هل أخطأت الثورة المصرية؟!
Tue, 05/07/2011 - 08:05
24,949
اشتهر الممثل الكوميدى الأمريكى جورج كارلين (1938- 2007) بتعليقاته العميقة الساخرة، وفى أحد عروضه سئل ماذا يفعل إذا كان مسافرا فى طائرة وفوجئ بأنها ستسقط فى البحر.. أجاب جورج كارلين بما معناه:
ـــ «سوف أنقذ نفسى طبعا.. سوف أزيح السيدات من طريقى وأركل الأطفال بكل قوتى وأدهس الركاب المعاقين حتى أصل إلى باب الطوارئ وأنجو بنفسى.. بعد ذلك سأحاول إنقاذ الركاب».
هذه الصورة الساخرة تبين كيف يفعل بعض الناس كل شىء من أجل الاحتفاظ بحياتهم أو مكاسبهم.. كلما رأيت وزير الخارجية الجديد محمد العرابى تذكرت كلمات جورج كارلين. لقد كان محمد العرابى من أقرب الناس إلى مبارك وأسرته وله فى مديح مبارك مجموعة كاملة من الأناشيد والأهازيج- طبقا لما نشرته جريدة الوفد. عندما كان العرابى سفيراً لمصر فى ألمانيا صرح قائلاً:
ــ إننى مؤمن بأن حسنى مبارك زعيم لم ولن يتكرر فى تاريخ مصر.
وقال أيضا:
ــ إن الله يحب مصر لأنه حباها بموهبة فذة اسمها جمال مبارك.
السيد العرابى الآن وزير خارجية فى حكومة ثورة أطاحت بزعيمه الذى لم ولن يتكرر وألقت بالموهبة الفذة جمال مبارك فى السجن تمهيدا لمحاكمته. العرابى ليس حالة نادرة فى السلطة المصرية. وزراء كثيرون كانوا من أكبر المؤيدين لمبارك وهم الآن يتخذون القرارات فى حكومة الثورة. الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الحالى، كان عضوا فى لجنة السياسات ومقربا من جمال مبارك الذى رشحه للوزير يوسف بطرس غالى فعينه مستشارا له عام 2005 ثم عينه حسنى مبارك عضوا فى مجلس الشعب. الوزير رضوان شريك فى السياسات الاقتصادية لنظام مبارك، وهو يريد الآن إقناع الرأى العام بأنه يتبنى أفكار الثورة، فلا أملك ألا أن أتذكر طريقة جورج كارلين فى الهروب من الطائرة التى تسقط.
المشكلة هنا ليست فقط فى قدرة هؤلاء الوزراء المدهشة على الدفاع عن الشىء ونقيضه بالحماس نفسه من أجل الاحتفاظ بمناصبهم.. المشكلة أن الثورة أسقطت حسنى مبارك لكن نظام مبارك لم يسقط.. لواءات الداخلية الذين ساعدوا حبيب العادلى على إهدار كرامة المصريين وتعذيبهم وقتلهم مازالوا فى مناصبهم. المسؤولون فى الإعلام الذين طالما ضللوا الرأى العام ونافقوا الطاغية وبرروا جرائمه مازالوا فى أماكنهم. القضاة الذين أشرفوا على تزوير الانتخابات مازالوا يمارسون عملهم. ضباط أمن الدولة الذين ارتكبوا جرائم بشعة فى حق المصريين مازالوا فى مناصبهم، بل تم تعيين بعضهم محافظين تقديرا لجهودهم فى خدمة النظام.. ماذا نتوقع من كل هؤلاء المسؤولين؟! قطعا سوف يعجزون عن فهم منطق الثورة وغالبا سيتآمرون ضدها. إن المؤامرة على الثورة المصرية قد صارت واضحة المعالم وتتلخص فى الخطوات الآتية:
أولا: إجراء محاكمات بطيئة لبعض رموز النظام السابق لامتصاص غضب الشعب شيئا فشيئا حتى ينسى الناس الأمر وينشغلوا بشؤون حياتهم.. لماذا لم يحاكم مبارك حتى الآن وما السر فى كل هذه التقارير المتضاربة عن صحته ولماذا لا يعامل كمسجون عادى؟!
وأين علاء وجمال مبارك ولماذا لا نرى صورتهما فى السجن؟! لماذا يحظى كبار المسؤولين المسجونين فى سجن طرة بمعاملة استثنائية؟! من الذى سمح لحسين سالم بالهرب ولماذا لم يتم إبلاغ الإنتربول ضده من البداية؟! لماذا لم يقبض على زكريا عزمى وفتحى سرور وصفوت الشريف إلا بعد شهرين كاملين تمكنوا خلالهما من إخفاء ما يدينهم وتهريب ما يستطيعون من الأموال التى نهبوها من الشعب المصرى؟! لماذا لم يتلق المصابون والشهداء أى رعاية من الدولة على مدى ستة أشهر كاملة؟ وكيف يُترك الشهيد محمود قطب فى مستشفى ناصر دون علاج لمدة شهر كامل حتى تتقيح جروحه وتخرج الحشرات من فمه بينما يتم إخلاء مستشفى شرم الشيخ من المرضى حتى تعالج السيدة سوزان مبارك أسنانها وتقف الحكومة المصرية على قدم وساق من أجل استدعاء الطبيب الألمانى للاطمئنان على صحة حسنى مبارك الغالية؟!.. الأسئلة كثيرة والإجابة واحدة.. معروفة ومحزنة.
ثانيا: إحداث حالة من الانفلات الأمنى المستمر مع تقاعس الشرطة المتعمد عن أداء واجبها فى حماية الأمن حتى يتم ترويع المصريين وتعطيل السياحة والاستثمار، فتبدو الثورة وكأنها قد جلبت علينا الخراب.. مع السعى الدائم لتصوير الشهداء على أنهم بلطجية وتصوير الضباط القتلة على أنهم أبطال كانوا يدافعون عن الأقسام، ثم تأجيل المحاكمات شهورا طويلة حتى يتمكن الضباط المتهمون (الذين مازالوا فى مناصبهم) من الضغط على أهالى الشهداء حتى يغيروا أقوالهم فيفلتوا من العقاب.
ثالثا: إحداث حالة من الاستقطاب بين قوى الثورة وتغذية الصراع بين الليبراليين والإسلاميين، مع تصوير الأمر على أن مصر بعد الثورة وقعت فى قبضة المتطرفين إلى الأبد، لعلنا نتذكر كيف خرجت صحيفة الأهرام فى عهد رئيس تحريرها السابق وهى تحمل على صفحتها الأولى صورة رجل مقطوع الأذن مع مانشيت رئيسى بأن السلفيين قطعوا أذن مواطن قبطى.. لعلنا نذكر كيف احتفت وسائل الإعلام بعبود الزمر القاتل وكأنه بطل قومى. لعلنا نفهم لماذا لا يكاد يمر أسبوع دون أن يتم الاعتداء على الأقباط أو الكنائس بينما رجال الشرطة يتفرجون، على أن يتم اتهام الإسلاميين دائما حتى يتم تشويه الثورة فى الداخل والخارج؟!
رابعا: المبالغة فى حجم الأزمة الاقتصادية والحديث المتكرر عن أن مصر على شفا الإفلاس بسبب الثورة.. المغالطة هنا مركبة فقد ترك حسنى مبارك مصر فى حالة اقتصادية مزرية:
40% من نصف المصريين يعيشون تحت خط الفقر ومعدلات البطالة غير مسبوقة، ويكفى أن نعلم أن واحداً من ثلاثة من سكان القاهرة يعيش فى العشوائيات.. نظام مبارك هو المسؤول عن بؤس المصريين وليس الثورة.. كما أن الثورة لم تحكم حتى تتحمل المسؤولية.. إذا كانت هناك أزمات بعد الثورة فهى مسؤولية المجلس العسكرى الذى يقوم بمهام رئيس الجمهورية ومسؤولية الحكومة التى عيّنها.
إن ما حدث فى ميدان التحرير الأسبوع الماضى بالغ الدلالة: فقد تم إطلاق البلطجية ليثيروا الشغب ويعتدوا على وزارة الداخلية حتى يعطوا قوات الشرطة المبرر للاعتداء على المتظاهرين، هنا ظهر مدى الحقد ضد الثورة الذى يغلى فى صدور بعض قيادات الشرطة وضباطها، ما الذى يجعل ضابطا كبيرا يستقل سيارة ويحمل ميكروفوناً خصيصا حتى يشتم المتظاهرين بأمهاتهم؟!.. وما الذى يجعل ضابط المباحث فى قسم العجوزة يشتم أم الشهيد أحمد زين العابدين ويركلها بقدمه فى بطنها ثم يضرب ابنها محمد على رأسه ويصعقه بالكهرباء وفى النهاية يقبض عليه ويحيله إلى محاكمة عسكرية.
هذه الاعتداءات المشينة من رجال الشرطة على أهالى الشهداء صاحبتها حملة تشويه مدوية على الطريقة القديمة صنعتها الخلايا النائمة للأمن فى وسائل الإعلام، مجموعة من الصحفيين والمذيعين والمعدين مازالوا يتلقون التعليمات من أمن الدولة الذى تغير اسمه إلى الأمن الوطنى. أما السيد منصور عيسوى فلا أظن المتآمرين على الثورة يتمنون وزيرا للداخلية أفضل منه فهو يعتبر من واجبه أن يدافع عن ضباطه مهما ارتكبوا من جرائم، كما أنه منقطع بشكل غريب عما يحدث حوله لدرجة تجعلنا لا نأخذ ما يقوله على محمل الجد. إن أحداث التحرير ليست إلا بروفة لمؤامرة كبرى يجرى تجهيزها من أجل إجهاض الثورة نهائياً.
السؤال هنا: هل أخطأت الثورة المصرية؟
نعم.. أخطأت الثورة مرتين.. المرة الأولى فى يوم 11 فبراير عندما تم إجبار مبارك على التنحى فاحتفل ملايين المصريين بالنصر ثم انصرفوا إلى بيوتهم، وكان المفروض أن تظل الثورة فى الميدان وتختار متحدثين باسمها يتفاوضون مع المجلس العسكرى حتى تتحقق مطالبها بالكامل. الخطأ الثانى للثورة المصرية أنها انقسمت على نفسها قبل تحقيق مطالبها.. بدلا من إعلان سقوط دستور مبارك والدعوة إلى دستور جديد فضّل المجلس العسكرى أن يتبنى اقتراح مبارك بتعديل بعض المواد فى الدستور القديم وتم إجراء الاستفتاء على تعديل بعض المواد وبعد إعلان نتيجة الاستفتاء تجاوزه المجلس العسكرى تماما وأعلن دستورا مؤقتا من 63 مادة.. وقد أدى هذا الاستفتاء (المشكوك فى جدواه) إلى انقسام أصحاب الثورة إلى فريقين: الليبراليون والإسلاميون. دخل الفريقان فى سجال عنيف: الليبراليون يطالبون بالدستور أولاً، والإسلاميون يطالبون بالانتخابات أولاً.. وتفرغ كل فريق لمهاجمة الآخر، ونسى الفريقان أن النظام الذى قامت الثورة لإسقاطه لم يسقط بعد.. ما جدوى الانتخابات إذا تمت تحت إشراف وزارة الداخلية التى يحكمها مساعدو العادلى وتلاميذه وتحت إشراف قضاة شاركوا فى التزوير ومازالوا فى مناصبهم وما قيمة دستور تتم كتابته بواسطة أساتذة قانون طالما وضعوا معلوماتهم القانونية فى خدمة الاستبداد؟!
إن الثورة المصرية تمر الآن بلحظة حرجة. مفترق طرق بمعنى الكلمة.. إما أن تنتصر وتنجز أهدافها وإما أن تنكسر، لا قدر الله، ويعود النظام القديم وإن تغير شكله.. ما العمل الآن؟ علينا أن نتذكر حسنى مبارك قبل الثورة. لقد كان كل شىء يصب فى مصلحته. كان يتمتع بالدعم الكامل من إسرائيل والدول الغربية ومعظم الدول العربية. لم يكن أحد يتصور أن بالإمكان إزاحته عن السلطة، لكن الشعب المصرى بفضل الله استطاع أن يجبر مبارك على التنحى. لن يحمى الثورة إلا الذين صنعوها. من هنا تأتى أهمية مظاهرات الجمعة القادم «8 يوليو» من أجل تصحيح مسار الثورة.. يجب أن ننسى اختلافاتنا الفكرية والسياسية ونعود كما كنا أثناء الثورة.. الأقباط مع السلفيين والإخوان مع اليساريين والمنتقبات والمحجبات مع السافرات.. لن نطالب بدستور ولا انتخابات.. سنطالب بتطهير النظام من فلول نظام مبارك.. سنطالب بمحاكمات عادلة وناجزة لقتلة الشهداء. سنطالب بعدم إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية مهما كانت الأسباب.. سننزل يوم الجمعة بإذن الله ونحن مستعدون لدفع ثمن الحرية. سنكون، كما كنا أيام الثورة، جاهزين للموت فى أى لحظة، فلن تكون حياتنا أفضل ولا أعز من حياة مئات الشهداء وقد قدموها عن طيب خاطر من أجل مستقبل مصر وكرامة المصريين.
الديمقراطية هى الحل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق