سد النهضة أم سد النكسة؟
سد النهضة أم سد النكسة؟
علي مدي الأسبوعين الماضيين عاشت مصر أزمة مستحكمة بشأن ملف نهر النيل.
صحيح أنها ليست الأزمة الأولي المتعلقة بهذا الملف إلا أنها كشفت عن واقع متفاقم ومتشابك ومختلط, كثير منه خفي وقليل منه معلوم, بدءا بالبيانات المتعارضة والمعلومات الخاطئة, مرورا بالتصريحات غير المسئولة والسياسات غير الرشيدة والمطالبات غير الواقعية, وصولا إلي رؤية ضبابية في التعامل مع واحدة من اخطر ملفات الامن القومي المصري, وهو ما يرجع الي أمرين: الأول, الدور المشين الذي لعبه النظام السابق في تعامله مع القارة الإفريقية بصفة عامة ودول حوض النيل علي وجه الخصوص ودولة إثيوبيا تحديدا, وذلك منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم, وهو ما ادي الي غياب مصر كلية عن القارة ومشكلاتها وقضاياها الي الحد الذي يمكن وصفه بتصاعد النظرة السلبية لموقف كل طرف تجاه الآخر. الثاني, سوء الإدارة التي اتسم بها النظام الحالي لملف حوض النيل, صحيح ان نظام ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ليس مسئولا عن الازمة وأبعادها المتفاقمة, إلا أنه مسئول عن إدارة الأزمة. فغياب الإدارة الرشيدة لتلك الأزمة ساعد علي تفاقمها; يدلل علي ذلك أنه عقب إسقاط النظام البائد نجحت الدبلوماسية الشعبية في تأجيل هذه الأزمة وتهدئة الأوضاع لحين انتخاب اول رئيس مدني لمصر ما بعد الثورة, إلا أن سوء الإدارة لعلاقات مصر في أهم قضاياها الخارجية يظل السبب الجوهري في تفاقم تلك الأزمة. وفي ضوء ذلك, يمكن القول إن معالجة أزمة حوض النيل لن تكون عن طريق حوارات وطنية تكشف عدم الإدراك لخطورة الموقف وتداعياته بقدر ما تكشف عن سوء إدارة لتلك الأزمة, فصحيح أن مواجهة المخاطر الخارجية والتحديات الداخلية تتطلب قدرا من التوافق المجتمعي الناجم عن حوار وطني حقيقي يستمع فيه الي مختلف الآراء والافكار وصولا إلي تفاهمات تعلي من قدر المصلحة الوطنية وتواجه جميع التهديدات الداخلية والخارجية, إلا أنه من غير المعقول أن تدار شئون السياسة الخارجية والقضايا الأمنية علي غرار ما حدث في الحوار الوطني الذي دعت اليه الرئاسة وتمت إذاعته علي الهواء دون الأخذ في الاعتبار حساسية القضية وخطورتها.
واتساقا مع هذا, تصبح الدعوة التي أطلقها البعض حول اللجوء إلي القوة العسكرية في الحفاظ علي حقوق مصر ومكتسباتها التاريخية في مياه النيل, دعوة غير عاقلة, وتنم عن سوء فهم وعدم إدراك لمآلاتها, فإذا كان صحيحا أن اللجوء إلي هذه الخطوة ممكن من الناحية النظرية, إلا أنه من الصحيح أيضا أن التاريخ لم يسجل نجاحا يذكر في إدارة الموارد المائية بالقوة العسكرية هذا من ناحية. ومن ناحية أخري, يعني اللجوء إلي هذه الوسيلة فتح الباب لحروب العصابات وسياسة التخريب لجميع منشآت النهر لدي الأطراف كافة. يضاف إلي سوء الفهم في هذه النقطة, دور غير وطني تلعبه بعض وسائل الإعلام المصرية في إثارة البلبلة وخلط الأوراق وتغييب الحقائق بشأن الأزمة وأبعادها, متعارضا بذلك مع طبيعة الدور المحوري للإعلام والمتمثل في إيجاد وعي صحيح لدي الرأي العام بالقضايا المجتمعية, فبدلا من أن يلعب الاعلام دورا في تصحيح الصورة حول الأزمة ومحاولة تقريب وجهات النظر نجده يبحث عن عناوين ومانشيتات براقة تزيد الأزمة تعقيدا واشتعالا من قبيل استخدام مصطلحات حق الفيتو كحق مصري أصيل في اتفاقيات النيل, فرغم ما يحمله هذا المصطلح من سمعة سيئة لدي دول العالم الثالث لدلالته حول فرض الهيمنة والسيطرة علي الأطراف الضعيفة في النظام الدولي, إلا أنه غير صحيح من ناحية حق مصر القانوني, فهناك فارق بين حق الفيتو علي غرار المعمول به في مجلس الأمن, وبين حق الإخطار المسبق للدول الأطراف في حوض النيل, فالأول يعطي لصاحبه سلطة مطلقة في وقف أي قرار يتخذ لا يتفق مع مصالحه دون إبداء أي أسباب أو مبررات لبقية الأطراف, في حين أن الإخطار المسبق يعطي لمصر الحق في مناقشة القضية مع الطرف المعني وصولا إلي حلول تحقق مصلحة الطرفين معا, علي غرار ما حدث في إنشاء سد أوين بأوغندا في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم.
إن أزمة حوض النيل كشفت عن غياب الرؤية الصحيحة والإستراتيجية المناسبة لدي صانع القرار في إدارة واحدة من أخطر أزمات الأمن القومي المصري, تلك الرؤية التي تنطلق في الأساس من قاعدة أولية مفادها ضرورة حدوث توافق بين الأطراف المعنية كافة, فصحيح أن لدول المصب حقوقا تاريخية ومكتسبات واقعية بمقتضي الاتفاقات المنظمة لاستغلال النهر والاستفادة من موارده وبمقتضي الاتفاقات الدولية الخاصة بقانون المعاهدات وتلك الخاصة بقواعد التوارث الدولي, وصحيح أيضا أن لدول المنبع حقوقا في التنمية والانتفاع بمياه النيل والاستخدام العادل والمنصف لمياهه. وأن تجاهل هذه الحقيقة لا يعني سوي أن المستقبل يحمل غموضا خطرا لدول النهر كافة.
صحيح أنها ليست الأزمة الأولي المتعلقة بهذا الملف إلا أنها كشفت عن واقع متفاقم ومتشابك ومختلط, كثير منه خفي وقليل منه معلوم, بدءا بالبيانات المتعارضة والمعلومات الخاطئة, مرورا بالتصريحات غير المسئولة والسياسات غير الرشيدة والمطالبات غير الواقعية, وصولا إلي رؤية ضبابية في التعامل مع واحدة من اخطر ملفات الامن القومي المصري, وهو ما يرجع الي أمرين: الأول, الدور المشين الذي لعبه النظام السابق في تعامله مع القارة الإفريقية بصفة عامة ودول حوض النيل علي وجه الخصوص ودولة إثيوبيا تحديدا, وذلك منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم, وهو ما ادي الي غياب مصر كلية عن القارة ومشكلاتها وقضاياها الي الحد الذي يمكن وصفه بتصاعد النظرة السلبية لموقف كل طرف تجاه الآخر. الثاني, سوء الإدارة التي اتسم بها النظام الحالي لملف حوض النيل, صحيح ان نظام ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ليس مسئولا عن الازمة وأبعادها المتفاقمة, إلا أنه مسئول عن إدارة الأزمة. فغياب الإدارة الرشيدة لتلك الأزمة ساعد علي تفاقمها; يدلل علي ذلك أنه عقب إسقاط النظام البائد نجحت الدبلوماسية الشعبية في تأجيل هذه الأزمة وتهدئة الأوضاع لحين انتخاب اول رئيس مدني لمصر ما بعد الثورة, إلا أن سوء الإدارة لعلاقات مصر في أهم قضاياها الخارجية يظل السبب الجوهري في تفاقم تلك الأزمة. وفي ضوء ذلك, يمكن القول إن معالجة أزمة حوض النيل لن تكون عن طريق حوارات وطنية تكشف عدم الإدراك لخطورة الموقف وتداعياته بقدر ما تكشف عن سوء إدارة لتلك الأزمة, فصحيح أن مواجهة المخاطر الخارجية والتحديات الداخلية تتطلب قدرا من التوافق المجتمعي الناجم عن حوار وطني حقيقي يستمع فيه الي مختلف الآراء والافكار وصولا إلي تفاهمات تعلي من قدر المصلحة الوطنية وتواجه جميع التهديدات الداخلية والخارجية, إلا أنه من غير المعقول أن تدار شئون السياسة الخارجية والقضايا الأمنية علي غرار ما حدث في الحوار الوطني الذي دعت اليه الرئاسة وتمت إذاعته علي الهواء دون الأخذ في الاعتبار حساسية القضية وخطورتها.
واتساقا مع هذا, تصبح الدعوة التي أطلقها البعض حول اللجوء إلي القوة العسكرية في الحفاظ علي حقوق مصر ومكتسباتها التاريخية في مياه النيل, دعوة غير عاقلة, وتنم عن سوء فهم وعدم إدراك لمآلاتها, فإذا كان صحيحا أن اللجوء إلي هذه الخطوة ممكن من الناحية النظرية, إلا أنه من الصحيح أيضا أن التاريخ لم يسجل نجاحا يذكر في إدارة الموارد المائية بالقوة العسكرية هذا من ناحية. ومن ناحية أخري, يعني اللجوء إلي هذه الوسيلة فتح الباب لحروب العصابات وسياسة التخريب لجميع منشآت النهر لدي الأطراف كافة. يضاف إلي سوء الفهم في هذه النقطة, دور غير وطني تلعبه بعض وسائل الإعلام المصرية في إثارة البلبلة وخلط الأوراق وتغييب الحقائق بشأن الأزمة وأبعادها, متعارضا بذلك مع طبيعة الدور المحوري للإعلام والمتمثل في إيجاد وعي صحيح لدي الرأي العام بالقضايا المجتمعية, فبدلا من أن يلعب الاعلام دورا في تصحيح الصورة حول الأزمة ومحاولة تقريب وجهات النظر نجده يبحث عن عناوين ومانشيتات براقة تزيد الأزمة تعقيدا واشتعالا من قبيل استخدام مصطلحات حق الفيتو كحق مصري أصيل في اتفاقيات النيل, فرغم ما يحمله هذا المصطلح من سمعة سيئة لدي دول العالم الثالث لدلالته حول فرض الهيمنة والسيطرة علي الأطراف الضعيفة في النظام الدولي, إلا أنه غير صحيح من ناحية حق مصر القانوني, فهناك فارق بين حق الفيتو علي غرار المعمول به في مجلس الأمن, وبين حق الإخطار المسبق للدول الأطراف في حوض النيل, فالأول يعطي لصاحبه سلطة مطلقة في وقف أي قرار يتخذ لا يتفق مع مصالحه دون إبداء أي أسباب أو مبررات لبقية الأطراف, في حين أن الإخطار المسبق يعطي لمصر الحق في مناقشة القضية مع الطرف المعني وصولا إلي حلول تحقق مصلحة الطرفين معا, علي غرار ما حدث في إنشاء سد أوين بأوغندا في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم.
إن أزمة حوض النيل كشفت عن غياب الرؤية الصحيحة والإستراتيجية المناسبة لدي صانع القرار في إدارة واحدة من أخطر أزمات الأمن القومي المصري, تلك الرؤية التي تنطلق في الأساس من قاعدة أولية مفادها ضرورة حدوث توافق بين الأطراف المعنية كافة, فصحيح أن لدول المصب حقوقا تاريخية ومكتسبات واقعية بمقتضي الاتفاقات المنظمة لاستغلال النهر والاستفادة من موارده وبمقتضي الاتفاقات الدولية الخاصة بقانون المعاهدات وتلك الخاصة بقواعد التوارث الدولي, وصحيح أيضا أن لدول المنبع حقوقا في التنمية والانتفاع بمياه النيل والاستخدام العادل والمنصف لمياهه. وأن تجاهل هذه الحقيقة لا يعني سوي أن المستقبل يحمل غموضا خطرا لدول النهر كافة.