الثلاثاء، أغسطس 30

تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصرى

تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصرى

أكرم حنا خليل*
‏العدد 119 ‏: 25 يناير 2009

لا شك أن الأزمة المالية التى نشأت أساسا فى الولايات المتحدة وامتدت إلى باقى اقتصادات العالم وما يستتبعها من ركود اقتصادى سيؤثر على قطاعات كثيرة فى الاقتصاد المصرى، وقد كانت سوق المال المصرية هى الأسرع تأثراً بالأزمة وقد ظهر ذلك جلياً فى أداء البورصة على وجه التحديد. فقد تأثرت البورصة المصرية بالانهيار الكبير فى أسعار البورصات العالمية حيث هرع المستثمرون الأجانب ببيع أوراقهم المالية فى البورصة المصرية لتغطية مراكزهم المالية المكشوفة بعد تعرضهم للخسائر فى الأسواق الخارجية
بالإضافة إلى أن أغلب الشركات الكبيرة فى البورصة المصرية مسجلة أيضاً فى البورصات العالمية (مثل بورصتى لندن ونيويورك) ويتم تداول أسهمها بها وبالتالى تنخفض قيمة أسهم هذه الشركات بالتبعية فى البورصة المصرية عندما تتدهور أسعارها فى أسواق الأوراق المالية بالخارج، إلى جانب تأثير العامل النفسى حيث تسود حالة من الخوف والهلع بين صغار المستثمرين المصريين (يشكلون نحو 70% من مجموع المتعاملين فى البورصة) مما يدفع هؤلاء للقيام بعمليات بيع مكثفة وخاصة بعد تحرك الحدود السعرية حتى مستوى 20%،وقد انعكس ذلك فى انخفاض المتوسط الشهرى لمؤشر هيئة سوق المال من 2727.7 نقطة فى أغسطس إلى 1556.7 نقطة فى نوفمبر 2008، كما انخفض المتوسط الشهرى لمؤشر البورصة (Case 30) من 8449.6 نقطة فى أغسطس إلى 4205.9 نقطة فى نوفمبر 2008 وسجل مؤخراً 3780.38 فى 21/1/2009، وقد انخفض رأس المال السوقى للشركات المدرجة فى البورصة من حوالى 695 مليار جنيه خلال شهر أغسطس إلى 461 مليار جنيه خلال شهر نوفمبر 2008 أى أن حجم خسائر رسملة السوق خلال هذه الفترة بلغت نحو 234 مليار دولار. وقد أسفرت هذه التطورات السلبية عن انخفاض أسعار الأسهم عن القيمة العادلة بنسب تجاوزت 50% فى كثير من الأحيان مما عرض عدد كبير من المتعاملين لخسائر فادحة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانخفاض فى أسعار الأسهم قد حدثت قبل وقوع الأزمة وذلك بسبب بعض القرارات الاقتصادية وبخاصة بداية من شهر مايو 2008 إلا أن الانخفاض الكبير حدث مع العدوى من الأسواق الخارجية بعد منتصف سبتمبر 2008,.
السياحة المصرية
تزامنت حدة الأزمة مع قبل بدء الموسم السياحى فى مصر مباشرة الأمر الذى انعكس بالسلب على النشاط السياحى. وقد كانت التقديرات الأولية لتأثر السياحة بالأزمة تشير إلى أن بداية التأثر ستكون بداية من شهر مارس إلا أن التأثير جاء مبكراً، وقد أكد وزير السياحة أن المشكلة الاقتصادية العالمية بدأت تظهر آثارها على السياحة المصرية فى أغسطس الماضى ولكن الانخفاض بلغ فى ديسمبر الماضى 4.5% فقط. وأشار أمين عام غرفة الفنادق إلى أن حجم الحجوزات يواجه تراجعاً حاداً بسبب انخفاض معدل الإقبال وأن جميع المؤشرات تفيد بتراجع حجم التعاقدات خلال الفترة المقبلة، كما تناقلت وسائل الإعلام أخباراً تتعلق بتسريح العمالة المؤقتة فى عدد كبير من الفنادق العائمة والثابتة فى كل من الغردقة وشرم الشيخ ودهب دون أن تمنحهم أى حقوق وكذلك تسريح العمالة المؤقتة فى بعض الفنادق العائمة فى النيل بين الأقصر وأسوان.
إلى جانب ذلك فإن تزامن الأزمة مع القصف الإسرائيلى لقطاع غزة يهدد فنادق مدينتى طابا ونويبع بالإغلاق. وقد سيطرت حالة من القلق على عدد من مقدمى الخدمات السياحية، خاصة فى المناطق السياحية النشطة، إثر تأخر مجموعة من المنظمين الأوروبيين فى سداد المستحقات المالية للفنادق المصرية وغيرهم من وسطاء البرامج السياحية من الشركات.
ويشير الوضع السابق إلى تراجع حصيلة البلاد من السياحة خلال الفترة القادمة وهو ما يؤثر بالسلب على الصناعات والقطاعات المرتبطة بالسياحة حيث يعتمد قطاع السياحة فى مصر على 62 مهنة. وقد أظهرت البيانات المتوفرة حتى الآن، أن معدل الزيادة فى الإيرادات السياحية تراجع من 17% خلال شهر أغسطس إلى 10.8% خلال شهر سبتمبر 2008، وتراجع معدل النمو خلال الربع الأول من عام 2008/2009 ليسجل 15.2% مقابل 32% خلال نفس الفترة من العام السابق. ويُقَدَر التراجع فى الإيراد بنحو 20% للمواسم السياحية التالية فى عام 2009 . وقد يستمر الاتجاه التناقصى حال استمرار الأزمة وتفاقم تداعياتها وحال الممارسات السلوكية الضارة من جانب القائمين على النشاط بضرب الأسعار لاجتذاب شرائح سوقية. حركة التجارة الدولية فى قناة السويس
كذلك فإن حركة التجارة الدولية وبالتالى نشاط المنافذ البحرية والبرية لنقل البضائع ستتراجع بسبب الركود العالمى، وكذلك نشاط ناقلات البترول مع انخفاض الطلب عليه، الأمر الذى يؤدى إلى تراجع حركة السفن العابر لقناة السويس وحمولاتها، إلى جانب تحول بعض السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح بسبب زيادة حالة القرصنة على السواحل الصومالية، مما يؤدى إلى انخفاض الدخل من قناة السويس.
وبالفعل تراجعت حركة السفن والحمولات فى الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2008 جراء الأزمة المالية وانخفضت عائدات القناة من 504.5 مليون دولار فى أغسطس إلى 469.6 مليون دولار فى سبتمبر ثم إلى 467.5 مليون دولار فى أكتوبر وإلى 419.8 مليون دولار فى نوفمبر ثم إلى 391.8 مليون دولار فى ديسمبر 2008 مقارنة بـ 426.3 مليون دولار فى ديسمبر 2007.
قطاع البترول
ولا شك أن انخفاض أسعار البترول نتيجة الأزمة سيؤثر على حصيلة مصر من البترول وهو ما بدأت مؤشراته خلال الفترة (يوليو - سبتمبر) 2008 إذ حقق الميزان البترولى فائضاً بلغ 1.6 مليار دولار فقط مقابل 3.5 مليار دولار خلال الفترة (أبريل ـ يونيو) 2008 وهنا تجدر الإشارة إلى أن انخفاض أسعار البترول وإن كان لها تأثير سلبى على الحصيلة من العملة الصعبة إلا أنها ستقلل بند الدعم المقدم للمواد البترولية وهو ما يؤدى إلى خفض فى جانب المصروفات مما يساهم فى خفض عجز الموازنة العامة للدولة
كذلك ستؤثر الأزمة على حصيلة الصادرات السلعية بالانخفاض نظراً لتضرر الشركاء التجاريين فى أوروبا والولايات المتحدة جراء الأزمة، كما ستؤدى إلى انخفاض صافى تحويلات المصريين العاملين بالخارج مع تأثر دول الخليج بالأزمة وقد تؤدى إلى إنهاء عقود كثيرين منهم والعودة إلى مصر والانضمام إلى القوة العاملة العاطلة مما يزيد معدل البطالة.
الاستثمارات الأجنبية المباشرة
ولا شك أن الأزمة ستساهم فى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالرغم من عدم الانعكاس الكامل لآثار الأزمة على أداء ميزان المدفوعات فى الربع الأول من عام 2008/2009 إلا أن البيانات أظهرت انخفاضاً فى صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 44% عن الفترة المثيلة من عام 2007/2008، كما ارتفعت التدفقات للخارج فى استثمارات محفظة الأوراق المالية إلى نحو 3.5 مليار دولار مقابل 1.4 مليار دولار فى الفترة المثيلة من عام 2007/2008 ولسوف تنعكس كل العوامل السابقة سلباً على ميزان المدفوعات الذى تراجع الفائض به خلال الربع الأول من 2008/2009 بنحو 54.5% ليسجل فائضاً هو 0.5 مليار دولار مقابل فائض بلغ 1.1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالى السابق.
لقد سببت الأزمة المالية الطاحنة ركوداً فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ومن المقدر أن ينتقل إلى مصر ويتوقع أن يؤدى هذا إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى للعامين 2008/2009 و 2009/2010، ويؤدى الركود - فى حالة حدوثه - إلى نقص الطلب الداخلى بما يؤثر سلباً على قطاعات الإنتاج وهو ما قد يتسبب فى انخفاض نسبة تشغيل الطاقات المحلية ومن ثم ارتفاع معدل البطالة نتيجة الاستغناء عن جزء من العمالة المؤقتة وعدم فتح فرص عمل جديدة.
تباطؤ معدل النمو
وقد أظهرت نتائج الربع الأول من عام 2008/2009 تباطؤ معدل النمو.إذ لم تكن آثار الأزمة المالية قد انتقلت واستفحلت فى مصر بعد، فإن معدل النمو تراجع إلى 5.8% مقابل 6.5% فى الربع المناظر من عام 2007/2008، وهو ما يدحض التصريحات الوردية لبعض المسئولين من أن معدل النمو خلال عام 2008/2009 سيكون 6% وأن الأزمة ستظل فى الجانب النقدى ولن تنتقل إلى الجانب العينى.
كذلك فإن الأزمة المالية وتأثيراتها على الاقتصاد المصرى سوف تنعكس بالسلب على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى وهو ما قد يزيد من حدة التوترات والاحتقان داخل المجتمع بسبب ما يُطلَق عليه ثورة التطلعات، والتى نتجت عن العولمة وثورة الاتصالات والمعرفة بحيث أصبح الكون قرية صغيرة وأصبح المواطن المصرى يشاهد بعينية مستوى معيشة المواطنين فى البلاد المتقدمة بل ومستوى معيشة المواطنين الأثرياء فى وطنه، وفى نفس الوقت لا يستطيع أن يجد عملاً كريماً أو أن يرفع من مستوى معيشته أو .. الخ، الأمر الذى يؤدى فى حالات الركود إلى مزيد من الاحتقان والتوتر، وهو ما يمكن تشبيهه بنار تحت الرماد.
وقد رصدت الحكومة المصرية 15 مليار جنيه لعلاج آثار الأزمة على الاقتصاد وإعطاء رسالة مطمئنة للسوق بأن فى مقدورها التدخل الفاعل بغرض تصحيح أيه اختلالات قد يتعرض لها إزاء الانفتاح على العالم الخارجى والالتزام بآليات السوق الحر، وهو المبلغ الذى يعتبره البعض بأنه قليل وغير كافى على محو الآثار السلبية للأزمة.
الأثر على القطاع المصرفى
شهد الجهاز المصرفى المصرى العديد من التطورات خلال الفترة الماضية بدأت مع إصدار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد (2003) والذى نص على ألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع بالكامل عن خمسمائة مليون جنيه وألا يقل رأس المال المخصص لنشاط فروع البنوك الأجنبية فى جمهورية مصر العربية عن 50 مليون دولار أمريكى أو ما يعادلها بالعملات الحرة، وبذلك تم رفع رأسمال البنوك العاملة فى مصر حتى تكون قادرة على مواجهة التحديات والمنافسة بعد تحرير الخدمات المصرفية.
وقد تم تطوير وإصلاح الجهاز المصرفى عبر أربعة محاور، هى: الخصخصة والاندماجات لتكوين كيانات ضخمة، وإعادة هيكلة البنوك العامة (مالياً وإدارياً)، وحل مشكلة الديون المتعثرة بالقطاع المصرفى، وأخيراً تعزيز الرقابة على البنوك من خلال تطوير قطاع الرقابة والإشراف بالبنك المركزى المصرى، وقد قطعت مصر خطوات هامة فى هذا المجال. كذلك كان للبنك المركزى دوراً حيوياً وفعالاً خلال الفترة الماضية وعمل على استقرار سوق النقد وسعر الصرف(عن طريق سياسة الانتربنك)، وأصدر العديد من القرارات والتعليمات الهامة والجادة التى تنظم العمل المصرفى منها إلزام فروع البنوك الأجنبية بعدم تحويل كل ودائعها للبنك الأم وأن يكون التحويل فى حدود 10% فقط من حجم الودائع وبذلك لا يُخشَى على الودائع الموجودة طرف فروع البنوك الأجنبية العاملة فى مصر من الضياع جراء الأزمة المالية العالمية وخسائر هذه البنوك الأجنبية فى موطنها الأصلى.
وقد جرى العرف المصرفى على أن البنك المركزى يضمن جميع الودائع الموجودة لدى كل البنوك العاملة فى مصر بما فيها فروع البنوك الأجنبية بنسبة 100%، وبالرغم من أنه لا يوجد نص فى القانون بذلك فإن هذا العرف المصرفى قد أخذ قوة القانون وهو ما صرح به البنك المركزى مراراً وتكراراً، الأمر الذى يؤكد الحفاظ على ودائع العملاء من الضياع ويعطى إشارة طمأنة لهم.
ولما كان عمل البنوك هو تلقى الودائع وتوظيفها(إقراضها)، ولما كانت الودائع مضمونة من قبل المركزى، فإنه ينبغى معرفة آثار الأزمة على جانب القروض والائتمان. وبداية يمكن القول بأنه وإن كانت الأزمة قد بدأت فى أمريكا بسبب التوسع غير المحسوب فى التمويل العقارى، فإن الوضع مختلف تماماً فى مصر ولن تتأثر البنوك المصرية بالقروض التى منحتها للتمويل العقارى لأن نظام التمويل السائد فى مصر( والذى أقره البنك المركزى المصرى) قائم على تحمل العميل نسبة تتراوح بين (25% - 30%) من قيمة العقار ويتحمل البنك النسبة المتبقية من قيمة العقار على أن يقوم العميل برهن العقار للبنك، وبهذه الطريقة فإن البنك يضمن استرداد أمواله حتى لو انخفضت قيمة العقار بنسبة 25%.
أما القروض الأخرى كالقروض الشخصية والقروض المقدمة لمجتمع الأعمال، فإن حالة الركود التى تشهدها البلاد بسبب الأزمة المالية (وما يستتبعها من عدم قدرة بعض العملاء على تصريف ما لديهم من مخزون أو عدم قدرة العملاء على تحصيل ما لديهم من مديونيات قبل عملاء آخرين أو أن يفقد بعض العاملين وظائفهم ومن ثم تنخفض دخولهم أو تنعدم .. الخ) قد تؤدى إلى حدوث حالات من التعثر وهذه الحالات قد تكون خارجة عن إرادة العميل وإنما نتيجة النشاط الاقتصادى العام. ولا ينبغى فى هذه الحالة تقطيع الرقاب كما حدث فى نهاية التسعينيات، وإنما يجب التفرقة بين العميل الجاد والملتزم وبين العميل الغير جاد، بحيث يمكن تشجيع العملاء الجادين ومساندتهم عن طريق جدولة المديونية أو إعطائهم فترة سماح أو .. الخ حتى يتمكن العملاء مرة أخرى من السداد واستعادة النشاط الاقتصادى لعافيته.
وفى حالات الركود فإن البنوك تمسك يدها ولا تقدم الائتمان خشية تعثر العملاء، وهذه السلوكيات إذا سادت فإنها تعمق الركود وتطيل مدة بقائه، لذا فإنه من المفيد فى هذه الحالة إن يشجع البنك المركزى البنوك العاملة على تقديم الائتمان الجيد لعملائها وإعادة جدولة القروض التى يتعثر أصحابها ذوى الجدارة الائتمانية الجيدة بسبب الركود. وحسناً فعل البنك المركزى حينما قرر إعفاء البنوك التى تمنح قروضاً وتسهيلات ائتمانية للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة من نسبة الاحتياطى البالغة 14% وذلك فى حدود ما يتم منحه منها اعتباراً من الأول من يناير 2009 ، لتشجيع البنوك على منح الائتمان لتلك الشركات والمنشآت.
وإن كانت الأزمة المالية قد جففت منابع السيولة فى البنوك بالخارج فإن الحالة مختلفة فى مصر، فالبنوك المصرية لا تعانى من مشكلة سيولة تتطلب خطة إنقاذ من جانب الحكومة وإنما يتوفر لديها سيولة كبيرة حيث أن التوظيفات (الإقراض والخصم) لم تتعدى 56% مما لديها من ودائع فى نهاية سبتمبر 2008 ، مقارنة بنحو 70.6% فى عام 2003، الأمر الذى يمكنها من استخدامها فى مواجهة متطلبات النشاط الاقتصادى.
ونظراً لما تتمتع به البنوك من سيولة ومقدرة على دراسة جدوى المشروعات، فإن بعض الاقتصاديين ينصحون بأن تشرع البنوك فى تنفيذ مشروعات استثمارية كبيرة زراعية وصناعية تسهم فى تنشيط الاقتصاد وتقلل من حدة الركود وتولد فرص عمالة إضافية وتحقق الأمان والربحية للبنوك، وبذلك تتحقق مصلحة البنوك والمجتمع معا.
وقد تتأثر ربحية البنوك نتيجة تراجع تسهيلات تمويل التجارة وبخاصة اعتمادات التصدير والاستيراد وما يرتبط بها من عمليات صرف أجنبى مما ينعكس على ايرادات البنوك من العمولات المحصلة والتى تمثل جانباً مهماً من مصادر ربحيتها، حيث بلغت نسبة الايرادات بخلاف الفوائد إلى متوسط الأصول نحو 2.8% خلال الفترة (يناير - يونيو2008 ، أى أعلى من نسبة صافى الدخل من الفوائد إلى متوسط الأصول والتى بلغت 1.3% فقط خلال نفس الفترة.
وثمة مخاطرة أخرى قد تتعرض لها البنوك المصرية تتمثل فى انكشاف أوضاع العملات الأجنبية، إذ أن الودائع بالعملات الأجنبية تمثل ما نسبته 25.28% من إجمالى الودائع فى نهاية أكتوبر 2008، كما أن صافى الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفى سجلت 260333 مليون جنيه وبلغت أرصدة البنوك المصرية ـ بخلاف البنك المركزى ـ لدى البنوك فى الخارج نحو 70676 مليون جم فى حين بلغت التزامات البنوك المصرية ـ بخلاف البنك المركزى ـ قبل البنوك فى الخارج نحو 19083 مليون جنيه.
والودائع بالعملات الأجنبية لابد من توظيفها ومن المنطقى أن يتم توظيف جزء منها بالداخل والجزء الآخر بالخارج، والتوظيفات فى الخارج تنطوى على قدر من المخاطر فى ظل ما تتعرض له المؤسسات المالية من انهيار. بالإضافة إلى ضعف العائد على استثمار الودائع الأجنبية بالخارج فى ظل تخفيض متتالى لأسعار الفائدة، فالبنك الفيدرالى الأمريكى قام بتخفيض سعر الفائدة على الإقراض لتتراوح ما بين 0% و 0.25% فى 16/12/2008، وتبعه المركزى البريطانى فى 8/1/2009 لتصبح أسعار الفائدة الرسمية عند 1.5% وهو أدنى مستوى لها منذ تأسيسه فى 1694م، وخفض البنك المركزى الأوروبى سعر الفائدة الرئيسى إلى 2% فى 15 /1/2009 ، أما المركزى اليابانى فابقى مؤخراً على سعر الفائدة عند0.1%
وهنا يثار تساؤل حول جدوى إبقاء المركزى المصرى على سعر الفائدة مرتفع عند 11.5% للإيداع و 13.5% للإقراض وسعر إعادة الخصم عند 11.5% .والإجابة تكمن فى أن المركزى يرى أن معدلات التضخم المحلية مازالت مرتفعة حيث سجلت 20.3% فى نوفمبر مقارنة بـ 20.2% فى أكتوبر 2008 وفقاً لأسعار المستهلكين، وهذا معناه أن سعر الفائدة الحقيقى بالسالب، أى نحو 9.5% ، أى أن الادخار بالسالب الأمر الذى يؤثر بالسلب على دخول طبقات كثيرة من المجتمع وبخاصة أصحاب المعاشات وكبار السن الذين يعيشون على عائد المدخرات.
وهنا تكون الحاجة ملحة لاستخدام أكثر من أداة لمحاربة التضخم، الذى يتوقع له أن ينخفض بسبب الأزمة المالية. ويلاحظ أن عددا من رجال الأعمال يطالبون بتخفيض سعر الفائدة حتى يكون ذلك دافعا على الاستثمار ومن ثم الخروج من حالة الركود. غير أن البعض يرى أن سعر الفائدة ليس هو الأساس فى الإقدام على الاستثمار إذ أنه قد يتم خفض سعر الفائدة ولكن المعوقات البيروقراطية لمنح القروض والحرص الزائد من البنوك فى فترات الركود قد تكون عائق أكبر من سعر الفائدة.
ويطالب رجال الأعمال أيضاً بتخفيض قيمة الجنيه لتشجيع الصادرات غير أن المركزى يرفض ذلك، لأن خفض قيمة الجنيه لن تترتب عليه زيادة محسوسة فى الصادرات لعدم مرونة الصادرات (بدرجة كبيرة) لسعر الصرف، إضافة لأن ذلك يمثل عبئاً على الواردات التى تمثل أضعاف الصادارات السلعية مما يهدد بانفجار التضخم فى الداخل.
إضافة لما سبق فإن صافى الاحتياطيات الدولية قد تأثرت بالأزمة وبالرغم من أنه يتم استثمارها فى أدوات آمنة إلا أنها قيمتها تأثرت بالانخفاض بما يقارب المليار دولار نتيجة الأزمة، فانخفضت قيمتها من 35024 مليون دولار فى نهاية سبتمبر، وهى تكفى لنحو 6.9 شهر من الواردات السلعية، إلى 34112 مليون دولار فى نهاية ديسمبر 2008، وهى تكفى لنحو 6.7 شهر من الواردات السلعية.
وفى النهاية، ونظراً لخطورة الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها والمخاطر التى قد يتعرض لها الاقتصاد المصرى والتى لم تتكشف بعد، فإن الكثير من الخبراء يطالب بإنشاء وحدة لادارة الأزمة ومتابعة تطوراتها لحظة بلحظة ودراسة تأثيراتها ذلك على الاقتصاد الوطنى ومن ثم التعامل مع الموقف بسرعة لأن الحالة لا تسمح بالتأخير.
* باحث في الشئون الاقتصادية

--------------------------------------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر