الأحد، أبريل 24

مقومات النهضة المصرية

المقوّمات العشر لنهضة مصر

د. عمرو عبد الكريم |لمصريون فى 05-04-2011 00:20

أحسب أن كل التفكير يجب أن ينصرف الآن لمستقبل النهضة المصرية، وأن تجتمع العقول على كلمة سواء لبيان مقوّمات تلك النهضة التي طال انتظار المصريون لها ومن ورائهم شعوب عربية وإسلامية كثر.

وهي استجابة واجبة لأقلام ودعوات أولي البقية الذين نهوا على فساد الاستبداد في الأرض تمديدا للحاكم الظالم ومحاربة لرغبات محمومة في التوريث، وقد أذن الله لشمس الحرية أن تشرق.

ومساهمة متواضعة في هذا الحراك الفكري الذي تموج به ساحتنا أقدم بعض المقوّمات التي أراها أسسا لازمة لمشروع نهضة مصر:

الأول: بناء الإنسان المصري الجديد، الغير قابل للاستعمار من الخارج ولا للاستبداد من الداخل

حيث تكمن وظيفة هذا الإنسان الجديد في معرفة ذاته دون تهويل لقدراتها ولا تهوين من شأنها، معرفة تقوم على الوزن بالقسط بلا إفراط ولا تفريط، تضع كل شيء على محك النقد الموضوعي والتمحيص العقلاني، وبعد معرفة الذات، تأتي معرفة الآخرين بلا رفض مطلق ولا انبهار مطبق.

وبناء هذا الإنسان الجديد الغير قابل للاستعمار الخارجي ولا للاستبداد الداخلي هي أهم مقوّمات نهضة أمتنا، وهي من قبيل الصناعات الثقيلة في مضمار نهضات الأمم. حيث تحدد معالم الخريطة الإدراكية لعناصر الرؤية الكلية للإنسان والكون والحياة.

الثاني: إعادة تفعيل الدور الاجتماعي للدين

الشعائر والشرائع -وفق التصور الإسلامي- هي التي تجعل من الإيمان حقيقة حية في نفوس البشر، وتنقله من عالم التصورات إلى عالم الفعل الاجتماعي، ومن ثم الإنجاز

الحضاري. حيث تكون للشريعة دافعيتها في حركة إنهاض المجتمع.

يقول مالك بن نبي: "فالدين حين يخلق الشبكة الروحية التي تربط نفس المجتمع بالإيمان بالله، وهو يخلق بعمله هذا أيضًا شبكة العلاقات الاجتماعية التي تتيح لهذا المجتمع أن يضطلع بمهمته الأرضية"، وهو بذلك يربط أهداف السماء بضرورات الأرض.

وإذا فعّل الدور الاجتماعي للدين ترجع للعقيدة فعاليتها من خلال معالجة ظاهرة الانفصام المرضي الذي يعيشه الإنسان، بين مطالب الدنيا وحقوق الآخرة.

الثالث: إعادة بناء شبكة العلاقات الاجتماعية

عمل النظام الاستبدادي على مدار عقود طويلة على تمزيق شبكة العلاقات الاجتماعية، ولا مناص أمام أي عملية إصلاح حقيقي، من إعادة بناء تلك الشبكات الممزقة. ورتق من تهلهل منها، وعلى المجتمع أن يقوم بجهود تربوية عميقة تغرس في ذات الفرد النزوع إلى روح الجماعة والتفكير في الشأن الاجتماعي جملة، والتخلص من النزعة الفردانية ذات التأثير السلبي على النسيج المجتمعي، تلك الفردانية التي تكرس الأنانية والشخصانية.

الرابع: التأسيس المنهجي للعمل العام (السياسي والفكري)

سقط النظام البائد وانفتحت الساحة المصرية على كل الاحتمالات، ورفعت الصخور الجاثمة على الصدور، كل يحاول أن يجني ثمار الثورة، حرية ومساحات حركة وتواصل مع مختلف الشرائح، وانفتح العمل السياسي وتريد جميع التيارات الفكرية والسياسية المشاركة بنصيب وافر، حتى من كان يحرّم المظاهرات ومن كان يعلن أنه لا شأن له بالعمل السياسي، وإن كنا نؤكد ونؤيد على حق الجميع في المشاركة أيا كان موقفهم السابق، فإن من الحق أيضا أن من يريد أن يشارك في مجال عليه أن يدرك أدواته وأساليب عمله ومناهج ارتياده. ولا يشارك بمنطق الهواة، ولا يستخدم أساليب الحواة. ويحترم مختلف الشركاء وحقهم في تبنيهم ما يشاؤون من رؤى وتوجهات. والساحة تسع الجميع، وعلى الجميع أن يبتعد عن أساليب الإقصاء والتخوين.

وإذا كان ثمة رغبات للمشاركة في العمل العام (سواء سياسي أو نقابي أو طلابي) وهي مشاركة تدور بين الوجوب والندب، فإنه لا بد من التأسيس المنهجي لهذه المشاركة، ومعرفة حدود وطبيعة أدوارها والثمار المرجوة منها، وليس كل العمل السياسي أحزاب، وليس كل العمل العام سياسة.

هي إذا دعوة مخلصة إلى توظيف المعرفة العلمية كأهم الأدوات في مشروع النهضة، محاولين تجاوز مراحل سابقة وظف فيها العلم في إطار الصراع على مساحات النفوذ أو وسيلة لكسب الأرزاق، وهي مراحل نرجو أن يكون الزمن قد تجاوزها.

الخامس: إعادة البعد الأخلاقي للعمل السياسي

لحين من الدهر ظل انفصال الأخلاقي عن السياسي أحد أهم مسارات النقد للعمل السياسي، الذي يركز على تحقيق النتائج على الأرض دون اعتبار للوسائل المستخدمة. ورفع العمل السياسي المنفصل عن كل المطلقات الأخلاقية شعار الغاية تبرر الوسيلة، حتى وصم العمل السياسي جملة بالمخالفة للشرع، واتخذت كثير من المواقف السلبية وأحيانا العدائية تجاهه.

ولابد لوصل ما انفصم من ارتباط بين الأخلاقي والسياسي ولعل هذا هو الفارق بين عمل سياسي يصب في صالح النهضة ويعمل على تأسيس مقوماتها، وبين عمل سياسي يعمل على تآكل الرصيد الأخلاقي في المجتمع.

إنها دعوة لمراجعة تصوراتنا النظرية والعملية تجاه قضية العمل العام وارتباطها بمسألتي الحق والواجب، والأشكال النظامية المعاصرة لعملية الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، وترسيخ قيم الشعور بالمسؤولية والتعاون على البر والتقوى والدور الاجتماعي للفرد وقول الحق وعدم السكوت عن الباطل وربط هذا كله بواجب ممارسة العمل العام سواء في شقه السياسي أو النقابي أو الفكري.

السادس: التركيز على الوسائل والأدوات الإبداعية وتجاوز التقليد

نجح الشعب في إسقاط نظام مبارك الاستبدادي عبر عمليات خلاقة من الجهاد المدني والنضال السلمي مما حيّد آلة القمع وأبطل مفعولها، وحافظ على نقاء حركة المعارضة في سلميتها مما جعلها تكتسب احترام العالم.

ولا شك أن النهضة المرجوة تحتاج إلى جهود مبدعة خلاقة في مختلف المجالات على نفس المستوى العالي الذي تم به نجاح الثورة، وكلما انطلقت هذه الجهود من الواقع المعيش على الأرض وارتبطت بأهداف طموحة أمكن السير في مضمار الإنجاز.

السابع: التأكيد على الفعالية وربط الأفكار بالإنجاز

نجحت الثورة المصرية عندما تجاوزت مختلف القوى السياسية عن خلفياتها الأيديولوجية واتفقت على جملة أهداف تمثل القاسم المشترك، لم يشغلهم الجدل العقيم عن الخلفيات الفكرية، وأحسب أنهم قد تجاوزوا أيضا البحث عن المكاسب الفئوية، ولم يكن سمو الهدف ونقاء اللحظة يحتمل الجدل ولا الاختلاف. وتحقيق النهضة يقتضي مثل تلك الروح التي سادت في ميدان التحرير (وهي إشارة رمزية لكل ميادين مصر التي ساهمت في إنجاح الثورة).

الثامن: اعتماد مبدأ التخصص

لا تقوم النهضات بغير اعتماد مبدأ التخصص، وفي عصر التخصصات الدقيقة وفي ظل التطورات السريعة والطفرة المعلوماتية لا يجب أن تقوم نهضتنا المعاصرة على جهود أنصاف المتعلمين، فضلا أن تقوم على مدعي المعرفة وهم كثر.

وكما أضاع الأبدان نصف متطبب، يضيع الأديان نصف متدين، ولا تقوم النهضات إلا على متخصصين كاملين المعارف والعلوم، الرحمن فسأل به خبيرا، رغم أنه سبحانه حقيقة من أوضح حقائق الكون.

التاسع: المؤسسية

تشير المؤسسية إلى كل عمل تخصصي قائم على النظم واللوائح يهدف إلى تحسين الأداء وبلوغ الأهداف بحيث تكون مرجعية القرارات فيه للشكل النظامي الحاكم في دائرة الاختصاص وهو ما يضمن ثبات العمل واستمراره ويحافظ على تراكم الخبرات والتجارب ولا يتأثر بتغير الأشخاص.

والمؤسسة ليست مجرد مجموعة من الأفراد يعملون معًا لتحقيق أهداف محددة، إنما المؤسسة هي شخصية اعتبارية ذات رسالة واضحة يتفاعل بداخلها العنصر البشري وأنظمة العمل والموارد المادية. والتخطيط السليم والتنظيم البارع والتوجيه المتواصل والتقويم الدائم والمتابعة الفعالة أهم سمات المؤسسية.

العاشر: التأكيد على ثقافة التدافع والبناء لا الصراع والهدم

فالتعارف سنّة الله في الخلق، والتدافع لا الصراع أساس العلاقة، والحوار وسيلة التفاهم بين الناس، والهدم أسهل من البناء.

سؤال النهضة

سئل المفكر العبقري مالك بن نبي عليه رحمة الله: مراكز الحضارات تخبو أم تنطفئ؟

فقال: مراكز الحضارات تخبو ولا تنطفئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر