سيناء.. ضحية الإهمال
سيناء.. ضحية الإهمال
لقد شرف الله تعالى أرض مصر بأن كانت مهدًا لكثير من أنبيائه عليهم السلام، وخص جزيرة سيناء فجعلها معبراً لأنبياء الله عز وجل.
ففيها الوادي المقدس "طوى" وهو البقعة الغالية التي قدَّسها الله تعالى فنادى فيها نبيه موسى عليه السلام قائلاً: {هل أتاك حديث موسى * إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى} (النازعات: 15-16)، ذلك الوادي الكريم الطاهر الذي قال فيه الله عز وجل لموسى عليه السلام: {فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى} (طه: 12)، كما أمره الله أن يرحل ببني إسرائيل لقتال قوم ظالمين جبارين؛ فلما وصلوا إلى "وادي التيه" بسيناء مكثوا فيه أربعين سنة تائهين، فكان الله يظلهم بسحاب كالغمام ليقيهم حرارة الشمس وأنزل عليهم المن (وهو طعام حلو) والسلوى (نوع من الطير) ليأكلوا وقال تعالى: {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى} (البقرة:57)، فلما أصابهم الظمأ ولم يجدوا ماء طلبوا من موسى أن يدعو ربه ليرزقهم الماء ليرتووا فقال في ذلك عز وجل {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} (البقرة:60)، فهذه هي سيناء المباركة التي أنعم الله بها علينا والتي هي جزء أصيل من أرض مصر التي مدحها الله في كتابه.
فأرض سيناء جزء عزيز من مصرنا الغالية، تقاذفته الحوادث، وذلك بسبب هجرانه وإهماله عن قصد من لدن أعداء الوطن، سواء بضغوط من الخارج أو بتعمد من الداخل، فما أحوجنا إلى تعمير هذا الإقليم الغني الثري، تعميره فكرًا وعلمًا وصناعة وزراعة وتواصلاً مع أبنائه وإعادتهم إلى حضن وطنهم الأم مصر، كي نقضي على بؤر التطرف هناك وبذور الشقاق والخلاف والأفكار المسمومة، فما بين فكر تكفيري يجتاح هذه البقعة المباركة وما بين استغلال وعبث المخابرات الدولية بهذه المنطقة، وما بين تجارة العبيد التي انتشرت هناك بسبب ضعف القبضة الأمنية على هذا الوطن في الفترة الماضية، فما أحوجنا إلى الاقتراب من أبناء سيناء والتقارب معهم والتواصل الدائم والمستمر؛ نهضة بهذا الشق الغالي من أرض الوطن، لا بد من القضاء على الوحشة الموجودة في أرض سيناء وتطهير البؤر الإرهابية التي تبث سمومها ليل نهار ما بين خطف وتخريب واعتداء على الآمنين وإحراق لثروات البلاد.
يقول المفكر والداعية الإسلامي الدكتور جمال عبد الهادي أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى سابقًا متحدثا عما يجري في أرض سيناء: "الحوار مطلوب في سيناء، لا بد للشعب المصري أن يذهب ويشارك أهل سيناء في تعميرها وإعادة الأمن لها، ويمكن أن يكون هناك شبابٌ مغرَّرٌ بهم ومجندون من قبل المخابرات الأجنبية، المشكلة الآن في عملية القتل لأهل العريش، فكيف نواجهها؟ هناك لجنة الأمن القومي عليها أن تقوم بدورها، وتخبرنا كيف السبيل لمعالجة هذه المشكلة، والحل العسكري وحده لن يحل المشكلة، والمزاعم القائلة بأن حماس يريدون أن يأخذوا سيناء كي تكون دولة ووطنا لهم، هذا زعم باطل، لا هم لا يريدون أن يأخذوا سيناء كي يصنعوا دولة، والشعب الفلسطيني لا يريد أن يترك أرضه، ولو أراد ما حدث ما يحدث الآن، لا بد إذن من فتح الحوار وليست القضية قضية دعاة عابرين يذهبون إلى سيناء في مؤتمر ويرجعون، بل لا بد من ذهاب الفلاحين والعمال والشباب وتعليمهم كيف يزرعون، من أجل تعمير سيناء، ولا بد أن يتم التهجير عبر المحافظات، وتأهيل هؤلاء لتعمير سيناء، وكان هناك مخطط إنجليزي 1892م لتعمير سيناء، وبدأوا في تقسيمها بلديات لتعميرها واستصلاح أرضها، وصنعوا بلدية العريش، لا بد أن نعلم أن العدو الصهيوني لن يتركنا هكذا، لا بد من التعمير حتى تعود سيناء إلينا، وتصبح تحت قبضتنا وتركها هكذا خطر علينا وعلى أمننا القومي".
وعن قدوم وفد أمريكي للتدخل في دراسة وحل مشكلة الأحداث التي وقعت في شمال سيناء وغيرها، قال د.جمال عبد الهادي: "هم لهم أغراض لاستهداف هذا الوطن، لا بد لنا في التعامل مع هذا الكيان الأجنبي نعلم جيدًا أنه عدو، وكونه يأتي لبلادنا لمعالجة مثل هذه الأحداث فهذا جرْح لاستقلالنا، ولا يجوز لعدونا أن يتدخل؛ لأن هؤلاء من الممكن أن يكونوا قد زرعوا مثل هذه الخلايا الإرهابية في بلادنا، العالم الغربي يسعى لاستئصال شأفة العناصر الوطنية المجاهدة تحت مسمى محاربة الإرهاب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق