الدين والنحت.. التماثيل في القرآن الكريم!
الدين والنحت.. التماثيل في القرآن الكريم!
منذ سنوات ظهرت فتاوي تتحدث عن تحريم الفن عامة والنحت خاصة, منها تحريم استخدام التماثيل للزينة في المنازل, وفي رد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أجاز فيه صناعة التماثيل إن كان القصد منها تنشيط السياحة وإظهار حضارة وتاريخ الأمم وليس بغرض التعبد بها أو التعظيم لها.
ويعتبر ما سبق ردا علي أسئلة من بعض طلاب كليات الفنون عن مدي مشروعية الإلتحاق بأقسام النحت بها, يحدث هذا في مصر صاحبة أقدم حضارة, في دولة علمت العالم منذ7000 سنة فن نحت التماثيل والتي يأتي اليوم الملايين من السياح لمشاهدتها والتي لا تعني عند المصريين أكثر من قيمتها الجمالية. حدث ذلك بعد ظهور الإسلاميين الذين يكرهون الفنون ويحرمونها, والكراهية تشمل كل أنواع الفنون من تمثيل ورسم ونحت وموسيقي وغناء, يحرمونها لدرجة أن يجعلوا الناس يقومون بتأنيب ضمائرهم علي استمتاعهم بالفنون فيبحثون عن التوبة والكفارة. تمثل ذلك في الدعوة التي أطلقها أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية لهدم الأهرام وأبي الهول والتماثيل لأن المسلمين حسب قوله مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع, خاصة وأن صاحب الدعوة شارك في تحطيم تمثال بوذا في أفغانستان عام2001 ضد ما أقرته منظمة اليونسكو في عام1972 من اتفاقية لحماية التراث العالمي والتي تلزم الدول أعضاء الأمم المتحدة بالمحافظة علي التراث. ونفهم معاداة الإسلاميين للتماثيل من نص للمؤرخ المصري المقريزي في القرن15 م:' أن سبب كسر الأنف والتشويه الذي يظهر في وجه أبي الهول يرجع إلي تخريب شخص متعصب يسمي محمد صائم الدهر, في نحو عام780 هـ بدعوي تغيير المنكرات, وظنا منه أن هذا الفعل من جملة القربات والأعمال الصالحات', وقد فعل ذلك متأثرا بفتوي لأبي حامد الغزالي دعا فيها تلاميذه إلي تشويه التماثيل لأن' مشاهدتها منكرة وغير جائزة', مع أن الله تعالي لم يحرم التماثيل أو الفنون.
ويستند الإسلاميون إلي واقعتين وهما تحطيم النبي ابراهيم عليه السلام للأصنام, وتحطيم النبي محمد عليه الصلاة والسلام للأصنام حول الكعبة بعد فتح مكة, والقرآن الكريم سجل الواقعة الأولي في قصة النبي ابراهيم:( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم..) الأنبياء58, لأن العبرة من الواقعة في إنكاره عليه السلام علي قومه جعل التماثيل أصناما معبودة, واعتقادهم أن تلك الآلهة المزعومة هي التي تنفع وتضر, فكسرها ليثبت أنها مجرد أحجار صماء.
ولم يسجل القرآن الكريم الواقعة الثانية في الحديث عن فتح مكة:( إذا جاء نصر الله والفتح) النصر1, لأن تحطيم النبي عليه الصلاة والسلام للأصنام حول الكعبة يعتبر رمزا لانتهاء عهد عبادة الأصنام وأن العبادة لا تكون إلا لله تعالي وحده.
أما في قصة النبي سليمان:( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل..) سبأ13, فالجن كانوا يصنعون له تماثيل تستخدم للزينة, ومن هنا نفهم قوله تعالي:(.. فاجتنبوا الرجس من الأوثان..) الحج30, فالتماثيل ليست حراما في ذاتها علي أن تظل مجرد تماثيل ولكن بدون عبادتها مثل ما قال النبي إبراهيم:( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا..) العنكبوت17, فالكهنة يؤلفون الأساطير عن التماثيل لتصبح معبودة. فقد كان قوم النبي ابراهيم عليه السلام يعبدون التماثيل:( قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) الأنبياء66-..67 لقد قام بتكسير أصنامهم وترك أكبرها حجما ليجعله مسئولا عن تدمير باقي الأصنام, فأدرك قومه أن دفاعهم عن الأصنام هو دفاع عن سلطتهم, ولذلك يجب أن يكون الحكم قاتلا بإحراق ابراهيم ليكون عبرة لكل من يفكر.
وقد اعتبر المتشددون الإبداع الفني مشاركة لاختصاصات الله في الخلق, وجعلوا له عقوبة أخروية تتوعد الفنانين من المصورين والنحاتين بالعذاب, مع أن الفنون من مواهب النفس الإنسانية من الله تعالي, وهي من الأدوات التي يمكننا استخدامها في الارتقاء بأخلاق الناس ونشر الثقافة والمعرفة ودعم التفكير الإيجابي بينهم. أما الأفكار المتشددة فجعلت من التدين أداة للتخلف, وكراهية الجمال حتي لا يحب الدنيا مع أن الله يقول:( ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) النحل6, ومع أنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:' إن الله جميل يحب الجمال', إلا أن المتشددين اعتمدوا علي تحريم الفنون بناء علي ما انتقوه من بعض الروايات لأن ثقافتهم تعتمد علي فكر الاتباع والتقليد وتقوم علي التحريم.
والنتيجة أن زاد النفور بين الناس بديلا عن التسامح, والكراهية بدل المحبة, وتأنيب الضمير بدل السلام مع النفس, وبذلك صارت مهمة المتشددين تعقيد الدين مع أنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:' يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا'.
إن ثقافة التشدد تتعارض مع الاستمتاع بالفنون, وبالتالي جعلوا الناس يعتقدون أن الدين ضد السعادة وأن الله يمقت الضحك, حتي أن المتشددين عندما يضحكون يقولون اللهم لا تمقتني, متوهمين أن الله يحب الحزن والكآبة مع أنه تعالي قال:( وأنه هو أضحك وأبكي) النجم43, إنهم يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون الطريق إلي الجنة, وأن الدنيا مجرد جسر للآخرة وكل ما يثير عند الإنسان حب الدنيا يقلل من حب الآخرة.
أما عن الادعاء بأننا مكلفون بتدمير آثار الأمم السابقة فهو ادعاء مردود عليه, قال تعالي:( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض..) غافر21, لقد عاشت أمم سابقة عبدت الأصنام وبقيت أصنامهم ومعابدهم آثارا مهجورة, ومع ذلك لم يأمر تعالي بتدميرها بل أمر بالسير في الأرض والبحث في تلك الآثار للعبرة.
* صحفي وباحث في الدراسات الإسلامية
ويعتبر ما سبق ردا علي أسئلة من بعض طلاب كليات الفنون عن مدي مشروعية الإلتحاق بأقسام النحت بها, يحدث هذا في مصر صاحبة أقدم حضارة, في دولة علمت العالم منذ7000 سنة فن نحت التماثيل والتي يأتي اليوم الملايين من السياح لمشاهدتها والتي لا تعني عند المصريين أكثر من قيمتها الجمالية. حدث ذلك بعد ظهور الإسلاميين الذين يكرهون الفنون ويحرمونها, والكراهية تشمل كل أنواع الفنون من تمثيل ورسم ونحت وموسيقي وغناء, يحرمونها لدرجة أن يجعلوا الناس يقومون بتأنيب ضمائرهم علي استمتاعهم بالفنون فيبحثون عن التوبة والكفارة. تمثل ذلك في الدعوة التي أطلقها أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية لهدم الأهرام وأبي الهول والتماثيل لأن المسلمين حسب قوله مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع, خاصة وأن صاحب الدعوة شارك في تحطيم تمثال بوذا في أفغانستان عام2001 ضد ما أقرته منظمة اليونسكو في عام1972 من اتفاقية لحماية التراث العالمي والتي تلزم الدول أعضاء الأمم المتحدة بالمحافظة علي التراث. ونفهم معاداة الإسلاميين للتماثيل من نص للمؤرخ المصري المقريزي في القرن15 م:' أن سبب كسر الأنف والتشويه الذي يظهر في وجه أبي الهول يرجع إلي تخريب شخص متعصب يسمي محمد صائم الدهر, في نحو عام780 هـ بدعوي تغيير المنكرات, وظنا منه أن هذا الفعل من جملة القربات والأعمال الصالحات', وقد فعل ذلك متأثرا بفتوي لأبي حامد الغزالي دعا فيها تلاميذه إلي تشويه التماثيل لأن' مشاهدتها منكرة وغير جائزة', مع أن الله تعالي لم يحرم التماثيل أو الفنون.
ويستند الإسلاميون إلي واقعتين وهما تحطيم النبي ابراهيم عليه السلام للأصنام, وتحطيم النبي محمد عليه الصلاة والسلام للأصنام حول الكعبة بعد فتح مكة, والقرآن الكريم سجل الواقعة الأولي في قصة النبي ابراهيم:( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم..) الأنبياء58, لأن العبرة من الواقعة في إنكاره عليه السلام علي قومه جعل التماثيل أصناما معبودة, واعتقادهم أن تلك الآلهة المزعومة هي التي تنفع وتضر, فكسرها ليثبت أنها مجرد أحجار صماء.
ولم يسجل القرآن الكريم الواقعة الثانية في الحديث عن فتح مكة:( إذا جاء نصر الله والفتح) النصر1, لأن تحطيم النبي عليه الصلاة والسلام للأصنام حول الكعبة يعتبر رمزا لانتهاء عهد عبادة الأصنام وأن العبادة لا تكون إلا لله تعالي وحده.
أما في قصة النبي سليمان:( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل..) سبأ13, فالجن كانوا يصنعون له تماثيل تستخدم للزينة, ومن هنا نفهم قوله تعالي:(.. فاجتنبوا الرجس من الأوثان..) الحج30, فالتماثيل ليست حراما في ذاتها علي أن تظل مجرد تماثيل ولكن بدون عبادتها مثل ما قال النبي إبراهيم:( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا..) العنكبوت17, فالكهنة يؤلفون الأساطير عن التماثيل لتصبح معبودة. فقد كان قوم النبي ابراهيم عليه السلام يعبدون التماثيل:( قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) الأنبياء66-..67 لقد قام بتكسير أصنامهم وترك أكبرها حجما ليجعله مسئولا عن تدمير باقي الأصنام, فأدرك قومه أن دفاعهم عن الأصنام هو دفاع عن سلطتهم, ولذلك يجب أن يكون الحكم قاتلا بإحراق ابراهيم ليكون عبرة لكل من يفكر.
وقد اعتبر المتشددون الإبداع الفني مشاركة لاختصاصات الله في الخلق, وجعلوا له عقوبة أخروية تتوعد الفنانين من المصورين والنحاتين بالعذاب, مع أن الفنون من مواهب النفس الإنسانية من الله تعالي, وهي من الأدوات التي يمكننا استخدامها في الارتقاء بأخلاق الناس ونشر الثقافة والمعرفة ودعم التفكير الإيجابي بينهم. أما الأفكار المتشددة فجعلت من التدين أداة للتخلف, وكراهية الجمال حتي لا يحب الدنيا مع أن الله يقول:( ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) النحل6, ومع أنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:' إن الله جميل يحب الجمال', إلا أن المتشددين اعتمدوا علي تحريم الفنون بناء علي ما انتقوه من بعض الروايات لأن ثقافتهم تعتمد علي فكر الاتباع والتقليد وتقوم علي التحريم.
والنتيجة أن زاد النفور بين الناس بديلا عن التسامح, والكراهية بدل المحبة, وتأنيب الضمير بدل السلام مع النفس, وبذلك صارت مهمة المتشددين تعقيد الدين مع أنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:' يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا'.
إن ثقافة التشدد تتعارض مع الاستمتاع بالفنون, وبالتالي جعلوا الناس يعتقدون أن الدين ضد السعادة وأن الله يمقت الضحك, حتي أن المتشددين عندما يضحكون يقولون اللهم لا تمقتني, متوهمين أن الله يحب الحزن والكآبة مع أنه تعالي قال:( وأنه هو أضحك وأبكي) النجم43, إنهم يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون الطريق إلي الجنة, وأن الدنيا مجرد جسر للآخرة وكل ما يثير عند الإنسان حب الدنيا يقلل من حب الآخرة.
أما عن الادعاء بأننا مكلفون بتدمير آثار الأمم السابقة فهو ادعاء مردود عليه, قال تعالي:( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض..) غافر21, لقد عاشت أمم سابقة عبدت الأصنام وبقيت أصنامهم ومعابدهم آثارا مهجورة, ومع ذلك لم يأمر تعالي بتدميرها بل أمر بالسير في الأرض والبحث في تلك الآثار للعبرة.
* صحفي وباحث في الدراسات الإسلامية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق