع قومي للتقدم والنهضة, يستوعب كل موارد الدولة ما هو مستغل, وما هو غير مستغل, ويضع في حساباته كل مشكلات مصر, منها ما هو اقتصادي, ومنها ما قد لا يكون اقتصاديا في طبيعته لكنه يتأثر بالاقتصاد ويؤثر فيه. وهو ما يعني التنوع في أهل العلم والخبرة, الذين يعهد إليهم بصياغة المشروع القومي, والذي يعد عملا سياسيا استراتيجيا, لا يختص به رجال اقتصاد, فحسب لكنهم يشاركون فيه مع غيرهم من أهل المعرفة.هنا تكون محاولة الاجابة عن السؤال: الإصلاح الاقتصادي من أين يبدأ؟.
1 ــ اعادة صياغة الفلسفة الاقتصادية للدولة, والتحديد الواضح لهويتها السياسية والاقتصادية.
بما يعظم هدف الانتاج, صناعيا وزراعيا, ويزيل خطايا النظام السابق, بما أرساه من قواعد هدم فكرة الإنتاج, من أجل حماية ثقافة العمولات التي تفشت بشكل تخريبي, والتي استحوذت عليها الطبقة الحاسمة, والتي توسعت عشوائيا في الاستيراد (مصر تستورد 75% من احتياجاتها من المواد الغذائية من الخارج) والعمل بكل الطرق لإبقاء مصر دولة مستهلكة مستوردة, والأمثلة لا تعد ولا تحصي علي سلوكيات العداء للانتاج من بينها: ــ الغاء المشروع القومي لتنمية سيناء (6991) ــ عدم تنفيذ مشروع إقامة المدينة الصناعية التكنولوجية شمال غرب خليج السويس والتي وقع عقد إنشائها رئيسا وزراء مصر والصين في يونيو 2006 ــ إلغاء مشروع إقامة مصنع إنتاج مبيدات آمنة للاستخدام المحلي والتصدير بمنحة مجانية من الوكالة الدولة للطاقة الذرية 2007.
2 ــ أن البداية للإصلاح الاقتصادي تكون بتشخيص لأوضاع مصر الاقتصادية, وبناء علي ما لديها تتحدد رؤية للهدف الذي تريد مصر أن تكونه, وما تستطيعه لبلوغ ذلك, مع الاستفادة من ايجابيات التغييرات الداخلية في مصر, وتغير المزاج النفسي للمصريين, الذين كانوا قبل 25يناير قد أعطوا ظهرهم للنظام القائم في الدولة, وتفادي أي سلبيات موجودة الآن, وأيضا الاستفادة من الفرص المتاحة لعلاقات مع دول أخري, ومن تجارب نجحت في دول مثل الصين, والهند, وسنغافورة, وماليزيا, والبرازيل, وتركيا وجنوب إفريقيا, وبما يراعي جوانب الخصوصية في الحالة المصرية.
3 ــ أن مصر بطبيعتها دولة يمتد عمقها الاستراتيجي, إلي اتجاهات متعددة ومتنوعة, وتتطلب احتياجات أمنها القومي, أن تمد جسورا في هذا العمق: ـ في إفريقيا جوارها الاسترايتيجي ــ وفي آسيا الصاعدة بقوة ــ وفي العالم العربي, حيث انتماؤها القومي, وذلك وفق فلسفة سياسية متطورة.
4 ــ لما كان الاصلاح السياسي هو نقطة الانطلاق لأي إصلاح اقتصادي ناجح, فإن الديمقراطية تكون هي مربط الفرس, فهي المنطلق للحكم الصالح, والسلام الاجتماعي, والعدالة الاجتماعية, والأمن القومي, والانتماء والهوية, والتنمية الاقتصادية.
.. ورغم حجم المشكلات المتراكمة والمتوارثة, من نظام هدم الدولة الذي سقط في 25 يناير, فإن هذا لا يمنع من التفاؤل بمستقبل مصر, فمصر تملك من الموارد المادية والبشرية, ومن طاقة روح الوطنية التي اطلقتها ثورة 25 يناير, ما يؤهلها لقفزة اقتصادية في سنوات قليلة, وهي نظرة مستخلصة من المقارنة بدول كانت فقيرة جدا في كل شيء لكنها, وفي سنوات محدودة صعدت إلي مستوي الدولة المتقدمة والغنية, لا شيء, سوي أنها وضعت يدها علي المفاتيح الحقيقية, للبدء بالإصلاح الاقتصادي, بناء علي رؤية سياسية محددة.
الوثيقة الكاشفة
الوثيقة الكاشفة!
بقلم: د:أسامة الغزالى حرب
بقلم: د:أسامة الغزالى حرب
595
ربما لا توجد قضية أو مسألة سياسية' كاشفة' للقوي السياسية المتنافسة علي الساحة السياسية المصرية الآن,
ولطبيعة توجهاتها ورؤاها وأهدافها السياسية, أكثر من الحوار أو الجدال حول ما يسمي بـ' المبادئ فوق الدستورية' أو' المواد الحاكمة للدستور'. ولكي أوضح وجهة نظري هنا, علينا أن نعود لنتذكر الظروف التي ظهرت فيها تلك الفكرة, والسياق الذي عولجت فيه!
أعتقد أن تلك الفكرة ظهرت في سياق نقاشين أو جدالين أثيرا عقب الثورة المصرية وأحداثها الصاخبة:
السياق الأول, كان هو الخلاف الذي نشب عقب استفتاء19 مارس الشهير- بين أولئك المنادين بالانتخابات أولا, والذين نادوا بالدستور أولا, حيث دعت القوي( الإسلامية) إذا جاز هذا التعبير- إلي إجراء الانتخابات أولا, إنصياعا للإرادة الشعبية التي أسفر عنها الاستفتاء, في حين لم ير الجانب الآخر أن وضع الدستور أولا يتناقض مع روح ما أسفر عنه الاستفتاء, فضلا عن منطقية وضع' الأساس' الدستوري قبل إجراء الانتخابات! وفي غمار هذا الخلاف ظهرت فكرة إيجاد وثيقة أو بيان يضم مجموعة من المبادئ التي يتصور وجود توافق قومي حول وجودها في الدستور, وبالتالي لا يكون هناك قلق حول وضع الدستور قبل الانتخابات أو بعدها!
أما السياق الثاني, والذي أسهمت شخصيا في الدعوة إليه, فكان- في الحقيقة سياقا مختلفا تماما, وهو فكرة أن تكون للثورة المصرية وثيقتها الخاصة بها والتي تعبر عن مبادئها وأهدافها, وهو ما دعوت إليه في اللقاء الطويل الذي تم بين عدد من رؤساء الأحزاب السياسية والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة وعدد من قياداتها في السادس من يوليو الماضي, وهو نفس ما عبرت عنه بوضوح في مقال بعنوان' ماجنا كارتا مصرية؟' والذي ظهر في صبيحة اليوم نفسه بالأهرام.
وسواء في هذا السياق أو ذاك, فإن تعبير' المبادئ الحاكمة للدستور' لم يكن محل اتفاق بين القانونيين والفقهاء الدستوريين, فالمستشار هشام البسطويسي( المرشح المحتمل للرئاسة) استخدم هذا التعبير في مذكرة له تناولت تلك المبادئ, بالاضافة إلي مقترحاته بشأن وضع القوات المسلحة في الدستور وفي النظام السياسي القادم في مصر, في حين أن أستاذنا الكبير د. إبراهيم درويش اعترض علي الفكرة, وقال في ذلك الحين انه لا يوجد ما يسمي بالمبادئ فوق الدستورية, وأنها' نوع من العبث والالتفاف حول مشروع الدستور' لافتا النظر إلي أن' الحالة الوحيدة التي طبقت فيها تلك الفكرة, كانت في تركيا عام1982, حيث وضع العسكر هذه الوثيقة لضمان تدخلهم في السياسة, وحماية النظام' ومؤكدا أنه لابد من وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات.
وعلي أية حال, فإن ذلك' الشئ' المقصود من الحوار كله, صدر من جهات متعددة تحت مسميات مختلفة, في غالبيتها العظمي لا تتضمن تعبير' مبادئ فوق دستورية'!
فاجتماع حزبي' الوفد' و'الحرية العدالة'( الإخوان المسلمون) مع ستة عشر حزبا آخرين والذين شكلوا( التحالف الديمقراطي من أجل مصر) أعلن ما سماه' وثيقة التوافق الديمقراطي من أجل مصر', متضمنة عدة مبادئ' كمبادئ حاكمة للدستور'.
- ومؤتمر' الوفاق القومي' أصدر ورقة بعنوان' وثيقة إعلان المبادئ الأساسية للدستور المصري الجديد'.
- و'المجلس الوطني' أصدر ما سماه' وثيقة إعلان مبادئ الدستور المصري القادم بعد ثورة25 يناير2011'.
ودار الشروق أصدرت ما سمته' إعلان مبادئ المواطنة والدولة المصرية'.
أما منظمات حقوق الإنسان فأصدرت ما سمته' الأحكام الأساسية في الدستور: بردية منظمات حقوق الإنسان المصرية' وقعت عليها27 منظمة.
أما الدكتور محمد البرادعي فأصدر ما سماه( وثيقة حقوق الإنسان المصري) من بابين, الأول بعنوان( مبادئ أساسية) يتضمن ستة مبادئ, والثاني بعنوان( الحقوق الأساسية) من11 مادة.
أما الأزهر فأصدر ما سمي بـ' وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر' متضمنة عدة مبادئ' تحديد طبيعة المرجعية الإسلامية النيرة, التي تتمثل أساسا في عدد من القضايا الكلية المستخلصة من النصوص الشرعية قطعية الثبوت والدلالة'.
وعندما أردت( أي كاتب هذه السطور) أن أضع أفكاري في هذا الموضوع بعد أن قمت بتجميع تلك الوثائق كلها والمقارنة بينها- وجدت أنه ربما كانت أكثر الوثائق المشار إليها إيجازا وتعبيرا من الموضوع كانت هي وثيقة د. البرادعي, فلم أفعل سوي أن وضعت فقط مقدمة لها تحت عنوان' مشروع إعلان حقوق الشعب المصري' وهكذا.
علي أية حال, فإن وثيقة' المبادئ الأساسية للدستور' التي نشرتها( المصري اليوم) الاثنين الماضي(15 أغسطس) والتي ذكرت أن د. علي السلمي نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية عرضها علي ممثلي بعض الأحزاب خلال لقائه بهم السبت الماضي(13 أغسطس) لم تخرج منطقيا- عن مضمون تلك الوثائق كلها, وأن أعتمدت في الأساس- علي وثيقة د. محمد البرادعي, لأنها كما سبقت الإشارة- الأكثر وفاء بالغرض المطلوب!
غير أن ما يلفت النظر وقد خرج مشروع الوثيقة المطلوبة إلي النور- هو موقف بعض القوي' الإسلامية' الرافضة أو المتذبذبة إزاء الوثيقة! وبالقطع فإن هناك قوي إسلامية, ومفكرين إسلاميين كبارا لن يختلفوا مع الوثيقة في قليل أو كثير, ولم يعلن أحد منهم ذلك, وهو أمر منطقي تماما. ولكني هنا لا أقصد هؤلاء, وإنما أقصد هنا قوتين:
الأولي, بعض الجماعات السلفية أو الأصولية, والثانية جماعة الإخوان المسلمين.
فيما يتعلق بأولئك الذين رفضوا الوثيقة والتي أشارت الصحف إلي بعضها مثل:' الجماعة الإسلامية' وحزب' النور' وحزب' الأصالة' وحزب النهضة أو' الجبهة السلفية'- فإنني أعتقد أن ذلك الموقف الرافض للمبادئ فوق الدستورية أو حتي للدستور نفسه يعبر بصدق عن عقيدتهم أو أفكارهم السياسية, ومن أبسط حقوق الديمقراطية ـ بداهة ـ أن يعبر هؤلاء عن أرائهم بكل حرية. تلك هي قواعد الديمقراطية التي نسعي إلي أن نثبتها في مصر الثورة.. وليس من حق أحد أن يصادر علي ذلك الحق لهم. إنني بالقطع اختلف مع أرائهم, ولكنني بنفس القوة اشدد علي حقهم الكامل في الرفض والاختلاف.. فقط بشرطين, الأول: هو أن يكون هذا الرفض في إطار احترام الدستور والقانون. الثاني: أن يراعي فيما يصدر من آراء وبيانات آداب الحوار واللياقة في الحديث, وعدم التجريح لأصحاب الآراء المخالفة.
غير أن الموقف الذي يثير الحيرة والتساؤل هو في الواقع موقف الإخوان المسلمين سواء صدر عن الجماعة, أو عن حزب' الحرية والعدالة'. فالإخوان المسلمون كانوا أول من سعي إلي وضع وثيقة ما, تتضمن مبادئ' يهتدي بها' كمبادئ حاكمة للدستور, وهي كما جاء بالنص في الوثيقة التي صدرت عن( التحالف الديمقراطي من أجل مصر والتي تجمع الإخوان مع الوفد و16 حزبا سياسيا آخر) يوم21 يونيو ـ تتضمن ما تسميه القيم الأساسية في المجتمع ومن أهمها: حرية العقيدة والعبادة, والمواطنة كأساس للمجتمع والتعليم والتنمية البشرية, وتداول السلطة عبر الاقتراع الحر, وحق التجمع السلمي في الأحزاب وحرية الرأي والتعبير والإعلام, واستقلال القضاء, وقيام النظام الاقتصادي علي الحرية والعدالة الاجتماعية, وتأكيد دور الدولة في الرعاية والحماية الاجتماعية وتدعم العمل العربي المشترك... إلخ.
ولكن يبدو أن الموقف السابق الإشارة إليه- من جانب بعض الجماعات' السلفية' قد دعا' الجماعة' أو' الحزب' للتذبذب والتردد: فالاتفاق المبكر مع الوفد( و16 حزبا آخر) تضمن فعليا توافقا علي تلك المبادئ.. ولكن المواقف المتشددة( والمفهومة) من بعض الجماعات والقوي السلفية كان واضحا: وكما جاء في المصري اليوم(16 أغسطس) فإن متحدثا باسم' الجبهة السلفية' قال إن هناك اجتماعات بين التيارات الإسلامية ضد هذه المبادئ, ووصف ما يسمي' ائتلاف القوي الإسلامية' إعلان المبادئ الذي أصدره د. السلمي بأنه' استفزاز صارخ' للشعب!... إلخ, وفي هذا السياق أعلن الإخوان المسلمون من خلال حزبهم موافقتهم علي الوثيقة باعتبارها( استرشادية) للهيئة التأسيسية للدستور, وأنها' ليست ملزمة, ومن حق الهيئة قبولها أو رفضها'!
هنا, أعتقد أنه من المهم أن يوضح الإخوان المسلمون, من ناحية, والقوي' الإسلامية' الأخري المعارضة للوثيقة من ناحية ثانية مواقفهم تفصيلا إزاء الوثيقة المشار إليها:
هل هم يرفضون النص علي أن' جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي المواطنة وسيادة القانون, وتحترم التعددية, وتكفل الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة'؟! هل هم يرفضون المواد التي تقول إن الإسلام هو دين الدولة, ومبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع, وأن السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات, وأن النظام السياسي للدولة جمهوري ديمقراطي يقوم علي التوازن بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وتعدد الأحزاب, وأن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة... إلخ.
من حقهم جميعا أن يقولوا رأيهم, ومن حق الشعب كله أن يعرف تلك الآراء تفصيلا, فذلك هو السبيل الوحيد لخلق وبناء توافق وطني ديمقراطي حقيقي دائم ومستقر, لنتفرغ بعد ذلك للجهاد الأكبر, أي البناء والإصلاح الجاد لمصر: اقتصادها وتعليمها وخدماتها وجميع نواحي الحياة فيها.. من أجل خلق مواطن مصري, لا يتمتع فقط بحريته السياسية, وإنما أيضا يحصل علي حقه في عمل شريف, وأجر عادل, وتعليم كفء ومسكن ملائم, فتلك هي الغاية المشروعة والنهائية لأي نشاط سياسي!
أعتقد أن تلك الفكرة ظهرت في سياق نقاشين أو جدالين أثيرا عقب الثورة المصرية وأحداثها الصاخبة:
السياق الأول, كان هو الخلاف الذي نشب عقب استفتاء19 مارس الشهير- بين أولئك المنادين بالانتخابات أولا, والذين نادوا بالدستور أولا, حيث دعت القوي( الإسلامية) إذا جاز هذا التعبير- إلي إجراء الانتخابات أولا, إنصياعا للإرادة الشعبية التي أسفر عنها الاستفتاء, في حين لم ير الجانب الآخر أن وضع الدستور أولا يتناقض مع روح ما أسفر عنه الاستفتاء, فضلا عن منطقية وضع' الأساس' الدستوري قبل إجراء الانتخابات! وفي غمار هذا الخلاف ظهرت فكرة إيجاد وثيقة أو بيان يضم مجموعة من المبادئ التي يتصور وجود توافق قومي حول وجودها في الدستور, وبالتالي لا يكون هناك قلق حول وضع الدستور قبل الانتخابات أو بعدها!
أما السياق الثاني, والذي أسهمت شخصيا في الدعوة إليه, فكان- في الحقيقة سياقا مختلفا تماما, وهو فكرة أن تكون للثورة المصرية وثيقتها الخاصة بها والتي تعبر عن مبادئها وأهدافها, وهو ما دعوت إليه في اللقاء الطويل الذي تم بين عدد من رؤساء الأحزاب السياسية والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة وعدد من قياداتها في السادس من يوليو الماضي, وهو نفس ما عبرت عنه بوضوح في مقال بعنوان' ماجنا كارتا مصرية؟' والذي ظهر في صبيحة اليوم نفسه بالأهرام.
وسواء في هذا السياق أو ذاك, فإن تعبير' المبادئ الحاكمة للدستور' لم يكن محل اتفاق بين القانونيين والفقهاء الدستوريين, فالمستشار هشام البسطويسي( المرشح المحتمل للرئاسة) استخدم هذا التعبير في مذكرة له تناولت تلك المبادئ, بالاضافة إلي مقترحاته بشأن وضع القوات المسلحة في الدستور وفي النظام السياسي القادم في مصر, في حين أن أستاذنا الكبير د. إبراهيم درويش اعترض علي الفكرة, وقال في ذلك الحين انه لا يوجد ما يسمي بالمبادئ فوق الدستورية, وأنها' نوع من العبث والالتفاف حول مشروع الدستور' لافتا النظر إلي أن' الحالة الوحيدة التي طبقت فيها تلك الفكرة, كانت في تركيا عام1982, حيث وضع العسكر هذه الوثيقة لضمان تدخلهم في السياسة, وحماية النظام' ومؤكدا أنه لابد من وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات.
وعلي أية حال, فإن ذلك' الشئ' المقصود من الحوار كله, صدر من جهات متعددة تحت مسميات مختلفة, في غالبيتها العظمي لا تتضمن تعبير' مبادئ فوق دستورية'!
فاجتماع حزبي' الوفد' و'الحرية العدالة'( الإخوان المسلمون) مع ستة عشر حزبا آخرين والذين شكلوا( التحالف الديمقراطي من أجل مصر) أعلن ما سماه' وثيقة التوافق الديمقراطي من أجل مصر', متضمنة عدة مبادئ' كمبادئ حاكمة للدستور'.
- ومؤتمر' الوفاق القومي' أصدر ورقة بعنوان' وثيقة إعلان المبادئ الأساسية للدستور المصري الجديد'.
- و'المجلس الوطني' أصدر ما سماه' وثيقة إعلان مبادئ الدستور المصري القادم بعد ثورة25 يناير2011'.
ودار الشروق أصدرت ما سمته' إعلان مبادئ المواطنة والدولة المصرية'.
أما منظمات حقوق الإنسان فأصدرت ما سمته' الأحكام الأساسية في الدستور: بردية منظمات حقوق الإنسان المصرية' وقعت عليها27 منظمة.
أما الدكتور محمد البرادعي فأصدر ما سماه( وثيقة حقوق الإنسان المصري) من بابين, الأول بعنوان( مبادئ أساسية) يتضمن ستة مبادئ, والثاني بعنوان( الحقوق الأساسية) من11 مادة.
أما الأزهر فأصدر ما سمي بـ' وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر' متضمنة عدة مبادئ' تحديد طبيعة المرجعية الإسلامية النيرة, التي تتمثل أساسا في عدد من القضايا الكلية المستخلصة من النصوص الشرعية قطعية الثبوت والدلالة'.
وعندما أردت( أي كاتب هذه السطور) أن أضع أفكاري في هذا الموضوع بعد أن قمت بتجميع تلك الوثائق كلها والمقارنة بينها- وجدت أنه ربما كانت أكثر الوثائق المشار إليها إيجازا وتعبيرا من الموضوع كانت هي وثيقة د. البرادعي, فلم أفعل سوي أن وضعت فقط مقدمة لها تحت عنوان' مشروع إعلان حقوق الشعب المصري' وهكذا.
علي أية حال, فإن وثيقة' المبادئ الأساسية للدستور' التي نشرتها( المصري اليوم) الاثنين الماضي(15 أغسطس) والتي ذكرت أن د. علي السلمي نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية عرضها علي ممثلي بعض الأحزاب خلال لقائه بهم السبت الماضي(13 أغسطس) لم تخرج منطقيا- عن مضمون تلك الوثائق كلها, وأن أعتمدت في الأساس- علي وثيقة د. محمد البرادعي, لأنها كما سبقت الإشارة- الأكثر وفاء بالغرض المطلوب!
غير أن ما يلفت النظر وقد خرج مشروع الوثيقة المطلوبة إلي النور- هو موقف بعض القوي' الإسلامية' الرافضة أو المتذبذبة إزاء الوثيقة! وبالقطع فإن هناك قوي إسلامية, ومفكرين إسلاميين كبارا لن يختلفوا مع الوثيقة في قليل أو كثير, ولم يعلن أحد منهم ذلك, وهو أمر منطقي تماما. ولكني هنا لا أقصد هؤلاء, وإنما أقصد هنا قوتين:
الأولي, بعض الجماعات السلفية أو الأصولية, والثانية جماعة الإخوان المسلمين.
فيما يتعلق بأولئك الذين رفضوا الوثيقة والتي أشارت الصحف إلي بعضها مثل:' الجماعة الإسلامية' وحزب' النور' وحزب' الأصالة' وحزب النهضة أو' الجبهة السلفية'- فإنني أعتقد أن ذلك الموقف الرافض للمبادئ فوق الدستورية أو حتي للدستور نفسه يعبر بصدق عن عقيدتهم أو أفكارهم السياسية, ومن أبسط حقوق الديمقراطية ـ بداهة ـ أن يعبر هؤلاء عن أرائهم بكل حرية. تلك هي قواعد الديمقراطية التي نسعي إلي أن نثبتها في مصر الثورة.. وليس من حق أحد أن يصادر علي ذلك الحق لهم. إنني بالقطع اختلف مع أرائهم, ولكنني بنفس القوة اشدد علي حقهم الكامل في الرفض والاختلاف.. فقط بشرطين, الأول: هو أن يكون هذا الرفض في إطار احترام الدستور والقانون. الثاني: أن يراعي فيما يصدر من آراء وبيانات آداب الحوار واللياقة في الحديث, وعدم التجريح لأصحاب الآراء المخالفة.
غير أن الموقف الذي يثير الحيرة والتساؤل هو في الواقع موقف الإخوان المسلمين سواء صدر عن الجماعة, أو عن حزب' الحرية والعدالة'. فالإخوان المسلمون كانوا أول من سعي إلي وضع وثيقة ما, تتضمن مبادئ' يهتدي بها' كمبادئ حاكمة للدستور, وهي كما جاء بالنص في الوثيقة التي صدرت عن( التحالف الديمقراطي من أجل مصر والتي تجمع الإخوان مع الوفد و16 حزبا سياسيا آخر) يوم21 يونيو ـ تتضمن ما تسميه القيم الأساسية في المجتمع ومن أهمها: حرية العقيدة والعبادة, والمواطنة كأساس للمجتمع والتعليم والتنمية البشرية, وتداول السلطة عبر الاقتراع الحر, وحق التجمع السلمي في الأحزاب وحرية الرأي والتعبير والإعلام, واستقلال القضاء, وقيام النظام الاقتصادي علي الحرية والعدالة الاجتماعية, وتأكيد دور الدولة في الرعاية والحماية الاجتماعية وتدعم العمل العربي المشترك... إلخ.
ولكن يبدو أن الموقف السابق الإشارة إليه- من جانب بعض الجماعات' السلفية' قد دعا' الجماعة' أو' الحزب' للتذبذب والتردد: فالاتفاق المبكر مع الوفد( و16 حزبا آخر) تضمن فعليا توافقا علي تلك المبادئ.. ولكن المواقف المتشددة( والمفهومة) من بعض الجماعات والقوي السلفية كان واضحا: وكما جاء في المصري اليوم(16 أغسطس) فإن متحدثا باسم' الجبهة السلفية' قال إن هناك اجتماعات بين التيارات الإسلامية ضد هذه المبادئ, ووصف ما يسمي' ائتلاف القوي الإسلامية' إعلان المبادئ الذي أصدره د. السلمي بأنه' استفزاز صارخ' للشعب!... إلخ, وفي هذا السياق أعلن الإخوان المسلمون من خلال حزبهم موافقتهم علي الوثيقة باعتبارها( استرشادية) للهيئة التأسيسية للدستور, وأنها' ليست ملزمة, ومن حق الهيئة قبولها أو رفضها'!
هنا, أعتقد أنه من المهم أن يوضح الإخوان المسلمون, من ناحية, والقوي' الإسلامية' الأخري المعارضة للوثيقة من ناحية ثانية مواقفهم تفصيلا إزاء الوثيقة المشار إليها:
هل هم يرفضون النص علي أن' جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي المواطنة وسيادة القانون, وتحترم التعددية, وتكفل الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة'؟! هل هم يرفضون المواد التي تقول إن الإسلام هو دين الدولة, ومبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع, وأن السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات, وأن النظام السياسي للدولة جمهوري ديمقراطي يقوم علي التوازن بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وتعدد الأحزاب, وأن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة... إلخ.
من حقهم جميعا أن يقولوا رأيهم, ومن حق الشعب كله أن يعرف تلك الآراء تفصيلا, فذلك هو السبيل الوحيد لخلق وبناء توافق وطني ديمقراطي حقيقي دائم ومستقر, لنتفرغ بعد ذلك للجهاد الأكبر, أي البناء والإصلاح الجاد لمصر: اقتصادها وتعليمها وخدماتها وجميع نواحي الحياة فيها.. من أجل خلق مواطن مصري, لا يتمتع فقط بحريته السياسية, وإنما أيضا يحصل علي حقه في عمل شريف, وأجر عادل, وتعليم كفء ومسكن ملائم, فتلك هي الغاية المشروعة والنهائية لأي نشاط سياسي!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
مشاركة مميزة
-
Can I sign u AHMED MOHAMED EL-WAZIRY" , "sami _rn2000" , "FAIRS animal" , "DR Abd-El-Rahman" , &quo...
-
http://www.ahram.org.eg/Egypt/News/123073.aspx اللهم لاتجعل هلاك مصر على يد الجنزورى اد-عبدالعزيزنور nouraziz2000@yahoo.com (رسالة مو...
-
Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of ... Inter-Agency Network for Education in Emergencies Terminology of Fragil...