الاثنين، يونيو 20

النبى والرسول

ذكر ابن أبي العز -شارح الطحاوية- أن أحسن الأقوال: أن من نبأه الله بخبر السماء، إن أمره أن يبلغ غيره؛ فهو نبي رسول. وإن لم يأمره أن يبلغ غيره؛ فهو نبي وليس برسول. فالرسول أخص من النبي فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً... وهذا أيضاً بعيد فإذا أوحي إليه بشيء، ولم يؤمر بتبليغه فأين الحكمة من ذلك! أو يكون مصطلح التبليغ عنده خاصاً بالمخالفين. فإن آحاد الأمة مأمورون بالتبليغ فضلاً عن الأنبياء. كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري. بل قال ابن السكيت -كما في اللسان-: (النَّبيّ هو الذي أَنْبأَ عن الله) فالاسم دال على ذلك.
والصحيح التفريق بين تبليغ الموافقين والمخالفين لأمر الله. وأن الرسول يرسل إلى كفارٍ ممن لا يؤمنون به؛ يدعوهم إلى توحيد الله. بخلاف النبي فإنه يرسل في قوم مؤمنين ينبئهم بما ينبئُه الله يعمل بالشريعة قبله غالباً.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقد قال: (1) (والمقصود هنا الكلام على النبوة، فالنبي هو: الذي ينبئُه الله، وهو ينبئُ بما أنبأ الله به؛ فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه؛ فهو رسول. وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله(2)، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة؛ فهو نبي وليس برسول. قال -تعالى- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} وقوله: {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} فذكر إرسالاً يعم النوعين، وقد خص أحدهما بأنه رسول؛ فإن هذا هو الرسول المطلق؛ الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح. وقد ثبت -في الصحيح- أنه: (أول رسول بعث إلى أهل الأرض) (3). وقد كان قبله أنبياء كشيت وإدريس. وقبلهما آدم (كان نبياً مكلماً)، قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام(4). فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم؛ لكونهم مؤمنين بهم، كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول، وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحَى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة؛ ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن؛ كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود. فالأنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره وبنهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر والأمر والنهي، فإن أرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له -ولا بد أن يكذِّب الرسلَ قومٌ قال تعالى {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} وقال {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} فان الرسل ترسل إلى مخالفين؛ فيكذبهم بعضهم. وقال { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} وقال {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} فقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} دليل على أن النبي مرسل، ولا يسمى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق كالعالم، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (العلماء ورثة الأنبياء)(5) وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإن يوسف كان رسولاً، وكان على ملة إبراهيم. وداودُ وسليمانُ كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة. قال -تعالى عن مؤمن آل فرعون-: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} وقال -تعالى- {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا})
--------------------
(1) (النبوات) (1/184-186).
(2) يعني غالباً وإلا فآدم أول نبي، وليس قبله رسول ولا نبي.
(3) في الصحيحين بمعناه.
(4) صحيح مرفوعاً: قال أبو أمامة -رضي الله عنه- إن رجلاً قال: يا رسول الله! أنبي كان آدم؟ قال: (نعم معلم مكلم) قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: (عشر قرون) قال: كم كان بين نوح و إبراهيم؟ قال: (عشر قرون) قالوا: يا رسول الله كم كانت الرسل؟ قال: (ثلاث مائة و خمس عشرة جماً غفيراً) الحاكم وصححه هو والذهبي على شرط مسلم. وصححه شيخنا في الصحيحة.
(5) رواه البخاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر