قضية في كتاب.. مصر وأزمة مياه النيل
قضية في كتاب.. مصر وأزمة مياه النيل
لم يكن قرار إثيوبيا بالبدء في تحويل مجري مياه نهر النيل الثلاثاء الماضي, تمهيدا لبناء سد النهضة مفاجئا, حيث بدأت الخلافات مع انفراد6 من دول المنبع بقيادة إثيوبيا بالتوقيع علي اتفاقية عنتيبي في عهد الرئيس المخلوع مبارك.
وذلك بعيدا عن مصر والسودان( دولتي المصب والمجري) لإعادة تقسيم موارد مياه النيل فيما بينها متجاهلة تأثير ذلك السلبي علي حصتهما, وبعد تنحي مبارك علي إثر ثورة25 يناير في2011 أعلنت إثيوبيا عن تدشين مشروع سد الألفية, وكان للدبلوماسية الشعبية حينها دور مهم في احتواء الأزمة عبر وفد دبلوماسي شعبي تشكل من عدد من الشخصيات العامة وشباب الثورة لزيارة بعض الدول الإفريقية منها إثيوبيا, وبالفعل نجح الوفد وقتها في تأجيل الأزمة بالاتفاق مع رئيس الوزراء الإثيوبي حينها ميليس زيناوي ـ علي أمل أن تقوم الدولة بدورها عندما يأتي رئيس منتخب, إلا أنه فيما يبدو لم تكن الخطوات التي اتخذها الرئيس مرسي كافية, وهو الأمر الذي اتضح مع توقيت إعلان إثيوبيا البدء في إنشاء سد النهضة, والذي تزامن مع عودة الرئيس من زيارته لإثيوبيا.
ويأتي الكتاب الذي بين أيدينا اليوم ليرصد تلك الأزمة من جذورها وربما يؤرخ لها أيضا, موضحا كيف كانت مهمة الحكومة المركزية بمصر تتركز في السيطرة علي مياه النيل, ثم جاء محمد علي باشا بطموحات استلزمت منه تجاوز نيل مصر لمنابعه, ليبرز مفهوم العمق الاستراتيجي والمائي, فصار لمصر أمن قومي يتجاوز حدودها وحدود ضفاف نيلها..فمن هذه الحقائق, ينطلق الكتاب متحدثا عن مصر والنيل; وعلاقة الاحتياج الأبدية بين دولة تعتمد علي نهرها في تأمين احتياجاتها المائية السنوية بما يقارب96.5%, وتحديات للحفاظ علي هذه النسبة من المياه في ظل تصاعد مطرد للنمو السكاني والأنشطة المصاحبة له, وكذلك قضية حوض النيل وما به من صراعات, والوضع القانوني بشأن الانتفاع وبالمياه وتاريخ اتفاقيات حوض النيل.
يقسم الكتاب مجالات الصراع المائي الدائر في حوض النيل إلي3 مجالات رئيسية, تمثلت في الصراع حول مدي مشروعية الاتفاقيات السابقة التي وقعت في نهايات القرن الــ19 والنصف الأول من القرن العشرين ومدي مرجعيتها كإطار قانوني, والصراع حول تقاسم المياه المشتركة في حوض النيل والدعوة لإعادة توزيع الحصص المائية بين الدول, وأخيرا الصراع حول مدي لزومية شرط الإخطار المسبق عند القيام بمشروعات مائية قطرية من قبل دول المنبع, مشيرا إلي أن تلك المجالات وغيرها كانت محاور أساسية للتفاوض المائي بين دول حوض النيل منذ عام2001, لافتا إلي أن غياب إطار قانوني منظم لشئون حوض النيل يحظي بتوافق مختلف الأطراف من شأنه أن يساعد علي تزايد احتمالات الصراع الدولي في المنطقة.
وبطبيعة الحال يتناول الكتاب المشروعات المائية القطرية ومن بينها سد النهضة مبرزا المخاطر التي ستترتب علي إنشائه في ظل تزايد فرص تعرضه للانهيار مما سيؤدي لحدوث تسونامي وزلازل يتركز تأثيرها علي مصر والسودان والمناطق المحيطة به, فضلا عن فقد البلدين كمية المياه التي تعادل سعة التخزين الميت للسد والتي تتراوح بين5 و25 مليار متر مكعب حسب حجم الخزان وقد تقل تلك النسبة أو تزيد تدريجيا طوال عمر السد.
يكشف الكتاب الأضرار التي ستعود علي إثيوبيا نفسها من هذا السد; فبعيدا عن تكلفته المرتفعة التي تقدر بـ4.8 مليار دولار, فسيؤدي لإغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية النادرة في حوض النيل الأزرق وإغراق بعض المناطق التعدينية لكثير من المعادن المهمة مثل الذهب والبلاتين وغيرهما, موضحا أن أكثر ما يتناسب معها هو إنشاء سدود صغيرة متعددة الأغراض لخدمة أكبر عدد من المدن والقري التي يستحيل نقل المياه إليها من أماكن أخري.
رجح المؤلف أن الهدف من إنشاء هذا السد هو سياسي بالدرجة الأولي لشغل الشعب الإثيوبي عن أية مطالب إصلاحية في إطار الصراع السياسي الداخلي هناك, بالإضافة إلي تأثير القوي الخارجية مثل: الصين وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية علي الصراع في حوض النيل بشكل عام, مبرزا دور تلك القوي ومصالحها, وكذلك الدور الذي يلعبه المانحون الدوليون والبنك الدولي والأمم المتحدة في هذا الصراع, مختتما بتقديم رؤية مستقبلية لتعزيز التعاون المائي في حوض النيل.
تأليف: د. محمد سالمان طايع
صدر عن دار الشروق