الأربعاء، يونيو 5

تقرير اللجنة الثلاثية النهائي لسد النهضة‏:‏التصميمات الأثيوبية للسد قاصرة‏..‏ ‏والسودان يتراجع عن تجميد مشاركته في اتفاقية حوض النيل

تقرير اللجنة الثلاثية النهائي لسد النهضة‏:‏التصميمات الأثيوبية للسد قاصرة‏..‏ ‏والسودان يتراجع عن تجميد مشاركته في اتفاقية حوض النيل
تقرير اللجنة الثلاثية النهائي لسد النهضة‏:‏التصميمات الأثيوبية للسد قاصرة‏..‏ ‏والسودان يتراجع عن تجميد مشاركته في اتفاقية حوض النيل
كتب ـ اسلام فرحات‏:‏
30
11170
العمل يتواصل فى موقع سد النهضة رغم الملاحظات الفنية
في اجتماع طارئ برئاسة الرئيس محمد مرسي الليلة قبل الماضية لبحث تداعيات سد النهضة الإثيوبي‏,‏ قدم وزير الري د‏.‏ محمد بهاء الدين عرضا مفصلا لمشروع السد‏,‏ ونتائج تقرير اللجنة الثلاثية الفنية‏,‏ كما طرح وزير الخارجية تصورا للتحرك المستقبلي والبدائل المتاحة للتعامل مع الملف‏,‏ وقرر المجلس وفقا لما أعلنه المتحدث الرئاسي‏,‏ اعتماد الخطة التي قدمها وزير الخارجية للتعامل مع الموقف‏,‏ بما يحافظ علي المصالح المصرية والعلاقات الوثيقة مع الدول الشقيقة في حوض النيل‏,‏ كما تم تشكيل لجنة قومية تضم الجهات الرسمية والشعبية والخبراء المختصين‏,‏ علي أن ترفع تقارير لرئيس الجمهورية‏,‏ وتقوم بإطلاع الرأي العام علي نتائج أعمالها‏.‏ وفي تطور جديد في ملف الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل, والتي رفضت مصر والسودان التوقيع عليها, قررت السودان, وبشكل مفاجئ وسري, التراجع عن قرار تجميد المشاركة في مشروعات مبادرة حوض النيل, وبدء العودة لدفع أقساطها ومساهماتها السنوية, مع احتمال أن توقع علي إتفاقية عنتيبي الإطارية, وذلك تحت ضغوط إثيوبية لاستقطاب السودان, وفصل التكتل( المصري السوداني) وإضعاف موقف مصر التي مازالت متمسكة بموقفها بتجميد أنشطتها, وعدم دفع المساهمات بمشروعات مبادرة حوض النيل.
وعلي جانب آخر, أكد وزير المياه والطاقة الإثيوبي المايهوتجنو, أن سد النهضة لا يمثل أي تهديد لمصر والسودان, ولا داعي لقلق الدولتين, وقال: ليس لدينا أي خطط للإضرار بدولتي المصب, ونحن علي استعداد لإجراء مناقشات مع مصر بشأن أي مسائل لديها, واستبعد الوزير الإثيوبي اللجوء إلي التحكيم الدولي قائلا: لا أري أي مسائل تدعو إلي الذهاب إلي هذا المستوي.
من ناحية أخري كشفت مصادر مطلعة بملف النيل لـ الأ هرام ملخص التقرير النهائي الرسمي لـلجنة الثلاثية لتقييم اثار سد النهضة الذي تم عرضه علي رئاسة الجمهورية حيث أكدت أن معظم الدراسات والتصميمات المقدمة من الجانب الإثيوبي, بها قصور في منهجية عمل تلك الدراسات والتي تحتاج إلي تحديث بعض, قديمة, ويجب أن يتم تحديثها ووصفت المصادر تليه الدراسات بأنها لا ترقي لمستوي مشروع بهذا الحجم علي نهر عابر للحدود.
وأوصي التقرير النهائي بأهمية وجود احتياطات إنشائية تسمح بتوفير الحد الأدني من احتياجات دولتي المصب من المياه تحت الظروف الطارئة والتي لم يتم توضيحها في الدراسات الإثيوبية والتصميمات المقدمة للجنة, كما أن جزءا من تلك الدراسات يحتاج إلي تحديث في ضوء ما توفر من بيانات ومعلومات تم الحصول عليها من واقع الأنشطة المعملية والحقلية المتعلقة بالمشروع, حيث إن بعضا من تلك الدراسات تم إعدادها بعد الإعلان عن تنفيذ السد في1-4-2011, وكذلك أثناء عمل اللجنة.
وكشف التقرير أن التقرير النهائي تضمن أيضا تأكيد الخبراء علي عدم إمكانية الاعتماد علي تلك النتائج, حيث إنها مبنية علي بيانات وطريقة تحليل غير محققة ونموذج محاكاة مبسط, وتحتاج إلي دراسات معمقة لتعتمد علي نماذج رياضية أكثر تمثيلا لواقع النظام الهيدرولوجي لنهر النيل وظروف التشغيل تحت السيناريوهات المختلفة.
وأكد التقرير أنه لا يوجد تحليل اقتصادي من واقع الدراسات المقدمة من الجانب الإثيوبي فيما يخص السد وارتفاعه والقدرة التصميمية لمحطة الكهرباء, وأوضح التقرير النهائي أن الجانب الإثيوبي لم يقم بعمل دراسات متعمقة تسمح للجنة بوضع رؤية علمية عن حجم الآثار ومدي خطورتها علي دولتي المصب, وأكد التقرير علي وجود قصور شديد في الدراسات والتصميمات الخاصة بالسد المساعد والذي لم تقم الحكومة الإثيوبية بتقديم المستندات التصميمية الخاصة به للجنة بشكل يسمح لها بالتقييم.
وأشار التقرير إلي عدم توفير الجانب الإثيوبي لعدد من الدراسات وأهمها دراسة عن تأثير انهيار السد, وهي إحدي الدراسات الأساسية التي يجب إتمامها قبل الشروع في إنشاء أي سد.
كما أشار التقرير إلي أن الدراسات الإثيوبية تشير إلي أن ملء السد في فترات الفيضان العالية والمتوسطة سيكون له تأثير علي الكهرباء المولدة من السد العالي فقط, وأن الدراسات أوضحت أيضا أنه في حال ملء الخزان في فترات الجفاف فإن منسوب السد العالي يصل إلي أقل منسوب تشغيل له لمدة أربع سنوات متتالية, مما سيكون له تأثير بالغ علي توفير المياه اللازمة للري وعدم القدرة علي توليد الكهرباء لفترات طويلة.
وأشار التقرير النهائي إلي وجود بعض التأثيرات البيئية والاجتماعية والتي تتمثل في الإضرار بالثروة السمكية والمرتبطة بتدهور نوعية المياه نتيجة تحلل الزراعات الموجودة بمنطقة بحيرة السد, بالإضافة إلي تأثر صناعة الطوب بالسودان نتيجة تقليل كمية الترسيبات الواردة مع المياه, فضلا عن تدهور خصوبة التربية الزراعية بالسودان, كما تضمن الجزء الخاص بتصميمات السد مجموعة كبيرة من المشاكل الإنشائية, خاصة فيما يتعلق بأسس تصميم مكونات السد, وكذلك الدراسات وطرق التصميم المستخدمة لهذه المكونات.
و من جانبة قال الدكتور محمود أبوزيد وزير الموارد المائية والري الأسبق إنه يجب أن تكون هناك اتفاقيات مع أثيوبيا حول كيفية مواجهة الآثار السلبية لسد النهضة مثل الآثار الفنية والبيئية, مشيرا إلي أنه إن لم تستجب أثيوبيا للتفاوض فعلي مصر الضغط علي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للضغط علي الأثيوبيين.
وأضاف أبوزيد, في كلمته خلال اجتماع الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين, أن مصر تعيش أزمة مائية حقيقية لأن واردات الماء لم تتغير منذ توقيع اتفاقية تقاسم مياه النيل عام1959 والتي بموجبها يصلنا5 ر55 مليار متر مكعب من المياه وكان تعدادنا حينها20 مليون نسمة فقط أما الآن فتعدادنا حوالي85 مليون وحصتنا من مياه النيل كما هي لم تتغير.
وأوضح أن التقرير الخاص باللجنة الثلاثية حول سد النهضة الأثيوبي أوصي بإجراء المزيد من الدراسات عن الموضوعات؟ ؟غير المتفق عليها مثل فترة الملء والتخزين والتصرفات وأمان جسم السد وموضوع الترسيب؟ ؟والطمي والآثار الجانبية و البيئية.
وقال إن هذه الدراسات يجب أن تكون محل التفاوض لذلك يجب أن يبدأ فورا وبوضوح وشفافية والإسراع بالتفاوض علي أعلي مستوي لأن هذا سيؤدي إلي التوصل لحل المشكلة.
وأعرب أبوزيد عن أمله في أن تنتهي هذه المفاوضات إلي اتفاق يترجم في صورة اتفاقية توقع بين أثيوبيا ومصر والسودان ويصدق عليها من الهيئات الدولية, وإذا فشل التفاوض تلجأ كل من مصر و السودان للتحكيم الدولي بموافقة من أثيوبيا وهو ما ينص عليه القانون الدولي, مستبعدا أبو زيد اللجوء إلي الحل العسكري نظرا للعلاقات التاريخية و الحضارية بين مصر وأثيوبيا بجانب أن مثل هذا الحل لا يجدي في عهدنا المعاصر.
وأضاف أن هناك بالطبع بجانب سد النهضة سدودا أخري مقترحة في منطقة البارو أكوبو بجنوب السودان وهي تمثل المستقبل الاستراتيجي لمستقبل المياه في مصر.
وقال أبوزيد إنه من المعروف أيضا أن معظم دول حوض النيل لديها أحواض أخري فرعية توفر لها مصادر إضافية ومنها الكونغو مثلا حيث يتواجد بها نهر الكونغو الذي يبلغ تصرفه20 مرة تصرف نهر النيل ليلقي في المحيط الأطلنطي سنويا1000 مليار متر مكعب من المياه ويفتح ذلك المجال لاستغلال جانب من هذا الفاقد إما عن طريق تحويل المجري إلي حوض النيل أو استثماره داخل الكونغو في توليد الطاقة الكهربائية.

حق إثيوبيا

حق إثيوبيا

حق إثيوبيا
كان مؤسفا غياب الذين يدعون قيادة المعارضة في مصر عن الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس مرسي لمناقشة قضية أمن مصر المائي في ضوء النتائج التي يأتي بها تنفيذ سد النهضة في إثيوبيا. فليست القضية خاصة بمرسي أو الإخوان وإنما بكل مصري في حاضره ومستقبله.
جاء الإجتماع بعد توصل اللجنة الثلاثية ( تضم خبراء مصر والسودان وأثيوبيا إلي جانب أربعة خبراء مستقلين) إلي أول تقرير أعدته عن المشروع منذ تشكيلها في مايو2011 قبل سنتين. مع ذلك كانت خلاصة التقرير أنه لا يجيب عن عديد الأسئلة المطلوبة, ومن ثم لا يمكن الإطمئنان إلي عدم إضرار السد بمصالح مصر والسودان التي يمكن إذا تعرض السد للإنهيار لإحتمالات خاصة بطبيعة صخور الأرض المقام عليها السد وحجم كميات المياه الضخمة التي يختزنها والتي قدروها ب74 مليار متر مكعب,أن تغرق مياهه الخرطوم.
لم تفاجئني نتائج التقرير لأنني لم أتوقع من دولة مثل أثيوبيا لا تمتلك الخبرات الفنية اللازمة بسبب أوضاع الفقر التي تعيشها أن تتوصل إلي تقرير علي درجة عالية من الدقة والوضوح والشفافية مما يجعل دور مصر في هذه الفترة محاولة أن تحتضن إثيوبيا كدولة صديقة وأن تقدم بإخلاص مساعداتها في تنمية شعبها عن طريق مياه النيل التي تبدأ من عندها.
أثيوبيا مساحتها أكبر من مساحة مصر وشعبها يصل عدده إلي75 مليونا وهو يعد من بين عشرة أفقر الشعوب, ومن ثم يجب أن تكون نظرتنا إلي أي مشروع يجري بها علي أساس حق شعبها في النمو والتقدم وإلي درجة أن تصبح مصر بيت الخبرة المعاون لإثيوبيا بما تملكه من خبرات في بناء السد العالي وغيرها. وإلا ستكون غلطة إذا تركنا أثيوبيا تقع في أحضان الذين يريدون إستخدامها خنجرا في ظهرنا, ثم ترتفع الأصوات لمواجهة ماتفعله بالقوة العسكرية وهو تفكير يجب أن نستبعده, فما بيننا وإفريقيا لا يحله السلاح وإنما السلام ولعل مايساعد علي ذلك تكوين فريق العمل المسئول الذي يتولي متابعة القضية علي طريقة فريق طابا. من يدري قد يكون سد إثيوبيا الباب الأوسع لعلاقات مصر الضرورية مع القارة التي تضمنا ؟!

الاثنين، يونيو 3

الدكتور زغلول النجار - هل الإنسان خلق من تراب؟ | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني

هل حواء خلقت من بعض أضلاع آدم ؟ - الدكتور زغلول النجار | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني

زغلول النجار | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني

أزمة نهر النيل بين مصر ودول الحوض | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني

أزمة نهر النيل بين مصر ودول الحوض | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني

أزمة نهر النيل بين مصر ودول الحوض

22
نهر النيل هو أطول أنهار العالم؛ حيث يمتد من الجنوب إلى الشمال بطول 6695 كلم، ويتألف النيل من فرعين هما النيل الأبيض الذي تغذيه بحيرة فيكتوريا، والنيل الأزرق الذي يشكل 85% من مياه النهر وتغذيه الهضبة الإثيوبية.
وتشترك فيه عشر دول هي: إثيوبيا، والكونغو الديمقراطية (زائير سابقًا)، وكينيا، وإريتريا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندي، وأوغندا، والسودان، ومصر.
وإذا كان السودان يشكل مجرى النيل، فإن مصر تمثل مجراه ومصبه، بينما الدول الأخرى تكون منبعه وحوضه.

جغرافية النيل

خريطة توضح مجرى نهر النيلتبلغ مساحة بحيرة فيكتوريا 68 ألف كلم2، أي ما يقارب سبعة أضعاف مساحة لبنان، وهي ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم والأكبر في إفريقيا، كما تعتبر أكبر بحيرة استوائية على وجه البسيطة، وتحيط بها كل من كينيا التي تشغل 6% من شواطئها، وأوغندا التي تشغل منها 45%، وتنزانيا التي تشغل 49% الباقية منها.
يعتبر نهر كاجيرا (Kagera) من الجداول الرئيسية لنهر النيل، ومن أكبر الروافد التي تصب في بحيرة فيكتوريا، وينبع من بوروندي قرب الرأس الشمالي لبحيرة تنجانيقا الواقعة إلى الجنوب من بحيرة فيكتوريا في وسط إفريقيا، ويجري في اتجاه الشمال صانعًا الحدود بين تنزانيا ورواندا، وبعدما يتجه إلى الشرق يصبح الحد الفاصل بين تنزانيا وأوغندا، ومنها إلى بحيرة فيكتوريا بعدما يكون قد قطع مسافة 690كلم.
ويعرف النيل بعد مغادرته بحيرة فيكتوريا باسم "نيل فيكتوريا"، ويستمر في مساره لمسافة 500 كلم مرورًا ببحيرة إبراهيم (Kyoga)، حتى يصل إلى بحيرة ألبرت التي تتغذى كذلك من نهر سمليكي (Semliki)، القادم أصلاً من جبال جمهورية الكونغو الديمقراطية مرورًا ببحيرة إدوارد، وبعدها يدعى "نيل ألبرت".
وعندما يصل جنوب السودان يدعى "بحر الجبل"، وبعد ذلك يجري في منطقة بحيرات وقنوات ومستنقعات يبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال 400 كلم إلا أن نصف كمية المياه التي تدخلها تختفي من جراء النتح والتبخر.
وبعد اتصاله ببحر الغزال يجري النيل لمسافة 720 كلم حتى يصل الخرطوم، وفي هذه الأثناء يدعى "النيل الأبيض"، حيث يلتحم هناك مع "النيل الأزرق" الذي ينبع مع روافده الرئيسية (الدندر والرهد) من جبال إثيوبيا حول بحيرة تانا الواقعة شرق القارة على بعد 1400 كلم عن الخرطوم.
أما آخر ما تبقى من روافد نهر النيل بعد اتحاد النيلين الأبيض والأزرق ليشكلا نهر النيل، فهو نهر عطبرة الذي يبلغ طوله 800 كلم، وينبع أيضًا من الهضبة الإثيوبية شمالي بحيرة تانا.
ويلتقي عطبرة مع النيل على بعد 300 كلم شمال الخرطوم، ثُم يتابع نهر النيل جريانه في الأراضي المصرية حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.
إحدى المرتفعات الإثيوبية التي تغذي النيل الأزرقوهنا يجدر بنا أن نورد ملحوظة مهمة جدًّا، وهي أن معظم الدول المتشاطئة في الحوض -ما عدا السودان ومصر- تملك حاجتها من المياه وزيادة لكثرة البحيرات العذبة والأنهار، ولكثرة هطول الأمطار فيها، بينما يعتمد السودان بنسبة 77%، ومصر بنسبة 97% على مياه نهر النيل[1].
وعلى هذا فإن نهر النيل يمثل شريان الحياة في مصر والسودان، ويمثل حزامهما الأمني الإستراتيجي. وتحتاج الدولتان إلى العمل معًا ومع الدول الأخرى المشاركة في حوض النيل من أجل تقاسم المياه، وضمان تدفق الحصص، وعدم الاعتداء على الوضع المائي والإستراتيجي وتهديده.
وتأمل عدة دول من حوض النيل من بينها تنزانيا وكينيا في مراجعة اتفاقيات عام 1929م بشأن تقاسم مياه النيل التي أبرمتها بريطانيا باسم مستعمراتها في شرق إفريقيا آنذاك. وتعطي هذه الاتفاقيات لمصر حق النقض (الفيتو) على أي مشروعات مائية من شأنها التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إليها.
واستكملت اتفاقيات عام 1929م باتفاقية مصرية سودانية عام 1959م تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان، لتكون بذلك حصة هذا البلد 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.
وقد حاولت إثيوبيا في بداية السبعينيات تشييد منشآت على النيل الأزرق، وهو ما دفع مصر إلى التهديد بالقوة لمنع قيام المشروع. ووضعت الإدارة الأمريكية دراسات اقترحت فيها على إثيوبيا إقامة 26 سدًَّا وخزانًا تستوعب 5.4 مليارات متر مكعب. ورغم أن هذه المشروعات لم تر النور، فإنها تعتبر تذكيرًا أمريكيًّا لمصر بإحدى أهم نقاط ضعفها.
وقد وقعت مصر وإثيوبيا عام 1993م على إطار تعاون بشأن استخدام مياه النيل على أساس قواعد ومبادئ القانون الدولي، مع الامتناع عن أي نشاط يضر بمصالح الطرف الآخر.
وفي عام 1999م أُطلقت مبادرة حوض النيل التي تضم عشرة بلدان إفريقية هي بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا والسودان وتنزانيا، ولا يوجد حتى الآن اتفاقية شاملة بين دول حول حوض النيل العشر تنظم استخدام مياهه.
غير أن محمد عبد الحليم أبو زيد -وزير الريّ المصري السابق- شدّد على أن التقاسم العادل لمياه النهر لا يعني أن تحصل كل دولة من دول حوض النيل على حصص متساوية، وإنما يعني التعاون فيما بينها لتنفيذ مشروعات تخدم أهدافها المشتركة، وتضمن توزيعًا منصفًا وعادلاً لموارد النيل، مع الحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر في استخدام مياه النيل. ولفت أبو زيد دول حوض النيل بالتركيز على الاستفادة من مياهه المهدورة, بدلاً من إثارة قضية الحصص[2].

الدور الصهيوني في أزمة دول حوض النيل

الدور الصهيوني في أزمة دول حوض النيلسارت الأمور بين الدول المشتركة في حوض النيل على أتم ما يرام حتى نشطت دولة الكيان الصهيوني بين الدول الإفريقية، وكان من أهدافها تأليب دول الحوض على مصر لأسباب عديدة، منها إضعاف مصر وإخراجها من الطوق العربي. كما تعمل الآن على تغذية الحرب الأهلية القائمة في دارفور بعدما نجحت في تدمير العراق وخرابه، وما زالت تأمل في الحصول على حصة من مياه النيل، كما نجحت في الاستيلاء على مياه نهر الأردن[3].
وبعد الجهود التحريضية الحثيثة بدأت بعض الدول بالانقلاب على الاتفاقيات والمطالبة بالمحاصصة المتساوية في نهر النيل، بل ومطالبة مصر والسودان بدفع أثمان المياه القادمة من بحيرة فيكتوريا حيث ينبع نهر النيل!!

الحدث في وسائل الإعلام عالميًّا وعربيًّا

تناقلت العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية أخبار الفشل الذي خيّم على اجتماعات دول حوض النيل بالإسكندرية؛ حيث جاء فيها:
خيمت أجواء من الفشل على انطلاق اجتماع وزراء الري والموارد المائية في دول حوض النيل العشرة بمدينة الإسكندرية شمال مصر في 27 يوليو 2009م، وظهر ذلك جليًّا في تمسك أطراف الخلاف حول حصص المياه بمواقفها، وتخلف رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف عن افتتاح الاجتماع السابع عشر لدول الحوض، الذي استمر يومين تحت عنوان "تعزيز الشراكة من أجل الرخاء".
ويدور الخلاف أساسًا حول سعي دول المنبع إلى تمرير اتفاق إطاري تعاوني جديد بغية إنشاء مفوضية دائمة لدول حوض النيل دون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان)، عِوَضًا عن الاتفاقات القديمة لتوزيع المياه التي تردد تلك الدول أنها لا تحقق مصالح كل شعوب دول الحوض، خاصة في نصها على عدم إقامة أية مشروعات على مجرى النيل في دول المنبع دون موافقة الخرطوم والقاهرة.
بينما تردد أن مصر لن توقع على الاتفاقية الجديدة إلا بعد موافقة دول المنبع على شروط تتعلق بالأمن المائي، وهي: الإخطار المسبق قبل تنفيذ مشروعات في أعالي النيل، واتخاذ القرارات بالإجماع أو الأغلبية المشروطة بموافقة القاهرة والخرطوم.
وخلال اجتماعات المجلس الوزاري لدول حوض النيل في العاصمة الكونجولية كينشاسا في شهر مايو 2009م فوجئت مصر أن الاتفاقية خلت من النص على حقوقها المائية السابقة، وأعطت دول المصب الحق في بناء ما تشاء من سدود ومشاريع -بحجة توليد الكهرباء والزراعة الدائمة بدل الزراعة الموسمية- قد تحجب المياه عن مصر؛ ولذلك رفضت توقيع هذا "الإطار القانوني والمؤسسي لمياه النيل"، وبدأت القاهرة تغيِّر من لهجتها من اللين إلى الشدة، وانعكس هذا على التغيير الوزاري المفاجئ لوزير الموارد المائية المصري، ورفضت مصر التوقيع على تعديلات اتفاقية حوض النيل في غياب نص صريح يضمن عدم المساس بحصتها التاريخية من المياه (55 مليار متر مكعب سنويًّا)، ويضمن كذلك إخطارها مسبقًا بأي مشروعات تعتزم إقامتها دول أعالي النيل، وأن يكون تعديل الاتفاقية بالإجماع وليس بالأغلبية[4].

الحدث بأقلام المحللين

حذر الأستاذ محمد جمال عرفة المحلل السياسي بموقع إسلام أون لاين[5] من خطورة فشل اجتماعات وزراء دول حوض النيل العشر التي عقدت في 27 يوليو 2009م بمدينة الإسكندرية خشية نشوب حرب مياه بين دول الحوض؛ وذلك لأن مواقف دول منابع النيل ودول المصب لا تتزعزع خطوة واحدة.
ولخّص نقاط الاختلاف الجذري بين دول منابع النيل ودولتي المصب (مصر والسودان) إلى ثلاث نقاط تريد دول المنابع تغييرها في بنود الاتفاقية الإطارية بين دول حوض النيل وهي:
1- تغيير عبارة "موافقة بقية الدول" التي تعني ضرورة موافقة باقي دول النيل على أي مشاريع على النيل (خصوصًا موافقة مصر) بعبارة "إخطار عند إقامة أي مشروعات جديدة في إحدى دول الحوض" التي تعني مجرد إخطار مصر بأي مشاريع سدود دون أن يكون لها حق الفيتو، وفق الاتفاقيات القديمة.
2- تغيير كلمة "الأغلبية" التي تعني ضرورة موافقة دولتي المصب (مصر والسودان) بكلمة "الإجماع" التي تعني موافقة 7 دول هي دول المنبع على أي مشاريع، وتجاهل موافقة دولتي المصب فقط!.
3- تغيير عبارة "إنشاء سدود لتوليد الكهرباء"، التي تعني السماح فقط لهذه الدول ببناء سدود لتوليد الكهرباء تمر منها المياه لمصر، إلى عبارة أخرى صريحة تقول: "إنشاء سدود لصرف أو حجز مياه".
وقد اعترضت القاهرة على هذه التعديلات، واعتبرتها "لاءات ثلاثة" لا يجوز التنازل عنها.
كما أشار الأستاذ محمد جمال عرفة إلى الأصابع الصهيونية والأمريكية التي تشجع دول منابع النيل على المضي في خططها التي ستضر مصر، من خلال عروض قدمتها شركات صهيونية وأمريكية لتمويل مشاريع المياه الإفريقية التي تعارضها مصر؛ لأنها ستنقص من حصتها المائية. وأثبت هذا وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور محمود أبو زيد في تصريح له يوم 11 مارس 2009م عندما حذَّر في بيان له حول أزمة المياه في الوطن العربي ألقاه أمام لجنة الشئون العربية من تزايد النفوذ الأمريكي والصهيوني في منطقة حوض النيل من خلال "السيطرة على اقتصاديات دول الحوض وتقديم مساعدات فنية ومالية ضخمة"، بحسب تعبيره!.
والجديد في هذا التدخل الصهيوني الأمريكي هو طرح فكرة "تدويل المياه" أو تدويل مياه الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة في نهر ما، والهدف من ذلك هو الوقيعة بين مصر ودول حوض النيل. وقد ألمح وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور أبو زيد في فبراير 2009م إلى وجود مخطط صهيوني - أمريكي للضغط على مصر لإمداد تل أبيب بالمياه بالحديث عن قضية "تدويل الأنهار"، وأكد أن إسرائيل لن تحصل على قطرة واحدة من مياه النيل.
والهدف بالطبع هو إضعاف مصر التي لن تكفيها أصلاً كمية المياه الحالية مستقبلاً بسبب تزايد السكان، والضغط على مصر عبر فكرة مد تل أبيب بمياه النيل عبر أنابيب، وهو المشروع الذي رفضته مصر عدة مرات، ولا يمكنها عمليًّا تنفيذه حتى لو أردت؛ لأنها تعاني من قلة نصيب الفرد المصري من المياه، كما أن خطوة كهذه تتطلب أخذ إذن دول المنبع.
ومن جهته حمّل الكاتب الكبير فهمي هويدي الدولة المصرية الجزء الأكبر من المسئولية عن استفحال الأزمة مع دول حوض النيل فكتب[6]:

فشل المفاوضات مع دول حوض النيل درس جديد لمصر، يذكرها بأنها يجب أن تأخذ متطلبات أمنها القومي على محمل الجد، وأن "الفهلوة" لا يمكن أن تكون بديلاً عن الإستراتيجية.
ولفت إلى أن الأمر ليس هينًا ولا يحتمل التراخي أو الهزل، فموضوعه مياه النيل التي تعتمد عليها مصر بنسبة 95% وحين يكون الأمر كذلك، فهو يعني أننا نتحدث عن مصدر الحياة في هذا البلد منذ دبت فيه الحياة.
صحيح أن الخطر ليس حالاً ولا داهمًا، ولكن مقدماته لا تخطئها عين؛ ذلك أن حصة مصر التاريخية من مياه النيل المستقرة منذ عام 1929م وبالاتفاق مع السودان عام 1950م (55 مليار متر مكعب) تتعرض الآن إلى النقد والمراجعة، وفي الوقت الذي أدركت فيه مصر أنها بحاجة إلى أن تضيف إلى حصتها 11 مليارًا أخرى؛ بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان ومعدلات الاستهلاك، إذا بها تفاجأ بأن عليها أن تخوض معركة طويلة لكي تحافظ على حصتها الأصلية.
الموقف بدأ في التغير ابتداء من عام 1995م، حين ارتفعت الأصوات في دول المنبع داعية إلى إعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل استنادًا إلى ثلاثة عوامل هي: أن دول المنبع اعتبرت أن تلك المياه ملك لها، ومن ثَم فلها الحق ليس فقط في حجزها وراء السدود ولكن أيضًا في بيعها لمصر والسودان. العامل الثاني أن بعض تلك الدول (كينيا وتنزانيا مثلاً) ذكرت أن الحصص ينبغي أن يعاد النظر فيها بما يلبي تطور احتياجاتها التنموية، خصوصًا في التحول من الزراعة الموسمية إلى الزراعة الدائمة. العامل الثالث أن تلك الدول احتجت بأن اتفاقية عام 1929م وقعتها مصر مع سلطة الاحتلال البريطاني، التي لم تراع احتياجات "مستعمراتها"، وبعدما نالت تلك المستعمرات استقلالها فإن الأمر اختلف، بما يسوغ إعادة النظر في الاتفاقات التي عقدها البريطانيون.
هذه الحجج لم تكن بريئة تمامًا، فالدعوة إلى إعادة توزيع الحصص بصورة "أكثر عدالة" تثير الانتباه؛ إذ في حين تعتمد مصر في احتياجاتها المائية على مياه النيل بنسبة 95%، فإن نسبة اعتماد إثيوبيا التي تقود الحملة حوالي 1%، وكينيا 2% وتنزانيا 3% والكونغو 1% وبوروندي 5% والسودان 15%؛ ذلك أن كثافة هطول الأمطار على تلك البلدان تقلل من أهمية مياه النيل بالنسبة لها. الأمر الآخر المهم أن اتفاقات المرحلة الاستعمارية التي يراد إعادة النظر فيها، بما فيها اتفاق توزيع حصص المياه، هي ذاتها التي أنشأت تلك الدول، وإعادة النظر فيها من شأنها أن تطلق عنان الفوضى ليس في دول حوض النيل فحسب، وإنما في إفريقيا كلها.
يضاف إلى ما سبق أن ثمة قواعد عامة لإدارة مياه الأنهار العابرة للدول تنص على إقرار مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة في الموارد المائية، وتعتبر أن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة بذاتها، وهذه القواعد أقرها معهد القانون الدولي عام 1961م.
وفي الجولة التفاوضية الأخيرة التي عقدت في شرم الشيخ وانتهت يوم الأربعاء (14/4) كان واضحًا أن دول حوض النيل السبع (المنبع) تكتلت ضد مصر والسودان (وهما دولتا المصب)؛ إذ رفضت المقترحات المصرية السودانية لاتفاقية التعاون فيما بينهما، خصوصًا ثلاثة بنود أصر عليها البلدان تقضي بما يلي: 1- ضرورة قيام دول منابع النيل بإخطار الدولتين مسبقًا قبل تنفيذ مشروعات على أعالي النهر قد تؤثر على حصصهما في المياه. 2- استمرار العمل بالاتفاقيات السابقة التي توزع حصص المياه باعتبارها حقوقًا تاريخية. 3- في حالة إنشاء مفوضية لدول حوض النيل، فإن التصويت فيها إما أن يتم بالإجماع وإما بالأغلبية التي يشترط فيها موافقة دولتي المصب.
مؤتمر شرم الشيخ كان بمنزلة الجولة الثالثة للمناقشات مع دول حوض النيل، الأولى كانت في كينشاسا بالكونغو (مايو 2009م)، والثانية كانت في الإسكندرية (يوليو 2009م). وحسب البيان الذي أصدرته دول الحوض السبع منفردة، فإن لقاء الإسكندرية هو آخر اجتماع لبحث الموضوع، وإذا سارت الأمور على النحو الذي حدده البيان ولم يتدخل الرؤساء لتغيير موقف الوزراء، فإن تلك الدول ستوقع الاتفاقية خلال عام، دون أن تشارك فيها مصر أو السودان، وهذه الخطوة إذا تمت فإنها ستكون بمنزلة أول شقاق علني بين دول حوض النيل، منبعه ومصبه، والمرة الأولى التي تتحدى فيها تلك الدول مصر وتتصرف على نحو يفتح الباب لاحتمال المساس مستقبلاً بحصتها في المياه، ومن ثَم الإضرار بأمنها القومي. كما أن هذا الشقاق سوف يكرس المواجهة بين الدول العربية في القارة والدول الإفريقية غير العربية.
ويؤكد هويدي أن مصر تدفع الآن ثمن غيابها عن إفريقيا؛ ذلك أن إفريقيا حين كانت إحدى دوائر الانتماء في المرحلة الناصرية، كان لها شأن مختلف تمامًا، فقد كان هناك مكتب يعنى بأمرها في رئاسة الجمهورية، تولى المسئولية عنه السيد محمد فايق، إلى جانب المكاتب الأخرى التي خصصت لمتابعة الشئون العربية والآسيوية والأوربية، وكانت القاهرة مفتوحة الذراعين لحركات التحرر في مختلف الدول الإفريقية. في حين كانت شركة النصر للتصدير والاستيراد هي غطاء أنشطة المخابرات المصرية في دول القارة إلى جانب أنشطتها الأخرى. كما كانت مدينة البعوث الإسلامية والجامعات المصرية تستقبل باستمرار أعدادًا كبيرة من أبناء تلك الدول.
وفي التركيز على دول منابع النيل فإن الرئيس عبد الناصر أقام علاقة خاصة مع الإمبراطور هيلاسلاسي وكان يحضر اجتماعاتهما في القاهرة الأنبا كيرلس بطريرك الأقباط الأرثوذكس، الذي كانت تتبعه كنيسة الحبشة. لكن هذه الصفحة طويت بمضي الوقت بعد رحيل عبد الناصر، وجرى تفكيك كل الجسور التي تم بناؤها مع مختلف دول القارة، حتى الكنيسة الإثيوبية انفصلت عن الكنيسة المصرية.
وتعزز وتعمق التباعد حين جرت محاولة اغتيال الرئيس مبارك أثناء توجهه للمشاركة في القمة الإفريقية بأديس أبابا عام 1995م، وهو العام الذي لم تنتكس فيه علاقة مصر بالدول الإفريقية فحسب، ولكن بدا أيضًا أن التراجع تحول إلى ما يشبه الخصومة التي سقطت بمقتضاها إفريقيا من أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية.

ل


الأصابع الخفية .. والعبث بمياه النيل | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني

الأصابع الخفية .. والعبث بمياه النيل | موقع قصة الإسلام - إشراف د/ راغب السرجاني



الأصابع الخفية .. والعبث بمياه النيل

13
مياه النيلمياه النيل خط أحمر، بهذا المفهوم انطلقت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة الدكتور عصام شرف نحو السودان، ومنها إلى بقيَّة دول إفريقيا، حيث يدور الحديث عن عودة مصر إلى إفريقيا وبقوَّة هذه المرَّة، بعدما بلغت التطورات "مرحلة حرجة جدًّا" في الملف المائي الذي يمسُّ الأمن القومي لأكبر بلدٍ عربي.
المتابع لمجريات التفاوض حول شروط مصر الثلاثة التي وضعتها للموافقة على الاتفاقية الإطاريَّة قبل سنة، يلحظ أن الدبلوماسيَّة المصريَّة آنذاك اكتفت بالشعارات ولم تتخطاها إلى حدود التأثير الفعلي وممارسة الضغط على الدول الموقِّعة عليها؛ فوجود نصٍّ صريح يضمن عدم المساس بحصتها من مياه النيل، والإخطار المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل، وأن يكون التعديل بالاجتماع وليس بالأغلبيَّة، كل تلك الشروط بقيت حبرًا على ورق.
ومع تحركات شرف والمجلس الأعلى العسكري الذي يحكم البلاد الآن، طرحت أسئلة منها: هل إعادة التفاوض تُجدي بعدُ الآن؟ هل توزيع الحصص القديمة ما زال مقدورًا على تثبيتها؟ هل يمكن إيقاف بناء السدود الإثيوبيَّة؟! أسئلة تطرح نفسها على صعيد هذا الملف الذي لا يقلُّ خطورةً عن حروب مصر مع الكيان الإسرائيلي!

تحركات سريعة

ربما لم يمرّ شهر على تولِّي الدكتور شرف مسئوليَّة رئاسة الوزراء، إلا وتحرك فورًا باتجاه الجنوب؛ لما لملف النيل من أهمية أمن قومي قصوى، وهو ما يزال يراهن على أن الـ"الحوار والتفاوض" هما السبيل الأول للتوصل إلى "صيغة متوازنة" للاتفاقيَّة الإطاريَّة بين دول حوض النيل، وأنه لا خيار أمامهم سوى التوجُّه وبقوَّة نحو توسيع الشراكة والمشاريع المشتركة مع دول تلك القارة، التي تعدَّت الاستثمارات المصرية في إثيوبيا وحدها الملياري دولار.
ملف النيل سيكون حاضرًا وبقوَّة على كل طاولات وزير الخارجيَّة الجديد نبيل العربي المقبلة، وهو المتمرس في حلّ القضايا والنزاعات الدوليَّة، سواء في محكمة لاهاي أو في قضية طابا مع الكيان الإسرائيلي، خاصةً في ضوء المخاوف التي استجدَّت بعد توقيع العضو السادس بالاتفاقيَّة وهو بوروندي، ليصل العدد إلى ست دول من أصل إجمالي تسع دول فعلية تشكل دول حوض النيل، حيث ما زالت إريتريا الدولة العاشرة تكتفي بدور المراقب من دون أن يكون لها حق التصويت، ولم يبقَ خارج هذا التكتل الإفريقي الجديد سوى مصر والسودان والكونغو.

الخطر الإثيوبي

نهر النيلتأتي الخطورة في الموقف الإثيوبي، بخلاف السدود الجديدة التي تعمل على تشييدها، في كمية المياه التي تصل منها إلى مصر؛ إذ إنه من المعلوم أن حصة كل من مصر والسودان من مياه النهر مقدرة عند مدخل بحيرة ناصر بـ 48 مليار متر مكعب سنويًّا، يرد منها 15% فقط من دول هضاب البحيرات الاستوائيَّة بما يعادل 12.6 مليارات متر مكعب عبر مياه النيل الأبيض، وتأتي لمصر شتاءً، بينما يبلغ ما يرد من إثيوبيا 85% وبما يعادل 35.4 مليارات متر مكعب سنويًّا، وتأتي صيفًا عبر النيل الأزرق.
وهذا يكشف حقيقة الكميات التي ستحرم منها مصر ويظهر الدور الإثيوبي في ذلك، الذي تنظر إليه النخبة في القاهرة على أن هناك من عمل على "تغييب" مصر عن إفريقيا واستغلال الضعف الذي أدى بها إلى تمديد الاتفاقيَّة، إضافةً لخطط إثيوبيَّة معاكسة تمامًا من دون أن يكون لدى مصر القدرة على مواجهتها وإقناع الدول "الخمس الصغيرة" بوجهة نظرها.
فإثيوبيا وحدها يسقط بها أكثر من ‏700‏ مليار م‏3‏ مياه فيما جريانها السطحي ‏122‏ مليار م‏3‏، منها ‏70‏ مليار م‏3‏ مياه تذهب لمصر لا تستفيد منها إثيوبيا، ولو أرادت الاستفادة ببناء سدود لحجزت هذه المياه، وهنا يقع الضرر الكبير على مصر.
ولتعظيم الاستفادة وزيادة الجريان السطحي بإثيوبيا للوصول به إلى ‏300‏ مليار م‏3‏ مياه لا بدَّ أن تقيم مصر مشروعات مثل قناة جونجلي‏,‏ ومشار‏,‏ وبحر الغزال‏,‏ وبحر الجيل، وغيرها، وكلها مشروعات مدروسة وتكاليفها معقولة‏,‏ لكن تكمن المشكلة في أن دول الحوض لا تهدفُ للاستفادة فقط وإنما لإحداث الضرر بمصر التي تخاذلت في تلك القضية بعدما كان لها دور إقليمي سواء من خلال شرق أوسطي‏,‏ إفريقي‏,‏ عربي‏,‏ إسلامي، وعليها أن تعود كما كانت قوة إقليميَّة ضاربة، ولا داعي للتساؤل على حساب من ذلك؟
وتزداد المخاوف، بعد أن باتت كل دول الحوض تخطط لإقامة سدود على نهر النيل، ولكن مع دراسة جريان السطح المائي على النيل -إذ إنه أقل الأنهار في العالم- حيث يسقط أكثر من ‏1600‏ مليار م‏3‏ مياه، يصل أسوان منها ‏84‏ مليار م‏3‏ فقط تمثل ‏5%‏، ومعدل العالم الطبيعي أن تكون ‏10%‏، وهو يفرض على مصر أن تعمل على ازدياد جريان السطح المائي إلى ‏160‏ مليار م‏3‏، ولو نجحت مصر في ذلك من خلال مجموعة سدود خصوصًا في منطقة بحر الغزال، ستصبح القضية سهلة وغير معقَّدة.

المستجدات والسيناريوهات المحتملة

المستجدات في هذا الملف برزت في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2011م، منها انفصال الجنوب عن الشمال في السودان وإمكان تقليل حصة مصر، على ضوء إقامة مشاريع وسدود في الجنوب وتقديم إغراءات لهذه الدولة الوليدة من شأنها الإضرار بمصالح مصر المائيَّة، ومنها أيضًا انضمام بوروندي الذي جاء في أوقات عصيبة، لم تسمحْ للقاهرة بمتابعتها والتفرغ لها وإجراء المحادثات المستعجلة بشأنها، وكأن من أراد تمديد الاتفاقية هدف إلى استغلال لحظات حرجة تمرُّ بها مصر وجارتها السودان؛ لاختطاف اتفاقيَّة عملت هذه الدول على تسويقها وتصويرها في حدود "إعادة تنظيم" روتينيَّة!
ومنها أيضًا قيام بعض دول المنبع بإقامة سدود ستؤدي إلى حجز مليارات الأمتار من المياه عن دولتي المصبّ، وهذا إجراء مخالف لكل الاتفاقيات الدوليَّة، التي تلزم أخذ موافقة الدول المتشاطئة على النهر مسبقًا قبل البدْء ببناء السد المزمع إقامته، خاصة إذا كانت هذه الدول ستطلب تمويلاً من البنك الدولي، وهو لن يتوافر لها طالما لم تحصلْ على موافقات الدول المتشاركة معها.
ولكن، ربما تلعب ثورة 25 يناير بمصر دورًا مهمًّا يعيد الأمور إلى نصابها، خاصة أن العداء الإفريقي ينصبُّ على القيادة المصريَّة السابقة والمتمثِّلة في الرئيس حسني مبارك ونظامه، فيما يؤكِّد شرف ووزير خارجيتِه نبيل العربي، أن مصر ليست ضدّ التنمية في أيَّة دولة بالحوض؛ مما يعطي "انطباعًا جيدًا" لدى حكومات دول الحوض بأن القادم أفضل.
وإذا فشلت المفاوضات فهناك -بحسب خبراء- الوساطة من خلال الأصدقاء لمصر لتوضيح الصورة لهم عن الأضرار التي ستلحق بمصر جرَّاء نقص حصتها المائيَّة، هذا غير التكاليف الباهظة جراء محاولة اللجوء إلى تحلية مياه البحر؛ إذ إن المتر المكعب منها يتكلَّف ‏4‏ جنيهات، وبما أن مصر تستهلك ‏25‏ مليون متر مكعب يوميًّا في الشرب مما يصل في السنة إلى ‏10‏ مليارات م‏3‏ مياه، فإن التكلفة ستكون باهظة جدًّا، ناهيك عن احتياجات الزراعة.
ولن يبقى أمام مصر في النهاية إذا فشلت المفاوضات ثم الوساطة، إلا اللجوء إلى التحكيم الدولي ومحكمة العدل الدوليَّة، وقد تختلف الأطراف جميعًا ويطلبون إعادة التوزيع مرة أخرى للمياه، على الرغم من أن كل ما يوجد بخصوص هذه القضية هو العُرف؛ إذ إنه ليس هناك قانون دولي حاسم وجازم في تلك القضية، وهو ما يصل بالمحلِّلين إلى مرحلة التوقف عن التفكير فيما لو فشلت كل جهود المفاوضات والوساطة وحتى التحكيم الدولي.
المصدر: موقع الإسلام اليوم.
 

 

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر