ففى كثير من الأحيان تكون ظروف الغربة قد حرمت مواطنا مصريا من كل هذه المزايا والمنافع والمكاسب وقضى معظم سنوات عمره بعيدا عن وطنه ورغم هذا يبقى حبه وولاؤه لوطنه مغروسا فى اعماقه ويسرى فى عروقه ودمه ولايغيب عن ذاكرته فيأخذه الحنين له والوقوف إلى جانبه فى أوقات الشدة ويضحى من اجله مؤكدا هذا الانتماء، فى الوقت الذى يبخل فيه كثيرون على اوطانهم التى اعطتهم المناصب وحققت لهم كثيرا من المزايا فامتلكوا مساحات كبيرة من الاراضى والقصور والفيلات الفاخرة والسيارات الانيقة والارصدة المكدسة فى البنوك وارسلتهم بلادهم فى بعثات خارجية لنيل رسائلهم العلمية فى الدكتوراه واستمتعوا بكل شيء على أرض الوطن، ولكنهم رغم كل هذا لم يقدموا لوطنهم حتى مجرد القليل واصبح همهم الاول والاخير الأخذ من الوطن دون العطاء له، والامثلة كثيرة على هذا وذاك.
وقد استوقفتنى المبادرة الوطنية الاخيرة التى أطلقها العالم المصرى وأحد أهم الاقتصاديين فى العالم، د. محمد العريان ـ والذى لا اعرفه ـ عندما تبرع من حر ماله وثروته التى حققها خارج وطنه بمبلغ ثلاثين مليون دولار لمشروع زويل القومى من أجل النهوض بمصر علميا وتكنولوجيا، ورغم أنه حصل على اعلى الدرجات العلمية والاقتصادية لكنه يرى فى د. زويل مثله الأعلى فى الانتماء للوطن وما صادفه من عقبات كثيرة وقاسية من مسئولين كبار فى بداية طرح مشروعه العلمى الكبير لنهضة هذا الوطن ولكن اصراره على خدمة بلده لم يفقده الأمل فى تحقيق ما يريد، وقد جاء العريان فى زيارة قصيرة لمصر لم تستمر سوى بضع ساعات ليتسلم درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الامريكية بالقاهرة ويرسم خلالها.. كما قرأت ـ خريطة طريق جديدة لاستكمال نجاح ثورة خمسة وعشرين يناير مؤكدا من واقع خبرته كرجل اقتصاد عالمى قدرة الاقتصاد المصرى على النمو واسترداد عافيته موضحا ان هذا النمو تحقق فى الماضى بمعدلات وصلت الى ستة فى المائة، ولكن هذه النسبة ذهبت الى عدد محدود من الشعب، ويرى ان هذا النمو يحتاج لكى يتحقق بصورة افضل الى العدالة الاجتماعية احد المطالب المهمة لثورة يناير، واستطيع فى هذا المقال ان اعراض بعض ملاحظاتى الآتية التى ارتبطت بمشروع لأحمد زويل العلمى وتعثره فى السنوات الماضية، ثم انطلاقته من جديد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ومبادرة د. محمد العريان الوطنية لبلده ومساندة لمشروع زويل وكيفية دعم توجهات كل منهما من اجل نهضة مصر العلمية والتكنولوجية وذلك على النحو التالي:
فى البداية نوضح أن د. أحمد زويل جاء الى مصر عام 99 بعد حصوله على جائزة نوبل فى الكيمياء اكبر جائزة علمية يحصل عليها مواطن عربي، وعرض على المسئولين مشروعه الطموح بانشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ولكنه للاسف لم يجد آذانا صاغية ولا اى استجابة، فعاد من حيث اتى بخفى حنين حاملا فى اعماقه قدرا كبيرا من الاحباط الذى لم يكن يتوقعه خاصة بالنسبة لمشروع اراد ان يرد به الجميل لبلده، ولديه قناعة بأن الظروف السياسية والبيروقراطية التى كانت سائدة فى مصر هى السبب فى تعطيل مشروعه الوطنى بينما يرى كثيرون ان الشعبية الكاسحة التى اكتسبها من الشعب المصرى بكل فئاته واطيافه بعد فوزه بنوبل اصابت كثيرا من المسئولين بالذعر والخوف والهلع فوقفوا فى وجهه حفاظا على طموحاتهم السياسية حتى لاتتعرض للاهتزاز والتراجع.
ان ثورة يناير احيت فيه الأمل من جديد لطرح مشروعه فجاء الى مصر فى 21 مايو الماضى وعرضه على مجلس الوزراء برئاسة د. عصام شرف ووافقت اللجنة التشريعية بالمجلس انشاء مدينة زويل العلمية فكان ذلك يوم 12 مايو الماضي.
قام زويل بصحبة رئيس الوزراء بزيارة المجلس الاعلى للقوات المسلحة واستقبلهما المشير طنطاوى له بكل الترحيب والتقدير ووافق على تنفيذ المشروع على ان يعرض على مجلس الشعب الجديد لاقراره والتصديق عليه.
إن الوفاء لمصر هو الذى جمع بين العالمين سيكون د. زويل ود. العريان الذى جعل الأخير يتبرع بثلاثين مليون دولار لمساندة هذا المشروع الذى ستكون له انعكاساته العملية والتكنولوجية على أجيالنا القادمة ونهضة مصر العلمية بشكل عام.
إن العريان ترك مصر فى الرابعة من عمره بصحبه والده خلال عمله الدبلوماسى فى امريكا وباريس وتلقى تعليمه فى الخارج وحصل على اعلى الدرجات العلمية من هناك رغم هذا لم تغب مصر عن ذاكرته والتى زرعها فيه والده رغم مشاغله كدبلوماسى ومستشار قانونى للوفد المصرى فى مباحثات جنيف مع الاسرائيليين وقاض بمحكمة العدل الدولية وهو مانتمنى ان يفعله كل مصرى مغترب مع ابنائه فى الخارج لربطهم بوطنهم.
واخيرا: ان يبادر اثرياء الوطن المغتربون فى الخارج بإسهاماتهم المادية لدعم المشروع من خلال سفرائنا هناك ، وكذلك أثرياء الوطن فى الداخل الذين فتح لهم العريان باب التبرع وبذلك وحده تتحقق النهضة العلمية والتكنولوجية المرتقبة فى مصر المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق