الثلاثاء، أغسطس 30

التحرك المصرى فى مواجهة القرصنة الصومالية


التحرك المصرى فى مواجهة القرصنة الصومالية

ســامح راشــد*
‏العدد 118 ‏: 12 يناير 2009

رغم القرارات الدولية والتحركات البحرية لعدد من الدول، لا تزال أزمة القرصنة البحرية في منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن مستمرة دون أفق واضح لكيفية إنهائها أو التعامل معها. وتباينت مواقف الدول والأطراف المعنية بتلك القضية سواء المشاطئة لمناطق القرصنة، أو مالكة السفن المهددة بها. ورغم الاتفاق على ضرورة إيجاد معالجة سريعة وحاسمة لمنع تلك الظاهرة من الاستمرار والتفاقم، إلا أن التحرك الحاصل حتى الآن لا يزال محدوداً وجزئياً، ولم يتمكن المجتمع الدولي بعد من التوصل إلى آلية ناجعة لتحقيق هذا الغرض، أو حتى وضع صيغة واحدة تتبعها الدول المعنية في مواجهة ذلك الإرهاب البحري.
وتندرج مصر ضمن أكثر الدول اهتماماً وانغماساً في تلك القضية، حيث تتأثر بها مباشرة فيما تتعرض له السفن المصرية المارة في مناطق القرصنة، وبشكل غير مباشر بتأثر الملاحة في قناة السويس، فضلاً عن التداعيات السلبية للقرصنة على الأمن الوطني المصري.
لذا فإن ثمة مصلحة أساسية لمصر في معالجة تلك المشكلة، ما يستدعي بدوره تحرك القاهرة ومبادرتها إلى اتخاذ إجراء عملي يحافظ على مصالحها، سواء بالتنسيق مع الأطراف الأخرى المعنية وكذلك الجهات الدولية ذات الاهتمام، أو بشكل منفرد إذا كان من شأن التنسيق والترتيب مع الأطراف الأخرى سيعطل الحركة المصرية المطلوبة، أو يحد من فعاليتها بما يفقدها جدواها.
أبعاد المشكلة
هناك حزمة متشابكة من الأبعاد المتداخلة في أزمة القرصنة البحرية المثارة حالياً، ومصر من الدول القليلة المهمومة بهذه الأبعاد معاً وليس بأحدها أو بعضها فقط، وهذه الأبعاد هي أيضاً التي تشكل حزمة المصالح/ المخاطر التي يفترض أن تتشكل بموجبها الموقف المصري والتحركات المصرية تجاه تلك القضية.
اقتصادياً: تمثل سلامة الملاحة الدولية في المناطق القريبة من البحر الأحمر مصلحة مباشرة لمصر في سلامة وأمن الملاحة في البحر الأحمر ذاته. ما يعني استمرار عائدات قناة السويس كممر مائي عالمي دون تأثر. وتأتي عائدات القناة ضمن أعلى ثلاثة مصادر للدخل القومي المصري، مع تحويلات العاملين المصريين بالخارج، والسياحة. ما يعني أن أي انخفاض في عائدات القناة يمس مباشرة الوضع الاقتصادي المصري بدءاً برصيد النقد الأجنبي، مروراً بالعجز في الموازنة، وانتهاء بخلل سياسات تخصيص الموارد وتمويل الإنفاق الحكومي سواء الخدمي أو الاستثماري.
وحتى نهاية ديسمبر 2008 لم يتضح بعد ما إذا كانت الخسائر التي تعرضت لها قناة السويس ناجمة عن عمليات القرصنة وبالتالي انخفاض حركة الملاحة ومرور السفن في القناة، أم بسبب الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على حركة التجارة الدولية. لكن الثابت أن عادات القناة شهدت انخفاضاً متتالياً في الربع الأخير من عام 2008 ( 469.6 مليون دولار في سبتمبر/ 467.5 مليون دولار في أكتوبر/ 419.8 مليون دولار في نوفمبر/ مليون دور في ديسمبر).
ووفقاً للخبراء والمتخصصين، فإن عائدات قناة السويس ستتأثر بشدة بعمليات القرصنة إذا استمرت تلك الظاهرة، وذلك استناداً إلى نوايا بعض كبرى الشركات الملاحية في العالم، التي أعلنت أنها بصدد التفكير في تغيير مسار سفنها التجارية من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح. ورغم التكلفة الأعلى والظروف المناخية والملاحية الأصعب في مسار رأس الرجاء مقارنة بالمرور في قناة السويس ثم البحر الأحمر، إلا أن ضمان وصول الشحنات البحرية بسلام قد يدفع الشركات المالكة للسفن وكذلك الدول والأطراف المستقبلة لتلك الشحنات إلى تحمل القدر المحسوب من المخاطرة والتكلفة، مقابل المغامرة غير محمودة العواقب بالمرور في منطقة بحرية غير آمنة.
وقد ظهرت بالفعل إشارات في ذلك الاتجاه، حيث حولت شركة إيه.بي مولر ـ مايرسك الدانماركية مسار جانب من أسطول ناقلاتها النفطية المكون من 50 ناقلة إلى رأس الرجاء الصالح بدلاً من القناة، وقالت رابطة إنترتانكو الملاحية الدولية إن شركات أخرى قامت بالخطوة ذاتها. بينما تدرس شركات أخرى اللجوء إلى تحويل مسار سفنها بعيداً عن القناة، منها فرونتلاين النرويجية التي تنقل جزءاً كبيراً من نفط الشرق الأوسط.
وإضافة إلى المردود السلبي المباشر لعمليات القرصنة على عائدات القناة، هناك أيضاً الفدية التي تطلبها جماعات القرصنة للإفراج عن السفن المختطفة. ففي حالة اختطاف سفن مصرية تكون الشركة المالكة للسفينة -سواء كانت حكومية أو خاصة- مطالبة بدفع الفدية التي تصل أحياناً إلى ملايين الدولارات حسب طبيعة وحمولة السفينة المختطفة، ما يمثل بدوره عبئاً اقتصادياً في حالة عدم التعامل مع الظاهرة أو إنهاء حالات الاختطاف بوسائل أخرى غير تلبية مطلب دفع الفدية.
استراتيجياً: نقصد بالبعد الاستراتيجي في قضية القرصنة، المستوى الممتد من التأثيرات والأوضاع المترتبة على تلك العمليات، ففي حالة استمرار القرصنة بوتيرتها الحالية دون مواجهة أو تحجيم، فسيعني ذلك نجاح جماعات القرصنة في تحويل منطقة خليج عدن وجنوب باب المندب إلى منطقة محظورة بحرياً، وهو ما يغري بدوره تلك الجماعات بتوسيع نشاطها ليشمل مناطق أخرى، ربما أكثر اقتراباً من مصر.. سواء قريباً من باب المندب، أو أقرب من ذلك داخل مياه البحر الأحمر ذاته.
ما يعني أن السيطرة الفعلية على ممر باب المندب -أي المدخل الجنوبي للبحر الأحمر- لن تقتصر على الأطراف الشرعية المخولة بذلك، أي الدول المطلة عليه. وهو ما سيتطلب ـ حينئذ ـ تدخلاً مباشراً ومواجهات مسلحة مع جماعات القرصنة، بما يعنيه ذلك من خلل في استقرار البحر الأحمر.
معنوياً: ربما لا يكون هذا البعد ظاهراً في المرحلة الحالية من احتدام الأزمة، لكنه يمثل أحد الأبعاد المهمة وسيتبلور بوضوح في المراحل التالية، سواء تم إنهاء المشكلة جذرياً وقُضي على عمليات القرصنة البحرية في القرن الإفريقي وخليج عدن، أو استمرت عمليات القرصنة واتخذت صفة الديمومة. وسيختلف بالطبع المردود المعنوي والنفسي على مصر في الحالتين، فالمكانة والثقل اللذان تتمتع مصر بهما كدولة كبيرة في المحيط الإقليمي، سيشهدان إما ازدهاراً وعنفواناً في الحالة الأولى، أو انحساراً وتقلصاً في الحالة الثانية.
وستظهر الأهمية السياسية لذلك البعد المعنوي، إذا ما تم التوصل مستقبلاً إلى صيغة ما أو تصور للأمن والاستقرار في البحر الأحمر، أو إذا فكرت الدول المطلة على البحر الأحمر في تكوين تجمع إقليمي أو منظمة خاصة بها. فعندها سيكون لهذا البعد دوره وتأثيره في وضعية وموقع كل من الدول المشاطئة للبحر داخل ذلك الكيان الجديد، بالإضافة ـ بالطبع ـ للاعتبارات الأخرى الخاصة بمقومات القوة الشاملة للدولة وتاريخها الدبلوماسي وقدراتها التنظيمية وغيرها من العوامل. لكن المتوقع أن يكون لأزمة القرصنة وطريقة تعامل الدول المعنية معها ـ ومن أهمها مصر ـ وللصورة الذهنية المترتبة على ذلك، انعكاس ملموس على وضعية وموقع كل دولة في أي ترتيبات أو أوضاع إقليمية تستجد مستقبلاً.
في ضوء ما سبق، من البداهة القول إن الوضع القائم في مياه خليج عدن وقرب السواحل الصومالية، يفرض أعباء حقيقية على السياسة المصرية بمختلف أدواتها الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية. بعض تلك الأعباء أصبح ماثلاً بالفعل وينتظر القيام به، وبعضها الآخر لا يزال قيد التبلور أو لم يظهر على السطح بعد. إلا أن تشابك أبعاد الأزمة وتسارعها في الأشهر بل الأسابيع الأخيرة من عام 2008، يجعل السياسة المصرية مطالبة بسرعة الاستجابة لمتطلبات الموقف الراهن، والتعجيل بالتحركات والخطوات المطلوبة للتعامل معه.
التحرك المصري.. القائم والمطلوب
لمصر موقف معلن من ظاهرة القرصنة البحرية التي تفاقمت مؤخراً، ويمكن رصد بعض الملاحظات عليه تتلخص في:
* تأخر التحرك السياسي المصري للتفاعل مع ظاهرة القرصنة، إلى ما بعد تعرض سفينة مصرية للاختطاف، على الرغم من وجود الظاهرة من عدة سنوات، وتفاقمها بشكل ملحوظ خلال عام 2008، حتى أن عمليات اختطاف السفن تجاوزت 80 حالة حتى نهاية شهر نوفمبر 2008. وقد بدأ التحرك المصري بدعوة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر لاجتماع تشاوري، وذلك مطلع نوفمبر 2008، في وقت كانت عدة دول أجنبية قد شرعت بالفعل في إرسال سفن حربية وقطعاً من أساطيلها لمواجهة عمليات القرصنة.
* تذبذب الموقف المصري بشأن فكرة التحرك العسكري لمواجهة ظاهرة القرصنة، بين الامتناع عن تحديد موقف واضح، إلى إبداء إمكانية التدخل عسكرياً، إلى ترشيد هذا الاحتمال وربطه بأن يكون التحرك جماعياً تحت مظلة الأمم المتحدة.
غلب على الخطاب المصري الميل إلى تطمين الرأي العام الداخلي، وذلك بالتركيز على عدم وجود أية تهديدات أو مخاطر على مصر، وأن عمليات القرصنة بعيدة عن مصر. وهو خطاب غير ملائم، حيث حدد مخاطر القرصنة في مدى اقترابها من سواحل الدولة أو مياهها الإقليمية، ما يعكس اجتزاءً لمفهوم الأمن الوطني، وقصره على تأمين المساحة الجغرافية الخاصة بالدولة أو النطاق الحيوي المباشر لها على أقصى تقدير. ووضح قصور ذلك الخطاب وعدم واقعيته مع تعرض سفينة مصرية للاختطاف والاضطرار إلى دفع الفدية للإفراج عنها.
يحسب للسياسة المصرية، إدراكها الأسباب الأصلية لتنامي ظاهرة القرصنة، حيث تركز مصر دائماً على ضرورة حل المشكلة الصومالية وإعادة بناء الدولة الصومالية، حيث كان انهيارها وتفكك أوصالها سبباً جوهرياً فيما آلت إليه الأوضاع على السواحل الصومالية.
يمكن القول إن السياسة المصرية تجاه ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن وأمام السواحل الصومالية، قد اتسمت إلى حد كبير بالبطء وعدم الاستجابة السريعة -الضرورية في هذه الحالات- لتطورات الموقف. فضلاً عما يعنيه ذلك من غياب المبادرة وافتقاد سمة أو ميزة الاستباق في التفاعل مع مستجدات البيئة الخارجية.
بالتالي، على السياسة المصرية إعادة النظر في طريقة إدارة أزمة القرصنة. ونقطة البداية في ذلك هو مراجعة توصيف الظاهرة أو المشكلة القائمة واعتبارها بالفعل أزمة كان يفترض التعامل معها من هذا المنطلق من البداية، بل وقبل ذلك عندما كانت لا تزال مجرد عمليات محدودة.
وعلى سبيل المثال، كان من المتاح أمام القاهرة فتح قنوات اتصال مباشر مع الفصائل والقوى الصومالية المسيطرة على المناطق التي تنطلق منها جماعات القرصنة، مثل إقليم بونت لاند الذي يقع فيه ميناء آيل وهو محطة الانطلاق الرئيسية لجماعات القرصنة. وكانت الفرصة ملائمة للتعامل مع الفصائل الصومالية المختلفة في ضوء خروج القوات الإثيوبية والفراغ السياسي والعسكري المترتب على ذلك.
بشكل عام، ربما يتوجب على جهات وأجهزة التخطيط وصنع القرارات الاستراتيجية بوجه خاص، وقرارات السياسة الخارجية بوجه عام، تطوير الرؤى والتقديرات التقليدية الخاصة بالمصالح المصرية وبالتالي للتهديدات والمخاطر المحتملة عليها. على أن يستتبع ذلك بدوره تضييق المسافة الفاصلة بين توصيف أو تقدير الموقف، والإجراء العملي الواجب اتخاذه. بحيث يكون الإجراء أو التحرك أكثر سرعة وتوافقاً مع متطلبات الموقف أو الأزمة القائمة.
*نائب مدير تحرير مجلة السياسة الدولية samehrashed@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مدونة نهضة مصر