قضايا واراء - طريق جارودي إلي الإسلام
أعلن جارودي إسلامه,1913 ـ2012 م] وكانت بداية تعرف جارودي علي هذا الدين الذي ختم حياته بالانتماء إليه,
أعلن جارودي إسلامه,1913 ـ2012 م] وكانت بداية تعرف جارودي علي هذا الدين الذي ختم حياته بالانتماء إليه,
والجهاد الفكري دفاعا عن أمته وحضارته, قد مثلت لحظة الميلاد الجديد الذي أنقذ حياة هذا الفيلسوف من الإعدام قبل إعلان إسلامه بنحو أربعين عاما!.
ففي أثناء الحرب العالمية الثانية,1939 ـ1945 م] كان جارودي ـ المناضل الشيوعي ـ قد انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية ـ كتائب الأنصار ـ ضد الاحتلال النازي لفرنسا, لكنه وقع في أسر الحكومة الفرنسية الخائنة حكومة لافيشي,1940 ـ1945 م] بزعامة الجنرال بيتان,1856 ـ1951 م] ـ التي كانت متعاونة مع الجيش النازي ضد الحلفاء والمقاومة الفرنسية. وفي معسكر الاعتقال ـ بالجزائر ـ تمرد جارودي مع عدد من الأسري, فأصدر قائد المعسكر أمرا إلي الجنود بإعدام هؤلاء المتمردين بالرصاص, وأيقن جارودي أن لحظة الإعدام علي وشك الحدوث. ولكن المفاجأة المذهلة كانت في امتناع سجانه عن أن يطلق عليه الرصاص ـ وكان هذا السجان جنديا جزائريا مسلما يخدم في الجيش الفرنسي ـ فلما سأله جارودي: لماذا لم تنفذ أمر قائدك, وتطلق علي الرصاص؟!, كان جواب الجندي المسلم: لأني مسلم, والإسلام يحرم قتل الأسير!.
وهنا سمع جارودي اسم الإسلام مقترنا بهذه القيمة الأخلاقية النبيلة والفريدة, التي جعلت هذا الجندي المسلم يعرض نفسه لأشد المخاطر في سبيلها!, ورأي كيف أن قيم هذا الإسلام ومبادئه كانت المنقذ الذي وهب له الحياة من جديد.
ولقد لفتت هذه الحادثة نظر الفيلسوف الشيوعي إلي الجزائر المسلمة, وإلي قيم هذا الإسلام, فقرأ عن أمير المقاومة الوطنية الجزائرية ـ الأمير عبدالقادر,1222 ـ1300 هـ ـ1807 ـ1883 م] ـ الذي حارب الغزو الفرنسي للجزائر قرابة عشرين عاما ـ ورأي جارودي ـ من خلال سيرته ـ صفحة من صفحات الحضارة الإسلامية, وكيف اقترنت البسالة في الجهاد ضد الاحتلال بالإنسانية الحانية, التي جعلت الأمير عبدالقادر الجزائري ينقذ أرواح الآلاف من غير المسلمين إبان الفتن الطائفية ـ التي أشعلتها الدسائس الاستعمارية الفرنسية ـ الإنجليزية في الشام1860 م ـ فهذا الأمير المسلم, المتصوف, والمريد للشيخ الأكبر ابن عربي,560 ـ638 هـ ـ1165 ـ1240 م] قد حمي أرواح الآلاف من الموارنة والدروز إبان إقامته ـ منفيا ـ بالشام.. وكان تأمل جارودي لهذه القيمة الإسلامية المحطة الثانية في اقترابه من الإسلام.. وسعيه ـ كلما حانت له الفرصة ـ للتعرف علي هذا الدين.
أما المحطة الثالثة ـ والمهمة ـ فكانت الدراسة التي كتبها جارودي ـ عقب الحرب العالمية الثانية ـ عن, الحضارة العربية الإسلامية والدور الذي مثلته في التاريخ], وهي الدراسة التي أنصف فيها الإسلام وحضارته, حتي لقد اعتبر هذه الحضارة, والفتوحات العربية الإسلامية في الشرق ـ وحتي في أوروبا ـ نموذج التقدم والرقي اللذين أنقذا البلاد المفتوحة من الرجعية والتخلف والظلم والانحطاط.
نعم.. لقد كتب جارودي هذه الدراسة الرائعة في إنصافها للإسلام وأمته وحضارته, وهو في قمة تألقه كفيلسوف ماركسي, ومناضل كبير في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي.
وعلي حين كان الشيوعيون يعتبرون الشيوعية شباب العالم, فإن جارودي ـ في هذه الدراسة ـ قد اعتبر الإسلام شباب العالم, وذلك عندما قال: إن الإسلام, حتي قبل ازدهار ثقافته الخاصة, قد أوجد, بفتوحاته الواسعة نفسها, الظروف الضرورية لتجديد الحضارة, ولتجديد شباب العالم.. ودافع جارودي عن الفتوحات الإسلامية التي جددت الحضارة وشباب العالم, حتي لقد اعتبر أن تراجع هذه الفتوحات عن أن تشمل سائر أوروبا كارثة حضارية لأوروبا والأوروبيين!.. ذلك أن الفتح الإسلامي كان بعثة تمدن أكثر منه فتحا, وكانت الحضارة الإسلامية هي الرحيق الحاوي والوارث لخير ما في تراث الحضارات الإنسانية عبر القرون التي سبقت ظهور الإسلام, بل والمنقذ لهذا التراث الإنساني من الموت.
وفي هذه الدراسة, ظهر اهتمام جارودي بالعلم الإسلامي, وبالتراث الإسلامي في الفلسفة والعمران, وظهر استيعابه لكتابات المستشرقين الأوروبيين الذين أنصفوا هذا التراث..
ولقد ساعد المنهاج الماركسي المنحاز للعدل الاجتماعي, الفيلسوف جارودي علي اكتشاف كنوز الإسلام في العدل والإنصاف والتكافل ـ وهي كنوز جاءت في القرآن الكريم ـ ووضعتها السنة النبوية في الممارسة والتطبيق.
ولأن جارودي قد كتب هذه الدراسة وهو في أوج انتمائه للماركسية, ونضاله في الحزب الشيوعي الفرنسي, فلقد تطلع إلي المسلمين في الاتحاد السوفيتي كي يبعثوا التراث الإسلامي, وينظروا إليه نظرة تقدمين, دون أن يسهموا إسهاما كبيرا في ميلاد حضارة أصيلة, ترتبط ارتباطا وثيقا بتقاليد الثقافة العربية القديمة وتراثها العريق, كما ترتبط بفتوحات الحضارة الغربية المعاصرة.
فعلي حين كان بعض الشيوعيين يصنفون التراث في خانة الرجعية رأي جارودي في التراث الإسلامي إسهاما كبيرا في ميلاد حضارة أصيلة وجديدة.
وعندما زار جارودي القاهرة سنة1968 م, وألقي محاضرته الشهيرة في مبني صحيفة الأهرام ـ وكنت واحدا من شهودها ـ طرح علي العقل العربي والمسلم فكرة أصالة التراث الإسلامي وتميز مناهج الفكر فيه, الأمر الذي يجعل النهضة العربية الإسلامية المنشودة امتدادا وبعثا لهذا التراث, وليست قطيعة معرفة معه, وتقليدا للنموذج الأوروبي في التحديث.. لقد أشار ـ في هذه المحاضرة ـ إلي فلسفة ابن رشد,520 ـ595 هـ ـ1126 ـ1198 م] كتأصيل لفلسفة إسلامية معاصرة.. وإلي ابن خلدون,732 ـ808 هـ1332 ـ1406 م] والثورات التقدمية في التاريخ الإسلامي باعتبار ذلك كله الطريق الشرقي إلي التقدم والعدل الاجتماعي..
هكذا سلك جارودي طريقه إلي الالتحام بالإسلام ـ الذين والحضارة ـ.. وهكذا كانت المحطات واللحظات المتميزة علي هذا الطريق.. والتي أفضت إلي اللحظة الحاسمة عندما أعلن هذا الفيلسوف الكبير إسلاميه ـ بالمركز الإسلامي بجنيف ـ في2 يوليو سنة1982 م.. بادئا مرحلة من العطاء الفكري الخصب في سبيل الإسلام وحضارته, ودفاعا عن القيم النبيلة لهذا الدين العظيم.
ففي أثناء الحرب العالمية الثانية,1939 ـ1945 م] كان جارودي ـ المناضل الشيوعي ـ قد انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية ـ كتائب الأنصار ـ ضد الاحتلال النازي لفرنسا, لكنه وقع في أسر الحكومة الفرنسية الخائنة حكومة لافيشي,1940 ـ1945 م] بزعامة الجنرال بيتان,1856 ـ1951 م] ـ التي كانت متعاونة مع الجيش النازي ضد الحلفاء والمقاومة الفرنسية. وفي معسكر الاعتقال ـ بالجزائر ـ تمرد جارودي مع عدد من الأسري, فأصدر قائد المعسكر أمرا إلي الجنود بإعدام هؤلاء المتمردين بالرصاص, وأيقن جارودي أن لحظة الإعدام علي وشك الحدوث. ولكن المفاجأة المذهلة كانت في امتناع سجانه عن أن يطلق عليه الرصاص ـ وكان هذا السجان جنديا جزائريا مسلما يخدم في الجيش الفرنسي ـ فلما سأله جارودي: لماذا لم تنفذ أمر قائدك, وتطلق علي الرصاص؟!, كان جواب الجندي المسلم: لأني مسلم, والإسلام يحرم قتل الأسير!.
وهنا سمع جارودي اسم الإسلام مقترنا بهذه القيمة الأخلاقية النبيلة والفريدة, التي جعلت هذا الجندي المسلم يعرض نفسه لأشد المخاطر في سبيلها!, ورأي كيف أن قيم هذا الإسلام ومبادئه كانت المنقذ الذي وهب له الحياة من جديد.
ولقد لفتت هذه الحادثة نظر الفيلسوف الشيوعي إلي الجزائر المسلمة, وإلي قيم هذا الإسلام, فقرأ عن أمير المقاومة الوطنية الجزائرية ـ الأمير عبدالقادر,1222 ـ1300 هـ ـ1807 ـ1883 م] ـ الذي حارب الغزو الفرنسي للجزائر قرابة عشرين عاما ـ ورأي جارودي ـ من خلال سيرته ـ صفحة من صفحات الحضارة الإسلامية, وكيف اقترنت البسالة في الجهاد ضد الاحتلال بالإنسانية الحانية, التي جعلت الأمير عبدالقادر الجزائري ينقذ أرواح الآلاف من غير المسلمين إبان الفتن الطائفية ـ التي أشعلتها الدسائس الاستعمارية الفرنسية ـ الإنجليزية في الشام1860 م ـ فهذا الأمير المسلم, المتصوف, والمريد للشيخ الأكبر ابن عربي,560 ـ638 هـ ـ1165 ـ1240 م] قد حمي أرواح الآلاف من الموارنة والدروز إبان إقامته ـ منفيا ـ بالشام.. وكان تأمل جارودي لهذه القيمة الإسلامية المحطة الثانية في اقترابه من الإسلام.. وسعيه ـ كلما حانت له الفرصة ـ للتعرف علي هذا الدين.
أما المحطة الثالثة ـ والمهمة ـ فكانت الدراسة التي كتبها جارودي ـ عقب الحرب العالمية الثانية ـ عن, الحضارة العربية الإسلامية والدور الذي مثلته في التاريخ], وهي الدراسة التي أنصف فيها الإسلام وحضارته, حتي لقد اعتبر هذه الحضارة, والفتوحات العربية الإسلامية في الشرق ـ وحتي في أوروبا ـ نموذج التقدم والرقي اللذين أنقذا البلاد المفتوحة من الرجعية والتخلف والظلم والانحطاط.
نعم.. لقد كتب جارودي هذه الدراسة الرائعة في إنصافها للإسلام وأمته وحضارته, وهو في قمة تألقه كفيلسوف ماركسي, ومناضل كبير في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي.
وعلي حين كان الشيوعيون يعتبرون الشيوعية شباب العالم, فإن جارودي ـ في هذه الدراسة ـ قد اعتبر الإسلام شباب العالم, وذلك عندما قال: إن الإسلام, حتي قبل ازدهار ثقافته الخاصة, قد أوجد, بفتوحاته الواسعة نفسها, الظروف الضرورية لتجديد الحضارة, ولتجديد شباب العالم.. ودافع جارودي عن الفتوحات الإسلامية التي جددت الحضارة وشباب العالم, حتي لقد اعتبر أن تراجع هذه الفتوحات عن أن تشمل سائر أوروبا كارثة حضارية لأوروبا والأوروبيين!.. ذلك أن الفتح الإسلامي كان بعثة تمدن أكثر منه فتحا, وكانت الحضارة الإسلامية هي الرحيق الحاوي والوارث لخير ما في تراث الحضارات الإنسانية عبر القرون التي سبقت ظهور الإسلام, بل والمنقذ لهذا التراث الإنساني من الموت.
وفي هذه الدراسة, ظهر اهتمام جارودي بالعلم الإسلامي, وبالتراث الإسلامي في الفلسفة والعمران, وظهر استيعابه لكتابات المستشرقين الأوروبيين الذين أنصفوا هذا التراث..
ولقد ساعد المنهاج الماركسي المنحاز للعدل الاجتماعي, الفيلسوف جارودي علي اكتشاف كنوز الإسلام في العدل والإنصاف والتكافل ـ وهي كنوز جاءت في القرآن الكريم ـ ووضعتها السنة النبوية في الممارسة والتطبيق.
ولأن جارودي قد كتب هذه الدراسة وهو في أوج انتمائه للماركسية, ونضاله في الحزب الشيوعي الفرنسي, فلقد تطلع إلي المسلمين في الاتحاد السوفيتي كي يبعثوا التراث الإسلامي, وينظروا إليه نظرة تقدمين, دون أن يسهموا إسهاما كبيرا في ميلاد حضارة أصيلة, ترتبط ارتباطا وثيقا بتقاليد الثقافة العربية القديمة وتراثها العريق, كما ترتبط بفتوحات الحضارة الغربية المعاصرة.
فعلي حين كان بعض الشيوعيين يصنفون التراث في خانة الرجعية رأي جارودي في التراث الإسلامي إسهاما كبيرا في ميلاد حضارة أصيلة وجديدة.
وعندما زار جارودي القاهرة سنة1968 م, وألقي محاضرته الشهيرة في مبني صحيفة الأهرام ـ وكنت واحدا من شهودها ـ طرح علي العقل العربي والمسلم فكرة أصالة التراث الإسلامي وتميز مناهج الفكر فيه, الأمر الذي يجعل النهضة العربية الإسلامية المنشودة امتدادا وبعثا لهذا التراث, وليست قطيعة معرفة معه, وتقليدا للنموذج الأوروبي في التحديث.. لقد أشار ـ في هذه المحاضرة ـ إلي فلسفة ابن رشد,520 ـ595 هـ ـ1126 ـ1198 م] كتأصيل لفلسفة إسلامية معاصرة.. وإلي ابن خلدون,732 ـ808 هـ1332 ـ1406 م] والثورات التقدمية في التاريخ الإسلامي باعتبار ذلك كله الطريق الشرقي إلي التقدم والعدل الاجتماعي..
هكذا سلك جارودي طريقه إلي الالتحام بالإسلام ـ الذين والحضارة ـ.. وهكذا كانت المحطات واللحظات المتميزة علي هذا الطريق.. والتي أفضت إلي اللحظة الحاسمة عندما أعلن هذا الفيلسوف الكبير إسلاميه ـ بالمركز الإسلامي بجنيف ـ في2 يوليو سنة1982 م.. بادئا مرحلة من العطاء الفكري الخصب في سبيل الإسلام وحضارته, ودفاعا عن القيم النبيلة لهذا الدين العظيم.